الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة وثورة يناير

سمير الأمير

2011 / 9 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



ربما يكون تساؤلنا فى البداية عن ماهية الثقافة وسيلة معقولة لكى نحدد على وجه الدقة كيف يمكن رصد التغيرات التى قد تكون قد طرأت على ثقافة مجتمعنا فى القترة من 25 يناير 2011 وحتى كتابة هذه السطور، ما الذى يمكن البدء به إذن؟ هل الثقافة هى كل أنماط السلوك الإنسانى فى مجتمع ما، و فى زمن ما؟ ومن ثم تتعدد الثقافات بتعدد المجتمعات وتتعدد فى إطار المجتمع الواحد بمعنى أنه لدينا فى مصر ثقافة بدوية وريفية وحضرية؟- ثم ثقافة الذوات وثقافة أبناء البلد- و هل تعدد الثقافات فى إطار منظومة القيم العامة ومنظومة القيم فى المجتمعات المحلية طبقا للمكان ولنوع النشاط البشرى السائد؟ وهل يمكن القول أن لدينا ثقافة عمالية وبرجوازية طبقا للطبقة وفئوية طبقا للمهنة وفئات المجتمع وأن هناك ثقافة عامة تمييزا لمجتمع فى مجمله عن مجتمع آخر فى مجمله، أم أن الثقافة هى فقط السلوك المتحضر والعلم والمعارف والآداب والفنون التشكيلية والموسيقى، ثم هل يمكن الحديث عن ثقافة متقدمة وثقافة متخلفة وثقافة ثورية وغير ثورية؟ وما علاقة الثقافة بالوعى ؟ فى الحقيقة أن كل ما سبق من تساؤلات يشير إلى مفاهيم وتعاريف الثقافة ، إذن فالثقافة هى كل ما سبق بلا استثناء لكن هذا لا ينسينا أيضا المعنى اللغوى للمصطلح فأصل كلمة ثقافة مأخوذ من الفعل "ثقف ومعاني هذا الفعل كثيرة،منها على سبيل الذكر لا الحصر الحذق، الفطنة وكذلك تقويم المعوج من الأشياء، وتثقيف الشيء تسويته وتعديله،
والثقافة حسب موسوعة وكيبيديا" هى:-
-التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
-نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
مجموعة من الاتجاهات المشتركة, والقيم, والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
هل يمكن إذن أن نطبق هذا الإطار النظرى على مجريات الأحداث فى مصر منذ 25 يناير وبالتالى نصل إلى تصور واضح حول مستقبل الثقافة ، ربما يكون الوقت مبكرا للحديث عن تغير حقيقى فى الثقافة ولا سيما بعد أن لاحظنا أن مجتمعنا يعيش حالة من حالات الإستلاب التى تصادر أدمغة المواطنين لصالح ثقافة وافدة من البادية تخلط بين الإسلام والبداوة وتحاصر الثقافة المصرية الحقيقية التى تراكمت عبر عصور مختلفة بل وتوشك أن تقضى على ملامح الشخصية المصرية وتحولها مسخ ،
-

الثقافة و الثورة
و لعل من أكثر الأمور إثارة للدهشة هذا السيل الجارف من المؤتمرات والمقالات والأبحاث عن ثقافة ما بعد ثورة 25 يناير، ومصدر العجب والدهشة هو هذا التبسيط المخل لقضية الثقافة لدرجة توحى إما بحالة العماء التام لدى بعض ممن يطلق عليهم تعبير (المثقفين) أو هى تلك الرغبة فى المشاركة فى هوجة (المكلمة) التى ابتليت بها مصر بعد الخامس والعشرين من يناير، وهى حالة يمكن تشخيصها بكونها سلوك تعويضى مارسه قبل الثورة هؤلاء العاجزون عن الفعل سواء باختيارهم الآمن أوأنه فرض عليهم نتيحة الارتباط بمؤسسات الدولة التى كانت تمارس عليهم أفعال الاحتواء والتدجين والتوظيف فى لعبة توزيع الأدوار بين الموالين للنظام وكانت تلك الأدوار تشمل كما نعلم ( أدوار الرفض والمعارضة فى إطار توجيهات أمن الدولة أو على أقل تقدير جهاز الأمن القومى، ومارس هذا السلوك التعويضى بعد بداية الثورة كثير من مفكرى المقاهى وقيادات الأحزاب الكرتونية التى أدهشها ما حدث وبدلا من ممارسة النقد الذاتى والاعتراف بعدم قدرتهم على دفع حركة الواقع قبل الثورة أو حتى على مجرد التنبؤ بما حدث، راح هؤلاء المثقفون يجرون أكبر عملية تزييف بإعادة تفكيك المشهد لوضع أنفسهم فى بؤرة أحداث لم يشاركوا أصلا فى صنعها، ناهيك عن أن بعضهم كان يسخر من الشباب جهارا نهارا ويعتبرهم مجموعة من المراهقين المتهورين، إذن يمكننا القول أن ثقافة المكلمة التى كانت موجودة قبل الثورة ما زالت تجاهد لتجد لها من يرعاها وينميها بعد ( بداية) الثورة وطبعا أنا هنا أتعمد وضع كلمة(بداية) بين قوسين باعتبار أن استخدام مصطلح "بعد الثورة" هو تعبير مريب يهدف إلى تبريد الحالة الثورية لتتمكن القوى الاجتماعية التى ثار الناس عليها من استعادة أوضاعها السابقة ومن إعادة إنتاج نفسها بطريقة متحورة قد تجعلها أكثر مقاومة لعوامل التغيير فى المستقبل، لأن الرسالة الضمنية التى يتم تصديرها الآن هى كالأتي " حسنا أيها الثوار لقد نجحت ثورتكم وعليكم أن تدركوا أننا الآن لسنا فى مرحلة الثورة، نحن فى مرحلة ما بعد الثورة، ورسالتكم وصلت وسنقوم نحن نيابة عنكم بعملية البناء الثورى وهذه الحيلة بدأت مبكرا منذ أعلن مبارك أن مسئوليته الأولى هى استعادة الأمن والأمان للشعب ليذكرنا بصيحة زين العابدين فى تونس،
( أنا فهمتكم ) ثم نداء عمر سليمان للثوار “ عودوا إلى دياركم" مرورا بمحاولة احتواء واقع جديد باستخدام شريط قديم للشعراوى عن " الثائر الحق "، وبكل ما يحدث فى مصر منذ تولى المجلس العسكرى مسؤولية القيادة وما جرى من حديث عن تلقى مبارك معاملة خاصة وعن بطء محاكمات المتهمين بالقتل والإفتاء السلفى بجواز قبول الدية والإصرار على استعادة نفس اقتصاد النهب دون أدنى تغيير فى أهداف النمو الاقتصادي يشى بأى تغييرات فى طبيعة أو علاقات الإنتاج المبنية على الخضوع التام والإذعان الكامل لرجال الأعمال، ولكم أن تلاحظوا كيف تعجز وزارة المالية عن تطبيق مبلغ الحد الأدنى طبقا لأحكام القضاء وتخفضه للنصف فى حين أنها لم تمس الحد الأقصى وذلك لأنه يخص قيادات الجهاز الأمنى وكبار التنفيذيين وهذا يؤكد حقيقة المأزق الذى نعيشه فى ظل ثورة يقوم على رعايتها النظام السابق إلى جوار أختها التوأم المسماة بالثورة المضادة، تعمدت أن أسهب فى العرض السابق لأصل إلى أنه هناك ثمة تغييرات بدأت تطرأ على الثقافة لكنها لا ترقى للحديث عنها كثقافة مغايرة، لأن الثقافة بالمفهوم العلمى هى تعبير فوقى عن مجمل ما يدور فى البنى التحتية للمجتمع والتى تشكل علاقات وقوى وطبيعة الإنتاج والنشاط الاقتصادي فى جوهره، وهنا لن تجد من يزعم أن ثمة تغيير قد طرأ على هذه البنى التحتية فى جوهرها ومن ثم يمكننا القول بأن النظام السياسى الذى تلقى ضربات عنيفة منذ الخامس والعشرين من يناير جعلته يخلع رأسه مازال قائما ومازال يحاول إعادة إنتاج نفسه وإعادة إنتاج ثقافته بإخراج رءوس جديدة لنفس الجسد القديم، ويمكننا أيضا أن نعرف الثورة بأنها تغير مفاجىء على المستوى السياسى ناتج عن انتفاض قوى سياسية واجتماعية يؤدى إلى تغيير شامل وجذرى فى علاقات وقوى الإنتاج الاقتصادى فى المجتمع، الأمر الذى لا يمكن طبعا أن نقول أنه حدث ومن ثم نصل إلى نتيجة مفادها أن تعبير " بعد الثورة" هو تعبير مضلل كما قلنا لأنه الثورة بالكاد قد بدأت ولم تسطع القوى الثورية حتى الآن أن تستولى على السلطة ولا أن تنتج ثقافتها الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست