الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصهيونية (27) .. الديموقراطية الإسرائيلية

خالد أبو شرخ

2011 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


النظام السياسي الإسرائيلي, ظام عنصري قائم, على التفرقة والتمييز بين السكان، وهو نظام نخبوي, يقوم على سيطرة نخبة معينة, على عملية صنع القرار، وهذه خصائص مميِّزة للنظم الاستيطانية, ولكن مؤسسات هذا النظام, وشكل عملها اعتمدت على الديموقراطية الشكلية, بغية توظيفها في إغراء اليهود, من جميع أنحاء العالم للهجرة, إلى هذا الكيان، وبخاصة يهود الغرب, الذين يعيشون في ظل نظم ليبرالية، وفي خـداع الرأي العام العـالمي, لكسب شرعية دولية, وقد تم تحويل المؤسسات المقامة, على أساس استعماري استيطاني قبل قيام الدولة,إلى مؤسسات دولة, ذات شكل ديموقراطي، بينما ظل محتوى هذه المؤسسات ثابتاً, من حيث الشخصيات المكونة لها, وقد خدمت صياغة مؤسسات النظام, في شكل ديموقراطي,عملية تأطير المهاجرين واستيعابهم, ضمن آلية عمل هذا النظام, دون إحداث خلل رئيسي في اتجاهاته.
ولعل غياب دستور مكتوب, يشير إلى نقائص وعيوب هيكلية في الديموقراطية الإسرائيلية، ولا تصح بالتالي المقارنة الشكلية بين النظام البريطاني والنظام الإسرائيلي, في هذه الجزئية, فالنظام البريطاني له تقاليد راسخة, في عملية الممارسة الديموقراطية, تمتد إلى قرون عديدة, على عكس النظام الإسرائيلي.
ويعود عدم إقرار دستور مكتوب, إلى ما سيؤدي إليه من نشوب خلافات بل انقسامات, بين الفريقين العلماني والديني، أو الاختلاف حول تحديد من هو اليهودي, وفي الواقع فإن عدم وجود دستور مكتوب, يعطي الحكومة والكنيست حرية كبيرة في الممارسة السياسية والعسكرية, دون قيود دستورية على حركتها، الأمر الذي يؤدي إلى بروز مراكز قوى, ونخب معينة ذات صلاحيات واسعة .
وقد قامت بعض الحركات السياسية، وبخاصة من قبَل بعض القانونيين والأكاديميين، بالسعي من أجل وضع دستور للدولة، حيث إن وثيقة إعلان إسرائيل, ليس لها قيمة دستورية أو قضائية, ولا يمكن الاستناد إليها في المحاكم.
وتعتبر القوانين الأساسية بمنزلة المصادر شبه الدستورية, فقد وضع الكنيست هذه القوانين الأساسية, التي لا يجوز تغييرها أو إبطالها إلا بأغلبية خاصة وغير عادية، بيد أنها لم تصل إلى درجة دستور الدولة، وهي لاتشمل نصاً صريحاً, بأنه لا يجوز لأي قانون أن يناقضها, ومن أهم هذه القوانين: قانون الكنيست، وقانون رئيس الدولة، وقانون الأراضي، وقانون العودة الصادر عام 1950, الذي بموجبه يكون من حق كل يهودي في العالم المجيء إلى إسرائيل, والاستقرار فيها والعمل والتملك، وكذلك قانون الجنسية الصادر عام 1952.

ويمكن القول بأن الشكل الديموقراطي للنظام السياسي الإسرائيلي, ليس سوى قشرة خارجية "لنظام نخبة", يعمل وفق آلية تتلاءم مع حاجات وأهداف هذه النخبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يضمن استمرار إمساك هذه النخبة, بكل العمليات والمؤسسات, لذلك لم يمثل هذا الشكل الديموقراطي عائقاً, في سبيل مواصلة القيادة الصهيونية العمل على تحقيق أهدافها الداخلية والخارجية، ولا الانسجام مع الدور الوظيفي لهذا الكيان, في خدمة الإستراتيجية الإمبريالية, فاتخاذ القرارات الرئيسية المتعلقة بأهداف الدولة الصهيونية وأمنها، مثل قرارات الحرب والسلام، تقوم به القيادة الصهيونية دون أي تأثير لمؤسسات أو أبنية ديموقراطية، إذ تحتكر تلك المهمة مجموعة محدودة وضيقة, ممثلة بالأساس في رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية، بينما تنساق باقي المؤسسات وراء قرار القيادة.
ويُلاحَظ أن نخبة النظام في إسرائيل, تسيطر على النشاط الاقتصادي والمالي، وتهيمن على المؤسسة العسكرية, ودور المؤسسة العسكرية في النظام قوي جداً، وهي تحدد سلطة وسائل الإعلام في نشر الأخبار, والمعلومات المتعلقة بالجيش, ويُلاحَظ أن معظم عناصر القيادة السياسية والاقتصادية سبق لها الخدمة بالجيش، فالنظام الإسرائيلي هو نظام عسكري أيضاً, ذو شكل ديموقراطي,بل يمكن القول استناداً إلى عسكرة ذلك النظام, وطابعه العدواني وعنصرية ومحورية العمل الدعائي فيه، بأنه نظام إرهابي, قائم على استخدام العنف غير المشروع, أو التهديد باستخدامه, لإيجاد حالة من الخوف والرعب, بقصد تحقيق التأثير أو السيطرة على فرد, أو مجموعة من الأفراد, أو المجتمع أو دول مجاورة, بقـصد الوصول إلى هـدف معين, يسعى النظام الصهيوني إليه, ويكفي في ذلك الإشارة إلى التاريخ الإرهابي للنظام الصهيوني, ضد المواطنين العرب, والتلويح باستخدام السلاح النووي, في إرهاب وتخويف الدول المجاورة.

وتبرز طبيعة النظام السياسي الاستيطاني في إسرائيل, وفي اعتماده سياسة التمييز العنصري ضد السكان العرب الأصليين, فالتشريع السائد في النظم الاستيطانية, يتحكم في نطاق المشاركة السياسية عند المنبع، بالتحكم في الشرط الجوهري فيه, والمتمثل في المُواطَنة، حيث توجد قيود رئيسية تحول بين أصحاب الأرض الأصليين من العرب, وتَمتُّعهم بحق المواطنة على أراضيهم, فالشكل الديموقراطي للنظام وراءه أيديولوجية استيطانية استعمارية, هي الصهيونية التي تحدد حدود الدولة, على نحو لا يرتبط بالرقعة الجغرافية التي تحتلها الدولة، فتعتبرها دولة اليهود، لا دولة المواطنين المقيمين فيها, فالدولة الصهيونية أداة للتعبير عن القومية اليهودية، وهو ما يعني حرمان العرب، أصحاب الأرض الأصليين، من حقوق المواطنة, وهذا ما تكرسه التشريعات والقوانين, مثل قانون العودة عام 1950، وقانون الجنسية عام 1952، والسياسة التربوية التي وضعت عام 1953, والتي تسعى إلى "تأسيس التربية الابتدائية في دولة إسرائيل, على قيم الثقافة اليهودية، واكتساب العلم، وحب الوطن، والولاء للدولة والشعب اليهودي" والسياسة المتعلقة بملكية الأرض, والمبنية على استملاك اليهود للأرض, وتجريد السكان الفلسطينيين من أراضيهم, عبر تجميد ملكية الأراضي, ومصادرة الأراضي, عبر سلسلة من القوانين الجائرة, لتمليكها لليهود.

ولعل من أكثر الأمثلة تبلوراً ووضوحاً, على التناقض الجوهري بين ادعاءات الديموقراطية, والممارسات العنصرية الاستيطانية, ما يحدث في الكيبوتسات (الاشتراكية).فلكي ينتمي المواطن الإسرائيلي لأي كيبوتس, لابد أن يكون يهودياً,لأن الكيبوتسات توجد على أرض مملوكة للدولة اليهودية, ولذا على غير اليهودي, الذي يود الانتماء لكيبوتس, أن يتهود (حتى لو كان أعضاء الكيبوتس ملحدين), وقد طورت دار الحاخامية الرئيسية, وسائل "ديموقراطية",لتسهيل عملية التهود.
وتبرز الممارسات العملية العديد من المؤشرات, على طبيعة الدولة العنصرية, منها أن المخصصات المالية الحكومية للمجالس المحلية اليهودية,تتخطى خمسة أضعاف ميزانية المجالس المحلية العربية, كما أن المخصصات المالية لإعالة الأطفال, وقروض الإسكان, ونفقات الدراسة الجامعية, ترتبط جميعها بالخدمة العسكرية, ودعم الحكومة لتكلفة المياه, التي يستهلكها المزارعون اليهود, يناهز مائة ضعف ما تمنحه للمزارعين العرب, وبينما تتاح للمهاجرين اليهود الجدد, دروس جامعية بلغاتهم الأصلية، يُجْبَر الطلاب العرب على الدراسة باللغة العبرية، وبينما يبلغ عدد الأكاديميين في الجامعات الإسرائيلية نحو 5000 أكاديمي، فليس بينهم إلا عشرات من العرب، كما أنه لا يوجد سوى عربي واحد من مجموع 2400 شخص, يحتلون مراكز إدارة في الشركات التي تملكها الحكومة، وذلك رغم أن العرب يمثلون 15.5% من السكان طبقاً للإحصاءات الإسرائيلية, وهناك تقديرات أخرى تصل بالرقم إلى مليون ونصف المليون عربي لأي بنسبة 20% من السكان

ولعل أقل الممارسات السياسية عنصرية ضد عرب 48, هو ما اقترحه أحد نواب تكتُّل الليكود في مطلع عام 1997, عن مشروع قانون يحظر على غير اليهود, ترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الحكومة, وهو ما يجد معارضة من بعض اليهود, لأنه عبارة عن عنصرية علنية, لن يكون في إمكان إسرائيل كدولة تهتم بشكلها الديموقراطي, أن تبررها للعالم, ولا يفوتنا في هذا السياق أن نشير إلى الممارسات الإرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين, في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس, باتباع أساليب القتل والتعذيب حيث يجيز القانون تعذيب المعتقلين، واتباع سياسة تكسـير العظام (التي دشـنها إسحق رابين), لتُستخدَم ضد أطفال الانتفاضة, علاوة على ذلك هناك سياسة هدم المنازل, ومعاقبة السكان بالحصار الاقتصادي, ومنع الغذاء والدواء, وأساليب الطرد والترانسفير, ومصادرة وضم الأراضي, وتغيير معالم المدن مثل القدس والخليل, ولكن سياسة التمييز العنصري, غير قاصرة على العرب فقط, بل تمتد إلى اليهود السفارد أيضاً.

ويمكن القول بأن القرار في إسرائيل, لا تصنعه العوامل الداخلية ومكونات النظام وآليته (نخبة النظام) فقط،, بل هو محكوم بشروط ارتباط هذا الكيان بالإمبريالية العالمية, ومصالحها والدور المطلوب منه, في إطار إستراتيجيتها على الصعيد الإقليمي والعالمي، فوظيفة الديموقراطية الإسرائيلية الشكلية, من خلال لعبة الانتخابات والتعددية الحزبية، ليست سوى احتواء المستوطنين سياسياً, وضبط حركاتهم واتجاهاتهم, بما ينسجم مع أهداف الحركة الصهيونية، ومع متطلبات عمل الكيان الصهيوني, في كل مرحلة, ومع الدور الوظيفي المناط به في خدمة الإمبريالية العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس