الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرفاء بين الحقيقة والوهم: شرفاء سيدي بويعقوب نموذجا -16-

اسماعين يعقوبي

2011 / 10 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


منطلقات الرواية الشفوية وتناقضاتها:

مجموعة من المآثر لازالت موجودة لحدود الساعة وتشكل الأرضية الصلبة للرواية الشفوية ألا وهي: آثار ركبة الناقة, زقاق أبي يعقوب, البئر, مغادرة كروان للمنطقة..., في حين تبقى أخرى غريبة عن الواقع: نور سماوي, الرؤيا, التوجه إلى بلدة أسول والتي كانت تسمى آنذاك امجران...مما يستدعي استحضار معطيات أخرى ومراجع قصد كشف خليط الواقع والأسطورة والفصل بينهما.

من تفكيك الرواية الشفوية ومقارنتها بروايات ووقائع أخرى, يتضح ما يلي:

_ طريقة دخول أبي يعقوب يوسف إلى أسول, طبعا إذا أقصينا رواية دخوله فارا بفرسه, فيها كثير من الاستحضار لطريقة دخول الرسول إلى المدينة من حيث الوسيلة والطريقة, حيث انه ترك ناقته تمشي وحين يسأله البعض ممن كان يلتقيهم في الطريق يجيبهم: "نسول آر تسول " NSSOUL AR TSSOUL أي الطريق مستمرة حتى تسول .
_ بخصوص الرؤيا التي كانت تتراءى لأبي يعقوب يوسف, والنور السماوي, فقد أورد عبد العظيم الزموري رواية مماثلة حول رجل من المدينة المنورة اسمه إسماعيل أمغار (أي جد أبي عبد الله أمغار) تماثلت له رؤيا في نومه تأمره بالرحيل إلي المغرب لينفع الناس ببركاته. فاصطحب معه اخوين له يعقوب وأبي زكرياء إلي حيث قادهم نور سماوي إلى منطقة تيط, حيث استقبله السكان من صنهاجة ودكالة استقبالا حسنا.
ولم يلبث أن حظي بالإجلال والتقدير من قبل السكان الصنهاجيين فزوجه زعيمهم بابنته التي رزق منها بإسحاق الذي كان على خلق أبيه زاهدا متعبدا.
إن هاته الرواية والتي هي رواية طبق الأصل للرواية الشفوية المنتشرة بالمنطقة, كما تخص نفس الأشخاص: يعقوب, إسماعيل وأبو زكريا مع اختلاف كبير من حيث الفترة الزمنية المعنية.
وفي هذا السياق, يسجل الأستاذ صباح إبراهيم الشيخلي حسب ما أورده جنبوتي : "تكمن أهمية مجتمع آل أمغار في أزمور _كما سجلها بن عبد العظيم_ في رغبة إسماعيل أمغار القيام بالإصلاحات الدينية بين الصنهاجيين هناك. وقد خرج للغرض نفسه إخوة إسماعيل, أبو زكريا ويعقوب من مدينة أزمور إلى المناطق جنوبها. فبينما استقر أبو زكريا في منطقة خاصة (جنوب أم الربيع) توغل أبو يعقوب إلى الصحراء..."
_ العقارب التي تشير إليها الرواية ومغادرة السكان الأصليين للمنطقة, نقلته كتب التاريخ حيث أن المنطقة عمها الجفاف واكتسحتها العقارب والأفاعي مما اضطر قبائل كروان إلى المغادرة في اتجاه مناطق أخرى, حيث يشير Leconte إلى انتشار المجاعة بسبب نقص الماء والذي دام لعشر سنوات والذي تعمق بانتشار الأوبئة .
كما أشار Léon l Africain إلى الانتشار المثير للأفاعي في المنطقة والتي تتحرك في المنازل كما الكلاب والقطط .
فالجفاف, المجاعة والأوبئة أدت إلى نزوح الساكنة إلى مناطق أقل تصحرا.
_ كما أن هناك رواية هي اقرب إلى قصة علي بابا والأربعين لصا, حيث أنه بعد توقيع معاهدة صلح بين قبيلتي أيت الياس و أيت ويليد اللتان كانتا متواجدتين بالمنطقة, وذلك بحضور أبي يعقوب يوسف, نقض أيت الياس العهد وقتلوا أربعة أفراد من قبيلة أيت ويليد. فاشتكى هؤلاء إلى أبي يعقوب فقال لهم: سوف يخلف لكم الله أربعة بأربعين.
وللإيقاع بأيت ويليد, جهز أيت الياس عشرين خيلا تحمل صناديق وفي كل منها رجلين على شكل هدايا تحت ذريعة إصلاح ذات البين بين القبيلتين. إلا أن أيت ويليد اكتشفوا الخدعة وقاموا بقتل الأربعين رجلا وهكذا خلف الله أربعة بأربعين.
_ كان لعبد الله أمغار الذي عاصر الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين, وتوفي سنة 537 ه, سبعة أبناء , هم نفسهم الذين تشير إليهم الرواية الشفوية, وهذا يدل على نقل لرواية وقعت في مكان وزمان آخر, حيث أن أبا يعقوب يوسف بن عبد الله أمغار توفي سنة 614 ه ودفن بتيط قرب أبيه حيث يقول بن الزيات : أبو يعقوب يوسف بن محمد ابن أمغار الصنهاجي, من أهل رباط تيط نفطر من بلد أزمور وبه مات في الثاني من شوال عام ستمائة وأربعة عشرة هجرية, وأبوه أبو عبد الله محمد وجده أبو جعفر أمغار أخوه أبا عبد الخالق بن أبي عبد الله محمد.
إن هذا الخلط ينطلق من تشابه الأسماء وتعددها, حيث بالإضافة إلى وجود أبي يعقوب يوسف في الروايتين, هناك أبو عبد الله أمغار الكبير والصغير والأصغر, والذين ينتمون جميعا إلى نفس الشجرة ولهم علاقة قريبة أو بعيدة بأبي يعقوب يوسف موضوع مقالاتناهاته.

ومن تناقضات الرواية الشفوية:

إن التمحيص في الرواية الشفوية, والتدقيق في تفاصيلها, يوصلنا إلى تناقضات داخلية وجبت الإشارة إلى أهمها:

_ تقول الرواية إن أبا يعقوب يوسف استوطن المدينة رفقة أخوين له وهما إسماعيل وزكريا, ثم تؤكد على أن أبا يعقوب هو ابن أبي عبد الله أمغار الكبير الذي أنجب سبعة أولاد وهم: أبو عبد الخالق, أبو يعقوب يوسف, أبو محمد عبد السلام, أبو محمد عبد النور, أبو الحسن عبد الحق (عبد الحي), أبو عمر ميمون وأبو محمد عبد الله. إسماعيل وزكريا ليسا ضمن أبناء عبد الله أمغار, اللهم إن كانت الأخوة من جهة الأم وهو ما لم تشر له الرواية.
_ اسم زوجة أبي يعقوب يوسف هو أم سليمان, وقد امتنعت عن الزواج حتى أتاها رجل من المدينة. وقد أنجبت له سبعة أبناء وهم مولاي إسماعيل, مولاي عيسى, مولاي احمد, مولاي عبد الكريم, مولاي مومن, مولاي عبد الواحد ومولاي عبد الرحمان, أي انه لا وجود لابن يحمل اسم سليمان,
_ نفس الشيء ينطبق على أبي يعقوب يوسف, فالمفترض أن يكون من بين أبنائه من يحمل اسم يعقوب كما درجت العرب على ذلك.
_ تشير الرواية إلى أن أبا يعقوب توفي أواخر القرن العاشر الهجري, وهو بن أبي عبد الله أمغار الذي عاش في القرن السادس الهجري وعاصر علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي.
_ هذا الخلط يظهر جليا في قول أم سليمان: خرج الشيخ أبو يعقوب الحسني إلى البحر ليلا, فأغلق الأبواب دونه فنمت ساعة حتى انتبهت فلم أجده في البيت, فافتقدت الأبواب فوجدتها مغلقة كما كان أولا فلا أدري أين يدخل فتعجبت من ذلك. فعن أي بحر تتحدث إذا كان الأمر يتعلق ببلدة أسول.
_ إن عدم وجود بلدة باسم أسول وكذا اللغة التي تحيل إلى الأمازيغية "نسول آر ..." بدل اللغة العربية المفترض أن يتحدث بها, لمن تناقضات الرواية. إضافة إلى أن التصاق ركبة الناقة بالأرض, وحسب نفس المنطق, كان يعني وجوب إنهاء الرحلة.
_ ينضاف إلى هذا التناقض, ما يقال انه حذوة فرس لازالت آثارها في منطقة أخرى, ويقال إن أبا يعقوب كان ممتطيا إياه فارا من أعدائه في كلميمة.
_ نفس الشيء بالنسبة لرواية مغادرة المدينة المنورة, حيث إن رواية الازموري وقعت في القرن الخامس الهجري, في حين يتم إسقاطها على القرن العاشر الهجري. ومما يدل على هذا النقل غير السليم لأحداث يمكن أن تكون وقعت في زمان آخر, كون أبي يعقوب يوسف هو ابن أبي عبد الله أمغار الصغير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي