الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتراب المجتمع عن واقعه

صاحب الربيعي

2011 / 12 / 19
المجتمع المدني


الاغتراب حالة انحراف مسار المجتمع عن تاريخه الحضاري وتبنيه قيم مخالفة لقناعاته الواجدنية فتختل منظومة قيمه العامة ويتصرف بسلوكيات شاذة غرست في اللاوعي تدفعه إلى احتقار تاريخه الحضاري ويعدّه متخلفاً يعيق تطوره نحو المستقبل. فضلاً عن تشكيكه بصحة مسوغات توارث حضارة الأجداد على أرض الوطن، لذلك من السهولة اقتلاعه من جذوره وربطه بتاريخ مغاير يضعف انتماؤه إلى أرض الوطن ويخل بعلاقاته الانسانية مع محيطه الاجتماعي.
يصاب المجتمع المغترب عن واقعه بمرض انفصام الشخصية حيث يستبدل شخصيته الحقيقية بشخصية ظاهرية تعكس قيم مغايرة فيختل سلوكه العام، ويسعى على نحو لاواعي الحط منها وعدّها قيماً متخلفة غير صالحة للحاضر. إن أزمة المجتمع النفسية تعدّ أكثر خطورة من أزمة الفرد النفسية لأنها تحرف سلوك المجتمع العام عن مساره الأساس وتشرخ ذاته المجتمعية، فيتصرف على نحو مغاير تماماً عن منظومة قيمه العامة.
يقول (( ر. لاينغ )) : " إن الأزمات النفسية مردها انفصام بين الذات والشخصية فيحدث الاغتراب وتُقزم الشخصية الحقيقية لصالح شخصية مزورة تهيمن على الذات، وتُسبب أزمة بين الفرد ومحيطه الاجتماعي، وعلى ذات النحو تغترب المجتمعات عن واقعها ".
إن الاغتراب ليس فعلاً عفوياً ينخر وجدان المجتمع بدالته الزمنية وإنما فعل هادف يقطع جذور المجتمع عن إرثه الحضاري ليغيير مساره بما ينسجم وتوجهات الاغتراب السياسية ويحقق أهدافها المستقبلية الساعية لربط المجتمعات بتاريخ مغايرة يفند ادعاءاتها بتوارث حضارات الأجداد السالفة على أرض الوطن ما يفقدها الاعتزاز بالذات المحفز على الابداع لإثبات تواصلها مع الأجيال خلال نسق حضاري واحد يمتد من عمق التاريخ البشري.
يجد (( فرناند بروديل )) " أنه تتأثر قيمة الفعل وديمومته بمعوقات مسار التاريخ ومديات تسارعه ".
لذلك على المجتمعات أن تُفعل ذاكرة أجيالها الحاضرة من خلال تعريفها بتاريخها ورفدها الايجابي في الحضارة الانسانية وتستثمره على نحو يعزز دورها في الحاضر، وغرس ذهن أجيالها الفتية بمقومات عظمة تاريخها لتعزيز الثقة بالنفس وحثها على الابداع لتثبت على نحو لاواعي لذاتها أنها لا تقل شأناً عن نسقها الحضاري، وفي الوقت ذاته يكون المجتمع محصناً ضد توجهات الاغتراب القسرية الساعية لسلخه عن تاريخه الحضاري وربطه بتاريخ مزور يخدم مصالح جهات معادية.
يعتقد (( أحمد أغلو )) " أن المجتمع الذي يعاني ضعفاً في ذاكرته التاريخية ووعيه لا يترك بصمة في سجل التاريخ كونه مجتمعاً سلبياً، لكن المجتمع الايجابي الذي يتوافر على ذاكرة حية ووعي بتاريخه الحضاري حتماً يترك بصمته في سجل التاريخ ".
إن تواصل الأجيال مع نسقها الحضاري يقوي مناعتها الذاتية ضد الاغتراب ولا يخل بحالة انسجامها مع تطور الواقع، شريطة أن لا يكون إرثها الحضاري غطاءاً لستر تخلف حاضرها والتبجح بمنجزات الماضي لإخفاء ضآلة مساهماتها في الحضارة الانسانية.
الموقع الشخصي للكاتب : http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تتقدم في الوساطة وقطر تتراجع.. وبن غفير يقترح إعدام ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - اليونيسف: أكثر من 13 ألف طفل فلسطي




.. إيتمار بن غفير: عقوبة الإعدام هي الحل الصحيح لمشكلة اكتظاظ ا


.. مندوب السعودية بالأمم المتحدة: من حق الشعب الفلسطيني تقرير م




.. مخطط لمحاولة اغتيال زيلينسكي.. اعتقال بولندي تواصل مع موسكو