الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكامل فى سبيل الله والرسول صلى الله عليه وسلم «٢ – ٣»

جمال البنا

2011 / 12 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ومنذ أن اتخذ الشيخ قراره وقد أصبح «المسند» صُلب عمله ومحور حياته وقوام ليله ونهاره، وقد يصور مدى الجهد مثلاً أنه بعد أن بوَّبه للمرة الأولى بعد عمل شاق طوال تسع سنوات مستمرة تذكر أنه لم يميز زوائد الإمام أحمد التى لا تظهر إلا من المسند، فاضطر إلى قراءة المسند مرة أخرى وتمييز زوائد الإمام أحمد، ثم قرأه قراءة ثالثة

وأخيرًا فقد قرأه قراءة مراجعة وأخيرة، قبل أن يأخذ العمل شكله الأخير، فيما تصور الشيخ، ولكنه فى الحقيقة اضطر إلى مراجعات إضافية كثيرة لم تكن فى البال ولم يشر إليها فى مقدمته لأنها جاءت بعد ذلك، فقد وجدنا فى أوراق الشيخ رحمه الله - أربعة كراريس كبيرة كتب على الأولى منها بخط الشيخ «هذه الأربعة الكراريس الضخمة هى من كتاب الفتح الربانى مع تعليق وجيز عليه بدون ذكر الأسانيد إلا فى مواضع يسيرة كما ترى بالتتبع وهذا كان مقصدى الأول، ولكن شرح الله صدرى لذكر سند الأحاديث جميعها فى الشرح مع اتساع الشرح أيضًا، كما ترى فى الفتح الربانى مع شرحه بلوغ الأمانى المطبوع، لذلك عدلت عن المقصد الأول وتركت هذه الكراريس.. والله الموفق».

ومن ناحية أخرى فإن الشيخ - رحمه الله - بعد أن وضع شرحه المطول ونهج فيه نهجًا فريدًا لأنه ضمنه شرح الكلمات الغريبة وتخريج الحديث وما قيل عنه فى كتب الرجال ثم ذكر الأحكام المستخلصة من جملة الأحاديث فى موضوع ما طبقاً لأقوال أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم مع البعد التام عن الاصطلاحات المغلقة أو التعقيد الذى يصدم القارئ فى كثير من المراجع الإسلامية.

نقول بعد أن كتب هذا بنوع من الإسهاب الذى يحيط بأطراف الموضوع عاد مرة أخرى بعد قيام الحرب العالمية الثانية وامتناع وصول الورق وارتفاع أسعاره وصعوبة الاتصال بكثير من الدول الإسلامية، ففكر فى اختصار هذا الشرح الثمين، خاصة أن بعض أصدقائه أشاروا عليه بذلك - كالشيخ عبدالظاهر أبوالسمح رئيس دار الحديث بالمدينة وأحد الفرسان الثلاثة فى هذه القصة - الذى كتب إليه من مكة المكرمة فى ٣ ذى القعدة سنة ١٣٥٧هـ: «ونرجو أن تختصروا فى الشرح حتى يمكن إتمام الكتاب فإن الأعمار كما لا يخفى غير مضمونة، وإذا أطلتم الشرح احتجتم إلى مال كثير وعمر طويل، والمال يمكن أن يُدرك ولكن من يضمن طول العمر، وهذا المرحوم السيد رشيد ترك تفسيره ناقصًا، وكم من قائل له اختصر وقائل له اقتصر، فلم يسمع إلا آخر حياته ولم يدرك ما أمل فلا المطول أكمل ولا المختصر أتم، وترك كليهما ناقصًا، فلِمْ المسألة ولا تجعل لغيرك فيها يدًا واشرح ما لابد منه.. وحسبك تخريج الحديث وشرح غريبه، والإشارة إلى ما اختلف فيه العلماء، والدلالة على مواضع البحث فيه، فمن اكتفى بما بينته فيها ومن لم رجع إلى بسط الموضوع فى محله، والدال على الخير كفاعله».

وكانت هذه القضية قد شغلت ذهنه قبل ذلك وكتب إلى الشيخ فى ٢٢ شوال سنة ١٣٥٦هـ: «ويرى بعض الإخوان أنكم توسعتم فى الشرح حتى خاف أن يطول الكتاب، وأشفق أن تعجز النفقة عن إتمامه، ويرى آخرون أن تقليل الملازم عما كانت أولاً تخل بنظام التجليد ووزن كل جلد، ويقولون إن رفع القيمة لكل جزء ليبقى على ما كان من عدد ملازمه أولاً خير من نقص الملازم، والنتيجة على كل حال واحدة، أما أنا فكل ما ترونه حسناً فهو عندى حسن.. إن شاء الله».

ولم يكن الشيخ أبوالسمح وحده هو المشغول بهذه القضية، فالحق أن عدم توفر المال كان تهديدًا دائمًا، وقد توقف الشيخ شيئاً ما قبل صدور الجزء الخامس، فكتب أحد العلماء الغيورين على السُـنة هو الشيخ محمود شويل من علماء المدينة المنورة: «ولقد تأخر طبع الجزء الخامس حتى وضع كل محب للسُـنة يده على قلبه بما آلمه منه ذلك التأخير الذى ظن أن من ورائه تأخير هذا الأثر الذى جلى للأمة سُـنة نبيها وجمع لها شتيت هذا المسند الذى أضاع فيه صدِّيق هذه الأمــة الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى عمره الثمين.. إلخ».

وجدير بالذكر.. أن علماء السعودية لم يكونوا وحدهم الذين شغلوا بهـذا الأمر، فقد كتب أحد علماء مصر المشهورين وهو الشيخ أبو العيون إلى الشيخ خطابًا فى ٤/٩/١٣٥٩هـ يقول بعد الديباجة: «سيدى.. طالما فكرت فى الكتابة إليكم فى الشأن الذى أحرر لكم فيه هذه الرسالة حتى وفقنى الله من فضله اليوم فكان فرصة سعيدة لنهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك أطال الله حياتكم النافعة إلى أمثاله، أما الأمر الذى غلب الخجل من التدخل فيه الرغبة فى نشر فضلكم وعموم النفع بكم وتمام عملكم بالخير، فهو الإشارة على حضرتكم بانتهاز فرصة الورق وارتفاع أسعاره الذى يعوق السير فى الطبع بالسرعة العادية، زيادة على ما عرقل سيل تصريف الكتاب فى أقطار الإسلام من عوائق الحرب، وانتهاز تلك الفرصة يكون إن شاء الله ببذل وقتكم النفيس فى تدوين شرحكم القيم لأحاديث الكتاب المبارك، أى إنى أتمنى لو تفضلتم بتوفيق الله فسبقتم بالشرح والتدوين ولم تنتظروا شرح الأحاديث مع طبعها أو قبيل طبعها، فحبذا لو حثثتم نفسكم فى ذلك الشرح العظيم جهد المستطاع سرعة وإن كنتم فى الطبع تسيرون على مقتضى الظروف بطئًا وسرعة حتى إذا يسر الله شؤون الطبع وجدتم التأليف أمامكم معدًا فتكونون بذلك قد ادخرتم للإسلام والمسلمين من علمكم النافع وجمعكم المفيد خير ذخيرة.

هذه المقتطفات توضح تقدير العلماء لعمل الشيخ وخوفهم من أن يقصر العمر والنفقة عن إتمام عمله العظيم.. وقد كان لمخاوفهم ما يبررها، فقد انصرف الشيخ فترة ما عن المسند إلى عملين آخرين أصغر حجمًا فأتم «تصنيف وشرح مسندى الشافعى وأبى داود الطيالسى»، وصدر الأول باسم «بدائع المنن فى شرح الشافعى والسُـنن»، والثانى «منحة المعبود فى ترتيب مسند الطيالسى أبى داود»، كل منهما فى جزءين، ولكن الشيخ عاد إلى المسند وكان بالطبع قد أتم التبويب واطمأن عليه وأصبح الأمر هو أمر الشرح واستأنف العمل.

والله وحده يعلم كيف استطاع الشيخ أن يواصل الطبع والنشر حتى أصدر الجزء الواحد والعشرين ونصف الجزء الثانى والعشرين قبل أن يوافيه الأجل المحتوم، إن إصدار هذه الأجزاء بدون أى مورد ثابت أو مساندة منتظمة أو قيام دار نشر بالعمل أمر فى الحقيقة يثير الدهشة ولا رد له إلا العزيمة من ناحية، ورعاية الله تعالى وكرمه من ناحية أخرى.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع