الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايجابية الأزمات الوطنية ..!

عماد يوسف

2011 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية




تعرّي الأزمات الكبرى، الشروخ البنيوية التي تتآكل الدول في بنيانها الإجتماعي والأنتربولوجي، في رتابة السيرورة اليومية للمجتمعات تكون الصورة العامّة أبهى حللاً من أي مآلات للناظر بعين المحلل من الخارج العام، إلى الداخل الخاص، أو من الواسع إلى الضيّق. حيث نرى مثلاً في مجتمع مثل المجتمع السوري؛ تآلفاً، تناغماً، وانسجاماً يوحي بأنَّ الخاصيّة لهذا المجتمع هي في أحسن حالاتها. ينطوي هذا التقييم على احتمالات الخطأ والصح، في مجتمع متنوع، إثنياً، دينياً، ومذهبياً مثل المجتمع السوري! لكن الأزمات الكبرى، التي تعصف بهذا المجتمع أو ذاك، هي التي تكشف حقائق أو صحة النظرّية المطروحة في هذا الإطار الاجتماعي المحدد.!
لكن على الرغم من هذه الانكشافات للحقائق التي بيّينت عمق الشرخ المجتمعي السوري الذي وصل إليه، إلاّ أنَّ ضامناً، جامعاً، يُشكّل صمام أمان لعدم انهيار المجتمع انهياراً عمودياً عميقاً، وأفقياً واسعاً. هذا الضامن هو الإنتماء الوطني الذي يتعالى على الشروخ في العمق السوسيولوجي لهذا المجتمع. السوريون، راكموا نزعات إنتماء وطني عميقة تمتد في جذور البنى العقلية والروحية، والجغرافية لأبناء هذا البلد الصغير بمساحته، والكبير بثقله، وتأثيره، وحضارته التي تمتد عميقاً في التاريخ، وهذا ما يُفسر ربّما هذا الإنتماء الوطني العتيد لدى غالبية سكانه. فآلاف السنين من العيش في مكان واحد، وبقعة جغرافية محددة، لابُدَّ من أن تُراكم في الموروث العقلي، والجيني للإنسان إنتماءً مختلفاً عن مواضع في أمكنة جغرافية أخرى. ناهيك عن الشعور بالخصوصية التي تصل حد الشوفينية أحياناً، لدى الإنسان السوري. هذه العوامل مجتمعة، لابد أن تُشكّل ارهاصات لإرتدادات قوية، عنيفة، ينتفي معها، بالضرورة، عمق الشروخ البنيوية، والمفارقات التي تُنتج تناقضات، وتنافر أضداد في المستويات الدينية والمذهبية والإثنية. هذا ما يُفسر هنا، شعور السرياني، إلى جانب الأرمني، إلى الكردي، إلى العربي، إلى التركماني، بالخوف والهلع الشديدن على مصير سوريا، ومستقبلها، منذ اللحظات الأولى لإندلاع الحراك الذي يُمكن وصفه بآلاف التوصيفات، ثوري، مذهبي، فئوي، اجتماعي، معيشي، سياسي، ديني، تآمري في بعضه، جنوني، دموي؟؟! وغيرها من توصيفات تجعل هذا الحراك، يستحق الدراسة بعينٍ واسعة، أكبر من عين غُراب، وعمق وفكر معرفيين، أعمق من نظريات وقوانين الفلسفة الوضعية.!
الإنتماء الوطني السوري العميق، يستحق الدراسة بإمتياز، خوف السوريين على وطنهم، لم نلحظه في بلدان عربية أخرى. وليس السبب هنا هو الخوف من حروب أهلية أونزاعات فئوية، بل هو خوف من فوضى لا تُحمد عقباها، ومصير وطنٍ غالٍ قد يخسر جزءاً أو كلاً، أو بعضاً من أرضه، أو سيادته، أو كينونته، وحجمه الإقليمي. لذلك نجد السوريين فقط هم من يتغنى على أطلال قومية عربية، لا تعنيِ فيما تعنيه بالنسبة لأصحابها الحقيقيين " بلدان الخليج العربي" غير نُكتة ظريفة من نهج حزب البعث؟! بينما نجد السوريين أكثر تشبثاً بقضاياهم، وتمسكاً باسترجاع أرضهم السليبة، وإعادة لبنان، وفلسطين، والأردن، إلى الوطن الأم سوريا، ومن ثمَّ العمل على وحدة عربية مأمولة، والتي لا تعني غير السوريين إلاّ قليلاً..؟!
الشروخات التي تجلّت، وظهرت كنتيجة للحراك السوري، هي المتناقضات التي تنتج عادة عن فتح سكر الماء بعد جمعها لعشرات السنين من الجهتين، ولذلك عندما نفتح السكر من هنا وهناك، نجد اضطراب الماء الذي يُظهر كل ما علِق من أوساخ، وأشنيات، ورواسب خلال السنوات المنصرمة، ثمَّ، بعد أن يستقر الجريان، وترحل هذه الإشنيات والأوساخ نتيجة دفع الماء، نجد أن المياه تعود إلى نقاءها، ونظاقتها. لقد شكّل الإنتماء الوطني السوري العميق لدى الغالبية الكبرى من شريحة السوريين، مصفاةً ،" فلتراً"، حقيقياً لتلك الأوساخ، حيث تصدى لها بمواقفه المميزة، والواعية، التي انطلقت من خوفه على الوطن أكثر ما هي خوف على رحيل نظام، أو فقدان رئيس بعينه، أو بنظامه! لذلك؛ وبرغم الشروخ العميقة والانقسامات البنيوية العمودية والأفقية التي لاحت منذ بداية الحراك والاضطرابات في سوريا، نجد أنها ما زالت في مستوى غير عميق بحيث أنها لا تُشكّل خطورة على مفهوم السلم، والوحدة الوطنية في سوريا، لن يخلو الأمر من ارهاصات هنا، وانكسارات هناك، وتمايزات هنا، وصراع متناقضات هناك، لكنها بالتأكيد لن تصل إلى مستوى الحرب الأهلية الشاملة، ما يكسر هذا القانون، هو بالضبط ما سلف ذكره من احساس عالي بالإنتماء الوطني، ووعي نادر لجهة خصوصية الإنتماء السوري، وحرص أبناء سورية الشديد على وحدتها، وسلامة أراضيها.
إنَّ الخوف الحقيقي، لأي تغيير محتمل لا يندرج فقط في مخارج أزمة قد لا ُترضي كثيرين، بل هي في الخوف من تغيّر سياسات خارجية تجاه قضايا اقليمية هامة، تمّس الأمن القومي، وقضايا الإنتماء الوطني، فقضية الصراع العربي الإسرائيلي هي بالنسبة للسوريين خطُ أحمر، المقاومة خطُ أحمر، التدخل الخارجي أينما كان، وبأي طريقة أتى، هو ايضاً خطً أحمر. قضايا الصراع في المنطقة والسيادة، والاستقلال الوطني المُطلق، بالنسبة للسوريين هي كلّها خطوط حمراء.؟! هذه الخطوط كرّسها الرئيس الراحل حافظ الأسد، وصانها بجدارة، بل عززها وقوّاها، ولذلك نجد أنه اكتسب الكثير من الشرعية خلال الثلاثين عاماً التي حكم فيها، برغم الكثير من الأخطاء والفساد في عهده، لكن خطّه القومي، وتلاقيه القوي مع تطلّعات شعبه الوطنية والقومية، في فلسطين ولبنان، والعراق، ومصر كامب ديفيد، وغيرها كانت ضامناً له من عواصف الغدر السياسية التي حاولت مراراً جعله ينحني أمام شدّتها. الخلَف السياسي، نظام بشار الأسد، هو نتاج المدرسة ذاتها، وسار على نفس الدرب الذي رسمته سنوات الصراع السوري في قضاياها القومية والوجودية المصيرية، لذلك نجد أنّ هذا النظام، عندما تصدّت له فئات من الشعب لمحاولة اسقاطه وجد دعماً كبيراً لدى غالبية رعاياه، برغم سياساته الفاشلة في مستوى الداخل. هذا ما تكشفه الأزمات البنيوية العميقة في المجتمعات، لقد كانت اختباراً كبيراً لسوريا، وهاهي تُثبت يوماً بعد يوم، ومن خلال أزماتها الكبرى، بأنها بلدُ استثنائي، في زمن استثنائي..؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شبيح إعلامي آخر
نبيل السوري ( 2011 / 10 / 3 - 06:46 )
هذا الكاتب هو من أحد الأذرع الأمنية للنظام
وكل ما يكتبه يكمل حملة النظام على الشعب
وسنرى وبعد انتصار الثورة، وستنتصر، كيف سيتمكن هؤلاء من الاستدارة 180000 درجة، لكن أبشرهم ذاكرتنا وذاكرة الشعب السوري لم تعد قصيرة كما كنتم تحلمون

اخر الافلام

.. الخبز يعيد بارقة الأمل الى سكان غزة | الأخبار


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يضع دول المنطقة أمام تحديات سياس




.. العاهل الأردني: الأردن لن يكون ساحة معركة لأي جهة وأمنه فوق


.. هل على الدول الخليجية الانحياز في المواجهة بين إيران وإسرائي




.. شهداء وجرحى جراء قصف قوات الاحتلال سوق مخيم المغازي وسط قطاع