الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة اليسار المصرى .... دوائر الخروج

سمير الأمير

2011 / 10 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



تسيطر حالة الشعور بالأزمة على معظم اللقاءات والندوات التى تجمع فصائل اليسار والتى تهدف إلى صياغة جبهة يسارية للعمل المشترك، ويصعب تحديد ماهية تلك الأزمة التى يتفق الجميع على وجودها باعتبار أن معظم فصائل اليسار المصرى تعانى من ضعف العضوية وعدم القدرة على الحصول على مردود تنظيمى لنضالها فى أوساط العمال والفلاحين وتتعد تفسيرات اليساريين لأسباب تلك الأزمة فمنهم من يرى أنها أزمة على مستوى الرؤية، ويتحدث هؤلاء عن عجز التكوينات اليسارية عن إدراك طبيعة المرحلة التى يمر بها الوطن قبل وبعد ثورة 25 يناير ومنهم من يرى أنها نتيجة طبيعية لسقوط النموذج السوفيتى باعتبار أن الجزء الأكبر من اليسار المصرى كان مبهورا بذلك النمط من الاشتراكية ويذهب البعض إلى اتهام الفصيل الأكبر وهو حزب التجمع بالمساهمة فى تقليص حجم تأييد الجماهير لليسار وانه السبب المباشر فى أن كثيرا من العضوية المحتملة لليسار عزفت عن الانضمام للتجمع باعتبارهم كانوا يرون أنه بعد أن فقد الحزب حليفه الدولى( كما يفترضون) و كذا الحلفاء فى المنطقة العربية ولم يعد يشكل رؤيته فى إطار اشتراكى أممى أو اطار قومى ووحدوى عربى- أصبح مجرد حزب مؤيد للحزب الوطنى ولا سيما فى تبنى خطاب معادي لحركة الإخوان المسلمين بحجة الحفاظ على الدولة المدنية، الأمر الذى لم يكن مقنعا للجماهير المفترضة اليسار لأن الدولة كانت عائلية بامتياز ولذا اكتنفت مواقف قيادات الحزب الكثير من الريبة لكون تلك القيادات كانت معادية فى نفس الوقت للحركات الاحتجاجية كحركة 6 إبريل وحركة كفاية، مع تحفظنا طبعا على هذا الطرح إذ ضمت حركة كفاية الكثير من أعضاء الحزب الرافضين لنهج قيادته فى التعامل مع النظام السابق، هذا فضلا عن أن بعض أمانات حزب التجمع فى المحافظات كانت تتصرف بمنأى عن آراء قيادته ومن ثم فتحت أبواب المقرات لكفاية وغيرها؛ و على الرغم من أن ذلك كان يعنى أن حزب التجمع فى مجمله ظل مبادرا ومتعاطيا مع القضايا الوطنية ببوصلة التوجيه اليسارى الذاتى التى تنحاز دائما إلى حركة الجماهير بغض النظر عن سياسة " الأسقف الواطئة “ أو العلاقات السياسية لقيادة الحزب بالنظام، والتى بررتها القيادة بأنها محاولات للنجاة بالحزب وسط عواصف وأنواء حركات الإسلام السياسى ووسط تآكل العضوية بالإضافة إلى الترويع الأمنى الذى كان النظام يمارسه على الأعضاء الرافضين حالة الهدنة مع النظام والذين كانت لهم قبل الثورة تحليلاتهم المستقلة عن القيادة المركزية إلا أنه من الإنصاف أن نقول أن هذا الاستقلال عن المركز أدى بعد الثورة إلى سهولة وسيولة حالة الهروب الكبير من حزب التجمع وتشكيل أحزاب أخرى عوضا عن خوض نضال داخلى لاستعادة الحزب كحزب اشتراكى مصرى يمثل إمكانية العمل المشترك التى يشعر اليساريون بالحاجة إليها الآن، ومن ثم وجدنا قيادات مثل أبو العز الحريرى وعبد الغفار شكر يدشنان حزبا جديدا هو " التحالف الشعبى الاشتراكى " على الرغم من اعتقاد كثيرين أن الأخير كان مسئولا مسئولية مباشرة عن سياسة التوافق والتراضى التى أدت لحالة الجمود داخل الحزب، وأيضا تم الإعلان عن تأسيس الحزب الاشتراكى المصرى ورغم أن قيادته ضمت مستقلين عن التجمع مثل المهندس أحمد بهاء شعبان إلا أن الحزب أيضا حصل على عدد غير قليل من الأعضاء البارزين المستقيلين من حزب التجمع والحزب الشيوعى المصرى كالدكتور سالم سلام القيادى البارز فى حركة 9 مارس والأستاذ مصطفى مجدى وهو باحث ومترجم معروف والدكتور عبد العزيز عبد الحق أحد قيادات الحركة الطلابية فى المنصورة فى نهاية السبعينيات، وشهدنا أيضا فى هذه المرحلة التى أعقبت سقوط مبارك إعلان الحزب الشيوعى المصرى تخليه عن العمل السرى ومن ثم استقال معظم أعضاؤه من حزب التجمع كالأستاذ سيد شعبان أمين تنظيم التجمع السابق، هذا فضلا عن حزب العمال الديموقراطى بقيادة كمال خليل، الذى حصل أيضا على نصيبه من المبتعدين عن حزب التجمع بعد ما تم الترويج لفشل صيغته( التوافقية) التى جمعت بين كل هؤلاء ومعهم الناصريين فى بداية تأسيس الحزب،
وفى تقديرى إن السبب الرئيس لتلك الفوضى التنظيمية التى أصابت اليسار بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 لا يرجع إلى أن تعدد الفصائل والأحزاب اليسارية يعبر عن خلافات جوهرية أو أنه مبنى على ضرورات موضوعية ولكن على العكس تماما، إذ يصعب على أى باحث أن يكتشف أية فروق جوهرية بين تلك الفصائل، تماما كما يسهل على مرتادى المقاهى السياسية و(مجالس النميمة) إدراك أن الشخصانية و التعنت والرغبة فى تصدر المشاهد من جانب وانسداد قنوات التعبير داخل الحزب الأكبر لليسار فضلا عن تشبث القيادات بمواقعها من جانب آخر هما السببان الجوهريان لحالة التعدد الكاذب للقوى اليسارية وأن تغييرا فى فكر القيادة مع قدر من التجرد كفيل بجمع هؤلاء فى حزب واحد، وهذا ما ثبت صحته من خلال مؤتمر قوى اليسار بالدقهلية والذى عقد فى 14 سبتمبر 2011 بقصر ثقافة المنصورة والذى شهد حضورا كثيفا من الجماهير واستجابة من جانبها لما طرحه اليساريون على اختلاف فصائلهم ولكن نفس الجماهير بدأت تنفض حين شرع المؤتمرون فى فتح باب المناقشة التى أظهرت أن كل هؤلاء ينتمون لذات الرؤى وبعدها صرح القيادى عبد العظيم الطريفى المستقيل من التجمع والمنضم إلى التحالف الشعبى قائلا " بعد هذا المؤتمر لا أجد مبررا لعدم وجودنا فى حزب واحد" وهذا ما ذكرنى بمقولة محمود درويش “ تتكاثر الأحزاب والطبقات قلت يا رفيق الليل" إذ لم يعد التهميش والإفقار مقصورا على العمال والفلاحين بعد تآكل الطبقة الوسطى وبعد أن أصبح المجتمع مقسوما بين طبقتين فقط ( أغنياء وفقراء) وأصبح يسهل على اليسار أن ينادى " يا فقراء العالم اتحدوا “ ليشمل النداء العمال والفلاحين والموظفين والحرفيين وليشكل الواقع الجديد فرصة للإبداع النظرى فى فكر اليسار غير مسبوقة بشرط أن يقبل اليساريون بغلق العقليات القديمة والانفتاح على آفاق المتناقضات الجديدة التى فاقمتها سياسة العولمة والتى شكلت شروطا مواتية لصعود اليسار فى أمريكا اللاتينية وعودة نفوذه جزئيا فى أوربا,
كيفية الخروج من الأزمة
إننى أختلف مع كل الداعين لهذا القدر من التعدد باعتبار أنه إضافة إلى قوى اليسار لأن الأحزاب الجديدة ليست جديدة بالمعنى الحرفى ولكنها أجزاء سقطت من المبنى الرئيسى لليسار المصرى بفعل إهمال البناء العام لليسار، أو- لكى لا نتهم بالتشيؤ _ هم أنا س مخلصون لم يجدوا سبيلا للتعبير عن تمايز رؤيتهم وفشلوا فى زحزحة القيادة القديمة التى تمتلك المال والوجاهة الإعلامية وتستند إلى علاقاتها القوية بالسلطة وبلجنة الأحزاب سيئة السمعة قبل الثورة، تستند إلى كل ذلك فى تثبيت مواقعها التنظيمية والتشبث بعجلة القيادة بغض النظر عن الاتجاه الذى تمضى فيه، فما الذى يشكل دوائر الخروج من تلك الأزمة، فى تقديرى أن الأمر يحتاج إلى عدة مراحل، تبدو لى كالتالى:-
فى المرحلة الأولى تقدم القيادات الحالية مراجعة ونقدا ذاتيا لمواقفها التنى أدت إلى عزل اليسار عن جماهيره ومحبيه ومنها على سبيل المثال لا الحصر الاشتراك فى تضليل الناس عبر شرعنة الانتخابات المزورة فى ظل النظام السابق والتى وصل الأمر لتزويرها لصالح مرشحى التجمع كما حدث فى الدقهلية ودمياط الذين نجحوا بمساعدة الأمن فسقطوا فى أعين الناس وفقدوا الكثير من شعبيتهم، وبعد ذلك تتخلى قيادة حزب التجمع عن مواقعها وتدفع بالقيادات الجديدة من الشباب الذين كانوا فاعلين فى التحرير إبان الثورة،
والمرحلة الثانية، تدعو قيادات اليسار الجديدة لحوار حول العمل اليسارى المشترك فى المستقبل بعد الاتفاق على رؤية مشتركة تمثل الحد الأدنى الذى لا خلاف فيه وتنظر تلك القيادات فى إمكانية الاندماج فى كيان يسارى كبير يعترف بقوانين الوحدة والصراع ويعود للاحتكام للاشتراكية العلمية فى إدارة الخلاف ويدين كل أشكال الانتقامات الشخصية أو شخصنة الخلافات السياسية، ويعتمد الأسلوب الديموقراطى أسلوبا وحيدا يشمل كل جوانب العمل الحزبى متخليا عن نهج التوافق والتراضى الذى ساد فى الفترات السابقة.
وفى المرحلة الثالثة، يعوض اليساريون العجز فى العضوية بعمل حملات إعلامية واعتماد لغة البيان السياسى لإظهار الرؤية اليسارية فى حل كل الأزمات التى تعصف بالمجتمع المصرى وتؤكد تلك البيانات الانحياز الطبقى للعمال والفلاحين والفقراء وتتوقف عن طرح الأسلوب الإصلاحي فى إطار النظام الرأسمالى إذ لا مصلحة لليسار ولا لجماهيره فى إعادة إنتاج النظام الرأسمالى المبنى على اقتصاديات الربح، وعوضا عن ذلك الانحراف تتبنى الحركة اليسارية نمط اقتصاد الإنتاج والتشغيل وتدعو لعودة الاشتراكية باعتبارها إمكانية هائلة لنهوض المجتمع المصرى مرة أخرى، وفى خضم ذلك على اليساريين كشف فضائح ومخازى الاقتصاد الريعى الذى يفقر الفقراء ويغنى الأغنياء ويعين العمال بعد أن يجبرهم على كتابة استقالاتهم قبل استلام العمل، وأخيرا أقول كما قال السيد المسيح لحواريه- بعد أن تأكدنا أن غياب اليسار عن العالم قد ألحق الضرر بمكتسبات الإنسانية ومكن الرأسمال المتعولم من رقاب البشر والدول وسمح للرأسمالية الشرسة أن تدمر بلدان بأكملها - أقول لهم "أيها الاشتراكيون أنتم ملح الأرض فإذا فسدتم فبما ذا يملح به ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل معلومات حضرتك عن اليسارمن هيئة الاستعلامات
بشير صقر ( 2011 / 10 / 20 - 00:46 )
واضح إن الكاتب يعر ف اليساريين من خلال المطبوعات الرسمية ؛ لأنه لو كان يقرأ حتى الجرائد المستقلة كان الأمر سيختلف. وعموما هو يفكرنى بأهل الكهف و بالعسكرى اليابانى الذى كان مختبئا فى الغابات منذ آخر حرب دخلتها اليابان.. وظهر منذ سنوات قليلة؛ كان الله فى عونك


2 - أشكرك
سمير الأمير ( 2011 / 10 / 21 - 11:33 )
أشكرك علىتعليقك
الذى يشى بمدى عمق بصيرتكم- ومعذرة لاعتمادنا على الهيئة العامة للاستعلامات-
ونرجو من سيادتكم التكرم بإرسال أسماء المصادر التى ترغبون فى أن نعتمد عليها فى المقال القادم

اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد