الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام حسين و موسوعة ألعذاب

جورج منصور

2004 / 12 / 17
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في ألذكرى ألاولى لآعتقال الدكتاتور
صدام حسين و" موسوعة ألعذاب"

في ألاول من آب( أغسطس) 2003، زارني في مكتبي في شبكة ألاعلام ألعراقي في قصر ألمؤتمرات ببغداد، ألزميل وألصديق حميد مراد، رئيس ألجمعية ألعراقية لحقوق ألانسان في الولايات ألمتحدة ألامريكية، والذي كان قد ألتحق متطوعا بأفواج ألمقاتلين ألعراقيين ألرواد الذين دخلوا ألعاصمة بغداد بعد سقوط ألصنم مباشرة، بمهمة لوجستيكية. وكانت مناسبة سارة حقا أن ألتقيه سالما معافى بعد أن انقطعت أخباره في تلك ألايام ألعصيبة. ومما زاد سروري، انه أهدى لي ألكتاب ألاخير ألذي كان يطالعه صدام حسين في غرفة نومه، حسب ما جاء في أهدائه لي: " أهدي لك هذا ألكتاب وكان هذا ألكتاب عند رأس صدام في قصر ألنداء أحد قصور نادي ألفارس ألعربي على طريق ألمطار".
وألمفارقة أن ألكتاب لم يكن كتابا عاديا، بل كان المجلد الأول من سبعة مجلدات تحت عنوان "موسوعة ألعذاب" لمؤلفه ألباحث الديمقراطي ألعراقي والمحامي ألمعروف الأستاذ الراحل عبود ألشالجي، وألصادر عن ألدار ألعربية للموسوعات، بيروت 1999.
ولكي يتعرف ألقارئ ألكريم على طبيعة المجلد الأول من هذه ألموسوعة القيمة، أستعرض ما جاء في فهرس ألكتاب الأول من عناوين في ألصفحة 549 منه:
ألباب ألاول: ألشتيمة
ألفصل ألاول: ألشتيمة مع ذكر ألله تعالى. وألشتائم على ألنفي( أي ألمسبوقة بلا). وشتائم مختلفة
ألفصل ألثاني: شتائم غير موجعة
ألفصل ألثالث: ألمعايرة.....
ألقسم ألاول: ألمعايرة بالعاهة
ألقسم ألثاني: ألمعايرة بالصناعة
ألقسم ألثالث: ألمعايرة بالنحلة
ألقسم ألرابع: ألمعايرة بالنسب
ألقسم ألخامس: ألمعايرة بالابوين
ألقسم ألسادس: ألمعايرة بالصفات ألسيئة
أ – ألمعايرة بالصفات ألخلقية
ب- ألمعايرة بالصفات ألعارضة
ألفصل ألرابع: ألفاظ مختلفة في ألشتم...
ألقسم ألاول: تسمية ألمشتوم باسم حيوان
ألقسم ألثاني: مجموعة ألفاظ في ألشتيمة
ألفصل ألخامس: ألرفث في ألشتيمة ...
ألفصل ألسادس: طرائف في ألشتم
ألباب ألثاني: ما يشبه ألشتيمة...
ألفصل ألاول: ألعفطة...
ألفصل ألثاني: ألشتم بالاشارة أو ألتعريض...
ألفصل ألثالث: ألثفل...
ألفصل ألرابع: عرك ألاذن...
ألفصل ألخامس: ألسحب...
ألفصل ألسادس: ألحصب...
ألفصل ألسابع: ألحذف بما في أليد...
ألفصل ألثامن: ألالجام...
ألفصل ألتاسع: ألعذاب بالتغطيس في مستودعات ألقذر
ومن يتصفح المجلدات الستة الأخرى سيجد العجب العجاب في أساليب قهر الناس وقتلهم التي كان يمارسها المستبدون خلال العهود المنصرمة والتي عاش في ظلها سكان العراق الطيبين. وإذ كان المجلد الأول يبدأ بمسائل الشتم، فأن المجلد السابع ينتهي بمختلف أساليب القتل والتمثيل بالجثث (المُثلة).
ولكن، لماذا كان صدام حسين يقرأ هذا الكتاب، وهو يقترب من توديع أيام النعيم والبذخ والتسلط والعنجهية والقسوة...ألخ؟.
أسوق هنا ما جاء في الكتاب الأول من موسوعة العذاب وعلى لسان الأستاذ الراحل عبود ألشالجي في تعريفه للعذاب: "ألعذاب شعبة من شعب الظلم، والظلم في أللغة: وضع الشئ في غير موضعه، وفي الاصطلاح: ايذاء الناس وآنتقاص حقوقهم، وهو خلاف التقوى التي هي مخافة ألله، والعمل بطاعته".
ثم يأتي الكاتب بالاية ألكريمة التالية والتي تتحدث عن الظلم:
( فقطع دابر ألقوم الذين ظلموا) 45 ك الانعام 6.
ويورد ما قاله النبي محمد حول ألظلم: ( الظلم ظلمات يوم القيامة) و ( من أعان ظالما، سلطه الله عليه).
ومن المفارقات الجميلة، ان الكاتب يتحدث وكأنه يقصد صدام حسين بالتحديد، حين كتب: "والتأريخ مشحون بأخبار قوم بغوا وظلموا، فمنهم من عوجل، ومنهم من أمهل، غير أن عاقبة ظلمه لحقت أولاده وأحفاده وأهل بيته، مصداقا لقول النبي صلوات الله عليه: من خاف على عقبه وعقب عقبه فليتق الله".
ويستطرد الكاتب وكأنه يريد ان يذكر صدام بعاقبته، فيقول: "وقد ابتلى الناس في مختلف أدوار التأريخ بأشخاص قساة ظالمين، ظلموا، وعذبوا، ونكلوا، واستأصلوا، وأبادوا أمما من ألناس، فكانت عاقبة هؤلاء الظالمين البوار، وتردت أسماؤهم بأردية العار والشنار".
وعن علاقة العذاب بالدين الإسلامي، يقول الكاتب:" ولم يكن العذاب ممارسا في صدر الإسلام، فأن الإسلام جاء بالسلام، والمودة، والعطف والرحمة، وشعاره أن لا إكراه في ألدين".
ثم يتحدث عن وصية لإبي بكر الصديق موجهة إلى أمراء جيشه، حيث يقول لهم:" لا تخونوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، وسوف تمرون بقوم قد فرغوا أنفسهم في ألصوامع ( يريد الرهبان) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له".
ويذكر ما كان الإمام علي بن أبي طالب يوصي قواته:" لا تقاتلوا القوم حتى يبدأوكم، فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تدخلوا دارا إلا بإذن، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم الا ما وجدتم في معسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى، وان شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم وصلحاءكم".
وبعد ان يستطرد ألكاتب في حديثه عن فترة تسلط ألأمويين على الحكم وكيف تغيرت الامور عما كانت عليه في عهد ألخلفاء ألراشدين. يكتب عن ظالمين من أمثال زياد بن أبيه وعبيدالله بن زياد والحجاج بن يوسف الثقفي والمنصور والمتوكل والقاهر وغيرهم، فيخلص الى: "أن هؤلاء الظالمين، الذين ضربوا أسوء الأمثال، في الظلم، والقسوة، والبغي، سود التأريخ صفحاتهم، ولاقوا ببغيهم سوء المصير، وتحقق فيهم قول النبي صلوات الله عليه: من خاف على عقبه وعقب عقبه فليتق الله، فأن هؤلاء الذين لم يتقوا الله، وبغوا، وظلموا، كانت عاقبتهم أن انقرض عقبهم، فلا ترى من نسلهم أحدا".
ثم يعدد ألكاتب مجموعة كبيرة من ألوان ألعذاب في هذا الجزء من الكتاب، وهي الأساليب المهدرة أساساً لكرامة الإنسان ويرتقي بها إلى أساليب التعذيب النفسية والجسدية، ابتداءً من ألشتيمة بأصنافها الى التصرفات التي تقوم مقام ألشتيمة كالعفطة والاشارة باليد وعرك ألاذن وصولا الى العبث ببدن ألانسان بعد موته (المثلة).
ويأتي بألوان من ألعذاب" يقشعر البدن من تصورها، ويحتبس اللسان عند ذكرها، ويرتعش القلم عند اثباتها وتدوينها، تدل على مقدار ما في بعض الناس، من وحشية لا ينتمي إليها حيوان ألغاب" – حسب الكاتب.
ويختتم الباحث الكبير عبود ألشالجي مقدمته، فيكتب: "وكنت أرغب في أن أستمر في ألبحث مسلسلا، فأصل ألعهود الماضية، بالعهود الحاضرة، ولكن بعدي عن مكتبتي، وهي في بغداد، اضطرني الى ان أقتصر على ما جمعت، تاركا لغيري من الباحثين، ان يصل ما قطعت، وأن يتم ما بدأت، وأن يضيف الى هذا الكتاب، ما يصل الى حاضر ألايام".
هل تأخر صدام حسين كثيرا في ألوصول الى هذه ألموسوعة ألمهمة وقراءتها والتمعن في معانيها والتعلم منها والاخذ بالايات ألكريمة ألواردة فيها، قبل أن يقترف أبشع ألجرائم ضد شعبه وناسه وأقاربه ورفاقه وجيرانه أو حتى بعض أفراد عائلته، أم أنه كان يريد أن يتعلم المزيد مما ورد من أساليب المستبدين في إيذاء وتعذيب الإنسان، وهو لا يعرف بأنه قد تجاوزهم جميعاً بما مارسه وأجهزته بحق الشعب العراقي؟
يبدو لي بحق أن صداماً لم يقرأ هذا الكتاب إلا ليتعلم منه أساليب جديدة في إهانة الإنسان وتعذيبه وقتله والتمثيل بجثته مستفيداً من المستبدين الأوائل الذين خلفوا له تركة كبيرة جداً في هذا الصدد. لقد كان ألأولى بهذا الدكتاتور الأهوج أن تكون دروس التاريخ العراقي عبرة له وأن يمارس العدل والرأفة والرحمة بالناس وأن يكون وفيا لشعبه ووطنه. لا مستبداً خائناً لقضية الإنسان في العراق. لقد كان صدام عادلاً في قضية واحدة، في توزيع الإرهاب وكم الأفواه والقمع وقطع الرقاب والعقوبات الجماعية. من كانت هذه سياساته فليس هناك أفضل من الموقع الذي اختفى فيه خشية غضب الناس وانتقامهم، في تلك ألحفرة ألحقيرة، والتي أخرج منها بالطريقة المزرية لتي شاهدناها من على شاشة التلفزة في سائر أرجاء العالم. أنه المصير الأسود الذي ينتظر جميع المستبدين في العالم. وهي في كل ألأحوال، في ألذكرى ألأولى لاعتقال صدام حسين، عبرة لمن اعتبر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان