الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقتل القذافي وشبح بناء الدولة

وديان حمداش

2011 / 11 / 7
حقوق الانسان


هكذا طويت صفحة العقد الأخضر، بعد معارك طاحنة بين أبناء الوطن الواحد، تحولت فيه ليبيا إلى مدن أشباح تفوح منها رائحة الموت وتكسوها الدماء. تحقق هدف ثورة 17 فبراير بسقوط النظام ومقتل العقيد معمر القذافي، بعد أن أجمع علماء الدين والسياسة معا على إحلال دمه. فيوسف القرضاوي رأى فيه الطاغية الذي أباد شعبه وبالتالي يستحق القتل، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، رأت فيه زعيما فقد شرعيته وحان الوقت لإستبداله. قضي الأمر وقتل القذافي تحت أنظار العالم، مشهد مأساوي لبطل قصة درامية دامت لأكثر من أربعين سنة.

عاش ملك ملوك افريقيا أيامه الأخيرة على أكل الأرز المسروق من منازل المدنيين، متنقلا من دار إلى دار ومن زنقة إلى زنقة باحثا عن الأمان، هكذا وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أيام القذافي الأخيرة. وبالرغم من الصعوبات التي واجهها ، قرر العقيد الإستمرار في دور البطولة الوهمية حيث رفض مغادرة ليبيا وفضل الموت بين أهله وقبيلته بأرض المحيا، معتبرا موقفه «التزاما أخلاقيا اتجاه شعبه». تحقق المراد وقتل القذافي في مدينة سرت، مسقط رأسه، بعد أسره من قبل الثوار في مشهد مأساوي لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر، فقد رجم الرجل بالحجارة، عذب وضرب وبصق في وجهه، وهتك عرضه بالعصا، كما اظهرت بوضوح لقطات الفيديو التي جرى نشرها على «اليوتيوب» . ولم يكتفوا بهذا القدر من الإهانة فعرضوا جثته الشبه عارية على أنظار العالم .

إن هذا العمل اللانساني، جعل بعض المراقبين والمتابعين للشأن الليبي يتساءلون عن مستقبل العلاقات بين القبائل الليبية، والخوف من إشتعال حرب أهلية قد تحرق الأخضر واليابس وتدخل ليبيا إلى حقبة الفوضى والعنف والإنفلات الأمني—سيناريو العراق بعد إعدام صدام. هذا ما تنبا به ياسين مالك، رئيس جبهة تحرير جامو وكشمير، في بيان رسمي لوكالة «فرانس برس»، حيث وصف مقتل القذافي بأنه "عمل إرهابي وغير إنساني، ولن يؤدي إلا إلى تعميق البغض والعداء وعدم الإستقرار". هذه التوقعات بدأت تطفوا على السطح وتتحقق على أرض الواقع، فقد تم بالفعل تنفيذ سلسلة من الهجمات الإنتقامية ضد مؤيدي القذافي، فحسب تقريرنشرته ( بي بي سي الإخبارية) فإن أكثر من ثلاثمائة جثة لأنصار القذافي تم دفنها في مقابر جماعية بمدينة سرت. ويقول سكان المدينة بأنهم شاهدوا جثثا قيدت وعليها آثار إطلاق الرصاص في الرأس ما يشير الى حدوث عمليات إعدام جماعية. هذا ما أكده أيضا ستيوارت رامزي، مراسل شبكة سكاي نيوز البريطانية، عندما أقر بأنه أحصى 53 جثة في مخزن محترق في معسكر بمنطقة صلاح الدين جنوبي العاصمة حيث تم إعدامهم، وأكد بأن المشهد يدل على حدوث أعمال قتل جماعية.

وللرد على هذه الأعمال الإجرامية والغير مسؤولة، تعهد أحمد باني، المتحدث العسكري في المجلس الوطني الإنتقالي، بالتحقيق في أي جرائم قتل جماعية إرتكبت من قبل الثوار. أما عن حادث مقتل العقيد القذافي، فقد دعت مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى، إلى فتح تحقيق لكشف ملابسات الحادث--خاصة عندما تضاربت الأنباء وتناقضت التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الليبيون. حيث إدعى المجلس الوطني الإنتقالي بأن سيارة الإسعاف علقت في تبادل لإطلاق النار بين الطرفين، ما تسبب في وفاة العقيد، إلا أن قيادياً كبيراً في جبهتي سرت وبني وليد، قال ردا على أسئلة "الشرق الأوسط"، إن الثوار فتحوا صفحة جديدة بمقتل القذافي ، ولن يلتفتوا إلى من قتله، لأن "دمه تفرق بين القبائل الليبية." يبدو أن الكل يتسابق على لقب " قاتل القذافي " من أجل الحصول على--مليون جنيه إسترليني--المكافأة التي خصصها إثنان من رجال الأعمال في بنغازي لمن يقبض على العقيد حيا أو ميتا، والإستمتاع بدور البطولة و التكريم بدلا من الإدانة والمحاكمة التي يطالب بها المجتمع الدولي. فقد بح صوت المنظمات الدولية، وهي تطالب المجلس الإنتقالي بتقديم معلومات عن "المتورطين في قتل أسير"، لتقديمهم للعدالة باعتبارهم "مجرمي حرب". فمن المعروف أن قتل أسير هو خرق واضح للقانون الدولي الإنساني، طبقا لاتفاقيات جنيف التي تنص على طائفة واسعة من قواعد وأنماط الحماية لأسرى الحرب، والتي وُصفت لأول مرة في اتفاقية جنيف لعام 1929، ثم نُقحت في نص اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، على إثر الدروس المستخلصة من الحرب العالمية الثانية، إضافة الى نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977. وطبقا للقوانين المنصوص عليها في الإتفاقية، فإنه من الواجب معاملة أسرى الحرب بطريقة إنسانية في جميع الأحوال، معاملة تكفل لهم الحماية من كل أعمال العنف والترهيب والشتائم وفضول الجمهور. كما تكفل حماية واسعة النطاق للمعتقلين المدنيين خلال النزاعات المسلحة الدولية، حيث تنص المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني، على أن الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع يجب أيضا معاملتهم معاملة إنسانية بالأخص الحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة. هذا هو القانون الدولي الذي احتمى فيه الثوار واستخدموه لحماية المدنيين والإطاحة بنظام القذافي ،ها هو اليوم يخترق ويضرب بنصوصه عرض الحائط.

ليبيا الجديدة بثوب قديم

إن ما يدور على الأرض الليبية يدعو للقلق، قلق بدأت ملامحه تتشكل في قلوبنا عندما أحل الليبي دم أخيه في الوطن الواحد، بدأ عندما قتل أول متظاهر سلمي بيد ليبية، بدأ عندما رفعت الرحمة من قلوب المقاتلين، بدأ عندما أحلت الأموال والنساء واختلطت لعبة السياسة بالدين. لماذا لانقلق؟؟ والشعب الليبي قد قسم إلى قسمين: قسم أنصار القذافي-- الذين يتوعدون يوميا من خلال قناة الرأي الليبية (التي لازالت تعلن الحداد) باستمرار القتال والإنتقام لمقتل قائدهم معمرالقذافي--الذي يعتبرونه شهيدا وبطلا، مات في سبيل تحرير الوطن من "الجرذان عملاء الناتو". أما قسم أنصارالثوار والثورة، فقد احتفلوا بسقوط الطاغية وأعلنوا قيام دولتهم الجديدة خالية من مرتزقة القذافي. فقد سجد مصطفى عبد الجليل لشكر الله على مقتل أسير ليبي، وعلى تحرير ليبيا من نظام كان في الأساس جزء منه!! وأعلن على الهواء مباشرة، قيام دولة إسلامية وإلغاء القوانين القذافية بدون إنتخابات شرعية، يقول فيها هذا الشعب المنقسم كلمته! أهذه هي الديمقراطية التي مات من أجلها الثوار؟؟؟ كان على السيد عبد الجليل أن يوضح ويناقش كيفية الخروج من تحديات مرحلة ما بعد الحرب، وفي مقدمتها بناء جيش وطني جديد وإعادة بناء ليبيا، والإلتفات إلى معاناة أهل طرابلس الذين يواجهون كارثة إنسانية بسبب الإنقطاع المستمر للكهرباء والماء والنقص الشديد في الأدوية والمعدات الكهربائية، بالإضافة إلى مشكلة التلوث الشديد الذي يخيم على العاصمة بسبب رائحة الجثث والقمامة والحرائق التي دبت في كل أنحائها جراء المعارك. أسلاك كثيرة ومتشابكة وخطرة سيكون على الحكومة الجديدة برئاسة مهندس الكهرباء الليبي المخضرم ،عبد الرحيم الكيب، أن يعيد فكها وتشذيبها وتوصيلها في مختلف أرجاء بلاده في مرحلة ما بعد القذافي.
إن ليبيا الجديدة ليست في حاجة إلى ترقيع ثوبها القديم، بل في أمس الحاجة إلى تغيير حقيقي موضوعي يشمل كل المجالات. ولن يتحقق هذا إلا بالإستعانة بنخب مثقفة من خيرة شباب ليبيا الأبطال، من مهندسين ومعماريين وإقتصاديين وعلماء، يتحدون جميعا من أجل تأسيس حكومة تكنوقراط متخصصة غير الحزبية، قادرة على إحياء روح المصالحة الوطنية بين القبائل الليبية، وإخراج ليبيا من الأزمة الخانقة ،كي تتنفس وتحيا من جديد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح


.. اعتقال مؤيدين لفلسطين في جامعة ييل




.. الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟ • فرانس 24


.. وكالة الأونروا.. ضغوط إسرائيلية وغربية تهدد مصيرها




.. آلاف المهاجرين في بريطانيا يخشون الترحيل إلى رواندا