الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران وقطر والربيع العربي : الأدوار الملتبسة

فؤاد سلامة

2011 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



دولتان في العالم العربي ـ الإسلامي الكبير تتصديان لأدوار كبيرة وملتبسة تبدو متناقضة أحيانا هذه الأدوار, ولكن يمكن للتحليل الموضوعي أن يكتشف فيها تشابها وتكاملا في نهاية المطاف. قد يسخر البعض من رؤية بلد كقطر لا يتجاوز عدد سكانه نصف عدد سكان مدينة عربية متوسطة الحجم , ينبري لأدوار ومهام تعجز دول عربية كبيرة مجتمعة عن التصدي لها. ما السر يا ترى؟ هل تكفي الثروة لتفسير ذلك كما يتهكم البعض؟ ثمة دول عربية أغنى وأكبر بكثير لا تدعي قدرة ولا تملك طموحا لهكذا دور.
في المقلب الثاني , دولة إسلامية غير عربية كبيرة وغنية وذات حضارة ضاربة جذورها في التاريخ, تتصدى لمهمة مقارعة إسرائيل وحلفائها الغربيين في مواجهة, لبها الصراع حول فلسطين , التي تشكل قضية العرب الأولى وقد تخلى العرب عنها لإيران على ما يبدو. كارهو إيران العرب كثيرون, وهم ما فتئوا ينددون بإيران واستعمالها لفلسطين كراية تخبىء خلفها أطماعها "الفارسية".
السؤال طبعا للعرب : لماذا تركوا ساحة المواجهة لإيران وحلفائها العرب القلائل؟ ما نسمعه من وقت لآخر من دق لطبول الحرب ضد إيران يكفي لاستنتاج الجواب عن السؤال الحار: من هو عدو إسرائيل الأول؟ إنه ليس السعودية أغنى بلد عربي , ولا مصر أكبر بلد عربي, بل هو لبنان وإيران وغزة... لماذا يا ترى؟ هل هناك جواب أكثر تعقيدا وفذلكة؟ لا نحتاج لمحاججة وعصف أفكار لكي ندرك حجم القصور العربي المخزي. هذا طبعا لا يعفي من توجيه نقد قاس لبعض حلفاء أيران الذين يستفيدون من تحالفهم مع أيران طمعا بالغنم وليس مشاركة في الغرم. والمقصود طبعا الحكام وليس الشعوب.
كلام كثير يقال في توصيف الدور القطري ويبقى هذا الدور لغزا يصعب تفكيك شيفرته. إنها قطر "الحمدين" . يحار المحللون في التوفيق بين أدوارها المتناقضة, تارة مع جماعة المقاومة والممانعة, وغالبا مع جماعة الغرب. قطر بجزيرتها الإعلامية ودعمها للثورات العربية, هل تخون المقاومة وشعب المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا؟ يصعب الجزم بذلك إلا إذا وحدنا بين الشعوب والأنظمة وكلنا يعرف أن المسافة بين الشعوب وأنظمتها شاسعة.
ما مقدار العداوة واالقرابة بين إسرائيل وأيران من جهة, وبين إسرائيل وقطر من جهة أخرى؟ ما مقدار الجد والمسرحة في العلاقة السيئة بين إسرائيل من جهة وإيران وقطر من جهة أخرى؟ قد يقول قائل إنها لعبة إعلام, فإيران وأمريكا تتقاسمان الأدوار في العراق, كما تتقاسم قطر وأمريكا الأدوار في دعم الثورات العربية. يفترض هذا الجواب أن أمريكا تخرج منتصرة من العراق وقد سلمته لإيران بكل طيبة خاطر. وهذا ما لا تشي به السيناريوهات التي يتداولها الإعلام عن الحرب الأمريكية الإسرائيلية المقبلة ضد إيران. وأما ما يشاع عن دور أمريكي يتظلل بقطر في دعم الإنتفاضات الشعبية في الجمهوريات العربية الديكتاتورية فلا يصعب فك ألغازه. أمريكا والغرب عموما فوجئوا بالربيع العربي ولم يكونوا يتوقعونه وإن كانوا سريعين في تلقفه ومحاولة تأطيره واستيعابه. إنه الغرب القوي بعلومه ومراكز دراساته القادرة على التكيف مع كل المفاجآت والعواصف فكيف بعاصفة الديمقراطية التي كانوا قد يئسوا من تمني هبوبها وها هي تأتي من حيث وساعة لا يتوقعون .
النقد الأساسي الذي كان يوجهه اليساريون قوميين وليبراليين للغرب هو دعمه للديكتاتوريات. هل كان القذافي عدو الغرب ونصير الشعوب وحامي ثروات الأمة؟ هل يشكل مطلب تصفية الحكم العائلي في سوريا خيانة للشعب السوري الذي اكتوى بنار أربعة عقود من الديكتاتورية البشعة؟ الحجج التي يسوقها كارهو الغرب ضد الدور القطري في دعم الحراكات العربية الشعبية فيه الكثير من التحامل ضد دولة صغيرة وغنية تنبري لمهام كبيرة لم تتلقفها دول عربية أهم وأغنى. وعندما كانت تلك الدولة "وجزيرتها" الإعلامية على رأس الداعمين لمعسكر المقاومة في لبنان وفلسطين في مواجهته لآلة الحرب الإسرائيلية العاتية لم يشكك أحد من المقاومين في هذا الدعم ولم يرفضوه باعتباره السم في الدسم.
يشير الكثيرون إلى ازدواجية السياسة القطرية, فهي من ناحية تستضيف قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها, ومن ناحية أخرى دعمت محور المقاومة في الماضي وتدعم حاليا بقوة حركة المطالبة بالديمقراطية في الجمهوريات الديكتاتورية, هذا في الوقت الذي لا يوصف الحكم القائم فيها بغير وصف الحكم الملكي المطلق, فكيف يتحقق الإنسجام بين هذه السياسات المتناقضة؟ سؤال يصعب الإجابة عليه بغير تعبير البراغماتية الذي يطلق على سياسات تبدو في الظاهر متناقضة ولكن ثمة خيط واحد يجمع بين التناقضات لتصب في مصلحة عليا أو في طموحات كبرى..
يخطىء الكثير من العرب في شيطنة إيران الإسلامية الساعية لامتلاك التكنولوجيا النووية, في حال صح هذا الإفتراض, فسلاح نووي في إيران يخيف إسرائيل وما يخيف إسرائيل لا ينبغي أن يخيف العرب . هذا هو عين المنطق . ما يعيبه بعض العرب على إيران هو النفوذ الذي تمارسه في بعض الساحات العربية وخاصة ساحات المواجهة مع إسرائيل . نفهم أن يزعج هذا الأمر إسرائيل أيما إزعاج ولكن أن يخشى بعض العرب من ذلك فلا يمكن فهمه بغير اعتباره تذكيرا لبعض العرب بتقصيرهم في دعم فلسطين وهم أهل البيت. عداوة بعض العرب لإيران(من أمثال مبارك وحلفائه المعروفين) اشتغلت أمريكا على تغذيتها كثيرا خدمة لإسرائيل ولكي تبرر عقد صفقات السلاح الضخمة مع بلدان لا تعرف ماذا تفعل بهذا السلاح غير أن تضعه في المستودعات ليأكله الصدأ.
انتصار الديمقراطية في بلدان عربية سبب وجيه لمديح قطر وقناة الجزيرة باعتباره نقطة بيضاء في سجل التاريخ العربي الحديث الحافل بالمآسي. الشعوب الثائرة تخترع الأساليب المناسبة لإيصال صوتها إلى العالم في عصر لم يعد الطغاة يحتكرون فيه الصوت والصورة ولا هم بقادرين على منع تدفق المعلومات. وهذا أكثر ما تخشاه الديكتاتوريات العربية: الصوت الحر والمعلومة التي تعبر الحدود وتكسر المحرمات, ما يسميه الطغاة وأزلامهم "الحرب الإعلامية". إنه بعبع الديكتاتوريات والسلاح الأشد في مواجهة آلات القتل الهمجية. ما جرى ويجري من إنتفاضات على امتداد جمهوريات الخوف في العالم العربي ليس فبركة روايات لأجهزة إعلامية تديرها قطر أو غيرها. وضريبة الدم التي دفعتها الشعوب العربية وتستمر في دفعها تفوق حجم ما دفعته شعوب الأرض في صراعها ضد الديكتاتوريات الحديثة, وهي تستحق اهتمام الإعلام الذي يبحث عن الخبر ولو كان مرعبا. أن تسعى بعض الفضائيات العربية للعب دور ريادي في كشف الإنتهاكت الخطيرة لحقوق الإنسان العربي وفي نقل المعلومات وبث الصور الحية, يشرف هذه الفضائيات ولا يجعل منها وسيلة للتحريض على العنف, الذي إن حصل يكون من مسؤولية الحكام وأجهزتهم القمعية.
ما يجمع بين إيران وقطر في أدوارهما الملتبسة هو طموح جامح للتصدي لأدوار كبيرة في عالم عربي وإسلامي شاسع وغني بالثروات يهرب معظم حكامه من مسؤولية وتبعات هذه الأدوار . ثمة فراغ في القمة يستدعي اللاعبين الأقوياء الراغبن والقادرين . . ألم يبحث القذافي عن هكذا دور؟ لاعب تافه مصاب بذهان العظمة لا يصلح لغير دور المهرج الدموي. وإذا صدف أنه في هذا العالم العربي الإسلا مي وجد قادة طامحون للعب أدوار كبيرة فما يضير شعوبنا الطامحة الى الحرية والكرامة أن يجدوا دعما من هؤلاء القادة؟ ليس ما ينسب إلى إيران من سعي لامتلاك السلاح النووي ما يجب أن يخيف العرب شعوبا ودولا, بل طريقة تعامل حكامها مع الحراك الشعبي في سوريا. تغيير نظام ديكتاتوري في هذا البلد أو ذاك ليس من المفروض أن يضعف محور المقاومة بل من شأنه أن يقويه لو أحسن الإيرانيون قراءة الواقع واستشفاف آفاق التغيير الديمقراطي في العالم العربي والطاقات الضخمة التي يطلقها . هنا يخطىء الإيرانيون رغم ما هم معروفون به من دهاء. القطريون يبدون أكثر حنكة رغم قصر تجربتهم التاريخية. فبعد تردد في بداية الإنتفاضة السورية مراعاة لصديقهم "الأسد" , عادوا وحسموا رأيهم وألقوا بثقلهم خلف الحركة الشعبية المتصاعدة رغم ما يبدو للبعض من انسداد لآفاق التغيير في سوريا ما يجعل مراهنة قطرعلى انتصار الثورة رهانا خاسرا في نظرالبعض.
يراهن اصحاب الفكر الشمولي على القوة العارية, قوة السلاح أولا وأخيرا, يضاف إليه عند المتدينين الحوافز الدينية وطلب الشهادة. الثورات العربية الراهنة تدشن عصرا جديدا عماده إرادة الشعوب الحرة وتوثبها للإنعتاق من الطغيان واللحاق بالعصر. تقفز الشعوب إلى حلبة الصراع نافضة عنها أثقال الخوف والخنوع واستبطان القمع, تملأ مسرح التاريخ الذي كان فارغا إلا من السلاطين والمتزلفين. تستعيد الشعوب العربية دورها كفاعل أساسي وتبدأ كتابة التاريخ من حيث توقف منذ خمسة عقود , ولا تجد بدا من كنس ما تراكم من معوقات, دافعة ضريبة الحرية في طريقها لاستعادة أوطانها من براثن الطواغيت. البعض فهم الدرس ويحاول أن يحجز موقعا في العصر الجديد. إنهم القادة الأذكياء ..والآخرون إلى مزبلة التاريخ .. إنهم القادة الطغاة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتساع رقعة الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف فو


.. فريق تطوعي يذكر بأسماء الأطفال الذين استشهدوا في حرب غزة




.. المرصد الأورومتوسطي يُحذّر من اتساع رقعة الأمراض المعدية في


.. رغم إغلاق بوابات جامعة كولومبيا بالأقفال.. لليوم السابع على




.. أخبار الصباح | مجلس الشيوخ الأميركي يقر إرسال مساعدات لإسرائ