الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلوى الأحلام السرية .. (قصة قصيرة )

صادق البصري

2011 / 12 / 2
الادب والفن


اتصلت به أكثر من مرة ، وكان الرد ياتي دائما ..رقم الهاتف المطلوب مغلق أو خارج نطاق الخدمة ، عاودت الاتصال رد عليها صوت أجش ساخن كنهيق حمار ، قطعت المكالمة وعادت إلى حيرتها من جديد ، وبعد انتظار ممل رن هاتفها بنغمته المحببة إلى نفسها ، الرقم رقم فتاها والاسم الذي سمته هو نفسه .. وأخيرا اتصلت أيها المجرم كلمت نفسها، ، جاء صوته رقيقا، دغدغ أعصابها وأنساها حيرتها ومللها ألممض، كلمها - من دون اعتذار- لم انس الموعد نفس الوقت وفي نفس المكان ، راحت تعد الثواني والدقائق والساعات ، ولم يأت كعادته وحتى لم يعتذر .. جلست وحيدة ، ودموعها تلعبان في دائرتي عينيها لاتنحدران ، تناولت حبة مهدئة ، وأسندت رأسها على حافة الكرسي وتطلعت إلى سقف الغرفة .. عرفته منذ شهر تقريبا، وكانت هي صورة فتاها الذي عاش في خيالها وتلتمع في ذاكرتها ، وتعلقت به كطفل استهوته لعبة وراح أسيرها وعبثا الوقوف بوجه رغبته الجامحة.. أصبحت أسيرة حب هذا الشاب ذا الوجه الوردي اللدن ، بعينين واسعتين ذكيتين ، وشعر اسود لامع وناعم، وجسد قوي ، وخجل متداعي ،كانت تتحمل جفاه وعدم التزامه بالمواعيد على مضض ، وتبحث له عن أعذار لتخدع نفسها ، ويقهرها إحساسها الداخلي بأنها آثمة حقيرة وهي معه ، ولكنها تشتاق له بمجرد أن يتركها ، يطربها صوته وتحن للقائه .. هل هو فراغ حياتها ؟هل هو خوفها المرعب من تقادم العمر؟ هل هو توقها للأمومة ؟ إنها تحاول عبثا الفكاك من واقع أملته عليها ظروفها القاسية التي جعلتها أسيرة ذلك الشعور، ولا تستطع الهرب. أنه يمنحها الحياة ، تنزل قطراته في حنجرتها ترويها تشبعها ، وتذيقها طعما أحلى من العسل ،تذوب ولا أحد يراها ، تظهر للناس داخل أردية غامقة محجوبة عن الأعين نظارتها وحيويتها وعنفوان مشاعرها الجياشة ،لا احد يرى أو يخمن إنها متهالكة ، غارقة في حب جنوني ، ضعيفة آثمة من الهيام به - سلوى - هذا هو اسمها تعمل موظفة في إحدى الوزارات تحمل شهادة الدبلوم في إدارة الأعمال ، امرأة في الخامسة والأربعين من عمرها ، كانت يوما على قدر كبير من الجمال ولا زالت تحمل ملامحه بأنوثة طاغية وأناقة قوام رشيق ، كان وقتها موزعا بين العمل والانكفاء في بيتها الذي ورثته عن زوجها المتوفى ، لم تكن لها تجارب جنسية مع غير زوجها والذي ما أحبته يوما ، منذ إن زفت إليه وهي في سن مبكرة ودون رغبتها ، وكان يكبرها بعشر سنوات ، ولكنها لم تكرهه طيلة حياتها السابقة ، كانت تعيش معه تحت سقف واحد إرضاء لرغبة أهلها لارغبتها ،فحين تزوجت لم يكن لها الخيار في القبول أو الرفض ، وعندما توفي زوجها اثر مرض لا أمل فيه لم تأسف عليه ، لكنها ندمت على سنوات شبابها الضائع ، وبموت زوجها انطوت صفحة كئيبة من كتاب حياتها ،وفتحت صفحة جديدة بالأمل ،أقنعت نفسها إن حياتها لاتتوقف عند هذا الحد ، وان أمامها الكثير مما حرمت منه وإنها مازالت تعيش أنوثتها الطاغية وعنفوانها المارق ، لكنها كانت تصدم حين تسمع إنها أرملة،وكثير ما يتردد إطلاق هذا الوصف الذي يقتلها كل يوم ، كانت حياتها التالية مريرة ولا يشعر بتعاستها احد ،كما لو كانت تعيش على هامش زمنها ولا شيء غير عد الأيام والسنوات بانتظار الموت، كانت تربطها صداقات مع زميلات لها أصبحن ألان أمهات وسيدات وزوجات، ولكن هي لا احد يسأل عنها ، مهجورة تعيش هذيان السنين التي سرقت من عمرها ، ولم تنجب من زوجها المتوفى ..
عيل صبرها، الساعة العاشرة ولم يتصل حتى ولو على سبيل الخطأ ! أيتها الآلة الصماء المتلونة بالأضواء لم لا تفتحين فمك ويرن صوتك بأحلى نغمة، نغمة فتاي المحبوب هيا انطقي، عجزت وأنا ابحث لك عن أعذار فما هو عذرك ألان !؟ في كل الأحوال أوافق على قبول عذرك صاغرة في مكالمتي لا خيار بديل، بشرط إن تعود إلي وبعدها لن أتكلم بكلمة واحدة، عد لي فقط للحظات ثم اتركني.. بحكم وظيفتها وموقعها المتميز وجديتها في العمل في دائرتها الحكومية كانت تحظى باحترام زملائها وزميلاتها، الكل يجاملها والكل يخطب ودها ويحترمها..
لا احد يدري ما أعانيه لا احد يهمه ما أمر به من مأساة قالت مع نفسها ، لا أريد الاحترام والمجاملة ، والتقديس الفارغ المخادع المتلون ، ابتعدوا عني أريد فقط الحب أنني احتاج إلى الحب ، احتاج لقلب نابض بالحب يرقد إلى جانبي يؤانسني يبعد عني الوحشة والغربة التي أعيشها ، إنني أقتل كل يوم ملايين المرات ، كل دقيقة تحمل الموت لي .. اقترحت عليها صديقتها يوما إن تتزوج ، هناك رجال مقاربون لها في السن يبحثون عن شريك وعددت أسمائهم لها ، أجابتها بصراحة: أنها لاتحب كبار السن ، إنها لا ترغب بالزواج من تمثال جديد ، كبار السن أولئك تماثيل ثلمتهم السنين وضاعت ملامحهم ، لطخت المظاهر وجوههم الخادعة ؛ أنهم ميتون بهيئة أحياء في النزع الأخير، هل سأعود إلى الموتى ثانية ، ولا أحبذ خوض دور الممرضة بعد ألان هل تفهمين ! أجابتها بكل ثقة .. أحب الفتيان ، لهم عيون ساحرة ،وبشرة مشدودة ومرح طفولي وحيوية ،صمتت ثم سرحت بخيالها وكأنها تستحضره، يا لشعره الغزير، ابتسامته ،عنفوانه ، حيويته المتدفقة ،كان يبتسم لي بحنان وتملق الصغير الذي يريد شيئا مني - مستمرة في الكلام مع نفسها ، سألته يوما كيف تقدر عمري قال : أربعون أو اقل بقليل ، ضحكت وفرحت في سري وأدركت كيف إن الحب يديم الحياة ، عدت يومها إلى المنزل بشوق للمرآة ، أسير بهدوء ، العب بأقدامي كأنني ارقص ، حقيقة إني أجيد الرقص القديم ، كنت أطير كعصفور انطلق من قفصه ولا يسعه الفضاء ..
أسبوع آخر ولم يتصل كلمت نفسها، أعذاره كثيرة لم اعد احتمل تلك الأكاذيب، مشغول دائما، هل مل مني ؟ ربما كرهني ، ولكنه يحبني قالها لي مرارا ، ويلح بالارتباط بي رغم فارق السن ، قال ذلك بصدق، إلا إنني كنت في كل مرة اهمس بأذنه ، لم يحن الوقت بعد ، ارغب إن أعيش الحب الذي حرمت منه طوال تلك السنين المجدبة ؛ أن أعوض ما فاتني بحب حقيقي يستعر بمشاعر صادقة أليفة مع فتاي الذي اخترته أنا فارسا لأحلامي الضائعة ، لم اعش إلا سنوات الألم ومرارة العبودية دون رغبتي ، امنحني بعض الوقت، إن الحب رائع بدون أن تشعر نفسك سجين هذا الحب ، وكان يرد بتفهم ما أمر به ويتحاشى إزعاجي ..
- لاتستهويني فكرة المكالمات الهاتفية ونسج الأعذار ، لن اصبر بعد ألان ، سأنطلق حيث يقيم وليحدث ما يحدث ، سأبحث عنه في كل مكان قالت بإصرار ،وبعد السؤال عن مكان إقامته أخيرا وصلت إلى المكان الذي يسكن ، كان وحيدا يسكن غرفة مستأجرة في الحي الشعبي ، غرفة كئيبة ، طرقت الباب وما من مجيب ، دفعت الباب براحة يدها فانفتح أمامها ،إذن هنا يسكن فتاي المحبوب كلمت نفسها ، كانت رغبتها شديدة في التعرف عن قرب لكل ما يمت له بصلة ، إن تشم رائحته فيها ، الغرفة تعبق بالظلام ، وغير مرتبة ، وفي الزاوية وعلى سرير حديدي يمتد جسد فتاها المحبوب ملقى على وجهه مغطى بشرشف رقيق ،جزء من العتق والكتفين يظهر بوضوح ، كتفاه منسدلتان في تواضع وانطواء ، تجويفان صغيران وعظام رقيقة تحت الرقبة مباشرة ، أشعة الشمس من فتحة الباب الموارب تلقي بضوئها على جسده الذي يتحرك ببلادة ، أنقلب على ظهره بتململ ، وبان صدره العاري وغابة شعر صدره الكثيف ، وهو ينزل بخط نحيف إلى سره الجسد ، كم حلمت وهي تحتضن هذا الجسد الحا ر الممتلئ حيوية ونظارة ، أن تجرب كل المتع التي حرمت منها ، إذ ماقيمة هذا الجسد الذي سيهرم ويؤول إلى التراب في يوم ما ، كلمت نفسها وهي في حضرة فرحها الغامر ونشوتها العارمة ،هاهي فرحتها ، هاهو الشراب الذي سينعشها ويحررها من أسر الرغبة المجنونة ، من هذا العطش الأزلي ، هاهو الشهد الذي تمنت أن تتذوقه، هاهو ملقى على فراش هذا السرير ، وبينما هي تسترسل في أحلام يقظتها ، استيقظ الفتى النائم ليفاجئ بملامح امرأة عطشى يعرفها جيدا وتعرفه ،ظهر تحت شعاع ضوء الشمس الساقط من خلال فتحة الباب الموارب ، تطلعت - سلوى - إلى صدره في خوف وقالت هامسة : أعترف لك ألان أنك تنام في خيالي وتشاركني وسادتي حتى قبل إن أعرفك ، أخفي كل هذا .. وألا أنشبت فيك أظافري وشفتي ، ابتسم في وجهها ابتسامته المعهودة الحانية ، كان هو وحده عزائها من الدنيا ، فبه تحيا ومن دونه تموت ، عاشت له تحسب الدقائق والساعات من اجل اللحظة ، تحلم بأحلامه ترتوي بشبابه ، حياتها التي لم تذق طعمها طوال سنين القهر الماضية تستردها ألان ، تثار لكل ليلة مرت عليها وهي تتسول البهجة ، تتذوقها بكل التفاصيل والحرية الكامنة في نفسها ، بكل ذرة من جسدها ، ستعيش الدقائق القادمة من حياتها مع من اختارت بعيدا عن مجتمع المراهقين الكبار وحياتهم المصبوغة بالزيف الفاقع ، ستعيش سعادتها الحقيقية وستثأر من سنوات الحرمان ، قالت – سلوى - بتحد .

**************************************************************************

صادق البصري / بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير