الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور الثقافة في الدولة والمجتمع

صاحب الربيعي

2011 / 11 / 23
المجتمع المدني


تعدّ الثقافة ذاكرة المجتمع الحافظة لنشاطاته وقيمه وعاداته المتراكمة خلال محطاته الزمنية والتي تشكل بمجملها أساليب العيش والتواصل وما تحكمهما من قيم اجتماعية، تفرض نموذج الدولة وأحكامها على المجتمعات اللاحقة على نحو تراكمي ومتجدد يتوائم مع الحاضر من دون أن يفقد خصوصيته وتمييزه عن ثقافات المجتمعات الأخرى.
بذلك تمثل الثقافة إرث المجتمع وتاريخه ولا يمكن عدّها إجمالاً ثقافة معيقة لتطوره لأنها تشذب نفسها بنفسها، والخزين الثقافي بمحمولاته التراكمية يعبر عن وقائع حياتية راسخة في الطبيعة البشرية تنسج سمات الحاضر وتطوره.
يعتقد (( بيخو باريخ )) " أن الثقافة ليست موروثاً سلبياً يعبر خلال نتاجه الكمي عن المعنى والجوهر، وإنما يشكل بنية ثقافية جديدة بأبعاد معلومة قابلة للتطور والتحديث ".
لذلك لا يصح الفصل بين ثقافة الماضي وثقافة الحاضر بدالته الزمنية وعدّها معيقة لآليات الحاضر الثقافية، لأنها لم تخلق من العدم وليست نتاجاً آنياً جرى بناؤه من فراغ وإنما قائمة على أساس تراكم ثقافي موروث من أجيال سابقة ساهمت في رفد الحضارة الانسانية.
كما لا يصح إجراء مقارنة بين ثقافة الماضي والحاضر لاصدار الاحكام الجائرة بقصد نبذها ورفضها لصالح ثقافة الحاضر على نحو مجحف يسقط من حسابه الزمن، وليس شرطاً أن تتفوق ثقافة الحاضر على سابقتها بالقيمة والأهمية.
فضلاً عن أن وسائل التدمير وأساليبه سهلة الاقتناء والاستخدام وفي وسع المتصدين لتدمير إرث المجتمع الثقافي والتأسيس لقطيعة مع ثقافة الماضي تحقيق مبتغاهم وخلق ثقافة هشة تعبر عن خواؤهم الفكري بدعوى التطور والتحديث، لكن المجتمع الناكر لإرثه الثقافي والساعي لقطع جذوره مع الماضي بعدّه متخلفاً لن يكون في مقدوره مد الجسور إلى المستقبل. لأن التراكم الحضاري يعدّ تدفقاً ثقافياً متباين المصادر ينبع من عمق التاريخ البشري، فمن خلاله جرى بناء حضارة الحاضر.
يعتقد (( بيخو باريخ )) " أن الثقافة سهلة التدمير وصعبة الخلق والبناء، لذلك ليس من الحكمة تدمير إرث الانسانية الثقافي بعدّه من الماضي لصالح الحاضر. وليس شرطاً أن تكون ثقافة الحاضر أفضل من سابقتها أو تماثلها ولربما تكون أسوأ منها، فيجب توخي الحذر والحيطة والابتعاد عن روح المغامرة بإصدار أحكام غير دقيقة على إرث ثقافي يمثل الوجود الانساني ".
يتطلب معيار قياس فشل الدولة أو نجاحها في التاريخ سبر إرثها الثقافي الحافظ لموروث المجتمع من القيم الأخلاقية والدينية والحياتية العاكسة لتوجهات الدولة وبنيتها التنظيمية، فليس في وسع الدولة فرض هيمنتها على المجتمع من دون استعارة أحكامه العامة كونها طرفاً في العقد الاجتماعي والسياسي.
يقول (( هيغل )) : " أن الثقافة والعائلة يمثلان أحد جذور الدولة الأخلاقية، بعدّ ثقافة المجتمع المدني تتشكل بذاتها وتمثل ذاتها وتشتغل لذاتها على نحو مطلق ".
إن إرث المجتمع الثقافي مرآة عاكسة لمجمل شغله ونشاطه وقيمه وأعرافه وحضارته ومن ثم بناؤه النفسي وسلوكه المؤثر على نحو غير مباشر في طبيعته الأخلاقية خلال محطاته الزمنية لتصبح دالة على طبائعه ومزاجه وحراكه ونشاطه الحياتي اللاحق، والمتأثر على نحو مباشر بأحداث المحيط السلبية والايجابية التي تحفظه ذاكرة المجتمع بأنماط ثقافية تعبر عن خصوصية المجتمع في الحضارة الانسانية.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضامناً مع الفلسطينيين في غزة.. عشرات الطلاب يتظاهرون بالموت


.. ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين: ما رأيته في غزة ي




.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون