الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلاسفة المُقنَّعون في المجتمع العربي

طارق قديس

2011 / 11 / 1
كتابات ساخرة


إن من أكثر ما يثير الانتباه في مجتمعنا العربي حول النمط السلوكي للإنسان فيه، هو وجود نوعٍ من الناس – في الغالب - يعتبر نفسه وبقرارة ذاته فيلسوفاً لا يُشق له غبار، فهو يعرفُ كل شيء، حتى وإن لم يختم العلم. إن تسأله في الفلك تجده جاليليو جاليلي. إن تسأله في الكيمياء تحسب نفسك أمام أحمد زويل. إن تبادله أطراف الحديث في السياسة تظن المحاور هنري كيسنجر.. حتى وإن تطرقت في كلامك إلى الطبخ تجده ولا الشيف رمزي!

وهذا النوع منتشرٌ بشكل ملفتٍ للنظر، ويزداد انتشاراً يوماً بعد يوم، فأنا لو استحضرتُ بذهني عدد الأشخاص الذين كانت إجابتهم على أيٍّ من أسئلتي بـ "لا" خلال فترة حياتي كلها حتى هذه اللحظة فلن يكون بالعدد الكبير. فأغلب من دارت بيني وبينهم حوارات بدا لي وكأن المعرفة لديهم معرفة بيولوجيِّة قد اكتسبوها مع حليب أمهاتهم في المهد. فهم يعرفون أين اختفى موسى الصدر المجهولُ مصيرُهُ في ليبيا منذ سنوات، وأين كلم الهدهد سليمان النبي، ومن كان وراء اغتيال الرئيس جون كيندي، وهل قُتل الرئيس ياسر عرفات حقيقةُ أم مات ميتة طبيعية. هذا كله بالإضافة إلى معرفتهم بأسماء قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري واحداً واحداً وبالأدلة الدامغة!

باختصار هم يعرفون كل شيء ويقبضون بأياديهم على مفاصل الحقيقة، والتي لولاهم لكانت في خبر كان، فهم حرّاس عليها، يملكونها لكنهم – مع الأسف - لا يملكون سلطة القرار، لا يملكون سوى أن يلقوا بها أمام أي شخصٍ يواجههم، وذلك فقط لإثبات أنهم مثقفون .. بل أكثر من ذلك، أنهم فلاسفة.

والحقيقة أننا لو تعمَّقنا فيمن هو الفيلسوف لوجدنا أنهم قلبوا المصطلح برمَّته وأوقفوه على رأسه بدلاً من قدميه، فالفيلسوف ليس هو الشخص الذي يمتلك الإجابة بين يديه لا محالة، لكنه الشخص دائم البحث عن الإجابة، وليس بالضرورة أن يتوصل إليها. فالفلاسفة يجتهدون في إجاباتهم ويقودون غيرهم للوصول إلى الجواب الأقرب للمنطق، ولا يتأخرون بنفي معرفتهم للجواب عند مواجهتهم بالسؤال، وما من فيلسوف يمكن أن نقلده الميدالية الذهبية للإجابة على أهم الأسئلة التي يواجهها الذهن البشري منذ آلاف السنين حتى عصرنا هذا.

إن الفلاسفة يُدهشهم كلُّ شيء في هذا الكون، ويثيرهم الفضول حيال كل صغيرة وكبيرة فيه، فيثيرون الأسئلة مهما كبرت ويفككون ألغازها مهما صَعُبَتْ، سعياً وراء اكتشاف إجاباتٍ يأملون أن تقارب الكمال، وهم بذلك ينطبق عليهم قول جوستاين غاردر في روايته الشهيرة (عالم صوفي): "وحدهم الفلاسفة يمتلكون شجاعة السير في الرحلة الخطيرة التي تقودهم إلى أقصى حدود اللغة والوجود .."

فأين هؤلاء الذين يرفعون أنفسهم إلى مصاف الفلاسفة من هذا الوصف؟ إنهم على النقيض منه، ولا يستحقون حتى أن يقتربوا من فضائه قيد أنملة، ولا بد للأقنعة التي يختبئون خلفها أن تسقط عن وجوههم في يوم من الأيام. ولا بد أن يحدث لهم كما حدث لذلك الأعرابي، ذلك الذي ادعى الاطلاع وسعة المعرفة معتمداً على سرعة بديهته، إلى درجة جعلت قومَه يضيقون به ذرعاً، وينصبون له فخاً باختراع كلمة لا معنى لها لكي يسألوه عن معناها وكانت كلمة (خنفشار)، فما كان منه عندما سُئِلَ عن معناها إلا أن قال: "الخنفشارُ هو نبات جبليٌّ يَمَنيٌّ يُستخدم في ادرار لبن الماعز، وهو كما قال عنه الشاعر: لقد جَذبَتْ مَحَبَّتكم فؤادي كما جَذبَ الحليبَ الخنفشارُ." فتبين عندها للجميع بالدليل والبرهان كذبُهُ وزورُ كلامه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع