الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (24).. التطهير العرقي في فلسطين أعوام (49-48-47)19..(ج2)

خالد أبو شرخ

2011 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


(( ملاحظة أولية : حتى لا نُتَهم بالإبتعاد عن الموضوعية والإنحياز والترويج للروايات العربية فقط, إعتمدنا في مبحثنا هذا على الكتابات الإسرائيلية, مثل مذكرات "بن غوريون", وكتاب " التطهير العرقي في فلسطين " للمؤرخ الإسرائيلي "إيلان بابه", وكتاب " طرد الفلسطينين" للمؤرخ الإسرائيلي "بني موريس", وكتاب " ميلاد إسرائيل " للمؤرخ الإسرائيلي "سمحا فلابان", وكتابات جنود وضباط إسرائيليين شاركوا في حرب عام 1948م . ))

التطهير العرقي في فلسطين أعوام (47-48-49)19م (2) .

أفرزت الحرب بمرحلتيها " الفلسطينيية – اليهودية " و " العربية – الإسرائيلية ", ما صار يعرف بإسم النكبه, وتعبير نكبة وإن حمل معاني كثيرة, إلا أنه تعبير مخفف في وصف ما جرى .
أفرزت الحرب عملية تطهير عرقي للشعب الفلسطيني, تعتبر واحدة من أبشع عمليات التطهير العرقي, التي حدثت في التاريخ القريب .
أفرزت الحرب إقتلاع أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني, من بيوتهم ومزارعهم ومتاجرهم ومصانعهم, من قراهم وبلداتهم ومدنهم, وقذفت بهم إلى تيه الشتات .
طرحت مزاعم وتبريرات مختلفة, حول أسباب ومسببات خروج الفلسطينين, ونزوحهم ولجوئهم .
الدعاية الصهيونية نجحت في تضليل الرأي العام, زاعمة أن هروب الفلسطينيين, مرده أسباب لاعلاقة لعمليات القوات اليهودية بها .
رددت مزاعم عديدة عن إنسانيتها, وعن رفض الفلسطينيين الهاربين الإمساك, باليد التي مدتها القيادات الصهيونية لمساعدتهم .
زعمت أن الهروب جاء تلبية لنداءات, زعامات الفلسطينيين والزعامات العربية, وإستجابة لأوهام حول العودة القريبة والمنتظرة .
تظاهرت القيادة الصهيونية, بالطهارة والتمسك بالقيم الإنسانية, وقيم العدالة, وركزت على ما أسمته طهارة السلاح اليهودي, وإنسانية جنوده وضباطه .
المؤرخ الإسرائيلي " إيلان بابه " وعلى طول 6 صفحات (133-136) من كتابه " التطهير العرقي في فلسطين", يروي وقائع متناقضة ومنافية لمزاعم الصهيونية .
يروي حكايات عن قيام الجنود اليهود, بعمليات النهب والسلب والسرقة, وإرتكاب جرائم القتل الوحشي, وإغتصاب النساء بعد تجريدهن من مصاغهن, حتى الحلية الأخيرة, وقتلهن بعد ذلك .
ما يقدمه " إيلان بابه " موثقة في تقارير مندوبي الأمم المتحدة, ووثائق الجيش الإسرائيلي, وإعترافات مرتكبي الجرائم بعد مرورالوقت الكافي .

جرائم التطهير العرقي, نقلت الفلسطينيين إلى تيه الشتات, حلوا محل اليهود في هذا المجال, وتفرقوا في دول الجوار العربي, لبنان وسوريا والأردن و العراق ومصر وفي ما تبقى من فلسطين والذي أصبح يعرف بإسم الضفة الغربية وقطاع غزة .
تضاربت الأرقام فيما يخص العدد الفعلي لهؤلاء اللاجئين, الزعامات العربية عمدت إلى تضخيم العدد ليتجاوز ال800 ألف لاجيء, والقيادة الصهيونية عمدت إلى تقليل العدد إلى 550 ألف لاجيء, وإحصائيات الأمم المتحدة قدمت أرقاما مخالفة للطرفين, تراوحت بين 700 إلى 750 ألف لاجيء .
ترك اللاجئون بيوتهم, أملاكهم, مزارعهم, متاجرهم, مصانعهم ومدخراتهم البنكية, وكان ذلك بمثابة الغنيمة الدسمة للدولة اليهودية الناشئة, والتي كانت بحاجة لإعطاء الرأي العام العالمي مبررات, ليسهل عليها إلتهام هذه الغنيمة الكبيرة, في زمن يرفض قانونية وأخلاقية غنيمة الحرب, فعمدت إلى سن القوانين والتشريعات التي تبرر سلب ممتلكات الفلسطينيين, مثل قانون حارس املاك الغائبين, وقانون أملاك الحاضر الغائب, والحجز القضائي .

ومثل أعداد اللاجئين, تضاربت التقديرات حول قيمة الأملاك المتروكه, وعن حجمها وكيفية إبتلاعها من قبل دولة إسرائيل الناشئة.
المؤرخ الإسرائيلي " سمحا فلابان " أشار إلى ما وصفه بالحساب المفصل, الذي قدمه " جوزيف شيشتمان " صاحب إسطورة الهروب الطوعي للعرب, حيث جاء في تقرير " شيشتمان " :" حجم الممتلكات كبير جدا, 2,990,000 دونم لملاكين عرب, تشمل حقول برتقال وزيتون وكروم عنب وبيارات حمضيات وحدائق فواكه, أصبحت مهجورة تماما, ومن بين أملاك العرب, 2,070,270 دونم من نوعية جيدة, 136,530 دونم نوعية متوسطه, 751,730 دونم ضعيفة التربة, بالإضافة إلى 173 ألف بيت سكني, 7800 متجر ومشغل ومخزن أصبحت فارغة في القرى والمدن .
الحسابات البنكية قدرت بخمسة ملايين جنيه إسترليني, تركت في بنوك عربية وغير عربية, كل هذه الأملاك وضعت تحت الوصاية " الحجز قضائي " .
وعن دور هذه الأملاك في إستيعاب المهاجرين الجدد, كتب "شيشتمان" :" إقيمت47 مستوطنه جديدة, في مواقع القرى المهجورة, وفي 25 اكتوبر 1949م, تم إستيعاب 25,255 مستوطنا جديدا,..., وفي ربيع 1950م تم نقل مليون دونم من الحجر, وسلم إلى المستوطنات اليهودية, ومزارعين فرادى بذريعة توسيع إنتاج الحبوب", ويضيف " شيشتمان" في وصف مساهمة الأملاك في تخفيض كلفة الإستيطان :" قبل الحرب كانت كلفة إسكان العائلة اليهودية, ما بين 7500 إلى 9000 دولار, إنخفضت بعد الحرب إلى 750-1000 دولار, كانت تصرف على إعادة إصلاح المباني, و750 دولار أخرى على توفير الدواجن والمواشي والمعدات الأخرى, بعد الإستيلاء على غنيمة الحرب المتروكه" .
القيمة الفعلية لمساهمة الأملاك العربية المتروكه, في إستيعاب المهاجرين اليهود الجدد, تكشفها لنا حقيقة أن القيادة الصهيونية, نجحت في عام 1948م وحده في إستقبال وإستيعاب 250ألف مهاجر جديد, هؤلاء إحتلوا المنازل العربية التي تركتها الحرب سليمة .
وعن سياسة الإستيلاء على الببيوت العربية المتروكه, يكتب المؤرخ الإسرائيلي " بني موريس " :" في شهر شباط 1948م توقعت المؤسسات المسؤولة عن إستيعاب المهاجرين الجدد, أن الموجه الأولى ستصل إلى 150 ألف مهاجر, ولكن التقديرات كانت أقل من الواقع, إذ وصل أكثر من 200 ألف مهاجر جديد, خلق هذا التدفق مصاعب جمه, أحد الحلول تمثل في إسكان المهاجرين الجدد, في القرى والمدن العربية المهجورة, وحيث كان بعضها شبه مدمر, ولذلك جرى توجيه المهاجرين, إلى المدن بشكل رئيسي, وذلك كان عام 1948م".
ويضيف "موريس" :" كانت لجنة الترانسفير (لجنة شكلها بن غوريون لمنع عودة اللاجئين وترحيل الباقيين من العرب ) هي أول من أقترح توجيه المهاجرين الجدد للسكن في البيوت العربية المهجورة, كجزء من خطة شاملة لمنع عودة اللاجئين الفلسطينيين " .
ويتابع " موريس " :" كما شملت مقترحات لجنة الترانسفير المقدمة لـ"بن غوريون" في مطلع شهر حزيران 1948م, ‘ توطين يهود في عدد من القرى العربية والمدن وذلك لكي لا ينشأ هناك فراغ ‘.
ويختم "موريس" : "كان الدخول إلى البيوت العربية المهجورة, سواء في المدن أو القرى, يتم بشكل عام فور إحتلالها من قبل الجيش الإسرائيلي " .
وعن مساهمة البيوت العربية المتروكه في توطين المهاجرين الجدد كتب "بن غوريون" :" لقد ساعدتنا الحرب كثيرا,..., بفضل الحرب أصبح لدينا آلاف الشقق السكنية, فقد دخل حيفا وحدها, منذ يوم تحرير المدينة, ما بين 12 إلى 13 ألف يهودي, وتستطيع حيفا إستيعاب 20 ألف آخرين, ولقد حاولنا إرسال المئات إلى صفد وطبريا " .

في الوقت الذي كان الإستيلاء على أملاك الفلسطينيين, كانت عملية التطهير العرقي, تحدث تغيرات جذرية في حياة المجتمع الفلسطيني, فقد أدت عملية الإقتلاع, إلى تذويب الطبقات الفلسطينية في طبقة واحدة, عبر محو الفوارق السابقة بين الفئات والشرائح الإجتماعية, تحولت كل الطبقات إلى طبقة واحدة, صفتها أنها لا تملك شيء, التساوي الطبقي جاء عبر تجريد الجميع من أي ملكية كانت, ليتحول الجميع إلى طبقة واحدة إسمها " اللاجئـون " .
عانت هذه الطبقة الجديدة,من صنوف المهانة والمذلة, وإمتهان ودوس الكرامه, وألوان الشقاء والآلام والحرمان .
دفعت ضخامة المآسي وحجم الآلام وألوان الشقاء, التي يعانيها اللاجئون, الوسيط الدولي " الكونت برنادوت " إلى إستئناف دوره الذي قد لعبه في مساعدة اللاجئين أثناء الحرب العالمية الثانية .
" الكونت برنادوت " أحد أبناء العائلة المالكة في السويد, ورئيس منظمة الصليب الأحمر السويدي, ومن موقع بلده السويد المحايد, في الحرب العالمية الثانية, عمل على مساعدة مشردي الحرب من جهه, ومساعدة نزلاء معسكرات الإعتقال من جهة أخرى .
أعادت مآسي وآلام ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين, إلى ذهنه صور معاناة مشردي ومضطهدي الحرب العالمية الثانية, وهاله أن اليهود أحد ضحايا الوحش النازي, مارسوا ويمارسون أفعالا لا تقل وحشية, عن تلك التي تعرض لها أبناء جلدتهم, على يد الوحش النازي .
كان " الكونت برنادوت " وسيطا دوليا, من أجل أنهاء حالة الحرب, والمساعدة على تطبيق قرار التقسيم, حاول إضافة مهمة جديدة لمهامه, مهمة تتعلق بمحاولة تخفيف آلام اللاجئين, ومساعدتهم في العودة إلى ديارهم .
ظن " الكونت برنادوت ", أن خدماته في إنقاذ عشرات الآلاف من اليهود, قد تساعده على إنجاز مهمته, خصوصا أن الطرف المضَطِهد هذه المرة هم اليهود أنفسهم .
لكن محاولاته العديدة, ذهبت أدراج الرياح, أمام الرفض والصلف والغطرسة والمراوغة الإسرائيلية, فالقيادة الصهيونية التي حصلت على مبرر الحرب, وإستغلت هذا المبرر في طرد العرب, وتدمير قراهم, والإستيلاء على أملاكهم, ما كانت لتقبل أي عودة لمن طردتهم, فالعودة تعني الإطاحة بحلم الدولة اليهودية النقية .
لمواجهة مطالب " الكونت برنادوت " بعودة اللاجئين الفلسطينيين, أنشأ " بن غوريون " لجنة خاصة أسماها "لجنة الترانسفير", وحسب المؤرخ "سمحا فلابان " :" فإن القاعدة التي إعتمدتها لجنة الترانسفير تستند إلى الفكرة القائلة بأن نسبة العرب في إسرائيل يجب ألا تزيد عن 15% من السكان اليهود ".
وعن سياسة الخداع والمراوغة الإسرائيلية, للتملص من قبول عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم, كتب القائم بأعمال السفارة الأمريكية في القاهرة " جونسون بترسون " في رسالة لحكومته :" يرى الوسيط ‘برنادوت‘ أن هناك ظاهرة غير عادية أن تعرض حكومة إسرائيل ضائقة اليهود المطرودين من أوروبا, كمبرر لإقامة دولة يهودية, وتطالب بتهجير يهود أوروبا إلى فلسطين فورا, وبنفس الوقت ترفض الإعتراف بوجود اللاجئون الفلسطينيون الذين طردوا على يدها, وأن ممتلكات المواطنين الفلسطينيين تعتبر في نظر الإسرائيليين غنائم يجري توزيعها على المهاجرين الجدد " .
وأمام الموقف الإسرائيلي المتعنت والمراوغ, أنهى " الكونت برنادوت " تقريره في 16/9/1948م, بشأن جهود الوساطه التي قام بها, وما أن تسربت معلومات للقيادة الصهيونية عن فحوى التقرير, حتى قامت عصابة " ليحي" الصهيونية بإغتيال " الكونت برنادوت " في 17/9/1948م في مدينة القدس .
كان إغتيال " الكونت برنادوت " يصب في مصلحة إسرائيل, فقد خلفه " رالف بانش " الذي كان أقل نشاطا منه وأقل إصرارا في سعيه لإيجاد حل بمكن الفلسطينين من العودة لديارهم .

شكل تقرير " الكونت برنادوت ", والذي أغتيل بسببه, الأساس الذي صدر عنه قرار الجمعية العمومية رقم "194" القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم, وأعقبه تشكيل لجنة عرفت بإسم " لجنة التوفيق الخاصة بالمشكلة الفلسطينية (PCC) ", والتي دعت إلى مؤتمر لوزان, في سويسرا لمحاولة تطبيق القرار .
في لوزان إستندت إسرائيل, في تحقيق رفض عودة اللاجئين, إلى حالة العجز والتواطؤ العربي, فقبل المؤتمر وخلال اللقاءات السرية, التي كانت تجري في عمان وبيروت, مع الزعامات العربية, أبدت أكثر من دولة عربية موافقتها على إستيعاب اللاجئين الفلسطينين, فالملك "عبدالله بن الحسين" كان قد أبدى إستعداده لتوطين 200 ألف لاجيء فلسطيني في الأردن, ورئيس سوريا الجديد " حسني الزعيم " كان قد أبدى موافقته على توطين 300 ألف لاجيء فلسطيني في سوريا, إذا أمكن تعديل حدود سوريا مع فلسطين, بحيث تضم منطقة الحولة لسوريا, أما مصر والعراق ( الذي لم يمثل في مؤتمر لوزان ) فقد أبديتا للقيادة الصهيونية, من خلال المراسلات السرية بينهما, إستعدادهما لتوطين عددا من اللاجئين, ولو لمجرد أن تضربا مثلا لبقية الدول العربية .
بالرغم من الرفض الإسرائيلي المراوغ, والتواطؤ العربي, خرج مؤتمر لوزان بقرارات صارمه بضرورة عودة اللاجئين إلى ديارهم بالسرعة القصوى .
وفي هذا الصدد كتب المؤرخ الإسرائيلي " بني موريس " :" على الرغم من أن القرار الخاص بعودة اللاجئين كان قطعيا في صيغته, إلا أن الجميع كانوا يدركون, منذ لحظة صدور القرار بان تنفيذه سيواجه عقبة الرفض الإسرائيلي المتوقع بالسماح لعودة اللاجئين ".
وهذا ما حدث حتى اللحظة, فعلى الرغم من تأكيدات الأمم المتحدة السنوية على قرار "194" القاضي بعودة اللاجئين, إلا أن الصلف الصهيوني الإسرائيلي يعرقل تنفيذ هذا القرار .
ويبقى اللاجئين يعيشون في مخيمات القهر واللجوء والنزوح, وهم متمسكون بقرار "194" وبحق العودة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على