الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكامل فى سبيل الله والرسول «صلى الله عليه وسلم» (٣ - ٤)

جمال البنا

2011 / 12 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



وحتى الأيام الأخيرة من عمر الشيخ لم ييأس أو يتوقف عن العمل، ويحدثنا نجله- الأستاذ عبدالرحمن البنا عن الأيام الثلاثة الأخيرة له عندما رأى أن ينقله من مكتبه الذى كان يعتكف فيه عاملاً كاتبًا طاعمًا نائمًا إلى منزله ليكون تحت الرعاية: «وبكرة صبيحة الإثنين ٦ جمادى الأولى سنة ١٣٧٨هـ بعربة ركبها، ومعه الأصول الباقية من الفتح الربانى بخط يده وبعض مراجع الحديث التى كان يعمل فيها فى الجزء الثانى والعشرين، ثم جلس فى حجرة النوم وأشار بأن تُصفَّ المراجع فى الشباك القريب منه بالحجرة ومعها الأصول، وجعل يشير إليها ويتحدث عما أنجزه حتى الآن، وطيلة يوم الإثنين وهو يحدثنا حديث الواثق المؤمن، وعرض لنشأته وصباه وبلدته وكان أصح ما يكون صحة وأتم ما يكون عافية حتى نسيت ما داخل نفسى من شعور يوم الأحد مساءً، وقلت لقد منَّ الله على الشيخ بالعافية، وظننته سيمكث معنا طويلاً يُمتعنا بهذا الحديث وينفعنا بهذا العلم، لكن قدر الله كان سابقاً وأمره نافذًا».

«وفى يوم الثلاثاء انشغل بربه وانصرف عنا وكان يطلب الوضوء وينظر فى ساعته إذا حضر وقت الصلاة فيؤديها حسبما استطاع، وقبل ظهر يوم الأربعاء ٨ من جمادى الأولى سنة ١٣٧٨هـ (١٩ نوفمبر ١٩٥٨م) لقى ربه راضيًا مرضيًا -إن شاء الله- عن سبع وسبعين سنة وبضعة أشهر».

وبعد وفاة الشيخ -رحمه الله- أهمنا إتمام بقية الكتاب، وكان -رحمه الله- قد أشار إلى أن الباقى هو عن التاريخ والملاحم وهى لا تتطلب صعوبة، وكان قد بقى نصف الجزء الثانى والعشرين، وقد اتصلنا بعديد من علماء الأزهر، فكلهم اعتذر، بعضهم بالمشاغل وبعضهم لأن العمل لا يقدم مقابلاً ماليًا مجزيًا، وبعضهم لأنه رأى نفسه يقصر عن العمل، حتى وفقنا الله للاتفاق مع الشيخ محمد عبدالوهاب البحيرى، أستاذ الحديث بالأزهر، وهو من العلماء الذين يتوفر لهم العلم والورع وهو بعد من بلد الشيخ ويراه شيخًا، فتطوع بإتمام شرح الجزء ٢٢، واعتذر عن الباقى لانتدابه فى السعودية والمغرب وغيرهما من الدول الإسلامية.. جزاه الله كل خير، وبقى الجزءان الثالث والعشرون، والرابع والعشرون وعمل فى شرح أحاديثهما رجال متطوعون أرادوا التقرب إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه بعملهم حتى تمَّا والحمد لله، وصدر المسند فى ٢٤ جزءًا، وحمل فى آخر صفحة من صفحاته آخر حديث فى الكتاب وختام الكتاب بخط يده، وجاء فى الخاتمة:

«يقول أفقر العباد وأحوجهم إلى عفو ربه يوم التناد أحمد بن عبدالرحمن بن محمد البنا -الشهير بالساعاتى إلى هنا انتهى الكتاب الموسون بالفتح الربانى لــ«ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى» غفر الله لى وله، وكان الفراغ من تبييضه فى مساء يوم الجمعة المبارك العاشر من شهر شوال سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف من هجرة سيد المرسلين عليه - وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم- وذلك بمدينة مصر القاهرة جعلها الله بالنصر ظافرة، والله أسأل أن ينفع به المسلمين، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم وذخيرة لى يوم الدين، واغفر اللهم لى ولمن دعا لى بالرحمة والغفران «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»، كتب بيده الفانية مؤلف الكتاب أحمد بن عبدالرحمن بن محمد البنا الشهير بالساعاتى»:

يدوم خطى زمانا فى الورى وأنا تحت التراب ويبقى وجه بارينا

فاعجب لرسم بقى قد مات راسمه وهذه عادة البارى جرت فينا

فرحمة الله تهدى نحو كاتبه يا ناظرا فيه قل بالله آمينا

وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين.. وإمام المرسلين.. وعلى آله وصحبه ومن تبعه تبع هداهم إلى يوم الدين.

وسلم تسليمًا كثيرًا.

وأما الفارس الثانى فى هذه القصة -قصة المسند- فهو السيد محمد نصيف -رحمه الله وأجزل مثواته- وكان السيد محمد نصيف عين أعيان جدة، ورجلاً قلبه معلق بالكتب، وهمه منصرف إلى معونة القائمين عليها من مؤلفين أو ناشرين، فى وقت كانت فيه تلك الحرفة حرفة الشظف والمعاناة، وكانت لحظات سعادته هى تلك التى يستطيع فيها نشر كتاب أو مساعدة ناشر أو إهداء العشرات من النسخ من الكتب النادرة، وأهل السعودية بالطبع أدرى من غيرهم بمآثره على الكتاب الإسلامى.

ونحن لا نعرف كيف حدثت الصلة بين الشيخ البنا والسيد محمد نصيف، لكن هذه القضية قد لا تكون مستعصية إذا علمنا أن الشيخ البنا رغم عكوفه على التأليف وانصرافه عن الدنيا كان فى الوقت نفسه والد الإمام الشهيد حسن البنا -مرشد الإخوان المسلمين ومؤسس حركتهم، وقد كانت الحركة قد بدأت تجاوز مهدها وإطارها الإقليمى إلى العالم الإسلامى، وكان الشيخ البنا فى هذه الفترة هو مدير مجلة الإخوان المسلمين ومحرر أحد أبوابها، ولهذا فإن الصلة بين الشيخ والسيد نصيف كانت طبيعية، حتى إن لم نعلم التفاصيل والطريقة التى تمت بها.

وأول الخطابات التى وجدت بمكتبة الشيخ البنا -رحمه الله- بعد وفاته من السيد محمد نصيف يعود إلى ١٧ من رمضان سنة ١٣٥٥هـ، وقد أرسل فيه حوالة على بنك مصر بمبلغ خمسة جنيهات (وكانت وقتئذ مبلغًا كبيرًا) يقيدها (من قيمة مصنفكم الجليل الفتح الربانى حسب البيان الموضح أدناه)، «ويعلم الله أنى أحببتكم على الغيب لآثاركم النافعة، وأى أثر أكبر من خدمة السُـنة النبوية وإرشاد الأمة الإسلامية بمجلة الإخوان المسلمين وما بها من نصائح غالية فى هدوء وسكون وبُعد عن الجدال بالباطل فجزاكم الله خيرًا.. آمين، وجعل الله طريقتكم فى الإرشاد وخدمة الإسلام على الدوام موافقة لما يحبه ويرضاه.. آمين، ولا ينبغى أن أنسى تقديم جزيل السلام للأستاذ الكبير والعالم الشهير الشيخ طنطاوى.. ودمتم سالمين».

والشيخ طنطاوى هذا هو الشيخ طنطاوى جوهرى الذى عهد إليه الإخوان رئاسة تحرير مجلتهم تقديرًا منهم لعلمه، وهو صاحب تفسير يدعى «تفسير الجواهر» وكتابات إسلامية عديدة، وهو أحد «العلماء» المجهولين الذين ظلمهم الفكر الإسلامى الحديث.

ويتلو ذلك قائمة بأسماء المشتركين، وهم السادة محمد نصيف عبد الملك بليلة، محمد بن عبد الله، عبد الرحمن الشامى، محمد عبد اللطيف، إبراهيم الضبع، وعبدالوهاب الدهلوى، ولكن من المؤكد أن خطابات عديدة قد سبقت ذلك.

وفى شوال من العام نفسه أرسل إليه الشيخ محمد نصيف ثلاثة خطابات، منها خطاب فى ١٦ شوال، وفيه يقول: «وقد كتبت إلى الشيخ أبى السمح بمكة أسأله عن سبب السكوت عن طلب جلالة الملك المعظم، وقد أرسلت نسخة من الفتح الربانى إلى صنعاء لأحد أصهار الإمام يحيى، لأن الزمان قد استدار، فصار بعض علماء الزيدية يقرأون كتب الحديث لأهل السُـنة كالبخارى ومسلم ويقولون إن عوامهم إذا حضروا دروس الفقه لا يحبونها لأنهم لا يفهمونها، وإذا حضروا دروس الحديث يفهمونها، ولله الحمد والمنة فطرة سليمة، وإيمان يمانى».

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مجرد سؤال
غازي ( 2011 / 12 / 28 - 16:41 )
إستاذنا الكبير جمال البنا من مثقفينا المطلعين على ثقافات العالم .ويمتلك لغة متطوره في الكتابه والأبداع . وسؤالي هو لماذا كل كتاباته حول ما كانت العائلةالبنائية تؤمن به وكأنه خلق من أجل الكتابه حول دين عائلته ، في حين أنا أشعر إنه يمتلك خزين حول الثقافات الأخرى من دينيه الى علمانيه والى حتى الأفكار التي يدين بها أهل الصين واليابان وهذا الكم الهائل من الديانات والمعتقدات في الهند فماذا يقول إستاذنا لو ينورنا بأفكار الشعوب الأخرى فنحن نعرف ديانتنا وما فيها من غث وسمين؟ وشكراً .

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س