الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البداوة الفكرية لمحترفي الإفتاء وفق الأهواء

فتحي الحبوبي

2011 / 12 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الماثل لكل ذي عينين وبصيرة، الذي لا يختلف حوله اثنان عاقلان، هو أن عودة الوعي الديني أو ما يسمى بالصحوة الدينية،التي شملت كافة الدول العربية من المحيط إلى الخليج، في ظل احتدام القنوات الفضائية الدينية من جهة ، وبروز عديد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، من جهة ثانية، شجعت بعض الفقهاء و"المتفقهين في الدين، من محترفي الفتاوى من تيارات دينية متعددة المشارب والتوجهات، من تقليدية إلى إصلاحية إلى معتدلة، شجعتهم على الإمعان في الفتاوى المصادرة للحريات الفردية والتي يبعث بعضها على الغثيان والغرابة، لا بل والسخرية من أمة كانت بالنص القرآني، خير أمة أخرجت للناس. حيث أنهم توسعوا في التضييق على الناس بتحريم كل شيء حديث يجهلونه أو يشتبه عليهم، دون تنزيله في سياقه الزمكاني. فهم لم يتركوا مجالا إلا وحشروا أنو فهم فيه. وهكذا، اقتحموا مجال الفكر والفلسفة والأدب والفن والعلم والسياسة ونحوها. هؤلاء الشيوخ، يعتبرون أنفسهم مختصين في كل مجال، بل و أوصياء على الناس جميعا، كأنما لديهم تفويض ألاهي في التحريم والتحليل وما يجوز وما لا يجوز. رغم أنه باستثناء المتشابهات، فإن الحلال بين والحرام بين بنص الحديث الشريف. ثم إنه لا وجود لمفهوم رجال الدين في الإسلام لان كل المسلمين رجال دين و رجال دنيا في آن معا. إلا أن الشيخ ابن القيم الجوزية، تلميذ إبن تيمية، الذي عاش في القرن الرابع عشر، اعتبر أن الفتاوى إنما هي توقيع عن رب العالمين .وهو ما يوحي بأن الإسلام كما المسيحية، يسمح بوجود مؤسسة كهنوتية ذات سلطة دينية تفرض مفاهيمها وتعاليمها على الناس وتشارك الله في سلطته. في حين أن الإسلام ليس دين شرك وهو-قطعا- ليس حكرا علي أحد دون آخر، ولو أطلق لحية كثيفة وعمّم رأسه ولبس جلبابا فضفاضا وأعتكف بالمسجد ليلا نهارا.
وهذا ما يحيلنا بالضرورة إلى ما كانت تمارسه الكنيسة المسيحية، إلى عصر ما قبل ظهور فلاسفة غربيين ملاحدة من طينة آرثر شوبنهاور الذي أعتبر الحياة شرا مطلقا، وفريدريك نيتشه المعادي الشرس للمسيح والمسيحية الذي رأى فيها انحطاطا أخلاقيا محيقا، حمله على أعتبار أن الله قد مات وبالتالي فكل شيء ممكن، وسيغموند فرويد الذي اعتبر الركن الأساس للحياة إنما هو الجنس، وداروين الذي فند النظرية الدينية للخلق وصاغ نظرية التطور التي لا تزال تثيرة الجدل حولها، وفولتير الذي تهكم كثيرا على المسيحية وهاجمها بشدة ولم يرجع عن ذلك حتى وهو على فراش الموت، وكارل ماركس الذي اعتبر الدين أفيونا للشعوب، وباروخ سبينوزا مؤلف كتاب " مقالة في اللاهوت والسياسة الذي أكد فيه أن حرية التفلسف لا تمثل خطراً على الدين، بل إن في القضاء عليها قضاءً على الدين ذاته. وهو، تماما، ما نادى به أبن رشد، خمسة قرون، قبل سبينوزا، اليهودي المتأثرعلى الأرجح، بالصوفيين، الحلاج وإبن العربي. ثم اتبع خطى هؤلاء من المعاصرين جان بول سارتر، الذي اعتبر الإنسان قبل الوعي بالحرية واستثمارها إنما هو العدم ذاته، وجاء بعده ريتشارد دوكينز الذي أعتبر في كتابه "وهم الإلاه أن لا وجود لأي خالق غيبي وأن الإيمان ليس أكثر من مجرد وهم فحسب.
وكان من تداعيات هذه الأفكار الجديدة، أن انتزعت القداسة من النص الديني المسيحي، وبدأت سلطة الكنيسة في التراجع والانحسار والابتعاد عن الشأن العام. وهو مع الأسف ما لم يحصل في العالم العربي والإسلامي الذي استمرت فيه معاقل الرجعية والظلامية المتمثلة في المؤسسات الكهنوتية بمذاهبها المختلفة وتجلياتها العديدة، إن ببعض الجامعات في السعودية،أو بالأزهر في مصر، أو بحوزات، النجف وقم، تمارس عليه، في زمان غير زمانها، وصاية لا مبرر لها، إلا في عقول المشايخ محترفي الفتاوى الموغلة في السخف وبلادة الفكر، الذين جعلوا من خير أمة أخرجت للناس" أمة ضحكت من جهلها الامم كما قال المتنبي.
فبربكم، أيعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين،عصر العولمة والانترنت، أن يطلع علينا شيخ أصولي متفقه بفتوى من قبيل أن المظاهرات السلمية حرام وهي إفساد في الارض. والحال أن السكوت عن الجور محرم شرعًا والساكت عن الظلم شيطان اخرس. فيما يرى المؤرخ البريطاني آرنلود توينبي أن الإرادة الجماعية للشعوب تنهض وتتحفز عند بروز التحدي التاريخي وما المظاهرات إلا مظهر من مظاهر التحدي ، والتعبير عن رفض الظلم والفساد، والسعي لتحقيق مطالب مشروعة. انتصارا للحق ضد الباطل.
فهل من حصافة العقل، أن يفتي أحد شيوخ السلفية في مصر- وبلاده بصدد ممارسة أولى إنتخابات برلمانية ما بعد ثورة 25 يناير- بحرمة التصويت في الانتخابات للمرشّح المسلم الذي لا يُصلي، والعلماني والليبرالي الذي لم يتضمّن برنامجه تطبيق الشريعة الإسلامية. وهل هناك واجب شرعي أن يفتي سلفي ثان بتحريم التصويت للأحزاب العلمانية والليبرالية لأن الإسلام لا يعرف المسلم العلماني أو المسلم الليبرالي، فهذه المبادئ تخالف دين الله . وإمعانا في توظيف ما يجوز وما لا يجوز في الحياة السياسية وممارسة التجربة الديمقراطية فإن المتصوفة هم أيضا ، أدلوا بدلوهم فأصدروا فتاوى تهاجم السلفيين وتعتبر التصويت للسلفيين في الانتخابات" خيانة للوطن". وأخيرا وليس آخرا أفتى أحد شيوخ الأزهر بأنه لا يجوز لأي مصري أن يُزوّج ابنته لأي من أعضاء الحزب الوطني المنحل لأنهم غير أمناء ومضيّعون للأمانة".. ؟!
هذه الفتاوى السخيفة وغيرها، من قبيل تحريم سياقة السيارات على النساء السعوديات، لا تزيد عن كونها مهاترات مثيرة للبلبلة والإرباك والتشويش على أذهان المسلمين الغارقين باستمرار في بحر ليس له قرار من المشاكل اليومية التي لا تنتهي. لذلك أناشد محترفي الفتاوى السخيفة، أن أرفعوا أياديكم عن المسلمين واتركوهم يعيشون بسلام، واحتفظوا بفتاويكم المتخشبة وترهاتكم المحنطة لأنفسكم، ولا تذيعوها بين الناس فتسارعوا بتدمير العقل والدين معا مثلما فعل الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم عندما نادى بوجوب بناء الإيمان على البرهان فقط. وذلك حتى لا تكونوا، في أحسن الأحوال، محل استهزاء وسخرية من الجميع، ولا سيما من جيل اليوم، الذي تستهويه قيم الحداثة التي افتتحها ويليام كانط بممارساته النقدية حتى للعقل ذاته، كما جاء في كتابه الشهير نقد العقل الخالص . ومن كان النقد أداته في تفكيكه وتقويمه لكل شيء ثم الحكم عليه، فلا ننتظر منه قبول فتاوى نشاز،لا يستسيغها العقل ولا المنطق السليم، إلا أن يكون مصابا بالعمى والحول الفكري، لأنها ببساطة وبكل المقاييس، تعتبر ضربا من الهذيان والبداوة الفكرية والتصحر الثقافي، وتتموقع خارج الإطار الديني وسياق التاريخ وسيرورته.
فتحي الحبوبي/مهندس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عندما تكون الفتاوى البشرية فروض ربانية
Amir_Baky ( 2011 / 12 / 21 - 18:46 )
لو الغرض من الفتوى هو أخذ نصيحة من رجل الدين فيمكن تقبل ذلك من باب النصيحة الشخصية الإختارية ولكن أن يتم فرض الفتوى البشرية على إنها فرض دينى على جميع البشر فهذا هو المرفوض. ومن يلجأ لذلك عادة يكون له أغراض سياسية للهيمنة على المجتمع بأسم الله و الدين وهذا ما يحدث عمليا من تجار الدين فى مصر و سائر الدول الإسلامية. فبسبب هذه الفتاوى تحول الإنتحار إلى عمليات إستشهادية. تحولت السرقة بسبب الفتاوى إلى غنائم محللة من الله بسبب تكفير المسروق. تحول السطو إلى غزو حلال. تحول القتل إلى فضيلة وجهاد فى سبيل الله وحتى الزنا تحول لزواج حلال عرفى ومسيار و فريند. فنحن أمام مشهد لغسل العقول و يهرول البسطاء نحو هؤلاء المجرمون بغباء شديد. نحن نعيش عمليا منطق تعدد الآلهه و سيكون هناك صدام بين مريدين الشيوخ أصحاب تلك الفتاوى لأن كل فرد منهم يحلل و يحرم كأنه الله


2 - عندما تكون الفتاوى البشرية فروض ربانية
Amir_Baky ( 2011 / 12 / 21 - 18:51 )
لو الغرض من الفتوى هو أخذ نصيحة من رجل الدين فيمكن تقبل ذلك من باب النصيحة الشخصية الإختارية ولكن أن يتم فرض الفتوى البشرية على إنها فرض دينى على جميع البشر فهذا هو المرفوض. ومن يلجأ لذلك عادة يكون له أغراض سياسية للهيمنة على المجتمع بأسم الله و الدين وهذا ما يحدث عمليا من تجار الدين فى مصر و سائر الدول الإسلامية. فبسبب هذه الفتاوى تحول الإنتحار إلى عمليات إستشهادية. تحولت السرقة بسبب الفتاوى إلى غنائم محللة من الله بسبب تكفير المسروق. تحول السطو إلى غزو حلال. تحول القتل إلى فضيلة وجهاد فى سبيل الله وحتى الزنا تحول لزواج حلال عرفى ومسيار و فريند. فنحن أمام مشهد لغسل العقول و يهرول البسطاء نحو هؤلاء المجرمون بغباء شديد. نحن نعيش عمليا منطق تعدد الآلهه و سيكون هناك صدام بين مريدين الشيوخ أصحاب تلك الفتاوى لأن كل فرد منهم يحلل و يحرم كأنه الله

اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah