الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجيش والشعب يدُُ واحدة – بعد مضى عام هل لازال الشعار صالحا؟

سمير الأمير

2011 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


حين انطلقت حناجر ثوار الخامس والعشرين من يناير مرددة " الجيش والشعب يدُُ واحدة"، كان العقل الجمعى للشعب المصرى العظيم يدرك جوهر اللحظة التاريخية الحرجة ويختار لها شعارا يجنب الجيش والشعب صداما كان يمكن أن يؤدى إلى حرب أهلية طاحنة من جانب وانشقاقات فى داخل القوات المسلحة من جانب آخر، وحين اختارت قيادة القوات المسلحة ممثلة فى المجلس الأعلى أن تتجاوب مع مطالبة الجماهير الشعبية الهادرة بتنحى حسنى مبارك، كانت تدرك بحكمة القادة أنه لم يعد بالإمكان الوقوف فى وجه ثورة الشباب التى أيدها جموع الشعب من عمال وفلاحين وجنود وطلاب،
أى أن حكمة الجنرالات هى التى جنبتهم وجنبتنا هذا المأزق التاريخى الذى كان يمكن أن يعصف بالمؤسسة الوطنية العريقة صاحبة التاريخ الوطنى المرتبط بأحلام وتطلعات الشعب المصرى العظيم، ولكنه طبعا من السذاجة بمكان أن نقتنع أن هؤلاء القادة كانوا بمنأى عما حدث فى الثلاثين سنة إلى حكم فيهم حسنى مبارك، وعلينا أن ندرك حقيقة أن هذه المؤسسة العظيمة تعايشت مع ما حدث قبولا ورفضا ولكنها فى الحالتين لم تتدخل، وبدا أنها منسجمة مع التغيرات التى فرضها حكم العائلة على الشعب المصرى على الأقل من الناحية الظاهرية، وكان بعض المحللين يتحدثون عن تململ قيادات الجيش من مشروع التوريث، وعبر بعض المبالغين عن اعتقادهم أن القوات المسلحة لن تقف مكتوفة الأيدى وأنها ستتدخل فى اللحظة الحاسمة ضد مشروع التوريث، إذ لا مصلحة لها ولا للوطن فى اعتلاء نجل الرئيس سدة الحكم كونه- على الأقل- لا ينتمى للمؤسسة العسكرية التى احتكرت الحياة السياسية منذ انقلابها على الملك سنة 1952 ،هذا الانقلاب الذى أيده الشعب المصرى ليتسمى باسم " الحركة المباركة ثم يطلق عليه طه حسين اسم "ثورة" ويدفع فى اتجاه تحويل الحركة إلى ثورة عبر مقالاته فى جريدة الأهرام ثم ما تلى ذلك من اكتشاف مجموعة الضباط بحسهم الوطنى أن عليهم أن يغيروا طبيعة النظام الإقطاعى المصرى، وعليهم أن يؤسسوا لعلاقات إنتاج جديدة عبر إصدار قانون الإصلاح الزراعى والشروع فى بناء السد العالى وحركة التصنيع وتأميم القناة وما ترتب على تلك الإجراءات الثورية من معاداة الغرب والدخول فى معركة مفتوحة مع الاستعمار والارتباط بحركة التحرر بل وبدا أن مصر التى يحكمها أبناء الجيش تقود تلك المعركة ،وفى كل ذلك كانت القرى والنجوع والمدن تؤيد وتبارك الجيش وأبنائه الذين أصبحوا قادة للحياة المدنية،
كان ما حدث هو امتداد طبيعى لعلاقة فريدة بين جيش كان دائما فى قلب الحركة الوطنية منذ ثورة عرابى وشعب وعى أن طليعته الثورية بدأت منذ أعلن عرابى تمرده على طريقة معاملة الضباط والجنود المصريين وعلى محاباة الشراكسة والأتراك، ثم إعلانه بعد ذلك عن المطالبة بالحكم الديموقراطى والحياة النيابية وما حدث من انتصار للحركة ثم انكسارها ونفى الثوار وفى كل هذا كان الشعب المصرى حول أبناء جيشه ففى الحالتين السابقتين أيد الشعب حركة الضباط فالتف الفلاحون حول زعيم الثورة ولاسيما حين أحسوا أن الثورة ضد النفوذ الأجنبى داخل الجيش المصرى وفى الحالة الثانية سنة 1952 خرجت جموع الشعب لتبارك حركة الضباط ولولا هذا التأييد الشعبى لانتهى الأمر بإعدامهم أو بعودة سيطرة الإقطاع على مقاليد الأمور، إذن يمكننا القول أن الشعب المصرى كان مسئولا بدرجة كبيرة عن تحويل انقلاب الجيش إلى ثورة، ثم أيد الشعب كل طموحات العسكر ولما انتهى الأمر بهزيمة 67 و أعلن عبد الناصر عن تنحيه خرجت جماهير 9 و10 يونيو لتصرخ "حنحارب..حنحارب"، وبعد ذلك خرج الشعب ليطالب بالمحاكمة للمتسببين فى الهزيمة وحين انتهت بمحاكمات خفيفة كأحكام سلاح الطيران خرجت المظاهرات مرة أخرى لكن تلك المظاهرات لم تطالب بسقوط حكم العسكر ولا بسحب الثقة من عبد الناصر الذى أصبح رغم الهزيمة رمزا لطموحات وأحلام الشعب المصرى بل وكل الشعوب العربية؛
فماذا حدث إذن بعد تنحى الرئيس مبارك، أظن أن الأمر بدا معكوسا لأنه على أقل تقدير يمكننا القول أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول ثورة شعبية عظيمة إلى مجرد انقلاب سلمى على رأس النظام موفرا لهذا الرأس معاملة ليس جديرا بها بأى حال، استغلها مبارك فى استكمال تهريب الثروة المنهوبة خارج البلاد والآن وبعد مضى عام كامل على تلك الانتفاضة المجيدة نجد أن الأوضاع الاقتصادية للفقراء قد تفاقمت وأن الثوار الذين خلصوا القوات المسلحة من كابوس التوريث يتهمون بالعمالة والخيانة من جانب أعضاء المجلس العسكرى نفسه ( اتهامات الروينى لحركة 6 إبريل) ويتفاقم الانفلات الأمنى بتواطىء ملحوظ لوزارة الداخلية دون أن نرى ردعا من المجلس العسكرى للمتآمرين على أمن وأمان الناس، بل وصل الأمر بالشرطة العسكرية للتعامل مع المتظاهرين بنفس أسلوب شرطة حبيب العادلى مما جعلنا نستمع إلى هتاف مغاير تماما لهتاف " الجيش والشعب أيد واحدة " ليصبح الجيش والشرطة إيد “........" ورغم اعتراضى وحزنى لوجود مثل هذا المفهوم فى أذهان الثوار المكلومين إلا أننى أجد أن هناك ما يبرر ذلك ولاسيما حين أسترجع الأمر بروية فأجد أن المجلس الأعلى تعامل مع حركة الموجة الثورية كأنه يتعامل مع هجوم كاسح تحمل فيه المجلس الضربة الأولى وحاول استيعابها لكى لا تعصف بكل شىء ولكنه ما لبث أن شن هجوما مضادا عبر إتباع تكتيكات شبه عسكرية وكأنه فى حرب مع عدو فاستعان بالإخوان المسلمين كجماعة منظمة من أجل كبح جماح الحركة الجماهيرية والسيطرة عليها فأوكل إلى رموزها ومؤيديها صياغة التعديلات الدستورية التى سبقت الاستفتاء الذى جعل الثوار ينقسمون إلى إسلاميين وليبراليين وحين علت موجة " نعم" فى الاستفتاء ولاحظ المجلس انتشاء الإخوان والسلفيين راح يصيغ تعديلات بنفسه دون استفتاء أحد وأطلق إعلانا دستوريا بدا غير منسجما مع نتيجة الاستفتاء الذى جرى برعاية الجيش وكان أفراد الإخوان يحيطون باللجان وهم يرتدون شارة مكتوب عليها " أصدقاء القوات المسلحة" فبدا أن مؤيدى " لا" " أصحاب الموقف الآخر ليسوا أصدقاء للقوات المسلحة!، وقد حاولت الاعتراض حين ذهبت للتصويت، ورأيت تلك المهزلة فتوجهت إلى الحاكم العسكرى وحين علم الجندى الذى قابلنى بنيتى لم يسمح لى بالدخول مدعيا أنه لا يوجد أحد بالمكتب، فاتصلت بالصديق حمدى قناوى وهو أحد مؤسسى حركة كفاية فأخذ بعض المراقبين والصحفيين وذهب للإطلاع على الأمر فتعرض للضرب من أصدقاء القوات المسلحة الذين استعانوا عليه وعلى رفاقه بالبلطجية تماما كما كان يفعل أسلافهم من رجالات الحزب الوطنى المنحل، ثم ما حدث من خروج الأحزاب الدينية التى بدأت دعايتها السياسية بتكفير المجتمع رغم النص الواضح بعدم التصريح للأحزاب القائمة على أساس دينى وهو مالم تلتزم به سلطة الحكم، فبدا أن المجلس يسلط على الثوار هؤلاء المكفراتية ليعاقبهم على التمادى فى ثورتهم، التى يرغب هو فى ضبطها فى إطار هدفه غير المعلن فى الاكتفاء بالقضاء على مشروع التوريث، ثم كانت تصريحات الجنرال "الروينى" المثيرة للجدل ضد 6 إبريل وأيضا اعترافه بأنه كان يخدع الثوار فى الميدان، وتوقع المراقبون أن يتراجع الروينى عن تلك التصريحات فلم يحدث وانتشرت بين العامة وبدت تلك الاتهامات كاللحن الأساسى الذى تلقفته القنوات السلفية المرتبطة بالسعودية ودول الخليج وراحت تعزف عليها وضمت إلى تلك الاتهامات أعضاء من حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير والأحزاب القديمة والليبراليين والعلمانيين( لا أدرى من هم؟ إذ لا أعرف أحدا يقول عن نفسه أنه علمانى)، وكان أن خفتت وتيرة محاكمات قتلة الثوار وقوبل المعترضين من الآباء والأمهات المكلومين بالجر من الشعور والسحل فى الشوارع، فبدا أن السلطات تعاقبهم على إنجابهم لهؤلاء الشهداء وعاد الإعلام المصرى الذى اختار له المجلس وزيرا اسمه " أسامة هيكل " ليتحدث عن الفوضى وتعطيل الإنتاج ويعيد استضافة بعض سدنة النظام سليطى اللسان ليمارسوا التحريض على الثوار، ثم خروج زوجات ضباط الشرطة وفلول الحزب الوطنى للعباسية، بعد استخدام غازات قاتلة ضد الشباب الثائر على تردى الأوضاع لكى يصدر الإعلام الموجه رسالة مفادها أن الشعب المصرى منقسم على نفسه!! وأنه أى الجهاز الإعلامى ينقل الصورتين للمشاهد دون انحياز لأى من الجانبين وطبعا لا يحتاج الأمر لكثير من الذكاء ليدرك المرء أن موقف التلفزيون المصرى هو موقف المجلس العسكرى نفسه، ثم ما جرى من انتخابات المرحلة الأولى والتى أكدت سيطرة حالة الاستقطاب الدينى وجرت فى معظم الدوائر وكأنها انتخابات على الهوية، فما الذى تبقى إذن من تلك الثورة العظيمة، إننى ككاتب وشاعر مصرى لا أريد أن أشعر بالندم على ما كتبته من مقالات فى بداية الثورة تأييدا لموقف المجلس الأعلى من الثورة فى بدايتها، ولا أريد أن أبدو كمن يناشد قادة الجيش بسرعة الحسم وبالانحياز مرة أخرى لأحلام وطموحات الشعب المصرى العظيم، فيبدو الأمر و كأننى أحلق بأجنحة الخيال فوق واقع يقول أن المجلس الأعلى قد يتفق مع الشعب فى القضاء على مشروع التوريث وربما فى محاربة الفساد بداخل مؤسسات محددة ولكنه لم ولن يسعى لهدم النظام القديم لأن ذلك لم يكن مشروعه منذ البداية فالأمر برمته كان مفروضا بقوة الغضب والانفجار التى صاحبت بداية الأحداث وليس أمام الشعب المصرى إلا محاولة فرض أحلامه بنفس القوة وهو الأمر الذى يحتاج إلى وحدة قوى وائتلافات ثورة 25 يناير والقوى الثورية التقليدية فى المجتمع وهو أمر عسير وشائك ولكنه أرحم كثيرا من الاستسلام الذى يمكن أن يسيطر علينا لمدة لا يعلمها إلا الله، أو كما قال العظيم نجيب محفوظ " سألت الشيخ عبد ربه التائه:- متى يصلح حال البلد؟ فأجاب: عندما يؤمن أهلها أن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة السلامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل