الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما احوجنا الى كايزن عراقي

دهام العزاوي

2011 / 12 / 22
المجتمع المدني



سببان دفعاني لكتابة هذه المقالة الاول انني كلفت من مدة بالقاء محاضرة حول تقييم اداء العاملين في الادارة وهو موضوع اداري صرف لكن لديه مساس واضح بموضوع صنع السياسة العامة التي ندرسها في العلوم السياسية لطلابنا ونحرص على تكريس فكرة ان الدولة يجب ان تكون حاضرة في متابعة ومعالجة الخلل والتقصير في كل مناحي الحياة العامة وبما يدفع الى تلافي تحول ذلك الخلل لاحقا الى مشكلة او كارثة سياسية تعطل الاداء الحكومي ، وما اكثر مشكلات العراق اليوم التي تحولت بسبب ترهل مؤسسات الدولة وفساد جهازها الاداري الى مشكلة سياسية تركت اثارها على كل مفاصل الدولة وفي مقدمتها بطبيعة الحالة ترهل وتباطؤ وفساد الادارة العامة وسوء خلق كثير من العاملين فيها من حيث تعاطي الرشوة وانعدام الوطنية وتغلغل الطائفية والعشائرية وانتشار المحسوبية حتى تحولت تلك المشكلة الادارية الى مشكلة سياسية جعلت العراق بفضل المفسدين رابع دولة في العالم من حيث انتشار مظاهر الفساد المالي والاداري كما جعلت بغداد وبحسب منظمات دولية ، ثالث اسوء مدينة في العالم من حيث تدني مستوى المعيشة وانعدام الخدمات والامن بعد مدينتي كيب تاون في جنوب افريقيا و نجامينا في تشاد . اما السبب الثاني وراء مقالتي المتواضعة هذه فهو لقاءي قبل مدة ايضا بصديق لي يعمل في اليابان وبكل تاكيد فان اول ماتبادر لي اثناء تجاذبنا لاطراف الحديث هو السؤال عن ثقافة الشعب الياباني ونمط حياته واسلوب عمله ، فكان الامر المحير لصديقي انه لم يتمكن من اختيار عبارات الثناء والمدح التي تليق بصفات هذا الشعب العظيم في الانضباط السلوكي والتعامل الاخلاقي وحبه للحياة وعشقه للعمل وتمسكه بالفضيلة وثقافة التسامح ونكران الذات . لقد ارهق ذلك الكلام ذاكرتي وعبأها بخواطر كثيرة دفعني لان اكتب عن مأساة حالنا وضعف واقعنا ، متذكرا نهضة اليابان وكيف انها صنعت من المستحيل واقعا ومن العدم انجازا ومن اللاشيء اشياءا لها معنى ووجود ، عبر انتهاج التخطيط وتبني الارادة الفاعلة التي تجسدت ملامحها لاحقا في قوة اقتصادية باتت هي الاقوى والاغنى في العالم ، اكتب عن اليابان وانا اتذكر ان احد عناصر نهضتها كان هو التخطيط وفق نماذج ادارية واقتصادية مستمدة من واقع الحياة الاجتماعية اليابانية ومن سلوك الاسرة اليابانية القائم على الانضباط واحترام الوقت وتقديس الكبير في الاسرة واطاعة اوامره فضلا عن احترام قرارات الرئيس او صاحب العمل ، ولعل نموذج كايزن هو احد اهم تلك النماذج الادارية التي اعتمدها اليابانيون بعد الحرب العالمية الثانية لتطوير العمل الاداري بعد ان اخذوا ينفضون عن انفسهم اثار الدمار وسياسات الاذلال التي فرضها الغرب عليهم ، فبداو بمراجعة مع الذات ووقفه تامل لاعادة رسم ملامح المستقبل عبر استثمار ثقافة الشعب الياباني المستندة على الانضباط وحب العمل رغم قلة الثروات وصعوبة الامكانيات ، فبداو في مطلع الخمسينيات في انتهاج اساليب متنوعة لتطوير الادارة والارتقاء بمستوى أداءها وبما يقلل من هدر الوقت ويقضى على المحسوبية ويعطي اعلى مستوى للانتاجية . اعتمدت الادارة اليابانية في مفهومها على اسلوب المشاركة الجماعية في العمل وعلى الديمقراطية والتفاهم الودي والاحترام بين الحلقات الادارية العليا والوسطى والدنيا سواء في عملية تحديد الاهداف اوصنع القرارات للوصول الى النتائج المستهدفة
يتحدد مفهوم كايزن لدى اليابانيين بافكار مبسطة جدا تقوم على التحسين المستمر أي ضرورة احداث تغيير بطيء في العمل ولكنه يجب ان يكون مستمرا . بعبارة اخرى أعمل شيء قليل بطريقة أفضل كل يوم ، وحاول ان تجعل عملك اليومي أكثر تبسيطاً بدراسته ، ومن ثم القيام بالتحسين من خلال التخلص من الهدر ولقد دخلت تلك الطريقة والفلسفة في كل مناحي الحياة اليابانية ، ليصبح الإبداع والتنظيم جزءً أساسياً في التربية والتعليم والتطبيق لديهم. وبعبارة أخرى أن يكون الفرد في مرحلة تحسين و تطوير دائم سواءً أكان هذا التحسين في نفسه ، عبادته ، عمله ، سلوكه ، اخلاقه ، نمط ثقافته ، نظرته للحياة ، وطريقه تعامله مع الاخرين لاسيما شركاءه في الوطن ... الخ



والملاحظ على هذا الاسلوب انه اعتمد منذ فترة طويلة في اليابان وساهم بقوة في تحقيق قفزات ادارية واقتصادية كبيرة في المجتمع الياباني ففي مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم بدأت شركة تويوتا اليابانية في صناعة السيارات التجارية بالاعتماد على نظرية كايزن ، وفي نهاية 2008 أصبحت تويوتا أكبر مصنع للسيارات في العالم . ولعلنا في هذا الاطار نطرح بعضا من قواعد تطبيق نظرية كايزن التي تعتمد على افكار بسيطة لعل اهمها ( لاتحاول أن تبرر الماضي ، أطرح التساؤل عن الأفكار الراسخة ( ، فالتشبث بالماضي واستحضاره لرهن المستقبل يعطل مسيرة الحياة ويصيبها بالشلل التام ( استخدم الحقائق والبيانات ولا تصنع النظريات ) ، فكم من النظريات بقيت في رفوف المكتبات تغطيها اتربة الزمن وكم من النظريات تم تحويلها بارادة انسانية واعية الى ارقام وحسابات غيرت مجرى التاريخ الانساني لشعوب كثيرة . ) استخدم العقل والحكمة وليس المال ) فاليابانيون شعب فقير بثرواته وامواله ولكنه عظيم بقدرات ابناءه وابداعاتهم والثروة الحقيقية اليوم لمن يفهم التخطيط الاستراتيجي هي ثروة الانسان وكل استثمار يتعدى الانسان وتطويره هو استثمار فاشل لامحالة . ) كن قدوة في القيادة وليس في الكلام ) ، فالامم تتطور باسلوب قياداتها ومنهجيتهم العالية في التخطيط والاستثمار الامثل للقدرات والامكانيات ، بعيدا عن النظريات والشعارت الفارغة ، وتفحص الواقع العالمي يظهر كيف ان أمما قد تقدمت حينما قيضت لها قيادات تمكنت من استثمار القدرات بعيدا عن ضجيج الشعارات وضوضاء النظريات ، واخرى تراجعت لان قياداتها ومن ثم شعوبها بقيت تشكل ظاهرة صوتية على حد تعبير الكاتب السعودي عبدالرحمن منيف ( فريق عمل أفضل من خبير واحد . أشرك الآخرين ) وهذا هو جوهر النظام الديمقراطي الذي انتهجه اليابانيون والذي يقوم على الانفتاح على كل ما هو جديد من الاراء والاجتهادات والتصورات التي تحقق التقدم للبلد بعيدا عن روح الانانية والاستئثار والاحتكار ومصادرة الاراء . كايزن اسلوب علمي في التخطيط الاداري والسياسي انتهجه اليابانيون بارادة واعية فنجحوا ، فهل يمكن لنا ان نشهد ولادة كايزن عراقي يخلصنا مما نحن فيه من التخبط في التخطيط وضعف الارادة وفشل السياسات وتناحرها وهدر الوقت والمال وفساد الذمم وانعدام الشعور بالمسؤولية الاخلاقية ، وضعف المواطنة وانتشار المشاعر الاثنية الطائفية والعشائرية والقومية والعنصرية ، لاشك ان مؤشرات الواقع تظهر ان كايزن العراقي لازال مدفونا في نفايات بغداد المتراكمة ومطمور في مجاريها المسدودة وتحت شوارعها المكسرة ، وازقتها الخربة وبناياتها المدمرة ، وان مظاهر التمترس والتخندق الطائفي تمنعه من ان يظهر ليوحد الارادة العراقية المتفرقة ، فالوقت لم يحن بعد لظهور الكايزن العراقي ، وقديما قال الشاعر العربي الكبير الافوه الاودي :
البيت لايبتنى الا وله عمد ولاعماد ان لم ترس اوتاد
فان تجمع اوتاد واعمدة بلغوا الامر الذي رادوا
لايصلح الناس فوضى لاسراة لهم ولاسراة لهم اذا جهالهم سادوا
تهدى الامور باهل الراي ماصلحت واذا فسدت فبالاشرار تنقاد
فالمادة الصمغية التي تجمع اهل العراق لازالت فاقدة للزوجتها واوتاد العراق مكسرة واشرعته مبعثرة وسراته قد لفتها ظلمات النسيان والاغتراب واهل الراي فيه قد غيبت اصواتهم او خنقت ، وهو ما يجعل من ظهور كايزن المنتظر امرا يدخل في باب التمنيات ليس الا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن: طرفا الصراع في السودان ارتكبا جرائم حرب


.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش




.. برنامج الأغذية العالمي: السودان ربما يشهد -أكبر أزمة غذائية


.. تونس: أكثر من 100 جثة لمهاجرين غير نظاميين بمستشفى بورقيبة ب




.. عام على الحرب.. العربية ترصد أوضاع النازحين السودانيين في تش