الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى إيطاليا: معبد لمئذنة وصليب

نادين البدير

2011 / 12 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



تلك المدينة يمكنها أن تفهمك بكل طرق الله دون أن ترهق حنجرتك لتثبت وجهة نظرك.. تفهمك بالإشارة، بالابتسامة، بالصمت أحيانا.. وكانت بدايات عهدى بالكنائس التى لم أكن أرتادها من قبل سوى للسياحة، لكنى فى تلك الفترة صرت أصلى فيها كل الصلوات، أصلى وأشعر بغربة يرافقها شعور مناقض بالانتماء. فاجأنى القس بلغته، وفهم أنى لا أعرف الإيطالية، فاستخدم مبتسماً لغة الإشارة وإبهامه يتجه بحزم ناحية قدمى.

المحرمات التى نشأت وسطها كانت تشرح إشارته كالتالى: أنثى.. ومسلمة.. فكيف تصلين هنا؟

ثم كرر تصويب إبهامه ناحية قدمى بطريقة بدت أكثر حزماً، نظرت للأرض واكتشفت أنى أقف على قبر، أزحت جسدى بقوة وسرعة وابتسمت له معتذرة: سامحنى بابتسامة، ثم عاد للإشارة متسائلا: من أين أنا؟ فقلت: من السعودية «وكنا وقتها فى جذوة أحداث الإرهاب».. كرر ابتسامته ومضى، ومضيت. وسرحت بابتسامته. وصار حضورى شبه منتظم حتى يوم سفرى.

صاحب القبر كان «أمريجو فيسبوتشى»، الذى سميت أمريكا على اسمه، ولو أنى بحثت عن قبره دون دليل ما وجدته، لكنى وجدته مصادفةً بتلك الكنيسة التاريخية بفلورنسا.

قبل حوالى عام، كتبت مقالاً فى «المصرى اليوم» يوم الجمعة عنوانه: «أين أصلى اليوم؟»، غبطت به تابعات الديانات الأخرى اللاتى يدخلن المعابد فى حين لا يسمح لى بدخول المسجد، وإن دخلته فى رمضان حشرونى بزاوية صغيرة بركن قصى لا أرى فيه أى طقوس. وقتها وصفنى الشيخ محمد النجيمى بالجاهل، وكرر وصفه قبل شهور ببرنامج الزميل عبدالله المديفر، لكن صفة الجهل لم تكف لتجيب عن السؤال. تكفير وشتائم من آخرين توالت تجاه ذاك المقال وأحدها لم يجب عن السؤال: فأين أصلى اليوم؟

بالنسبة لى، حللت المسألة منذ زمن، إذ كلما صادفت معبداً ورغبت بالصلاة دخلت وصليت.

صليت بالحرم المكى، وصليت بأغلب الكنائس التى صادفتها، وصليت بمعبد «بوذا» فى سريلانكا عمره آلاف الأعوام. من يقوى على نقدى؟

واكتشفت أن الدنيا كلها يمكنها أن تتحول لمعبد، وأن البحر الذى إلى جوارى يمكنه أن يكون سجادة صلاة تطفو دون أن تغرق حين أخرج من الوجود وأستغرق فى الصلاة، لكنى كنت أريد مسجدا أجتمع به مع الله. فأين أصلى؟

جاهلة، خارجة عن الملة.. المشايخ لا يملكون الأجوبة، لو امتلكوها لصرفوا الوقت بشرح الحل بدل تغطية جهلهم وقلة حجتهم بتوجيه التهم يمنى ويسرى. اعتراضهم الهش كان على اللفظ «معبد»، فالإسلام حسبما قالوا لا معابد فيه.

وقمت أقارن بين الشيخ وذلك القس بالكنيسة، حيث انتهكت حرمة القبر فابتسم لى مرحباً. التاريخ المسيحى لم يكن باسماً بل كان ملطخاً ملوثاً حتى حدثت الثورات. فلِمَ لا نكمل من حيث انقلب الأوروبى على الكنيسة؟ ولمَ البدء دائما من حيث بدأ الآخرون؟

أين ثوار الدين ؟ كل فتيل عنصرية وإرهاب مارسه السابقون وزرعه التابعون يحتاج لثورة. وكل كلمة تكفير كتبت بحق الداخل المسلم وبقية الأديان تحتاج لثورة. وكل دماغ مواطن أحرقته تفاسير تقول إن الآخر مشرك يحتاج لثورة.. إن لم تظهر هذه الثورات فلا تستبعدوا أن تحرق المساجد عما قريب، ولا تُسكنوا النفس بأن الإحراق كان فى زمن نظام انتهى. إن كان النظام قد سقط فالفكر باق ولم يسقط. بالنسبة لى، لا أشغل نفسى بالمتلاعبين. فأنا لا أقرأ كتب التفاسير، ولا أؤمن بالمفسرين، ولا أؤمن بضرورة تفسير القرآن. وأتمنى أن يسقط فكر الفتوى ويسقط المفسرون جميعاً فلم نأخذ منهم غير الابتعاد عن القرآن، كما لا أسمح لشيخ بأن يملى علىَّ رؤيته الخاصة فى الحياة، أما الأحاديث فهناك لغط كبير حولها.

لا تبحثوا عمن يفسر لكم الماورائيات. فقلوبكم هى كتاب التفسير الوحيد. ولا تفسروا الدين. اقرؤوا الكتب السماوية واجعلوها علاقة بينكم وبين الله دون وسيط أو صكوك، ولا تكترثوا إن منحكم أحدهم بركاته فأعلن تقواكم أو لعنكم فحلت عليكم صفة الكفر.. هكذا تكون الحياة أكثر سلاما.

فى مطار صقلية، غرفة جدرانها زجاجية، على طرفها لوحة رسم عليها مئذنة وصليب، المعبد متاح للمسلمين والمسيحيين. هناك يجمعهم معبد واحد وهنا تقتلهم حرائق السياسة وتفرقهم سماحة الشيوخ.

بمناسبة العام الجديد.. اسمعوا أجراس الكنائس وأذان الفجر، واجهدوا بالبحث عن الفروقات، لن تجدوها. فلنحتفل جميعنا بكل الأعياد. وعام سعيد للقراء والقارئات.. وكل عام وأنتم بخير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - mery christmas :):):
zoma ( 2011 / 12 / 29 - 09:26 )
nice article


2 - شُكراً للكاتبة الرائعة
فينوس صفوري ( 2011 / 12 / 29 - 09:32 )
الأستاذة نادين البدير
أتفق معك في وجود هذي الظاهرة وبشكل كبير في دول الغرب بل حتى أن السؤال عن الدين لأحدما يعتبر أهانه وتدخل في شأن خاص .
ولكن ماذا نفعل بعمليات الغرس والحشو ألتي يُمارسها شيوخنا الأجلاء الأفاضل
وعلى البسطاءهؤلاء الاشرار الدجالون لديهم ادبيات كثيره يدونونها في كتب. هذه الكتب تُسمى بُخاري ومُسلم وخرابيط أخرى لانعرف من أين جاؤنا بها
نحتاج ألى ثورة عظيمة كبرى على هؤلاء المُدلسين الكارهين لكل ماهو إنساني جميل
تحياتي وعمتِ صباحاً


3 - وانت بالف خير يا من تملكين شجاعة الابطال
بشارة خليل قـ ( 2011 / 12 / 29 - 10:15 )
حقيقةً, أن يخالف احدهم تيار المُغيبين وان لا يعبأ باظلاف قطعان المُحَرَضين,شيء فيه الكثير من صفات البطولة , لكن أن يكون هذا في وسط الهيجان الاسلامي ..ومن سعودية .. وإمرأة..
هو البطولة بعينها
سيدتي يكفيكِ فخرا انك تعملين للسلام والتسامح والانسانية بين من يعمل للتحريض على العنف وتحليل الدماء والاعراض والاموال, تعملين للمحبة والحرية والمساواة وهم ينتحرون كرها وغلا وحقدا وكيدا وينادون بالتمييز والعنصرية واذلال الانسان
ثقي ان العد التنازلي للفاشية الاسلامية قد بدأ منذ احداث 11 ايلول 2001

انا مندهش من ثوريتك

ســلامي لــك ولـقـرائــك



4 - يا الله
خليل ا عباس ( 2011 / 12 / 29 - 15:18 )
اؤيد آرائك فيما يخص هذا النوع من الطرح..... وخارج النص اقول لك صِدقاً ( أحبك ) كإمرأة .. من ثالث او رابع ظهور لك على فضائية الحرة


5 - محبة الإسلام
محمد وجدي ( 2011 / 12 / 29 - 15:23 )
عزيزتي نادين
كيف تجتمع مئذنة وصليب إن كان هذا حال المئذنة
http://www.light-dark.net/vb/showthread.php?p=35881#post35881


6 - الأنقياء والبذار الصالح
شاكر شكور ( 2011 / 12 / 29 - 16:29 )
لا ادري يا اخت نادين لماذا اتفائل بالخير والبهجه عندما اجد صورتك او صورة الأخت فينوس صفوري على صفحة الحوار المتمدن ، قد يكون السبب هو احساسي بصدق كلماتكم المعبرة وحرسكم المخلص في تقدم وازدهار البلدان العربيه ، مقالتك النبيله حقا تدعو الى التفائل والأمل ، تحياتي لك ولجميع المعلقين وكل عام وأنتم بخير


7 - لك الله يا نادين
عادل بشير الصاري ( 2011 / 12 / 29 - 18:35 )
لك الله يا نادين
لك الله أيتها السعودية المتمردة
حرسك الله من شيوخ الحرمين
رعاك الله من فتاويهم
تحياتي إليك وإلى قلمك المبدع


8 - تحيه
محمد الفهد ( 2011 / 12 / 29 - 21:07 )
كل عام وانتي بخير وشكرا على المقال البسيط والجميل


9 - تصحيح خطأ مطبعي
شاكر شكور ( 2011 / 12 / 29 - 21:09 )
قصدت كلمة حرصكم وليس كما طبعتها خطأً حرسكم مع التقدير


10 - نور
naseer Alshajer ( 2011 / 12 / 29 - 22:10 )
لقد انار الله قلبك لان الله محبة وليس تكفير وقتل باسمه سبحانه منزه عما يفعلون


11 - مقال رائع
ناديه احمد ( 2011 / 12 / 30 - 07:47 )
بعد كلماتك الجميله لم اجد ما اعلق به سوى : كل عام وانت بخير .


12 - كل عام والجميع بخير
جاك عطالله ( 2011 / 12 / 30 - 17:18 )
انتهز فرصة العام الميلادى الجديد لاهنىء الفاضلة نادين البدير وكافة الاخوة هيئة الحوار المتمدن ذلك الصرح الحضارى الشامخ الذى يشبه هيئة الامم المتحدة يلتقى فيه الجميع من الشرق والغرب بافكار مختلفة - يختلفوا ويتفقوا ويتصارعوا - - اتمنى للجميع ان يمارسوا انسانيتهم بهذا الموقع ويتدربوا على الحوارات الديموقراطية ومقارعة الحجة بالحجة واكرر شكرى للكاتبة على دورها التنويرى

و الشكر اولا واخيرا للموقع الذى عرفنا على نادين البدير ومئات غيرها من الكتاب المتنورين


13 - الله محبة
عادل نجيب ( 2011 / 12 / 30 - 22:38 )
. شكرا على هذا المقال وعلى هذه الافكار الخارجة من قلب نقى..


14 - ما هي الشيوعية؟
ثلاثة أسئلة ( 2011 / 12 / 31 - 06:47 )
أعتقد أن الجواب ينبغي أن يكون: لمن تصلين ولمن عليك أن تصلي؟ لماذا تصلين ولماذا عليك أن تصلي؟ هل فعلا تصلين وهل فعلا عليك أن تصلي؟ والآن: أين تصلين غدا!؟


15 - أهنيك على هذه الجرائة
عبدالحميدالشرعبي - امريكا ( 2012 / 1 / 1 - 04:01 )
أنتي مناضلة حقيقية من نوع خاص وفريد . قد تواجهين متاعب جمة في مجتمعك السعودي المحافظ بل المنغلق . كانت لي تجربة بدخول الكنيسة بداعي الفضول والاطلاع ولكني وجدت الترحيب والابتسامة والاستقبال الحار والتعريف باقسام الكنيسة . ليتنا نجد الترحاب أو الابتسامة لدى المسلمين بدل التكشيرة والغرور والتكبر والنظرة المتعالية من مشايخ المسلمين .


16 - فى ايطاليا معبد لمئذنة وصليب
سلامة الصعيدى ( 2012 / 1 / 9 - 19:00 )
انتى انسانة رائعة الرب يباركك ويحفظك من الشر وشبه الشر ويعضدك ويسندك ويبارك كل خطواتك ويبارك كل افراد اسرتك + لو كل الناس بتفكر زيك الدنيا تبقى من غير مشاكل + لان الله يريد أن الجميع يخلصون والى مغرفة الحق يقبلون + الله محبة + ويحب جميع البشر خطاة ومؤمنون + وان الله يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين +++ كل عام وحضرتك بخير

اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س