الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة العربية بين تحديات المشاركة السياسية و الاقتصادية

ساسي سفيان

2004 / 12 / 10
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


المشاركة السياسية :

نلقى الآن نظرة خاطفة على موقع النساء من الحكم، والسياسة عامة، وهنا نقترب من مواطن المسكوت عنه في الكتابات المعتادة، غير أن قيام المرأة هو، في الأساس، فعل اجتماعي و سياسي بحيث لا بد، في أية مناقشة جادة، من التطرق إلى جانبي رأس المال الإنساني هذين.
بداية، جلي أن النساء، والشباب أيضا، قد خرجوا من قسمة سدة الحكم في البلدان العربية صفر اليدين. فالحكام ينتمون في الأغلب الأعم لفئة الشيوخ من الرجال.

عزوف النساء عن السياسة
لا تتوافر دراسات كثيرة مضبوطة عن المشاركة السياسة تتيح لنا نظرة فاحصة على مدى انغماس النساء في السياسة. لكن، على سبيل المثال، تيسر للكاتب التوصل للمحات عن المشاركة السياسة في البلدان العربية ،
ومن خلال قراءتنا للوضع الذي تعرفه الساحة السياسية لمختلف البلدان العربية يمكننا استجلاء ثلاثة مكونات لعزوف المرأة العربية عن السياسة. الأول أسميناه الاستقالة التامة من السياسة، وقربناه باستخدام نسبة " اللارأي " في استجابات المفردة الخاصة بما إذا كان هناك حزب أو تيار سياسي يعبر عن المجيب، في استطلاع الرأي. والمكون الثاني أسميناه الاستقالة من التشكيلة السياسية القائمة في البلدان العربية ، أحزاباً وتيارات غير مُهيكلة في أحزاب، وقربناه باستعمال نسبة "لا أحد " في نفس المفردة. أما المكون الثالث فكان العزوف عن العضوية في أحد الأحزاب القائمة بالرغم من إقرار المجيب بأن هناك حزباً أو تياراً سياسياً يعده هو/هي معبراً عنه. وقد انتهى التحليل إلى النتائج التالية.
المستوى الأول: يستقيل قرابة نصف الناخبين (46%) من السياسة، ابتداءً، فليس لهم من رأى في قضية التعبير عنهم سياسياً. ولكن النساء يستقلن، على هذا المستوى الأول، بغالبية كبيرة (62%) مقارنة بأقل من ثلث الرجال (27%). ويظهر للتقدم في العمر تأثيراً واضحاً على زيادة هذا المستوى من الاستقالة، خاصة بين النساء، حيث تزداد نسبة اللارأي باطراد مع كبر السن. أما بين الرجال فلا يقوم فارق محسوس في نسبة اللارأي إلا بتخطي الخمسين عاماً من العمر. كذلك ينطوى ارتفاع التحصيل التعليمي، كما يُتوقع، على انخفاض مطرد في المستوى الأول للاستقالة من السياسة، أشد وضوحاً في حالة النساء.
المستوى الثاني: بإضافة الاستقالة من التركيبة السياسية القائمة حالياً إلى الاستقالة التامة من السياسة، نصل إلى استقالة تراكمية لما يناهز ثلاثة أرباع الناخبين (72%) من السياسة في مصر. وتزداد الاستقالة بين النساء بالمقارنة بالرجال. كما تزداد الاستقالة من السياسة بين النساء بالكبر في السن، وخاصة بعد بلوغ الثلاثين عاماً من العمر، ربما تعبيراً عن تزايد المسئوليات الحياتية للنساء خاصة في نطاق الأسرة. وعندهن نلحظ أعلى قيم العزوف عن السياسة، على هذا المستوى، بين متوسطات العمر اللاتي لا يتعدى حظهن من التعليم المرحلة الابتدائية.
أما بين الرجال فنلحظ أعلى مستويات الاستقالة بين كبار السن (50 عاماً فأكبر)، يليهم شباب الناخبين (29-18 سنة)، بينما شُوهدت أقل مستويات الاستقالة من السياسة بين فئة العمر الوسيطة ( 49-30 سنة). وهنا نجد مؤشراً على انتشار أوسع للعزوف عن السياسة بين شباب الناخبين، يعود في الأساس إلى مكون الاستقالة من تركيبة الأحزاب والتيارات السياسية القائمة. وإن قبلنا أن ارتفاع المستوى الثاني من العزوف عن السياسة بين كبار السن يرتبط بالإحساس بدنو الأجل والترفع عن الحياة الدنيا، فإن زيادة العزوف عن السياسة، على هذا المستوى، بين الشباب، بالمقارنة بمتوسطي العمر، يمكن تفسيره بتناقص الحيوية السياسية للعربية عبر العقود القليلة الأخيرة .
المستوى الثالث: بوصولنا إلى هذا المستوى، من خلال إضافة نسبة المجيبين الذين يعبر عنهم، في رأيهم، حزب أو تيار سياسي ولكنهم ليسوا أعضاء في أي حزب، إلى المستوى الثاني من الاستقالة من السياسة، يصبح عزوف النساء العربيات عن السياسة، على الأقل العلنية، شبه مطلق، إذ يطول 94% من الناخبين. والقلة الضئيلة الباقية هي التي انضمت لعضوية الأحزاب. ويطول هذا المستوى من العزوف عن السياسة جميع النساء تقريباً بحيث يصبح الحديث عن الفوارق في العزوف داخل مجتمع الناخبات تزيداً. المشاركة السياسية في البلدان العربية ، مقاسة بعضوية الأحزاب، إذاً هي حكر رجالي تقريباً.
ولكن بين الرجال، نجد أعلى معدلات العزوف عن السياسة، على المستوى الثالث، مرة أخرى، بين الشباب والكبار.

غير أن التحليل المتعمق لنتائج استطلاع الرأي هذا [12] يظهر أن الفروق البادية حسب النوع، عند الاقتصار على مقارنة النوعين دون اعتبار باقي المتغيرات المرتبطة بالنوع، ترجع في حقيقة الأمر إلى فروق في متغيرات مفسرة أخرى بين الرجال والنساء، مثل المستوى الاجتماعي والاقتصادي ( بدلالة خصائص التعليم والعمل ومحل الإقامة وغيرها ).
بعبارة أخرى، لا تقوم فروق معنوية إحصائياً في اتجاهات الرأي، أو المشاركة السياسية، بين الرجال والنساء لمجرد كونهم رجالاً أو نساء. ولذلك تختفي الفوارق بين النوعين في أكثر مفردات استطلاع الرأي عند إدخال مجموعة كبيرة من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تشرح، مجتمعة، الفروق المجتمعية بين النساء والرجال، في تحليل متعدد- المتغيرات.
بل يبدين النساء، عند التخلص من تأثير خصائصهن الاجتماعية والاقتصادية، في بعض مفردات الاستطلاع، مستوى أعلى من المشاركة السياسية
النوع إذاً ليس إلا مؤشراً على الاستضعاف، وتبعاته في مضمار المشاركة السياسة هي تبعات الاستضعاف، سواء طال الرجال أو النساء.
بعبارة أخرى،يمكن اعتبار النوع ( النسوية ) مؤشراً على الاستضعاف في المجتمع العربي، كما في غيره.
وبقيام النساء يمكن أن يتغير وجه السياسة في البلدان العربية. ولكنه لن يتغير جوهرياً إلا بقيام المستضعفين كافة، نساء ورجال.

لكن النساء، في النهاية، أصناف، وقد انصب التحليل السابق على أوضاع عموم النساء. ورغم أهمية هذا المنظور التحليلي، فإنه لا يحوى كل الحقيقة. إذ هناك شرائح ضئيلة من النساء تتمتع بقوة ضخمة في البنية الاجتماعية بحكم انتمائها للفئات الضاغطة ، سياسياً واقتصادياً. وهذا حال التشكيلات الاجتماعية شديدة الانقسام ، والممعنة في التفاوت.
فعلى الرغم من هامشية عامة النساء في الحكم والمجتمع عامة، لم تعدم قلة قليلة من النساء نفوذاً واسعاً من وراء ستر، كثيفة أو رقيقة. وطبيعي أن يكون انتماء هذه الفئات " المحظوظة " من النساء لمن يمدونهم بالقوة، وليس لجمهور النساء أو عامة الناس.
وتكتسي هذه السمة أهمية خاصة في الطور الحالي لتاريخ الدول العربية حيث تتمحور مصادر القوة، في سياق إعادة هيكلة المجتمع على النمط الرأسمالي الطليق، من السلطة التقليدية: البزة الرسمية والحكم الرسمي، إلى رأس المال الكبير. إذ نشهد صعوداً متسارعا لحواشي الفئات الحاكمة تقليدياً، ولأصحاب رأس المال الكبير، ولحواريهم، وللانتهازيين من غيرهم، في مضمار القوة الجديد، يمكِّن منه إمساك الأهل والأصحاب بمقاليد السلطة القديمة، وإقامة الجسور مع المصالح الخارجية بتغلغل النفوذ الأجنبي في سياق " العولمة "، وبيع مشروعات القطاع العام، وغياب الضوابط المؤسسية لنظام السوق التنافسي، مما يشكل بيئة مثالية لتفشى الفساد.
بهذا التحول في مقومات القوة ، يمكن أن يصبح بعض النساء، أكثر من الشيوخ القاعدين على أريكة السلطة، قاهرين للمستضعفين من عموم الناس، بما في ذلك عامة النساء .
غير أن هذا الوضع المتميز لقلة لا يمنع من ضعف محصلة مشاركة المرأة بوجه عام في مجالات الاقتصاد والسياسة .

النساء في الاقتصاد والسياسة
تتوافر، من مصادر دولية، في سياق الاهتمام بقضية " النوع gender " في التنمية، مؤشرات على مشاركة النساء في الاقتصاد والسياسة. ورغم أن مثل هذه المؤشرات تغلِّب الشكل على المضمون، إلا أنها لا تخلو من دلالات مفيدة. ويتعين التوضيح، إضافة، أن هذه المؤشرات تتعلق أساسا بالنخب، وهى شديدة الضيق، وقليلة الصلة بعامة الناس، في بلد كالجزائر ، بالمقارنة بالدول الأكثر تقدماً. ويعنى ذلك أن القوة النسبية للنساء حسب هذه المؤشرات في البلدان العربية قد تبدو مبالغاً فيها. ويقارن الجدول التالي وضع النساء في البلدان العربية و دول شرق آسيا ( شاملاً الصين) والدول المصنعة ( شاملة دول أوربا الشرقية ( .
تدل المؤشرات المتضمنة في الجدول على قلة " تمكن " النساء في هيكل القوة في البلدان العربية بالمقارنة بكل من دول شرق آسيا الصاعدة وبالدول المصنعة، خاصة الأخيرة .

جدول (1)
مؤشرات على مشاركة النساء في الاقتصاد والسياسة، مصر والبلدان العربية
ومناطق في العالم، منتصف التسعينيات

الدول المصنعة شرق آسيا البلدان العربية نسبة النساء (%)
47.8 45.1 30 المهنيون و الفنيين
14.5 19.3 5.2 المجالس النيابية
11.3 2.3 3.1 وكلاء الوزراء
12.6 3.2 4.4 الوزراء


المصدر: برنامج الأمم المتحدة للإنماء، تقرير التنمية البشرية 1996-1995


ساسي سفيان
البريد الإلكتروني : [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | هل الرجل الخشن أكثر جاذبية؟.. حقيقة الافتراضا


.. صباح العربية | المرأة تنجذب للرجل المشاكس وليس اللطيف؟.. علم




.. معاناة النساء والفتيات في العام الأول لنزاع السودان


.. اليمن انهيار سعر العملة يزيد من معاناة النساء والأطفال




.. هناء العامري انعدام الثقة في قدرات النساء خلق مشهداً سياسياً