الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديمقراطية البطون الجائعة!!!

وديان حمداش

2011 / 12 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


بعد حلول ربيع التحرر ضيفا على عالمنا العربي لم يعد الحديث في السياسة رجس من عمل الشيطان، بل حلال مر وشر لابد منه فرض على حكوماتنا تقبله للحفاظ على الكراسي وتفادي لعنة السقوط. هكذا إذا كسر الشارع العربي حاجز الصمت وعقدة الخوف وأصبح يتحدث في السياسة --الفلاح والخباز والنجار والسباك (المتقف والأمي)، كل يغني على ليلاه. قد تتعدد المفاهيم، لكن ما لايختلف عليه إثنان هو سمعة السياسة السيئة فهي فن الكذب ولغة المصالح، حيث لا وجود لأصدقاء دائمون ولكن لمصالح دائمة. هذا ما أكده الكاتب "هارولد دوايت لاسويل" الذي عرف فن السياسة بأنها دراسة السلطة التي تحدد "من يحصل على ماذا، متى وكيف" (أي دراسة تقسيم الموارد في المجتمع)، وذهب الأئمة الشيوعيون إلى أبعد من ذلك بتعريف السياسة على أساس دراسة العلاقات بين الطبقات، وكيفية توزيع الثروات والنفوذ ضمن نظام معين. لا أختلف مع الطرحين لكنني أرى السياسة كالحرباء تتغير ألوانها بتغييرالبلد أو المنطقة أو الشعب، فالحاكم هو الذي يقرر ما هو سياسي: فالحديث عن شرعية الحاكم، وحقوق الانسان، وحق الكلام والصمت، وحق العبادة والكفر...الخ قد يعتبر سياسة. أما الديمقراطية فتعريفها الشائع هو "حُكمُ الأغلبية او حكم الشعب لِنفسهِ" تعريف شمولي تنقصه الدقة، متى كان الشعب يحكم نفسه، ومتى كان للأغلبية الكادحة صوت يسمع؟ إن التعريف الحقيقي للديمقراطية تجده عند أصحاب البطون الجائعة، هؤلاء لا تهمهم صناديق الإقتراع ولايسألون المرشحين عن برنامجهم الإنتخابي بل عن قيمة صوتهم بالجنيه أو الدرهم أو الدينارأو الريال. فموسم الإنتخابات بالنسبة للفقيرالذي لايملك قوته اليومي هو مجرد موسم رواج للبيع والشراء. إنها ديمقراطية مزيفة وناقصة لا تعكس الإرادة الحقيقية للشعب المطحون، مادامت الأصوات لازالت تباع وتشترى في سوق الانتخابات!!

المال السياسي: تحديات ديمقراطيات الربيع العربي

بغض النظر عن نزاهة الإنتخابات البرلمانية المصرية في المرحلة الأولى إلا أنها لم تخلوا من معالم الفساد الإنتخابي الذي تجلى جلياً في عشوائية التنظيم بسبب غياب الأمن وعدم وجود إشراف حقيقى من اللجنة العليا للإنتخابات، وعدم الإلتزام بوقف الدعاية الإنتخابية قبل بدء عملية التصويت بـ48 ساعة كما ينص القانون وتجاوز حجم الإنفاق عليها، إضافة الى التلاعب في البطائق الإنتخابية حيث تم ضبط فتاة منقبة بمدينة أسيوط المصرية ومعها أكثر من 15 بطاقة إستخدمتها فى الإدلاء بصوتها لأكثر من مرة. كما أكدت تقارير أخرى أن الجيش قد ألقى القبض على سيدتين من حزب النور، لقيامهما بالتزوير فى لجنة قرية 6 بالبنجر فى العامرية. وبالرغم من كل هذه التجاوزات، يعتبر إستخدام المال السياسي لشراء أصوات المواطنين (أو شراء الذمم) من أخطر المخالفات المسجلة والتي تشكل تحديا حقيقيا لديمقراطيات الربيع العربي.

لم تسلم إنتخابات مصر من هذه الظاهرة الخبيثة، فقد كشفت الكثير من التقارير عن محاولة بعض المرشحين شراء أصوات الناخبين مقابل ثمن بخس من المال أو بعض المواد العينية أو الوعود بوظيفة أو منصب، فقد جاء في حديث أجرته جريدة ميدان التحرير أمام مقر إحدي اللجان الإنتخابية مع إحدى المواطنات، بأن هناك من باع صوته مقابل الحصول علي أنبوبة بوتاجاز ووجبة كنتاكي، أما في الفيوم فقد بيع الصوت مقابل ربع فرخة فقط. ونقلت جريدة اليوم السابع عن عدد من مراقبي الإنتخابات رصدهم قيام عدد من الأحزاب السياسية بشراء أصوات الناخبين مقابل مبالغ تتراوح بما بين 10 جنيهات إلى 150 جنيها، إضافة إلى توزيع كروت شحن. ويشار إلى أن بيع الأصوات لازال جاريا رغم تحريم دار الإفتاء المصرية لهذه الظاهرة باعتبارها "رشوة" حرمها الشرع، وبأنه لا يجوز للمرشح أن يستخدم أمواله في تحقيق أغراضه الإنتخابية بالتأثير على إرادة الناخبين. إلا أن الإسلاميين لهم رأي اخر، فلا يخفى على أحد كيف لعب المال دورا مهما في فوزهم بالإنتخابات سواء في تونس او المغرب او مصر، مليارات من أموال الخليج أنفقت على أصحاب الدقون الطويلة لتنفيذ أجنداتهم المسمومة (غزوة الصناديق). ولم يكتفوا باستخدام المال السياسي للفوز بالإنتخابات بل إلى توظيف سياسة التكفير والتحريم لخدمة مصالحهم الخاصة ، فقد أفتى الداعية السلفي الشيخ محمود عامر، بتحريم التصويت في الإنتخابات للمرشح المسلم الذي لا يصلي، والمسيحي، والعلماني، والليبرالي، الذين لم تتضمن برامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية. أما عبد المنعم الشحات فقد كفرالجميع فالكل بالنسبة له حرام وكفر حتى الديمقراطية فهي منتوج غربي يجب على المؤمنين مقاطعته. هكذا يتم تسييس الدين وإستخدام الفتاوى لصالح تيار سياسي على حساب تيار آخر، حتى باتت كلمة "ليبرالي " تثير توجسا ومخاوف لدى الناخبين (فوبيا الكفر).

وفي تونس مهد الربيع العربي، إعترف ساسي بوعلاقي، عضو اللجنة الجهوية لحماية الثورة بالقصرين، بتوزيع بعض الأحزاب لمبالغ مالية لشراء أصوات الناخبين خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق النائية، وقد تحدث بعض المراقبين عن وصول سعر الصوت إلى 100 دينار تونسي، وهو مبلغ يساوي أربعة أضعاف ما خصصته الهيئة العليا للانتخابات لكل قائمة مترشحة عن كل ألف ناخب في عدد من الدوائر الانتخابية. وقال عبد الوهاب معطر، وهو عضو المكتب السياسي لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» "إن الخوف اليوم ليس من تزوير الانتخابات بالمعنى التقليدي، وإنما من تزوير إرادة الشعب بواسطة المال السياسي المتفشي في الساحة الوطنية في الفترة الراهنة». كما أقر أحمد الاينوبلي، الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، بان "المال السياسي أغرق البلاد والديمقراطية الوليدة في خطر، بسبب الأموال المتدفقة من الشرق والغرب على أحزاب سياسية، تحاول أن تكسب بالأموال، ما لا تستطيع كسبه بالبرامج السياسية". و في المغرب، انتقدت منظمات حقوقية الفساد الإنتخابي واستخدام المال السياسي لشراء الأصوات، واستغلال الوظيفة والإخلال بضوابط التقييد في اللوائح الانتخابية وبضوابط الحملة الإنتخابية. لكن معظم الخروقات والتجاوزات تتعلق بتوزيع إعانات مادية، وتسلم شيكات موقعة على بياض قصد ضمان الأصوات.

هذه هي ديمقراطية البطون الجائعة، ديمقراطية مزيفة وناقصة تحول من خلالها موسم الإنتخابات الى سوق للبيع والشراء لاعلاقة له بملامح الديمقراطية التي مات من أجلها الأبطال، إنه موسم شراء الذمم وكرامة المواطن وتغييب إرادتة ومصادرة رأية، واستغلال فقره واحتياجه. الفقراللعين الذي وصفه نلسون منديلا في قمة كوبنهاكن بأنه "الوجه الحديث للعبودية"، وكما ألغت البشرية العبودية خلال القرن التاسع عشر وجرّمته، فهي مطالبة اليوم بإيجاد حلول للحد من الفقر بل تجريمه، فالتهميش الإقتصادي والإجتماعي مرتبط بالتهميش السياسي والديمقراطي، ولا أحد يمكن أن يتجاهل حقيقة أن الفقركان السبب الرئيسي في العديد من الثورات الإجتماعية والتغيرات الكبرى والإضطرابات السياسية في العالم. فالشعب العربي لم يخرج للشارع للدفاع عن صناديق الإقتراع بل خرج نتيجة للقهرالإجتماعي والتهميش، خرج ليدافع عن حقه الطبيعي في الحياة ولقمة العيش، خرج لتذكيرالحكومات ببنود العقد الإجتماعي ليبرهن للجميع بأن الشعب هو أساس السلطات ومصدر الشرعية والسيادة.
إن العالم العربي ليس في حاجة إلى ديمقراطيات التسول، بل إلى عصر نهضة جديد تتحقق فيه العدالة الإجتماعية والمساواة بين مختلف شرائح المجتمع. لكن يبقى الخوف الأكبر من استمرار زعماء العهد الجديد في نهج نفس سياسة التجويع لضمان أصوات أصحاب البطون الخاوية.
الشعب يريد حلول حقيقية، فزمن المسكنات الظرفية ولى!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا