الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا سمح النظام السوري بعقد مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية؟

محمد الحاج صالح

2011 / 9 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لماذا سمح النظام السوري بعقد مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية؟

من يقرأ بيانَ مؤتمر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطية، ويعتمد على معرفته السابقة لسلوك النظام السوري، لا بد وأنْ يتفاجأ. شو عدا ما بدا ليسمحَ النظامُ بأن يخرج المؤتمر بتعابير وجمل كانت فيما مضى تودي بأصحابها إلى الاعتقال أو إلى الموت تحت التعذيب. شو عدا ما بدا ليُسمحَ لثلاثمائة من المعارضين أن يجتمعوا في مكان واحد، مقارنةً مع زخ الرصاص على أي تجمّع للتظاهر. وأبعدُ في الزمن قليلاً كانت حتى تجمعات الأصدقاء في المقاهي تحت منظار مُكبّر للمخابرات، ولابد لها (أي المخابرات) من أن تبتز وتضغط حتى يبْتردَ قلبُها في تدبير أحد الأصدقاء لاعتماده كاتب تقارير عمّا يجري من حديث في المقهى.
إن أي تفحّص للقوى وللشخصيات المنتمية "لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطية" ذات الاسم المُطوّل والمشابه "للجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى"، سيَشي بجزء من السرّ. وقد أوحى مؤتمر الدوحة بهذا الجزء.
في مؤتمر الدوحة اختلف المجتمعون وطالت نقاشتُهم حول الجملة السحرية التي تصدح بها حناجرُ المتظاهرين. إسقاط النظام. بين من يريد مجاراة الشارع وبين من يراها عبئاً على العمل السياسي وعلى الحوار المُرتقب مع النظام. ومن مؤتمر الدوحة صدرتْ "الفتيّا" حيث وجد المثقفون في جرابهم ما يحتالون به، أي صيغة "إسقاط النظام الأمني المستبدّ". بالملموس تؤدي هذه الصيغة إلى قبول بشّار وجزء مهمّ من نظامه، على أن يُسقط الجانب الأمني من النظام. تتذاكى إذن فتوى الدوحة في تمريق الأمر على الناس عبر صياغة لم تنطلِ على الشارع، لكنها لم تلاقِ صدوداً من النظام. بدا وكأن النظام يوافق عليها باطنياً أو لأمرٍ في نفس يعقوب.
ترسمُ صيغةُ الدوحة المُعادة والموسّعة في مؤتمر "الجماهيرية!" في مزرعة قرب دمشق تصوّراً "حمائمياً" للحوار أو "التفاوض" القادم مع النظام. وبالفعل فإن حسن عبد العظيم الأمين العام للاتحاد الاشتراكي ورأس هذا المؤتمر، مثلاً، ظلّ وعلى الدوام منذ وفاة جمال الأتاسي يعيقُ أي موقف أو تحرك "حادّ" تجاه النظام. الأمر الذي جعل من "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي أسسه المرحوم سويّة مع رياض الترك، جعل منه جثةً حية لا يحلّ دفنُها ولا يُحرّم الترحّمَ عليها. أما الحمائم الأخرون فلكلّ أسبابه. ميشيل كيلو تخلّى عن صقوريته إثر مقال كاشف للتركيبة الطائفية، أغضب بشار الأسد ذاته. وفايز سارة بالمثل. وكذلك حسين العوادات.
ولْنلاحظْ أن جميعهم حمائم متقدمة في العمر لا بيضاً يُرتجى، ولا هديلاً يطربُ، ولا قوةً في الأجنحة.
الجزء الثاني من السرّ يمكننا اكتشافه إذا ما أعددنا جردةً عمّا خسره النظام في الآونة الأخيرة على الصعيد الدولي والإقليمي. خسر أولا صدقين إقليميين كان يطيران به بجناحين قويين: قطر وتركيا. أي المال والنجاح والمشاغبة على الاعتدال. علاوة على ابتعاد كل دول الخليج ومصر وتونس عنه. والأنكى أن الأصدقاء الآخرين روسيا والصين أخذوا في التململ، وسيختارون أخيراً مصالحهم مع الغرب بعد مساومة مُربحة. وحتى الحلفاء أي أيران وتابعها "قفّة" الحكم العراقي وحزب الله وحماس، حتى أولاء واقعون في حيص بيص. حماس صامتةٌ إلا من تعاطفٍ سريّ. وحزب الله يندفع بخطابات "حسن نصرالله" ويصمت إلا من تحليلات قناة المنار. وحكومة العراق تقول جملة أو جملتين وتنظرُ بطرف العين إذا ما كان المعلم الإيراني مسروراً، ثم تصمت. وإيران لم تجد بدّا من أن تنصح بالإصلاح والاستجابة للشعب مرفقين برؤية وليّ الفقيه بأنها مؤامرة، وتصمت.
لا مراء إذن أن النظام معزولٌ عزلة فريدة، وستزداد. ألا يفكر إذن بأن يجد منفذاً؟ منفذٌ يختلف عن حالة الانكار والعنجهية والهمجية التي تطبع سلوكه. بلى لأنها غريزة البقاء فالأنشوطةُ تعقد على مهلٍ.
جرّب النظام أن يحاور نفسه ويسوّق حواره مع نفسه للعالم وللداخل، لكن النتيجة كانت صفراً. لماذا إذن لا يجرب حواراً مع معارضة حقيقة، وإنما بقُلوب حمام!
لذلك نجد في تصريح حسن عبد العظيم كل العناصر التي تعزفُها رَبابة النظام من إدانة للتدخل الأجنبي ( وكأن الجيوش تجيّشتْ!) ومن إدانة للطائفية (روح قلب النظام الحكي فيها) ومن نبذ العنف والحديث عن أفعال انتقامية مسلحة (منى عين النظام)
إنه بالطبع الحظُّ السيء للشعب السوري، فالحمائم التي تخاف ظلّ "الشوحة" على الأرض ستتخلّى عن كلّ شيء إذا ما حامَ الصقرُ قريباً، فكيف إذا ما انقضّ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للكاتب
صلاح بدرالدين ( 2011 / 9 / 27 - 06:00 )
أوافقكم الرأي حول تقييمكم لمؤتمر مزرعة ريف دمشق وخلفيات القيمين عليه الذين ظهر - اعتدالهم - ! منذ اعتقال مجموعة التيار الجذري في اعلان دمشق ( رياض سيف والبني والعبدالله ...- كما أوافق على وصفكم لمجريات - الدوحة - وتوجه مثقفيها وأريد أن أضيف أن الحركة المحمومة التي ظهرت فجأة في كل من الدوحة واستانبول جاءت عقب اعلان - أنقرة آخر آب - في تشكيل - المجلس الوطني الانتقالي -من جانب قسم كبير من من يمثلون الانتفاضة والذي أكد على الشعار التاريخي اسقاط النظام رئيسا ومؤسسات وبنى ولم تتضمن قائمة الأعضاء الا 5% من جماعات الاسلام السياسي ومن جماعة - المزرعة- أيضا ومالمسته أن تحرك كل من الدوحة واستانبول وكلتاهما محسوبتان على الممانعة اللفظية أيضا جاء اعتراضا على اعلان انقرة ومضمونه السياسي ورمزيته بغض النظر عن جدوى المجالس من عدمها والصيغة الأمثل لوحدة المعارضة الوطنية في هذه المرحلة .
ختاما
أحيي الكاتنب القدير الأستاذ محمد الحاج صالح


2 - أحسنت
نبيل السوري ( 2011 / 9 / 28 - 05:55 )
لقد قلت ووفيت

اخر الافلام

.. تشدد مع الصين وتهاون مع إيران.. تساؤلات بشأن جدوى العقوبات ا


.. جرحى في قصف إسرائيلي استهدف مبنى من عدة طوابق في شارع الجلاء




.. شاهد| اشتعال النيران في عربات قطار أونتاريو بكندا


.. استشهاد طفل فلسطيني جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد الصديق




.. بقيمة 95 مليار دولار.. الكونغرس يقر تشريعا بتقديم مساعدات عس