الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معاداة اليهود (4-4) .. في العالم العربي

خالد أبو شرخ

2011 / 11 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


العداء العربي لليهود واليهودية

تحاول الأدبيات الصهيونية, أن تبين أن ظاهرة العداء لليهود واليهودية, ظاهرة متأصلة في المجتمعات العربية, وفي التراث الإسلامي, وهذه المحاولة جزء من المحاولة الصهيونية المستمرة, لتشويه صورة الشعوب العربيه, وتوظيف هذه الصورة المشوهه, في الصراع العربي الإسرائيلي, إلا أنها تعبر أيضاً, عن رغبة الصهاينة الدفينة, في تناسي تاريخ الجماعات اليهودية في الغرب، وتراث العداء لليهود واليهودية, الثري الطويل الممتد، الذي انتهى بطردهم, وإعادة توطينهم في فلسطين, في إطار المشروع الصهيوني.

أوضاع يهود العالم العربي في العصور القديمة والوسطى

عن وضع اليهود في العالم العربي، في العصور القديمة والوسطى, فلا يمكن القول كما يدعي البعض, بأنه كان عصراً ذهبيا واحداً طويلا، على الرغم من أن قضية عداء العرب لليهود واليهودية (عداء العرب للسامية), تختلف عن معاداة اليهود واليهودية في الغرب (معاداة الغرب للسامية), فلم تظهر في العالم العربي نظرة شاملة, تضع اليهودي في مركز أحداث الخلاص, باعتباره "الشيطان قاتل الرب " .
كما أن العالمين العربي والإسلامي, إتسم بوجود عدد هائل من الأقليات العرقية والإثنية, التي فرضت على الوعي الإدراكي, الجمعي قبول التعدديةفي إطار ما عرف بدولة الخلافة .
وأعضاء الجماعات اليهودية, لم يتحولوا جميعاً, إلى جماعات وظيفية وسيطة, بل كانوا ممثلين في معظم النشاطات الاقتصادية والمهنية، فكان منهم الأطباء والوزراء والمترجمون والتجار والحرفيون, وحتى حينما اضطلعوا أحياناً ببعض وظائف الجماعة الوظيفية الوسيطة, واكتسبوا خصائصها، فإن هذا الدور لم يكن مقصوراً عليهم, إذ كانت هناك جماعات إثنية ودينية أخرى, تشارك في نشاطهم الوظيفي, .
كما أن عدد الجماعات اليهودية في العالم العربي, ظل صغيراً للغاية بالنسبة إلى عدد السكان .
لكل هذه العناصر، نجد أن عداء اليهود في العالم العرب في العصور القديمة والوسطى, لم يكن بالحدة نفسها, التي كان عليها في العالم الغربي، كما أنه ظل في معظم الأحيان, كامنـاً فـي نفـس بعـض أعضاء الأغلبية, وداخل بعض القطاعات, ولم يتفجر بتجليات مثل الطرد الشامل أو الإبادة الشاملة كما حدث في الغرب .
ورغم أن اليهود (بني إسرائيل), أتى ذكرهم في القرآن عشرات المرات, وتحت مسميات مختلفة, في سياقات معظمها سلبي، إلا أن رؤية الخلاص الإسلامية, لم تعط اليهود أية مركزية خاصة، ولذا لم يكن اليهود يمثلون إشكالية خاصة, بالنسبة للفقه الإسلامي, رغم ظهور بعض الأعمال الأدبية والفكرية, داخل الثقافة العربية والإسلامية, تحاول اختزال أعضاء الجماعات اليهودية, من خلال صور سلبية، إلا أن اليهود لم يحتلوا أي مركزية خاصة في الوجدان الأدبي والثقافي العربي والإسلامي, وقد استقر وضع أعضاء الجماعات اليهودية, داخل الحضارة العربية والإسلامية, في إطار مفهوم أهل الذمة, الذي حدد حقوقهم وواجباتهم, ومن ثم فلم يعرفوا المذابح أو عمليات الطرد المتكررة, التي تسم علاقتهم بالعالم الغربي في تلك العصور .
فلم يعرف تاريخ العرب والمسملين, حالات طرد لليهود إلا مرتين, في بدايات تأسيس دولة الدعوة في يثرب, وتحاول بعض الدراسات تحميل النص الديني الإسلامي المسؤولية عن تلك الحالات, دون التطرق للسياق الإجتماعي التاريخي التي حدثت فيها عمليات الطرد, فقبل تأسيس دولة الدعوة, أضطلع يهود يثرب بدورالجماعة الوظيفية القتالية, وهذا ما يفسر وجود حصون للقبائل اليهودية, داخل المدينة نفسها, وفي الحروب بين قبيلتي الأوس والخرزج, كانت كلتا القبيلتين, توظفان القبائل اليهودية الثلاث, في الصراع الدائر بينهما .
قبل تأسيس دولة الدعوة بأعوام قليلة, إستعان الخزرج بيهود يثرب في " يوم معبس ومضرس", وكانت لهم الغلبه على الأوس, ويعدها بعام إستعان الأوس هذه المرة, بيهود يثرب في " يوم بُعاث ", وكانت لهم الغلبه, مما دفع رجال من الخزرج, لعقد بيعة العقبه الأولى مع النبي في مكه, وأثناء حروب دولة الدعوة مع قريش, حاول يهود يثرب, القيام بنفس الدور الوظيفي القتالي, ما بين مكه ويثرب, مما دفع المسلمين إلى طردهم من المدينة, حيث أن دولة الدعوة كانت في بدايات تأسيسها, ولا تحتمل وجود جماعات وظيفية قتالية داخلها, وفي نفس السياق كان طرد يهود خيبر.
أما عن هجرة القبائل اليهودية الحميرية اليمانية, فقد جاء في سياق نزوح للقبائل العربية, من الجزيرة إلى بلاد الشام والعراق ومصر, حيث كان نظام التجنيد الذي اتبعه عمر بن الخطاب, يقوم على اساس قبلي, بحيث كانت الجيوش تتشكل أساسا من القبائل, تقاتل كل قبيلة كوحدة مستقله, متساندة مع القبائل الأخرى, في صف واحد داخل الجيش, وكان هذا يقضي, أن ترتحل القبيلة بنسائها وشيوخها اطفالها مع الجيش, مما أدى على حركة نزوح, شبه كامل لقبائل عربية,إلى البلاد المضمومه للدولة العربية الإسلامية الناشئة, حتى لو لم يكن بغرض الغزو والقتال .
وكان هدف الخليفة الثاني للمسلمين, من هذه السياسة, توظيف النزعات القبلية العربية في القتال, مع الفرس والروم, وتصديرها إلى خارج شبه الجزيرة العربية, بعدما ظهرت بشكل واضح, أثناء حروب الردة, في عهد سلفه الخليفة الأول, والتخلص من هاجس الدور الوظيفي الذي ممكن أن تلعبه القبائل التي لم تعتنق دين الإسلام, في دولة ناشئة تتنازعها النعرات القبلية, وفي حالة حرب مع الدول المجاورة, وعائدات هذه الحروب من غنائم وجزيات وطرق توزيعها, تساهم في بناء بناءا جديدا, للمجتمع داخل شبه الجزيرة .
إلا أن الدعاية الصهيونية, يتناول حالات طرد وهجرة اليهود, من شبه الجزيرة العربية, كظاهرة متأصله في التراث العربي والإسلامي, على الرغم أن قيام الدولة الاموية وحتى قيام الدولة الصهيونية, لم يشهد العالم العربي, أي حالات طرد غير الحالات التي تناولناها .
وهذا لا يعني أن تجربة اليهود, مع المجتمعات العربية والإسلامية, التي ينتمون إليها, كانت خالية من التدافع أو الصراع والظلم, وأنها كانت عصراً ذهبياً ممتداً، كل ما نود تأكيده أن أعضاء الجماعات اليهودية, تمتعوا بقدر معقول من الاستقرار والطمأنينة، الأمر الذي أدى إلى اندماجهم في مجتمعاتهم.

أوضاع يهود العالم العربي في العصر الحديث

تغير الوضع بشكل حاد, في العصر الحديث، وخاصة بعد قيام الدولة الصهيونية, فيلاحظ انشغال عربي وإسلامي كبير بالشأن اليهودي, وإن كان يلاحظ أن الأعمال الأدبية العربية، بما في ذلك الفلسطينية، لا تكترث بأعضاء الجماعات اليهودية, وبدأت تظهر أدبيات كثيرة كتبها عرب ومسلمون, تدور في إطار مفاهيم ومقولات عنصرية, معظمها مستورد من العالم الغربي, ومن بين هذه المقولات, أن اليهود مسئولون عن كل أشرار العالم، كما هو مدون في بروتوكولات حكماء صهيون, الذي لم يقرأه الكثيرون، وفي التلمود الذي لم يقرأه أحد, في الوقت الذي يتم الإستشهاد بهما, وبدأ الحديث عن المؤامرة, التي يحيكها اليهود ضد المسلمين والعرب، وارتبط اليهود بالشيطان وبالصور السلبية, في عقل كثير من العرب والمسلمين, وبدأت تظهر في الصحف والمجلات, وعلى أغلفة الكتب صورة اليهودي, ذو الأنف المعقوف, الذي تقطر أظافره دماً, والذي يمتص دماء الآخرين وأموالهم, بل بدأت تظهر تهمة الدم في أرجاء متفرقة، وهو أمر لم يكن معروفاً في العالم العربي من قبل, وترجمت البروتوكولات التي يعتقد البعض, أنها من كتب اليهود المقدسة، كما نشرت مقتطفات متفرقة من التلمود, بل بدأ بعض المسلمين يرون أن "اليهودية" صفة بيولوجية تورث، أي أن اليهودي - حسب هذه الرؤية - هو من وُلد لأم يهودية، وهو تعريف قد يتفق مع العقيدة اليهودية, ولكنه لا يتفق البتة مع الرؤية الإنسانية, التي لا تنظر للدين باعتباره أمراً يورث، وإنما هو رؤية يؤمن بها من شاء, وتصاعدت هذه الرؤية وأزدادت حدتها بتنامي تيارات الإسلام السياسي والقوى السلفية, التي توظف الأديان في صراعاتها, ورؤيتها الشمولية .
ومن المفارقات التي تستحق التسجيل, أنه كلما ازداد الرعب من إسرائيل و"اليهود", كلما ازدادت صورة اليهودي سوءاً، وكلما ازداد النموذج التفسيري التآمري, الذي ينسب لليهود قوى عجائبية انتشاراً، وهو نموذج يصور اليهود باعتبارهم قوة أخطبوطية لا تقهر، فهم حسب هذه الرؤية, يمسكون بكل الخيوط ويحركون كل القوى (الرأسمالية والاشتراكية), حتى ينفذوا مخططهم اليهودي الجهنمي المستقل، وما اللوبي الصهيوني, سوى تعبير جزئي, عن مخطط صهيوني أشمل.
وهذه النظرة العنصرية الاختزالية, تشكل فشلاً أخلاقياً، فهي لا تحاول أن تميز بين الخبيث والطيب، وتضع اليهود، كل اليهود، في سلة واحدة, بمن في ذلك على سبيل المثال, أعضاء جماعة "الناطوري كارتا", والقوى التقدمية اليهودية, والذين يقضون معظم أيامهم, في الحرب ضد الصهيونية، بمثابرة وإخلاص ودأب, نفتقدهم في كثير من العرب هذه الأيام, والرؤية العنصرية حتمية, ترى أن من وُلد يهودياً, لابد أن يسلك حسب نمط معين, وكأن الإله لم يمنحه فطرة سليمة, ومقدرة على تمييز الخير من الشر.

والنظرة العنصرية، تشكل كذلك فشلاً معرفياً, لأن الوعي التي ستفرزه مثل هذه الرؤية ستكون عامة وسطحية, لا تساعد كثيراً في فَهم الواقع, فهي على سبيل المثال, لن تساعدنا كثيراً, في معرفة توجهات أعضاء الجماعات اليهودية المختلفة, بكل تموجاتها, فنحن في حاجة لأن نعرف من منهم يساند الصهيونية, ومن يعارضها، ومن منهم يجاهر بمناصرتها علناً, ويبذل قصارى جهده في التملص منها، ومن منهم ناصرها في الماضي، وتنكر لها في الحاضر، ومن منهم تنكر لها في الماضي, وبدأ يناصرها في الحاضر، ومن منهم توجد لديه, إمكانية كامنة لقبولها أو رفضها أو التملص منها، ومن منهم تجب محاربته, ومن منهم يمكن تجنيده, ومن منهم يمكن تحييده، فالرؤية التآمرية العرقية ترى أن كل يهودي صهيوني, وكل صهيوني يهودي، وهي بهذا تتبنى الرؤية الصهيونية لليهود، التي تضع اليهود، كل اليهود، في سلة واحدة، هي سلة الشعب اليهودي.

والرؤية العنصرية في نهاية الأمر, لها مردود سلبي من الناحية النفسية، فهي تنسب لليهود قوة هائلة، الأمر الذي يولِّد الرعب في نفوس العرب, ولنتخيل صانع القرار العربي, الذي يعتقد أن اليهود, قادرين على كل شيء, وأنهم ممسكون بكل الخيوط .
ومن المفارقات, التي تستحق التسجيل, أن هذه الرؤية العنصرية, تترجم نفسها, إلى كره أعمى, يطالب بملاحقة اليهود, والانتقام منهم, وطردهم من أوطانهم, والتضييق عليهم, وما ينساه حملة مثل هذه الرؤية, أن المواطن اليهودي, الذي يتم التضييق عليه, وطرده من وطنه, يضطر للهجرة إلى فلسطين, ليصبح مستوطناً صهيونياً, يحمل السلاح ضـد الشعب الفلسطيني، فكــأن العداء العـربي لليهـود, لـه مــردود صهيوني, ومــن المعـروف أن الحركة الصهيـونية وبالتعاون مع الهاشميين في العراق, قامـت بالتضـييق على يهـود العــراق, وخلقت وضعا مركبا لهم , لم يجدوا له حلا سوى الاستيطان في فلسطين.
ويحاول بعض المتحدثين العرب, رد تهمة العنصرية, باللجوء لاعتذاريات, أقل ما توصف به أنها مضحكة، وجميعها لها طابع قانوني, وكأننا نقدم مرافعة قانونية شكلية، ليس لها سند في الواقع, فمثلاً هناك من يقول: "كيف يمكن أن نكون لا ساميين, ونحن أنفسنا ساميون؟", وهي حجة واهية مردود عليها، فالإجابة على هذا السؤال البلاغي الأحمق, هي بالإيجاب: "نعم", يمكن أن يكون الإنسان سامياً ومعادياً للسامية، وهناك شواهد كثيرة ,على ذلك, فيمكن أن يكون الإنسان عربيا, ومعادياً للقومية العربية، وظاهرة العداء اليهودي لليهود واليهودية, ظاهرة معروفة للدارسين.
وهناك تبريرا آخراُ, لا يقل تهافتاً عن الأول, وهي أننا لا يمكننا أن نكون "معادين للسامية" لأن اليهود ليسوا ساميين, فهم من نسل قبائل الخزر, التي تهودت، والخزر عنصر تركي غير سامي, والرد على هذا, أن عبارة "العداء للسامية", تعني في واقع الأمر "العداء لليهود واليهـودية"، فسـواء كان اليهود ساميين أم لا، تظـل القضـية مطروحة.
وهناك بطبيعة الحال, من يشيرون إلى عصر اليهود الذهبي, في الحضارة العربية الإسلامية, خصوصاً في الأندلس ويستنتجون من هذا, أننا لسنا معادين لليهود واليهودية, باعتبار أنه إذا كان الماضي كذلك، فلابد أن يكون الحاضر كذلك, وهذه مغالطة، فلا يوجد استمرار عضوي بين الحاضر والماضي، ويمكن أن يكون إنسان قوميا أو متدينا في مرحـلة من حـياته, ويتخـلى عن القومية والدين, في مرحلـة لاحقة، والعكـس بالعكس, ويســري هذا على تواريـخ كل الشعوب.

ولكن مما يجدر ذكره, أن كثير من مراكز البحوث العلمية في العالم العربي, والمجلات العلمية المسئولة لا تسقط، إلا فيما ندر وبدون وعي، في هذا الخطاب العنصري، فمعظم هذه المراكز, تتناول الشأن اليهودي, وظاهرة الصهيونية, بطريقة علمية، تحاول تفسيرها وفهمها, ولا تختبئ بطريقة جنينية اختزالية طفولية، وراء منطق المؤامرة, ومركز الأبحاث الفلسطيني, الذي أنشاته منظمة التحرير الفلسطينية, في بيروت مثال على ذلك .

ورغم رفضنا المبدئي, للخطاب العنصري، ورغم إدراكنا لسلبياته, من الناحية الأخلاقية والمعرفية والنفسية، إلا أننا يجب أن نفهم أسباب ذيوعه, وانتشاره وهيمنته على بعض الكتاب, في الصحف والمجلات, وبعض أعضاء النخب العربية السياسية والثقافية :
1: ظهور "اليهودي", في العصر الحديث, على شاشة الوعي العربي والإسلامي, فقد ظهر داخل التشكيل الإمبريالي الغربي، وجاء إلى بلادنا ممثلاً له حاملاً لواءه وعميلاً له, وقد قامت هذه الإمبريالية, بغرسه غرساً وسطنا, داخل إطار الدولة الوظيفية, ليقوم على خدمة مصالحها, بعد أن اقتطعت جزءاً من العالم العربي، يقع في وسطه تماماً, ومن ثم يقسمه قسمين، وهي منطقة لها دلالة دينية خاصة، إذ تضم القدس بمكانتها في الدينية لجميع الأديان والطوائف المنتشرة في العالم العربي.
2: قامت الإمبريالية الغربية, بتحويل يهود البلاد العربية, إلى عنصر وظيفي استيطاني, يدين لها بالولاء, وشهدت الجماهير العربية, أعضاء الجماعات اليهودية, وهم ينسلخون تدريجياً عن التشكيل الإجتماعي العربي, فعلى سبيل المثال, أصبح كل يهود الجزائر مواطنين فرنسيين، واستفاد يهود مصر, من الامتيازات الأجنبية, وحصلت نسبة مئوية كبيرة منهم, على الجنسيات الأجنبية, وقد دعم هذا من صورة اليهودي كأجنبي, وغريب ومغتصب ومتآمر وعميل، شخص لا انتماء له, يبحث عن مصلحته اليهودية.
3: من الملاحَظ أن عددا كبيرا من أعضاء الجماعات اليهودية, في العالم العربي, من الرأسماليين, ممن راكموا ثروات ضخمة, ولعل وجود أعضاد الجماعات اليهودية في الطبقة الرأسمالية, المتربطه برأس المال الغربي, قد دعم صورة اليهودي اللا منتمي, أو المنتمي لمصالحه اليهـودية، ودعم فكـرة المؤامــرة اليهودية.
4: من الأمور التي رسخت فكرة المؤامرة, والهيمنة اليهودية على العالم, في الوجدان العربي، الدعم الغربي للدولة الصهيونية, بغير تحفظ, أو شروط أو حدود أو قيود, وهو دعم سياسي واقتصادي وعسكري, وكثير من العرب يفترضون, أن العالم الغربي عالم عقلاني، تتخذ فيه القرارات, بشكل رشيد يخدم مصالح الدولة، وأنه عـالم ديمـقراطي, تنتـشر فيـه مثل العدل والمساواة وحقوق الإنسان، ولذا حين يقوم الغرب العلماني العقلاني الديمقراطي بتأييد ودعم مشروع غير عقلاني، غير ديمقراطي, يستند إلى ديباجات دينية وعلمانية, موغلة في الشوفينية والعنصرية, ويتسم بضيق الأفق, وينكر على الفلسطينيين أبسط حقوقهم، فإن هذا أمر غير مفهوم, ولا يمكن تفسيره بطريقة عقلانية, واهتمام الغرب المحموم, بالإبادة النازية لليهود, التي مضى عليها ما يزيد عن ستين عاماً, والإصرار على الاستمرار, في تعويض الضحايا, وتقديم الاعتذار لهم, والتعبير عن الندم, عما بدر من الألمان وغيرهم, قد يكون أمراً محموداً في حد ذاته, فهو في نهاية الأمر, تعويض لفئة من ضحايا الحضارة الغربية, إلا أن هذه الظاهرة المحمودة, في حد ذاتها تثير الشك, حين يلاحظ المواطن العربي, أن سلسلة كاملة من المذابح, قد ارتكبت منذ خمسينيات القرن الماضي, حتى اللحظه (الجزائر - فيتنام - أفغانستان - العراق ), ومعظمها في العالم الإسلامي, وتم التزام الصمت وتجاهها, ولم يتحدث أحد عن تعويض, أو اعتذار أو توبة أو ندم, هذا في الوقت الذي تستمر الآلة الإعلامية الغربية, في التركيز على "الهولوكوست" دون غيرها, كما أن الزعم الغربي بأن فلسطين, في الشرق العربي, قدمت لليهود, تعويضاً لهم, عما حدث لهم في ألمانيا, في العالم الغربي، هو أمر يصعب فهمه.
كل هذه الظواهر, تثير التساؤلات في نفوس الناس، ومن لا يملك آليات البحث والاستقصاء العلميان، ويبحث عن الإجابات الإختزالية الجاهزة والسهله, في النصوص الدينية والشعارات القومية, فإن صيغة المؤامرة اليهودية, تملك مقدرة هائلة على سد الهوة, التي تفصل عقلانية الرؤية الغربية, عن لاعقلانية الممارسة الغربية, وما لم يخطر ببال هؤلاء أن عقلانية الغرب, ودفاعه عن حقوق الإنسان, ليسا مطلقين, وأنهما لا ينصرفان لحقوق الإنسان العربي, وأن العقلانية تدور في إطار المصالح الإستراتيجية الغربية، التي تم تحديدها, بطريقة ليست عقلانية, وإنما من خلال مقولات متمركزة في الغرب معظمها عنصري.
5: قامت الدولة الصهيونية, باعتبارها تعبيراً, عن مشروع استيطاني إحلالي, عليه أن يلجأ إلى الحد الأقصى من العنف, ليتخلص من السكان الأصليين، بما في ذلك الإبادة والطرد والعزل, وقد سمت هذه الدولة نفسها "الدولة اليهودية", فربطت بين اليهودي والعنف والإرهاب.
6: الأسوأ من هذا, أن الدولة الصهيونية ادعت, أنها تتحدث باسم كل يهود العالم, أينما كانوا، ومن ثم فهي تتحدث باسم يهود العالم العربي، بل تطالب بالتعويضات باسمهم، فكأن الدولة الصهيونية, تنكر أن أعضاء الجماعات اليهودية مواطنين في بلادهم، وتدعم الصورة الإدراكية العرقية, أن اليهودي لا انتماء له, وأنه يدافع عن مصالحه اليهودية وحسب.

هذه هي بعض الأسباب, التي أدت إلى هيمنة الرؤية التآمرية, على إدراكنا لليهود في العالم العربي, وإلى ذيوع البروتوكولات والنصوص التلمودية, والرد عليها بنصوص دينية إسلامية, وغير ذلك من كتابات عنصرية, تهدف إلى تفسير الواقع, بشكل سريع سهل, وإلى تفريغ شحنة الغضب, عند كثير من العرب, ولكن تفريغ الشحنة هنا بهذه الطريقة, له جوانبه السلبية العديدة، والمطلوب هو أن نفهم أسباب الغضب, ونحاول استثماره في إطار مشروع نضالي إنساني,لا يسقط في العنصرية العمياء.

هجرة اليهود من البلدان العربية بعد قيام الدولة الصهيونية

للأسف الشديد, أن غالبية الكتابات العربية, التي تناولت نكبة فلسطين, أهملت جانبا مهما في القضية, بل ولا يزال إهمالها مستمرا حتى اللحظة, باستثناء بعض الكتبات لكتاب تقدميين وشيوعيين, فعند تناول تاريخ النكبة وتداعياتها, وفي ظل غياب مفاهيم المواطنه والديمقراطية والعلمانية, والتملق للنخب العربية الحاكمة, عند الكثير من الكتاب, تم ويتم إغفال نكبات أخرى, حلت بقطاعات من الشعوب العربية, في العراق واليمن ومصر والسعودية وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وحتى السودان, قطاعات من شعوبنا, مجموعها العددي, يساوي مجموع من حلت بهم النكبه من الفلسطينيين, نكبة حلت بعرب, لا لشيء سوى إنهم يدينون باليهودية, على الرغم من أن قطاعات واسعه منهم, عارضت مخططات الصهيونية, والزعامات العربية المتواطئة معها, وتعاطفوا مع الشعب الفلسطيني, وقضيته العادلة, فكان مصيرهم, أن إقتلعوا من إرضهم, وبيوتهم وأملاكهم, وقدف بهم إلى أحضان الصهيونية .
عرب يهود, عانوا مرارة النكبه والإقتلاع, وتعرضوا لألوان الشقاء والذل, التي سبقهم إليها اللاجئون الفلسطينيون, وحتى عقود وجراحهم نازفة, لكنها في أغلبيتها إندملت, وإنخرطوا في المجتمع الجديد, وكثير منهم ملأهم الغضب ونزعات الإنتقام, وانزلوا الإنتقام, ولكن ليس بمن تسبب في نكبتهم, بل بالذين نزلت بهم النكبه في الجانب الآخر, من المنكوبين الفلسطينين, والمفارقة أن القيادة الصهيونية, عدوتهم, ومن ساهمت في حدوث نكبتهم, منحتهم حقوق المواطنه وواجباتها, فيما بقي الفلسطينيون بسمعون بشيء إسمه مواطنة, لأنها تُنكر عليهم .
العرب اليهود, جمعوا في وطن ليس وطنهم, ولكنهم تساووا مع غيرهم بعد ذلك, والعرب الفلسطينيون شتتوا في أوطان تربوا على إعتبارها أوطانهم, وشعوبها إعتبروها إخوتهم في العروبة, ولكنهم لم يتساووا معها, وحافظوا على وضعهم كأجانب, غير مرغوب بهم, وغيرمقبولين في الوطن المضيف .
العرب اليهود جفت دموعهم, وبدأو بالإنتماء لوطنية جديدة, والعرب الفسطينيون ما زال دمعهم ودمهم يسيل .

من ضمن مخططات الحركة الصهيونية, لتطهير فلسطين عرقيا, وإقتلاع أهلها, وقذفهم إلى الدول المجاورة, خاضت مفاوضات مع الزعامات العربية, من اجل الإتفاق على برامج التهجير والتوطين, وتخلل تلك المفاوضات تفاهمات على ما وصف بالتبادل السكاني, أي تبادل الفلسطينيبن المهجرين, مع يهود كل بلد عربي على حدة, وفي الوقت نفسه بدأت الحركة الصهيونية, مد نفوذها لليهود العرب .

يهود العراق

افتتحت الحركة الصهيونية, جمعية صهيونية عام 1921م, بغرض جمع التبرعات لـ"الكيرين كايمت" و " الكيرن هابسود", وهي منظمات أقامتها الحركة الصهيونية, لشراء الأراضي في فلسطين, إلا أن هذه الجمعية أغلقت بعد سنتين, بسبب معارضة يهود العراق لها, وحاولت الحركة الصهيونية, إعادة ترخيص الجميعة, إلا أن يهود العراق تصدوا لها وأحبطوا محاولتها الثانية .
حاولت الوكالة اليهودية, إفتتاح مقرات رسمية لها في العراق, أعوام 1926م و1927م, إلا أن يهود العراق, تصدوا لهذه المحاولة, وتوجه وفد منهم, كان بضمنه عضو مجلس الأعيان العراقي "عزرا مناحيم دانيال ", إلى المندوب السامي البريطاني, طالبين منه وبأسم يهود العراق, رفض طلب الوكالة اليهودية, وما يسببه ذلك, من ضرر لهم, وبناءا على هذا الموقف, إضطرت الحركة الصهيونية سحب طلبها .
في العام 1946م, أنشأ مجموعة من الشبان اليهود الشيوعيين, " عصبة مكافحة الصهيونية ", وسد الشيوعيون اليهود الأبواب, في وجه نفاذ الحركة الصهيونية, إلى الجماهير اليهودية في العراق, بل ويقال أن أول شهيد عراقي سقط من أجل فلسطين, كان شيوعيا يهوديا .
وعن اليهود العراقيين وحياتهم في العراق, فيصفها " داوود كوهين", وهو شيوعي عراقي, تم تهجيره إلى فلسطين المحتله, ولكنه إنتقل للعيش في لندن بعد ذلك, في حديث له لصحيفة الإتحاد الحيفاوية:" لم نمتزج بيهود أوربيين, ولم نستقبل يهود من أسباينا, كما حدث في بلدان عربية أخرى عدا اليمن, ..., لغتنا العربية قريبة للهجة أهل الموصل, وكنا نستعمل لغتنا العربية في طقوسنا الدينية,..., عندما تأسست غرفة تجارة بغداد عام 1926م, كان أكثر أعضائها من اليهود, وإحتل اليهود أكثرية الوظائف خاصة في المالية, والبنوك, والشركات الاجنبية, كما احتلوا أكثرية الوظائف في السكك الحديدية, وميناء البصرة, وسكرة نفط العراق, وكان أول وزير للمالية وأحد أعضاء المجلس الحكومي الأول, المكون من ثماني أشخاص, وهو "ساسون الحكيم",..., وبعد خروجنا تركنا 37 معهدا علميا في بغداد وحدها".
فكيف تم تهجير يهود العراق إذن؟
" عادل يعقوب بصري " سكرتير عصبة مكافحة الصهيونية, وهو يهودي شيوعي, يجيب:" إن النظامين الملكيين في العراق واليمن سمحا وبالتواطؤ مع الحركة الصهيونية, بنقل 200ألف يهودي عربي إلى إسرائيل " .
في العراق إلتقت المصالح الصهيونية, والحكومة الملكية العراقية, وحسب المؤرخ الإسرائيلي "إيلان هاليفي", أخذ الإلتقاء شكل الإتفاق السري, بين الإدارة الصهيونية, ورئيس مجلس الحكومة الملكية في العراق "نوري السعيد", وحسب الإتفاق, ستاخذ إسرائيل يهود العراق, وستحتفظ الدولة الهاشمية, التي أقامها البريطانيون بممتلكاتهم .
هذه الإتفاقية سبقتها ترتيبات وحوادث مهدت لها, بدءا من عام 1941م, وإنهيار ثورة "رشيد عالي الكيلاني", حين إعتقد بعض الجنود, من قوات "الكيلاني", العائدة من هزيمة أمام القوات البريطانية, إحتفالات اليهود في بغداد, بأحد أعيادهم, هو تشفي بهزيمة الثورة, فقاموا بمهاجمة اليهود, وإنضم إليهم بعض الغوغاء, وحدث أن نشأ فراغ في السلطة لعدة أيام, أثر هزيمة الثورة, ونشبت أعمال شغب, وجرى نهب بيوت ومخازن, وقتل ما بين 250 إلى300 شخص أغلبهم من اليهود, وتعرف هذه الاحداث بليلة "الفرهود" .
وتعددت التفسيرات لأسباب هذه الأحداث, إلا انه من الواضح أن الإنجليز, وأركان الحكم الملكي, كان لهم ضلعا كبيرا, في التحريض وإشعال فتيل الفتنه, ضد اليهود, فقد أثبتت لجنة التحقيق العراقية الرسمية, مسؤولية متصرف بغداد, ومدير الشرطة فيها, وآمر الفرقة العسكرية الأولى, وبعض مدراء مراكز الشرطة, تعمدوا عدم التدخل, في لوقف الإنتهاكات, إلا بعد أن بلغت درجة البشاعة .
حاولت الصهيونية, إستغلال حادثة "الفرهود", لنشر جو من الرعب, بين يهود العراق, من أجل تهجيرهم إلى فلسطين, إلا أن محاولاتها فشلت, فمنذ عام 1937م وحتى عام 1945م, لم يهاجر من يهود العراق, سوى 628 يهودي عراقي فقط, ولم يتوجهوا جميعهم إلى فلسطين .
ولم تيأس الحركة الصهيونية, من مجاولاتها وبالتواطؤ مع الوجود البريطاني في العراق, والعلاقات الحميمية مع العائلة المالكة وحكومتها, واصلت محاولاتها, من خلال وحدات عسكرية يهودية, تتواجد في القوات البريطانية, في العراق, ومن خلال روابط تجارية مع مسؤوليين عراقيين, حصلت على تسيهلات لشركات تغطي بها نشاطها, مثل شركة "سوليل بونيه للبناء" وشركة "إيغد للنقل",وأنشأ المبوعثون الصهاينة منظمة "حركة الطلائع البابليين" لتشجيع الهجرة إلى فلسطين, إلا أن نشاطها وصل إلى نقطة الصفر, في العام 1945م .
شكل نشاط "عصبة مكافحة الصهيونية", حجر عثرة, في طريق الصهيونية في العراق, ففي القوت الذي كانت لا تجد تجاوبا, من قبل يهود العراق, كانت "العصيه" توزع اكثر من ستة آلاف نسخة, من صحيفتها التي تحمل إسم " العصبة ", وبتواطؤ بين الحركة الصهيونية, والحكومة الملكية, تم حل العصبة, وإيقاف جريدتها, وإعتقال قادتها, وشنت السلطات حملة إعلامية واسعة, ضد العصبة, متهمة ياها " بخدمة الصهيونية فعليا والعمل على إضعاف حالة الإستقرار في العراق", في الوقت الذي كان الصهاينة, يهددون قيادات العصبة بالقتل, إذا لم يوقفوا نشاطهم .
أثناء حرب فلسطين, شنت القوى اليمينية, وخاصة حزب "الإستقلال", حملة تحريضية على اليهود, من خلال صحيفته "اليقظه", متهما إياهم بالوقوف, وراء ما أسمته أعمال تخريبية, تستهدف إضعاف المجهود الحربي, مشيرا بذلك, إلى إضراب عمال السكك الحديدية, والبريد وميناء البصرة, الذي سبق حرب فلسطين, وأسقط حكومة "صالح جبر" فيما يعرف بأحداث "الوثبه " .
ومن ضمن المجهود الحربي, الذي دعت إليه القوى اليمينية في العراق, أعلنت حكومة "نوري السعيد", حالة الطواريء, وطبقت الأحكام العرفية, وبدعوى رص الجبهة الداخلية, قامت بحملة على الحريات, وحظرت الإجتماعات, وجمدت الاحزاب, وحلت النقابات, وأعدمت أربعة من قيادة الحزب الشيوعي العراقي, بينهم واحد يهودي, والرفيق فهد " يوسف سليمان " سكرتيره العام .
ومع بدء الحرب أمطرت " اليقظه" القراء, بأخبار الإنتصارات المزعومة, ولما إنكشف الحال, صبت جام غضبها على اليهود, خاصة بعدما تجاوزت العصابات الصهيونية, حدود التقسيم, وإحتلت ما يقارب نصف الأراضي المخصصة للدولة العربية, وطالب محررها السياسي " سليمان الصفواني ", بالعمل ضد أبناء الطائفة اليهودية, في العراق : " العين بالعين والسن بالسن ومن إتخذ الخطوة الأولى هو من يقع عليه اللوم " .
وبعد الهزيمة في فلسطين, بدان حكومة "نوري السعيد", بعمليات طرد للموظفين اليهود من الجيش, والشرطة والخدمات العامة, ومنعت اليهود من التعامل بالعملات الاجنبية, واوقفت رخص الإستيراد, وحظرت المقاولات على الشكرات اليهودية, وواصلت الصحف اليمنية, وخاصة صحيفة حزب الإستقلال " اليقظه ", تحريضاتها على اليهود, ورافقت هذه الحملات فتاوي دينية شتى .
لم تدفع إجراءات الحكومة العراقية, يهود العراق إلى الهجرة, فلم يغادر العراق من اليهود عام 1948م, سوى خمسة عشر شخصا, وإرتفع العدد إلى 1708 في عام 1949م .
في أعقاب هزيمة الجيوش العربية في فلسطين, نشطت الإتصالات مع القيادة العراقية, لإحياء مشروعات التوطين, التي جرى التفاهم عليها في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين, ففي خريف 1949م تقدمت بريطانيا بمقترح, ينص على تبادل مئة ألف لاجيء فلسطيني, بمثلهم من يهود العراق, وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في المناطق الريفية ( حوض الفرات المتوسط), أو في ممتلكات اليهود العراقيين, في المدن والبلدات العراقية, والذين ستقوم إسرائيل بتعويضهم, ولم يجد هذا المقترح النور .
لم تنجح جميع الإجراءات, التي إتخذتها الحكومة الملكية العراقية, ولا الدعاية الصهيونية, في دفع يهود العراق على الهجرة من العراق, فلجأت الحركة الصهيونية, إلى وسيلة تبرر للسلطات إتخاذ إجراءات الطرد من جهه, وتلقي الرعب, في قلوب جماهير اليهود من جهة أخرى .
في 8/4/1950م بدأت العملية الأولى, بتفجير المحلات والكنس اليهودية, حيث إنفجرت قنبله في شارع أبي نواس, قرب مقهى يتردد عليه اليهود .
في 14/1/1951م إنفجرت القنبلة الثانية, قرب كنيس مسعده شيمطوف .
في 14/3/1951م إنفجرت فنبله ثالثة, في مركز المعلومات الامريكي هذه المرة, في شارع الرشيد, حيث كان يرتاد المركز, عددا كبيرا من الشباب اليهود .
في 10/3/1951م وقع إنفجار في مبنى لاوي, المملوك لتاجر سيارات يهودي .
في 5/6/1951م وقع إنفجار قرب المؤسسة اليهودية "ستانلي شعشوعة" .
تلكأت الحكومة العراقية في البحث عن الفاعلين, بل حتى يقال أنها لم تعرها إهتماما, ولعبت الصدفة وحدها, في الكشف عن الفاعلين, إذ تعرف أحد اللاجئين الفلسطينين في بغداد, على ضابط إسرائيلي, كان قد رآه في عكا قبل النكبه, وإسمه " يهودا ناجر ", وقام بالإبلاغ عنه, وألقى القبض عليه هو 27 يهوديا و9 مسلمين, كشف أحدهم وإسمه " شالوم تزالاه " أثناء التحقيق, عن طبيعة المخطط الصهيوني, وأرشد الشرطه العراقية, عن أماكن تواجد الأسلحة والعبوات المتفجرة, المخبئة في المعابد والكنس, ولكن هذا كله حدث بعد أربعة عشر شهرا, من بدء عمليات التفجير, وهي فترة كافية لوضع اليهود تحت الضغط والرعب .
أثناء تنفيذ الصهوينة لمخططاتها, وقبل الكشف عن الشبكة المنفذه لهذه المخططات, كانت الحكومة العراقية, برئاسة "توفيق السويدي", قد نجحت في تمرير قانون 1/1950, القاضي بإسقاط الجنسية العراقية, عن الراغبين في مغادرة العراق, تحت مبررات الهجرة غير الشرعية من العراق, رغم أن أرقام الهجرة, تدحض تبريرات "السويدي", وما أن صادق إجتماع مجلسي النواب والشيوخ على القانون, حتى بدأت حكومة "السويدي", ترتيباتها لإجراءات طرد لليهود, وليس إسقاط جنسية لمن يرغب في الهجرة فقط, كما جاء في القانون, وبدات بالفعل بسحب الجنسية عن يهود العراق, جرى إفتتاح مراكز متعددة, تحت مسمى تسجيل الراغبين في المغادرة, مع تقديم كافة التسهيلات اللازمة, وفي الواقع كانت هذه المكاتب, تقوم بإسقاط الجنسية عن يهود العراق .
وصل إلى بغداد, في مارس 1950 " شلومو هيلل", كممثلا رسميا عن شركة " الشرق الأدنى للنقل الجوي", المملوكة للوكالة اليهودية, وجدير بالذكر أن " شلومو هيلل", كان قد أعتقل مرتين في العراق قبل ذلك, بسبب نشاطه الصهيوني .
قامت الحكومة العراقية, ومن خلال البعثات الديبلوماسية البريطانية, بتعميم إعلانات في الصحف الكويتية والبحرانية, موجه لليهود العراقيين, الذين غادروا العراق منذ 1/1/1948م, ويحملون جوازات سفر عراقية صالحة, العودة للعراق خلال شهرين, وإلا ستسقط عنهم الجنسية العراقية, وتصادر ممتلكاتهم, ولنا أن نلاحظ إختيار الصحف الكويتية والبحرانية لهذا الإعلان, يدلل على عدم نية الحكومة العراقية, تنفيد ما جاء به, وتطبيق ما جاء به حرفيا, بل لإسقاط الجنسية عن اليهود المغادرين المغادرين العراق, لأسباب تجارية, علاجية, دراسية, سياحية,...الخ وفي بلدان متعددة, وبذلك لا يكون أمامهم, بعد إسقاط الجنسية عنهم, وهم في الخارج, سوى حل وحيد, ألا وهو التوجه إلى إسرائيل, إذ لا دولة تستقبلهم بدون وهم جنسية, سوى إسرائيل.
نجح "شلوموهيلل" في الإتفاق مع القيادة العراقية, في عقد مفاوضات ناجحة, تم بموجبها مد جسر جوي بين بغداد ونيقوسيا في قبرص, لنقل يهود العراق, بعد إسقاط الجنسية العراقية عنهم, وتم تثبيت الإتفاقية بقانون فريد من نوعه, يحرم بمقتضاه اليهود المهاجرين, من حقوقهم وأملاكهم وإمتيازاتهم, بقي أن نقول أن شركة الشرق الأدنى للنقل الجوي, قد عملت من خلال وكالة سياحية محلية "عراق تورز", والتي كان يمتلكها " السويدي" نفسه
بعودة " نوري السعيد " إلى رئاسة الحكومة في سبتمبر 1950م, حاول منح شركة "BACO " البريطانية حصة في العملية, حيث كان إبنه (إبن نوري السعيد), وكيلا للشركة البريطانية, إلا أنه لم يستطع ذلك, ولكنه نجح في تعجيل إنهاء العملية, حيث إنتقلت من رحلة في اليوم, إلى رحلتين, ثم أربع رحلات, وبدلا من الهبوط في نيقوسيا, أخذت تنتقل مباشرة, من مطار بغداد, إلى مطار اللد .
قاوم يهود العراق, خصوصا المقربين من الحزب الشيوعي العراقي, وعصبة مكافحة الصهيونية, عملية تهجيرهم, مما حذا بالحكومة العراقية, إستخدام أساليب العنف, في إعتقالهم ونقلهم في الطائرات, وبعضهم وصل إلى نيقوسيا وهو مصاب, مثل " بوسف هارون زلخة", القيادي في الحزب الشيوعي العراقي, ورئيس عصبة مكافحة الصهيونية,الذي نقل من السجن إلى المطار, ولكنه رفض هو رفاقه الصعود للطائرة, فتم الإعتداء عليهم, وجُرحوا ونُقلوا إلى نيقوسيا وهم مصابين .
شملت حملة التهجير أيضا يهود إقليم كردستان, الذين بلغ تعدادهم حوالي 25 الف يهودي, يسكنون في المناطق الجبلية الشمالية, لإقليم كردستان العراق, ويمتهنون الفلاحة والبستنة وتربية المواشي .
أطلقت إسرائيل, على عملية تهجير يهود العراق, إسما إسطوريا, وهو " إسم عملية بابل ", بما تحمله من معاني ودلالات توراتية .

يهود مصر

تختلف الطائفة اليهودية المصرية, عن شقيقتها العراقية, في مسألة نقائها العرقي, فالطائفة في العراق, لم تتعرض لأي إختلاط خارجي, من يهود أوروبا, أما الطائفة المصرية, فهي منقسمه, بين من هم أبناء مصر منذ قرون, ومن هم وافدين من الخارج, في عهود مختلفة, ففي عام 1948م, بلغ عدد فيما يمكن تسميتهم أبناء البلد 20 ألفا, من أصل 75 الف, هم إجمالي تعداد يهود مصر , وحيث كان أكثر من 30 ألف يحملون جنسيات أجنبية, وخمسة آلاف فقط يحملون الجنسية المصرية, والباقي بدون جنسية وكانوا يعرفوا بـ " البدون" .
كعادة الإستعمار الغربي, في فصل أبناء الأقليات الدينية والإثنية, عن باقي الأغلبية في البلدان المستعمرة, سهلت سلطات الإنتداب البريطاني, حصول أبناء الطائفة على الجنسيات الأجنبية, ومنحهم إمتيازات لا يتمتع بها باقي أفراد الشعب, وهذا ما يفسر حصول أعداد كبيرة من يهود مصر, على جنسيات أجنبية, وما توفره هذه الجنسيات من إمتيازات, مثل الحماية قنصلية, والإعفاء من الخضوع للقانون المصري وإمتيازات اخرى .
كشقيقتها العراقية, تميزت الطائفة اليهودية المصرية, في التعليم والتعليم العالي, الامر الذي أهلها لاحتلال مواقع متقدمة, في القطاعات الإقتصادية والإدارية المختلفة, فقد ساهم اليهود في إدارة 103 شركات من أضل 308 شركه عاملة في مصر, وساهموا في إنشاء البنوك, والشركات الإئتمانية, وتمويل المشروعات الصناعية والتجارية, وكان لهم شركات ضخمة, مثل شركة البحيرة المساهمة و وادي كومب إمبو, وشكرة أراضي الدلتا المصرية, وشركة تجفيف الأراضي سموحة, كما كانت لهم مساهمات, في ميداين النقل والصناعات الزراعية .
إحتفظ اليهود بعلاقة وطيدة, مع القصر الملكي, وعرف الكثير من اليهود, ضمن الحاشية الملكية, مثل " إيمانويل مزراحي باشا" المستشار القانوني للقصر ووزارة الاوقاف, و"قطاوي باشا" وزوجته " أليس سواريس" التي كانت كبيرة وصيفات الملكتين "نازلي" و"فريدة", وقد منح الملك "فؤاد" الجنسية المصرية للحاخام الاكبر للطائفة "حاييم ناحوم", بعد وصوله مثر بفترة وجيزة, كما عينه عضو مؤسس في مجمع اللغة العربية .
بدأ النشاط الصهيوني في مصر, وبشكل علني ومبكر, فقد تأسست أول منظمة صهيونية فمصر عام 1919م, على يد اليهودي المصري " ليون كاسترو ", ويعود ظهور النشاط الصهيوني مبكرا, وبشكل علني في مصر, أن الحركة الوطنية المصرية, لم تحسم توجهها العروبي, قبل أربعينيات القرن العشرين, فمنذ تبلورها في مطلع ذاك القرن, ركزت الحركة الوطنية المصرية, على الهوية الوطنية المصرية فقط, وتحقيق هذه الهوية, من خلال إزالة الإستعمار البريطاني .
إنعكس الحال, على توجهات الطائفة اليهودية, حيث لم ير يهود مصر, تعارضا بين إنتمائهم الوطني, وبين الحركة الصهيونية, فـ"ليون كاسترو", مؤسس أول جمعية صهيونية, كان من نشطاء ثورة عام 1919م, وكلفه "سعد باشا زغلول" بادارة حملة دعائية للوقد في اوروبا, وفي مصر أسس صحيفة الوفد الناطقة بالفرنسية (الحرية), كما عمل ممثلا للوكالة اليهودية في مصر .
أقامت الحركة الصهيونية, عدة مؤسسات لها في مصر, لجمع التبرعات من يهود مصر, والعمل الدعائي, وإنشاء المنظمات الشبابية ( المكابي ), والجمعيات مثل جمعية بني صهيون, وجمعية زئير صهيون, وجمعية العبري الصغير, كما قام عدد من الزعامات الصهيونية مثل " حاييم وايزمان " و جاوبتنسكي " بعدة زيارات لمصر .
ولكن وعلى الرغم من هذا النشاط الصهيوني, المبكر والعلني, إلا أن إستجابة يهود مصر له كان ضعيفا جدا, ولم يساهموا في الهجرة على فلسطين, إلا بـ 184 فردا حتى عام 1948م .
كانت توجهات يهود مصر وطنيه مصرية بالأساس, ولم تجذبهم الحركة الصهيونية, وعندما حسمت مصر توجهها العروبي, في أربعينيات القرن العشرين, ظهر تيار معادي للصهيونية, بين يهود مصر, فقد أعلن حاخام الطائفة الاكبر" حاييم ناحوم", بعد صدور قرارالتقسيم: " أن اليهود المصريين موالون لمصر, وأمتها العربية", كما عارض "قطاوي باشا", أثناء مقابلته للجنة الأنجلو أمريكية عام 1946م, قيام دولة يهودية في فلسطين مبررا ذلك: " لو حصل يهود فلسطين على آمالهم السياسية فقد يكون هذا خطرا على يهود البلاد العربية " .
بعد وصول هتلر للحكم, وإندلاع الحرب العالمية الثانية, بدأ الكثير من الشباب اليهود, بالإنضمام للمنظمات المعادية للنازية ذات التوجه اليساري والتقدمي, مثل " الرابطة العالمية لمكافحة النازية", وبدأوا بتبني شعارات الجبهة الشعبية – فرنسا, ومنها إنتقلوا إلى الأفكار الشيوعية, وساهموا في ولادة منظمة " الايسكرا " الشيوعية, والتي تبنت العبء الأكبر, في مقاومة الصهيونية في مصر .
وعلى غرار عصبة مكافحة الصهيونية في العراق, أسس الشبان اليهود الشيوعيون, في مصر, من منظمني " الايسكرا" و " حدتو", ما يعرف بإسم, " الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية ", عام 1946م, والتي مثل شقيقتها العراقية, رأت في الصهيونية, حركة موالية للإستعمار, ومعادية للحركات الوطنية, بل ومعادية لليهود أنفسهم, ولكنها إختلفت عن المنظمة العراقية, بأنها كانت مقتصرة على اليهود فقط, لأنها إعتبرت نفسها نعمل أساسا من اجل إنقاذ اليهود, من الحركة الصهيونية, وتخدم مصالح الطائفة اليهودية المصرية .
وبموقفها من القضية الفلسطينية, عارضت الهجرة اليهودية, ووعد بلفور, ورفضت التقسيم, وعارضت لجان التحقيق الدولية, تماما مثل شقيقتها العراقية .
مع بدء الحرب عام 1948م, عبرت الطائفة اليهودية المصرية, عن إنتمائها الوطني, فقد اعلن الحاخام " حاييم ماحوم": "ان على يهود مصر, الدفاع عن بلدهم مصر, ضد الصهيونيين", كما حثهم على التبرع لعرب فلسطين والمجهود الحربي, وساهم يهود الإسكندرية بثمانين الف دولار, ويهود القاهرة ب 160 ألف دولار, وأيد النواب اليهود في البرلمان المصري, الحرب في فلسطين .
مثل الحكومات العربية الأخرى, إستغلت الحكومة المصرية, حالة الحرب, للإعلان عن حالة الطواريء, وضرب الخصوم السياسين, المتمثلين بالقوى الديمقراطية أساسا, فقد رأت الحكومات العربية, ان المطالبة بالديمقراطية أخطر من الصهيونية, وضياع فلسطين, فقد أعلنت حكومة " النقراشي ", حالة الطواريء وأعلنت الاحكام العرفية, وشنت حملة إعتقالات واسعة, ضد خصومها السياسيين, وبالطبع في مقدمتهم الشيوعيين وعددا من الإخوان المسلمين, ونشطاء الصهيونية, أما المعتقلين بتهمة النشاط الصهويني, فقد كانت تجري لهم معاملة خاصة, حيث كان لهم عنبرا مزودا بوسائل الرفاهية, كما كان يسمح لهم بزيارة منازلهم, بل والسماح لزوجاتهم في المبيت عندهم في العنبر .
كما قامت حكومة " النقراشي", بمصادرة ممتلكات المعتقلين, والموضوعين تحت الرقابة, وكل شخص موجود في الخارج, وله نشاط معاد لامن الدولة, وكان هذا الإجراء موجها بالأساس ضد الشيوعيين .
حكومة "حسين سري باشا", التي خلفت حكومة " النقراشي",عمدت بعد الحرب, إلى تزويد اليهود الـ"بدون", وهم غالبية يهود مصر, ما سمي بـ"ورقة طريق", للتوجه إلى روما, وهناك كان ينتظرهم, وبعلم الحكومة المصرية, رجال الوكالة اليهودية, لنقلهم إلى فلسطين .
ورغم هذه الإجراءات, وطبقا للوكالة اليهودية, هاجر في هذه الموجه, 22 الف يهودي مصري فقط, إستطاع ستة آلاف منهم, الإفلات في روما, من قبضة الوكالة اليهودية, والإستقرار في أوروبا, والامريكتين, و16ألف تم نقلهم إلى فلسطين, وبقي 50 ألف متمسكين بوطنهم الأم .
أثناء حرب السويس عام 1956م, إتخذت الحكومة المصرية, إجراءات قاسية ضد الجاليات الأجنبية, وأعتبرت اليهود المصريين, من حملة الجنسيات الأجنبية, من ضمن تلك الجاليات, وقامت بمصادرة, 460 مشروعا يمتلكه الييهود, وفقد الكثير من اليهود وظائفهم .
بعد الحرب, تعرض اليهود إلى ضغط, بهدف مغادرة مصر, والتخلي عن جنسيتها, وبدأ اليهود مغادرة مصر عام 1956م, وحتى عام 1961م, إكتملت مغادرة اليهود من مصر, وتوجه ما يقارب نصفهم إلى فلسطين, والباقي تشتتوا بين قارات العالم, فحسب جهاز الإحصاء الإسرائيلي, بلغ عدد يهود مصر والسودان في إسرائيل, عام 1961م, 35580 شخص, أي نصف يهود مصر قط .

يهود السعودية

كان في نجران طائفة يهودية, تبلغ أربعة آلاف شخص, تم نقلهم إلى فلسطين بين أعوام 1944م و 1947م, بتذاكر سفر سعودية, وجوازات سفر سعودية خاصة, بناءا على إتفاق بين " جون فيلبي ", الملقب بالحاج عبد الله, والملك "عبد العزيز" وإبنه "فيصل", الذي كان وزيرا للخارجية آنذاك, وبعد تفجر الأزمة بين السعودية ومصر, خلال حرب اليمن, وافقت السعودية على عودة 50 منهم عبر الأردن, ممن يخدمون كضباط في الجيش الإسرائيلي, لمساعدة السعودية في حربها, ضد القوات المصرية في اليمن, تحت حجة أنهم هاربون من إسرائيل, لمساعدة وطنهم السعودية, وقد أسرت القوات اليمنية بعض منهم, في معركة "صرواح", وإعترفوا إنهم يعملون لصالح السعودية, إلى جوار ضباط أردنيين .

يهود اليمـن

قبل نكبة فلسطين, وبعد وعد بلفور, نجحت الحركة الصهيونية, في التأثير نوعا ما على يهود اليمن, إذ هاجر إلى فلسطين من اليمن, ما يقارب 15.360 يهودي, وهو ما يشكل 3.8%, من مجموع المهاجرين عام 1948م .
في العام 1947م, ساد إضراب شامل في عدن, تأييدا لعرب فلسطين, وإحتجاجا على قرار التقسيم, وقد شارك اليهود اليمنيين الرافضين للهجرة, في هذا الإضراب, تخلل الإضراب مظاهرات وحدث هياج, وإنحرف الجمهور وتحت تأثير الخطاب القومي, إلى مهاجمة الحي اليهودي (كريتر والشيخ عثمان), مما حذا بالسلطات البريطانية في عدن, إلى إخلاء الحي, ونقل معظم اليهود إلى معسكر حاشد, حيث تم نقلهم بعد ذلك من عدن إلى اللد بالطائرات, وكان عددهم قبل الحادثة 8500 سخص, تناقص بعد الاحداث إلى 831 شخص .
أما في الشطر الشمالي, فقد سمح "الإمام أحمد", بعد تمنع والده, وبالوساطة البريطانية, ما بينه وبين الحركة الصهيونية, ليهود اليمن بمغادرتها بحرية تامة, بعد بيع ممتلكاتهم, ومنحهم كل التسهيلات الممكنة, للمرور إلى عدن, ومنها إلى عبر جسر جوي, إلى اللد في فلسطين, وسمح بمندوبي الوكالة اليهودية, بالإنتشار في مناطق التجمع السكاني اليهودي, لدعوة اليهود للهجرة .
في الوقت الذي رحبت به إسرائيل, بقانون إسقاط الجنسية العراقية, عن يهود العراق, وأبدت إهتماما ظاهريا بأملاك يهود العراق, هذا الأمر أبرز تناقضا صارخا مع موقفها, من أملاك يهود اليمن, فقد عرضت إسرائيل على الإمام, إغراءات مادية, كي يسمح ليهود اليمن بالهجرة, ومن الثابت أن جميع أملاك يهود اليمن, غير المنقولة, قد تمت مصادرتها, بدون تعويض, فيما يفهم بأن ذلك قد جرى, ضمن ترتيبات تشير بأن نوعا من الإتفاق, كان قد توصل إليه المسؤولون الإسرائيليون مع الإمام .

يهود تونس

كان يهود تونس يوم إستقلالها, يحملون الجنسية الفرنسية, وذلك طبقا لقانون فرنسي, أجبر يهود تونس, على حمل الجنسية الفرنسية, مثلهم مثل الأوربيين, من غير الفرنسيين, والمقيمين في تونس, وكان غالبية اليهود في تونس غير راضيين عن هذه الخطوة, إذ كانوا مندمجين إندماجا كاملا في المجتمع التونسي.
فالموجه الأولى لهجرة يهود تونس, خصوصا من العاصمة, كان إستقلالها, حيث أخرجتهم فرنسا, مثلهم مثل باقي الأوربيين معها, من ناحية, وبسبب صرف المساعدات للعائدين من ناحية ثانية, أما موجة الهجرة الثانية, فقد جاءت عقب قوانين وإجراءات عام 1962م, والتي تمثلت بتأميم التجارة وصناعة النسيج, التي كانت بأيديهم .
معظم المغادرين إستقروا في فرنسا, وقليلون توجهوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية, وكندا وإيطاليا, قلة قليلة جدا توجهت إلى إسرائيل .

يهود المغرب

لم تشهد فلسطين نزوح يهودي مغربي, حتى عام 1947م, وفي ذلك العام إتفقت الوكالة اليهودية, مع الحكومة الفرنسية, على تهجير يهود المغرب, وأقيم من اجل ذلك مخيمات في فرنسا, حيث كانت رحلة التهجير, تمر عبر ميناء مرسيليا في فرنسا, ثم سويسرا, ومنها يتم ترحيلهم إلى فلسطين, وحتى العام 1954م, كان الإقبال اليهودي المغربي على الهجرة ضعيفا جدا, وبعد ذلك عملتا الدعايتان الصهيونية والفرنسية, على ترويج مخاطر مزعومة تتهدد يهود المغرب, بعد رحيل الفرنسيين, لتبدأ الحملة بالتصاعد ما بين أعوام 1954م و 1958م, وقد ساعد بعد مسؤوليي اليهود المغاربة, الجهود الفرنسية الصهيونية, إعتقادا منهم, أن أمن الطائفه مرتبط بوجود فرنسا في المغرب, وان بقاء اليهود في المغرب, سيكون له نتائج خطيرة, منذ اليوم الأول لإستقلال المغرب .

يهود الجزائر

مثلهم مثل الطوائف الاخرى, في البلدان العربية, تركزوا في المدن, وتركز نشاطهم في التجارة والصناعة, وامتهن بعضهم بعض المهن, مثل المحاماة والطب, ومنذ العام 1870م, منحت فرنسا الجنسية الفرنسية ليهود الجزائر, وحتى إستقلال الجزائر, رفض يهود الجزائر الدعاية الصهيونية, والهجرة إلى فلسطين .
مع بدء نشاط جبهة التحرير الجزائرية, كلفت الوكالة اليهودية, قائد الكتيبة العاشرة في حرب عام 1948م " شلومو جيلاف", بإنشاء منظمة سرية في دول المغاربية, تستهدف القيام بعمليات إرهابية, على غرار ما حدث في العراق, وإستهدفت المنظمة الحي اليهودي في 13/5/1956م, جيث قامت بإلقاء قنابل وإطلاق نار, مما ادى إلى سقوط 19 قتيلا, وعشرات الجرحى, وبعد ذلك استمرت المنظمة, في خلق توترات بين أبناء الطائفة, وباقي أبناء الشعب الجزائري .
إتبع يهود الجزائر, حركة الفرنسيين العائدين من الجزائر, بصفتهم مواطنين جزائريين, رافضين دعوة جبهة التحرير الجزائرية لهم, البقاء في الجزائر, خوفا من أي عمليات إنتقامية ضدهم, بسبب حملهم للجنسية الفرنسية, كما رفضوا إلحاح الحركة الصهيونية عليهم, في التوجه إلى إسرائيل, فمن بين 126ألف يهودي جزائري, توجه فقط 12800 شخص إلى إسرائيل, وتوجه الباقي إلى فرنسا, وبقي في الجزائر بضع مئات .

للأسف لم يتسن لي العثور, على مراجع عن يهود, لبنان والبحرين والسودان وليبيا وسوريا, فكما أشرت, تم إهمال هذا الجانب, من قبل الكتاب والباحثين العرب .

في أوضاع يهود العالم العربي وتهجيرهم , لنا أن نلاحط :

• على العكس من يهود أوروبا, لم يضطلع اليهود العرب بدور الجماعات الوظيفية, التي تعيش بين مسامات المجتمع, دون أن تكون جزءا منه, بل إضطلع اليهود بدور مؤثر وحيوي وإندمجوا في التشكيلات الإجتماعية العربية, وكانت لهومساهماتهم الملحوظة والبارزة في المجالات الإقتصادية والإجتماعية .
• كما ساهم اليهود, في المجالات الإقتصادية والإجتماعية, كانت لهم مساهماتهم, في المجالات السياسية, ودورا في الحركات الوطنية, ومقاومة الإستعمار, ولهم دورهم الملحوظ, في تشكيل الأحزاب والمنظمات الديمقراطية والتقديمة في العالم العربي, ومنها الحركات المناهضة للصهيونية .
• ساهم الإستعمار الغربي, بشكل ملحوظ, في محاولات عزل اليهود, عن باقي أفراد الأغلبية العربية, بمنحهم إمتيازات, لا يحصل عليها الأغلبية في المجتمع, مثل منحهم الجنسية, وما يرافقها من إمتيازات .
• بقي تأثير الحركة الصهيونية, محدودا وضعيفا في أواسط اليهود العرب, وليس أدل على ذلك, من أن فلسطين لم تشهد موجات هجرة يهودية, جماعية وكبيرة, من بلدان العالم العربي, قبل عام 1948م, على الرغم من أن نقلهم إلى فلسطين, من البلدان العربية, كان أسهل من عملية نقل اليهود من أوروبا, وأقل تكلفة, حيث أن دخول فلسطين, لمواطني الدول العربية, قبل قيام إسرائيل, كان سهلا جدا .
• على العكس من يهود أوروبا, لم يواجه اليهود, موجات غضب شعبي منظم, وإعتداءات منظمة وممنهجة, من قبل الحركات الشعبية العربية, وما حدث لهم من إعتداءات كانت قليلة ونادرة, وتحت تأثير ردات الفعل والغوغائية, ولم تكن تعبر عن عداء أزلي وممنهج لليهود, كما تحاول الصهيونية الترويج له .
• لم تكن الهجرة إلى فلسطين, والإستيطان فيها, هدفا لليهود العرب, حتى بعد قيام دولة إسرائيل, وغالبية اليهود العرب, الذين وصلوا إلى فلسطين, لم تكن لهم خيارات أخرى, سوى التوجه لفلسطين, كما حدث مع يهود العراق ومصر واليمن والمغرب, ومن أتيحت له الفرصه للهجرة إلى بلد آخر, توجه إليه .
• عمليات تهجير اليهود من العالم العربي, لم تتسبب بها رؤية عنصرية عربية تجاه اليهود, فهي لم تترافق مع عمليات إبادة, مثل الإبادة النازية لليهود, ولم يتم تجميعهم في معسكرات إعتقال, أو جيتوات أو مناطق إستيطان خاصة بهم, كما حدث في أوروبا, فعمليات التهجير, جاءت بناءا على تفاهمات أقرب إلى الصفقات, بين رموز الأنظمة العربية الحاكمة, والحركة الصهيونية, ضمن مخطط كامل وشامل للمنطقة.
• أرادت الأنظمة العربية الحكامه, من خلال حملات تهجير اليهود, تصدير أزماتها الداخلية, ولفت أنظار الجماهير العربية, إلى عدو داخلي مصطنع, وإمتصاص الإحتقان الشعبي, بسبب الهزيمة في حرب فلسطين.
• كان الوجود اليهودي الملحوظ, في التيارات السياسية التقدمية والديمقراطية, فرصة للأنظمة العربية الحاكمة, لضرب هذه القوى السياسية المعارضة, وتصفية حساباتها معها. تحت تبرير التصدي للممرامرة الصهيونية, فقد كانت تهمة الشيوعية تتساوى بل وتسبق تهمة الصهيونية .
• مثل نكية فلسطين, لا نستطيع أن نقرأ, قصة تهجير يهود العالم العربي, إلى كقصة مؤامرة, بل هي جزءا من المؤامرة على فلسطين والمنطقة, ووجها الأخر, حاكتها وساهمت بها, الحركة الصهيونية والأنظمة العربية الحاكمة, ومن خلفهما, الإمبريالية الغربية .

نكبة اليهود العرب, وجه آخر لنكبه فلسطين, تم إهماله, وتغطيته بسحابة كثيفة من الشعارات والديباجات القومية, لتحجب ملامحه, التي تكشف ضلوع الأنظمة العربية, في المؤامرة التي أحيكت, ضد الشعب الفلسطيني والوطن الفلسطيني, وذهب ضحيتها بالإضافة للفلسطينيين, لحما حيا من أجساد شعوبنا, بإنتهاك واضح وصريح, لحقوق المواطنه, ومبادئ حقوق الإنسان, وقيم التسامح والتعايش بين مختلف الأديان والطوائف والأعراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يهود الجزائر
عبد القادر أنيس ( 2011 / 11 / 17 - 12:38 )
حسب معرفتي بوضع اليهود في الجزائر أستطيع أن أجزم أنهم أحسنوا فعلا عندما اختاروا الجنسية والمواطنة الفرنسية. اليهود تواجدوا في شمال أفريقيا منذ 2000 سنة. كانوا جاليات هامشية متسامح معها فقط، وفي فترات الأزمات كانوا أول من يدفع الثمن، شأنهم شأن كل الأقليات في العالم، فتحرق بيوتهم وتنهب محلاتهم ويهجرون. صحيح أنهم عاشوا في المجتمعات الإسلامية ونجحت بعض الأسر في تبوؤ مكانة لائقة، لكن هذه الحالة لم تكن تدوم. الإسلام ساهم في بث الكراهية تجاه اليهود بسبب ما حدث في المدينة يثرب أيام التأسيس الإسلامي.
الثقافة الشعبية عندنا عامرة بالمواقف الكارهة لليهود. مجرد ذكر كلمة اليهود مازالت تتبع بـ (عليهم اللعنة) بل مازال الناس يسبون بعضهم بعضا بعبارة (يا يهودي يا ملعون). ثم جاءت قضية فلسطين لتزيد في هذه العلاقة سوءا.
وحدها البلدان الغربية الحديثة الديمقراطية مكنت اليهود من مواطنة لائقة بعد أن ظلوا قرونا طويلا محتقرين في الغرب. وحتى الثقافة الشعبية الأوربية المتأثرة بالتراث المسيحي مازالت تعج بالكراهية تجاههم كما تبين علميات سبر الآراء.
لماذا؟ إنه الدين ووضع كل الأقليات التي حافظت على هويتها. تحياتي


2 - الزميل والصديق عبد القادر انيس
خالد أبو شرخ ( 2011 / 11 / 18 - 00:07 )
بعد التحية
اتفق معك ان الموروث الديني قد ساهم في بناء الصورة الادراكية لوعينا تجاه اليهود وهذا لم انفه في مقالتي
اعتقد ان ليس فقط اليهود من عانوا من هذه النزعات الدينية بل وايضا النصارى وغيرهم من الطوائف حتى بين المسلمين انفسهم.
ولكن اختلف معك في ان تسيطر علينا رؤية احادية اختزالية تجاه الاديان وان نضع البيض كله في سلة واحدة هناك عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية تحدد اسباب كل ظاهرة والدين هو احد جملة العوامل
ولكن اذا كان الحل لكل طائفة تجد معاناة هو الهجرة فهذا سيؤدي الى فتفتة مجتمعاتنا
الحل ذكرته انت هو بقيام دول مدنية ديمقراطية وعلمانية تقوم على اساس المواطنه لتحفظ لكل اقلية دينية او اثنية حقوقها وتساهم في تغيير الصورة الادراكية التي يحملها مجتمع الاغلبية تجاه الاقليات
ويجب الاننسى ان هجرة اليهود تحديدا كانت تخدم مشروع استعماري اخر في فلسطين على
حساب الشعب الفلسطيني
ولك تحياتي


3 - عزيزي ابو الحق البكري
خالد أبو شرخ ( 2011 / 11 / 18 - 00:08 )
بعد التحية
بعد التحية
المقالة لا تناقش تاريخ الاسلام بل اوضاع اليهود في العالمين الاسلامي والعربي عبر العصور, وهي الجزء الرابع من بحث متكامل عن تاريخ العداء لليهود في العالم
اذا كنت تملك حقائق تاريخة اخرى تتناقض مع ورد بالمباحث الاربعة فتفضل وقدمها وسانحني للحقيقة التاريخة
المشكلة التي يقع بها الكثيريون ممن يعتبرون انفسهم تنويريون انهم يرون من جانب احادي اختزالي تماما كالسلفيين
اذا كان السلفيين يرون الحقائق من زاوية الدين فظاهرة التنويريون الجدد يرونها من زاوية العداء للدين فقط تماما مثل مداخلتك
هل تعلم عزيزي ان اضطهاد اليهود على يد المسيحية كان اكثرمن اضطهادهم على يد الاسلام؟
هل تعلم أن المسالة اليهودية ظهرت في الغرب المسيحي ولم تظهر في الشرق الاسلامي؟
هل تعلم ان المسيحية وضعت الخلاص البشري في الرؤسة الالفية بإفناء اليهود او تنصيرهم؟
لست انا من اسمي - حضارة عربية اسلامية- بل علماء التاريخ ومن ضمنهم الغربيين واذا وجدت تسمية اخرى فارسلها لي
لست انا من أسمي صهاينة او صهيونية بل هي من سمت نفسها كذالك
اين نحن من الحضار اليوم هذا ما يجب ان نبحثه ونسعى اليه
ولك تحايتي


4 - عفوا لكنك اخطأت
مجدي محروس ( 2011 / 11 / 19 - 14:07 )
سيدي الفاضل
اتعجب من كيفية استخدامك للتاريخ في محاولة
لتشويه التاريخ ايضا
اليهود مثلهم مثل اي اقلية لكن يضاف على ذلك
معاناتهم بسبب العقيدة
فالسيرة الاسلامية مليئة بالحض على
كراهية اليهود احفاد القردة والخنازير
ولا انسى ابدا ما قرأته عن السيرة النبوية لأبن هشام
عندما اخذ صفية بنت حيي اليهودية بعد مقتل زوجها واهلها
في جريمة بشعة وكانت قريبة صفية تصرخ على اقاربها الموتى
قفال لها محمد
-اسكتي يا شيطانة-
لينتقم اليهود بعد هذه المذابح المروعة ليدسوا السم لمحمد
فيموت

عزيزي كل ما رويته هو تاريخ انت تناسيته
بل ما حدث في الخمسينات من تهجير اليهود القسري من الدول العربية
لهو جريمة في حق الانسانية


5 - السيد مجدي محروس
خالد أبو شرخ ( 2011 / 11 / 19 - 19:57 )
بعد التحية
شكرا على المرور والاهتمام
عزيزي اعتقد انني تطرقت لتهجير اليهود من المدينة وخيبر ولك ان تعود للمقاله
تطرقي للموضوع كان من خلال السياق التاريخي
اما بالنسبة لموقف الاديان فالديانات الابراهيمية الثلاث تحض على نفي الاخر بل وابادته
الديانه اليهودية تعتبر اليهود شعب الله المختار وتبيح ابادة الاخرين
المسيحية تضع ابادة اليهود في مركز الخلاص النهائي - عقيدة الالفية - ولا تعترف بالاسلام
الاسلام ينفي الديانيتن الاخريتين
تفاصيل ما حدث في المدينة وخيبر ليس موضوع المقاله
موقفي من تهجير اليهود في الخمسينيات واضح في المقالة ولا تنسى ان تهجيرهم اتى على حساب الشعب الفلسطيني
ارجوان تعود الى اجزاء المحبث الثلاث الاولى عن الابادات والطرد الذي تعرض له اليهود في
اوروبا حى تصبح عندم رؤية شاملة عن معاداة اليهود عبر التاريخ واسبابها
ولك تحياتي

اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة