الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بحثا عن بوح العصافير في رئتي !

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2011 / 9 / 25
الادب والفن



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لن يعود هناك ( نحن الإثنان ) سيكون هناك ( أنت) و ( أنا) ... أو بالأحرى سيكون هناك (نحن الإثنان) سيكون هناك دائماً نحن الإثنان .. ولكن في الذكرى ! جابريل مارسيل / طريق القمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في سويداء الجرح أقفُ مذهولاً ، لا أحسُ بما حولي ، وأدركُ انني سأبقى الى ما لا نهاية الزمن وحدي ، هكذا هو قدري ، فالوهج المطفئ بفعل الريح يأن تحت سياط الشريان المذبوح الذي نزف طويلاً دون جدوى .. وكالمهزوم في صولة القلب أنكفئ الى داخلي ضامداً عزلتي ، مرتمياً على ذراع الذكريات ككومة من الرماد ..

وتذكرين .. أيتها الموشحة بالتجاهل ، لحظات سرقناها من الزمن الخوّان .. تجلسين قبالتي ،موحية ، سخية ، تتدفقين بتلك العفوية العذبة ، وذلك الهمس المترع بالنداء ، أمتشقُ شجاعتي ، وأجوسُ على ربىً تتشظى من الرعد والصواعق ، فتنزلقين بهدوء ساحر الى هاوية الإنغمار المذهول ، تغمضين عينيك وجلّة من سطوة اللون وهواجس الخوف ووهج الحلم المرصّع بالرؤى النقية ، ثم يتدفق الزمن كالشلال وتأذن الزلزلة بالرحيل ، وتنام مدينتنا الحزينة على وعدٍ جديد .

وتذكرين .. هذا الدرب الطويل مشيناه معاً ، فكلما تجبّر الصمت ، كانت المقل ترتشف بنهم تلك الصرخة التي كانت تُشعل جوانحنا المشرعة أبوابها ، حيث تتساقط النجوم من عليائها ، ويفتح الفؤاد شبابيكها المطلّة على مساحات العشب الممتدة ، وحيث أحفرُ بأظافري وحصى قارعة الطريق خارطة لألم جديد على نسغ إحدى الأشجار الباسقة في تلك المدينة البعيدة !

وتذكرين .. كالمحارب القديم كنتُ أستلُ سيف الفرسان ، وأخوضُ صولات النبل واللفتات المعتدة بنفسها ، وكنا نرتعش في زمهرير الوجع الحلو ، لكنني كنتُ أتجاهل الموحيات ، وأنحرُ بالسكين رغباتنا المجنونة على سعير الصبر والفرادة !

وتذكرين ، وتذكرين .. ألم يكن ما مضى من العمر سوى دفاتر للمعاناة المريرة والتخوم العقيمة ؟ نعم إلاّ أن الحزن لا يكمن في إرجاع ما مرّ وإنما في الآتي الذي سوف لا تكونين فيه ! فأين أنتِ أيتها الدائرة المتسعة في الفضاء اللامنظور ؟ أين همستك الراجفة الموحية بالحياة والأمل ؟ أين عطرك الفواح وخوفك المدلل ؟ أين خفق الفجر في يديك وأنت تلمسين وجهي ، وتغازلين عيوني ، وتعانقين بوح العصافير في رئتي ؟ أين ذلك الإعصار المخزون في كل خلية من خلاياك وهو يجرف ترددي ، وجلي ، وتحسبي الذي لم يكن ينتهي ؟

آه .. هكذا إذن ، صمتٌ مريبْ ، وقشلة ٌموحشةٌ( 1 ) تنتصبُ في قلب المدينة الحيرى ، تستحيلُ الى بستةٍ ( 2) مستميتة على التذكار كالعلّة المستعصية على الشفاء ، وحفنة يابسة من النرجس العطشان بعد أن عبث بها الصبيان والطارئين ! وغيرةٌ حمقاء مثقلةٌ بأسلاب الدخيلة المذبوحة تفترس صبري ووقار السنين المعجونة بالتعب !

أميرتي .. ذكراك نصلٌ ظالم يفتك بهدوئي ، ينغرسُ في تجاويف الفؤاد رويداً رويداً دون رحمة ، يفتته ُ ، يمزّق أنسجته ، يبعثره أشلاء ، لكنه في حشرجة الموت الأخيرة ، وفي قمة الوجع وسعير الوحدة لن يعرف سواك ِ !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قشلة كركوك
(2) أغنية لازمة للمقام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي