الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخبة السياسية الحاكمة في العراق الى اين؟

سربست مصطفى رشيد اميدي

2011 / 12 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


صدور أمر إلقاء القبض على السيد طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية ، على أثر اعترافات أفراد من حمايته حول قيامهم بعمليات إرهابية بدعم وتمويل من قبله ، والتي عرضتها عدد من القنوات التلفزيونية . هذه القضية قد أبرزت إلى السطح كل الخلافات الحادة والمتقاطعة بين الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم على حقيقتها وبدون رتوش .
ابتداء لابد من التعامل مع هذه القضية حسب القاعدة القانونية المعروفة ( المتهم بريء حتى يثبت إدانته )، ولكن لو ثبت ذلك وهذا ما هو صعب بفعل النتائج السياسية لهذا القرار ، فانه لابد سينال تأييد أغلب العراقيين لموقف القضاء والحكومة العراقية ( على الأقل جزء منها ) لأنه لا يتصور أن يكون مسؤولا كبيرا في الدولة العراقية يقوم بدعم وتمويل الإرهاب ضد أبناء شعبه . حيث إن من أولى مهامه هي الحفاظ على أمن وسيادة العراق أرضا وشعبا، فكيف يقدم على هذه الأعمال ؟
إن النخبة السياسية الحاكمة في العراق الذين كانوا قادة الأحزاب المعارضة للنظام السابق ، والذين عانوا من القمع والإقصاء وحملات التهجير والتبعيث والتعريب الشيء الكثير . وقد استبشر العراقيون خيرا بزوال النظام السابق ومشاركة قادة المعارضة السابقين مع سلطة الائتلاف المؤقتة في إدارة شؤون البلاد. ومن ثم بعد الاستفتاء على الدستور وانتخاب الدورة الأولى لمجلس النواب، استلموا مقاليد الحكم في الدولة العراقية. حيث أن الشعب العراقي كان بانتظار أن تكون النخبة الحاكمة بمستوى المخاطر والتحديات الداخلية والخارجية التي تعرضت إليها التجربة الحديثة للحكم في العراق . وبرزت الحاجة الملحة إلى ضرورة البدء بإعادة بناء العراق والإنسان العراقي ، الذي عانى من القهر والظلم والجوع والتهميش سنين طويلة . لكن برزت منذ الأيام الأولى أولويات النخب الحاكمة في الاستحواذ على الأموال والمناصب ، وعدم إيمانهم العميق باليات الديمقراطية والحرية السياسية ومبادئ حقوق الإنسان . وفي وضع تكالبت قوى الإرهاب بدعم وتحريض من أغلب الدول العربية والإسلامية لنهش جسد العراق الممزق أصلا بفعل طول حكم الدكتاتور السابق.
ونسمع ونرى باستمرار عشرات المقابلات والمؤتمرات الصحفية للمسؤولين العراقيين اللذين لا يملون بالكلام عن الوطنية وحب العراق والعمل لخير العراقيين وقيادته لبر الأمان ، واحترام القانون وهرمية الدستور . وإيمانهم بالديمقراطية ونشر الوعي بها ، وإصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي وتحقيق العدالة ورفع الحيف عن العراقيين .
لكن الواقع كان ولازال يختلف عن الصورة الجميلة التي يرسمها الساسة العراقيون عن الوضع في العراق ، حيث الوضع الاقتصادي الذي لم يتحسن على الرغم من الأرقام الفلكية للموازنات السنوية ، فمن يعيش في بغداد أو يزورها سيبكي على حالها ، وحجم القذارة والأتربة الموجودة في شوارع العاصمة ، أما إعادة الأعمار فهي بمثابة أحلام اليقظة لأبناء العاصمة . وجاء في تقرير لمؤسسة (ميرسر Mercer) لسنة 2011، بان مدينة بغداد هي أسوا المدن التي يمكن العيش فيها بسبب ظروفها الأمنية.والتي هي أضخم هيئة استشارية في مجال الموارد البشرية في العالم، ويستند تصنيف المدن إلى عدة عوامل أبرزها معدلات الجريمة والاستقرار السياسي والمستشفيات والمواصلات والأكل والشرب والحريات الشخصية والطقس والبيئة والترفيه. وإذا كان هذه صورة واحدة عن الوضع في بغداد فكيف هو الحال في المحافظات. أما التحدث عن ( منجزات ) الحكم الجديد في مجال الخدمات الصحية والتربية والتعليم فلم تلقى الاهتمام المطلوب ، ويكفي أن نقول إن مستشفيات دول الجوار مليئة دائما بالمرضى العراقيون ويحصدون ملايين الدولارات من العمليات الجراحية ، وان مدينة بغداد لوحدها تحتاج لبناء أكثر من خمسة آلاف مدرسة لكافة المراحل الدراسية .
بالمقابل فان العمليات الإرهابية لم تتوقف وهروب السجناء المتهمين بالإرهاب تتكرر باستمرار ، أما الفساد فقد أحرز العراق انتصارا كبيرا في القضاء على بؤر الفساد في مفاصل الدولة العراقية بحيث انه جاء في المرتبة 175 في تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2011 للدول الأكثر استشراء للفساد فيها !! بعد أن كان يحتل مرتبة ما قبل آخر دولة بمرتبتين فقط لتقرير المنظمة لسنة 2010.
بعد كل هذه الأوضاع المتدهورة لا زلنا نسمع الأحاديث الطنان لبعض الساسة العراقيين حول تحسن الأوضاع في العراق، وفي مقدمتها الظروف السياسية. والتي يتبين لكل متابع للشأن العراقي مدى التدهور الحاد الذي كان نتيجة طبيعية للسياسة الخاطئة لقادة العراق الجدد منذ سنين . والتي كانت قضية اتهام نائب رئيس الجمهورية هي المؤشر للانحدار الخطير الذي يلوح في الأفق للوضع السياسي والأمني في العراق.
وإذا كانت عملية وضع حد لتستر بعض الإرهابيين والمجرمين بمسؤولين كبار في الدولة العراقية خطوة محمودة ، فان كشف المسؤولين اللذين يدعمون الإرهاب أو المبتلين بداء الفساد المالي والإداري والسياسي هي خطوة نجيبة وضرورية في الوقت الراهن . وذلك لوضع أسس صحيحة وقوية لإعادة بناء العملية السياسية في العراق والبدء ببناء العراق. ولكن يجب أن تكون هذه العملية عامة وشاملة، وتكون مجردة عن توجهات طائفية أو لأجل استثمارها في مجال المصالح الحزبية الضيقة. لأنه بخلاف ذلك ستكون قضية السيد (طارق الهاشمي ) بمثابة القشة التي ستقضم ظهر بعير العملية السياسية في العراق. مثلا إذا كانت الحكومة العراقية جدية في محاربة الإرهاب ووضع حد للفساد وإحقاق العدالة التي يفترض أن يكون للقضاء القول الفصل فيها، لا أن يكون أقطاب الحكومة هم من يتكلمون باسم القضاء. ولا بد لإظهار حسن نية الحكومة العراقية بهذا الخصوص حتى لا تتهم بان لها دوافع ومصالح حزبية أو طائفية، أو حتى كونها تتحرك وفق توجهات إحدى دول الجوار. حري بها أن تبادر إلى إلقاء القبض على المتهمين في قضية مقتل السيد ( عبد المجيد الخوئي ) ورفاقه والذي صدر بحقهم أوامر بإلقاء القبض عليهم من قبل القضاء . وقد تم تأليف كتاب من قبل الصحفي( معد فياض ) أحد شهود العيان للجريمة. لماذا لا يبادر إلى إلقاء القبض على المتهم الأول بمقتل ابني السيد ( مثال الالوسي ) رئيس حزب الأمة العراقي؟ أين هم المتهمون بالتقصير في قضية هروب السجناء من سجن البصرة ؟ والتي شكلت بصددها لجنة تحقيقيه برلمانية .
لماذا لا تبادر الحكومة بالضغط على حكومة الإقليم ومجالس بعض المحافظات لإلقاء القبض على المتهمين في قضية الأنفال ؟ والذين صدرت بحقهم أوامر إلقاء قبض من قبل المحكمة الجنائية العليا .
أين هو مصير وزير التجارة السابق ( فلاح السوداني ) ؟ وهل طلب السيد رئيس الوزراء بتسليم وزير الكهرباء الأسبق ( أيهم السامرائي ) صاحب الجنسية الأمريكية من الرئيس ( أوباما ) ؟ وأين وصلت قضية الفساد الإداري في وزارة الدفاع والذي اتهم فيها ( حازم الشعلان ) مع مجموعة من كبار المسؤولين في الوزارة ؟ ابن اختفى هؤلاء ؟ كيف استطاعوا الهرب من يد العدالة ؟
لماذا لم يصدر إلقاء القبض بحق عدنان الدليمي الذي تم ضبط أسلحة ومتفجرات في داره ؟
أين هم ( الجنابي والدايني والصافي) هذه القائمة تطول، وهذه التساؤلات ستبقى قائمة ، إذا بقيت السلطة التنفيذية تمارس تحقيق وتطبيق أحكام القضاء بانتقائية . لأنه لابد للعدالة أن تكون عامة شاملة ومجردا عن المصالح الحزبية والطائفية ومحاولة للإسقاط السياسي الذي يمارس من قبل النخب السياسية الحاكمة في العراق. هذه التساؤلات تطرح كلما برزت قضية إلى السطح ، والتي تفترض أن للقضاء القول الفص فيها استنادا إلى أحكام القوانين ذوي العلاقة فقط ، حتى لا تؤول وتستغل سياسيا .
ونعتقد أن على السلطات الحكومية في العراق الجديد الكف بان تكون ( غفورا رحيما للبعض، وشديد العقاب للبعض الآخر ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران