الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرخص إنسان على وجه الأرض

محمود يوسف بكير

2011 / 12 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


إن معركة دعاة الحرية والكرامة والعدل في سوريا واليمن ومصر وغيرها من الدول العربية وحتى غير العربية ليست مع الحكام بقدر ما هي مع الأغلبية الصامتة التي تتوخى الأمن والسلامة والاستقرار من خلال إتباعها أسلوب الخلاص الفردي وعدم الاهتمام بالشأن العام.

البعض ينعت هذه الأغلبية بالجهل وموالاة الحاكم المستبد واللامبالاة بحاضر ومستقبل الوطن، وفي تقديري أن هذه الأغلبية مظلومة وتحتاج إلى شئ من التنوير والتشجيع كي تظهر مشاعرها الحقيقية تجاه الحاكم المستبد والفاسد والدليل على صحة ما أقول تجسده سياسات الحكام العرب في التضييق على كل أشكال حرية التعبير والتظاهر السلمي وحملات التضليل والتخويف والحصار وحتى التجويع التي يبثها الإعلام الرسمي لضمان خضوع هذه الأغلبية الصامتة بشكل دائم حيث يستمد النظام شرعية مزيفة من جراء صمتها ويتبجح بهذا أمام العالم كله وما يحدث في سوريا خير دليل على هذا، ويتكرر نفس المشهد في اليمن ومصر وغيرها بدرجات متفاوتة.

التمييز بين الحق والباطل وبين الأبيض والأسود لا يحتاج إلى عالم ذرة ولكن عندما يملأنا الخوف والحرص على السلامة الشخصية عند المواقف الحاسمة فإن الأغلبية تميل إلى الوقوف في المنطقة الرمادية في انتظار اتضاح الرؤية أو من يأخذ بيدها ويشجعها على اتخاذ موقف حاسم ولا يحتاج الأمر إلى كثير من الجدل للإقرار بأن نجاح الثورات العربية لم يكن ليستغرق كل هذا الوقت وهذه التضحيات لو أن هذه الأغلبية الصامتة خرجت عن صمتها وأتيح لها أن تتظاهر بحرية للتعبير عن رأيها الحقيقي في حكامها بعيداً عن أساليب الإرهاب الفكري والمعنوي والقتل والتعذيب التي تمارسها الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية في الدول العربية.

لا أشك لحظة في أن الأغلبية الصامتة ذات فطرة سليمة وأنها غير سعيدة بما آلت إليه الأوضاع في بلادها في ظل أنظمة الحكم المستبدة والفاسدة ولكنه الخوف وحملات التخويف والتضليل التي يمارسها الحكام وأجهزة الإعلام عليهم ليل نهار حتى أصبحت هذه الأغلبية تألف الظلم والفساد الذي أصبح حقيقة يومية تتعايش معه دون ضجر أو شكوى علنية وتنسى هذه الأغلبية أنه كما أن الله سوف يحاسبنا على ظلمنا للعباد فإنه سوف يحاسبنا أيضاً على استكانتنا وخضوعنا وخوفنا من إبداء أي نوع من المقاومة للظلم.

إن شهداء وأبطال الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا يضحون بأنفسهم واستقرارهم وسلامتهم الشخصية ويخلفون الأسى والألم والحزن لأسرهم من بعدهم ليس من أجل مصلحتهم الشخصية ولكن من أجلك أنت ومن أجل أجيال المستقبل، إنها معركة طويلة وشرسة بين النور والظلام وبين الضمير الحي والضمير النائم لأن الضمير لا يموت أبداً.

على كل قوى المعارضة في سوريا واليمن ومصر ألا تنسى أن معركتها الحقيقية ليست مع الأسد أو عبد الله صالح أو بقايا نظام مبارك ولكنها مع هذه الأغلبية الصامتة التي ينبغي تشجيعها وتنويرها للانضمام للثورة من أجل إقامة مجتمع جديد يقوم على الحرية والعدالة واحترام آدمية الإنسان. لن تنجح أي ثورة في أي من هذه الدول من خلال دهاليز جامعة الأوهام العربية التي لن نمل من القول أنها جامعة أنظمة وليس جامعة شعوب أو حتى من خلال قرارات الأمم المتحدة أو ما يسمى بالضغوط والانتفاخات الغربية. إن سر بقاء هذه الأنظمة الديكتاتورية يكمن في قدرتها على السيطرة على هذه الأغلبية التي تربت على الخوف وتعاني في صمت طوال عقود طويلة وبالنتيجة فإن مفتاح النجاح لأي ثورة يتمثل في القدرة على تحريك هذه الكتلة الساكنة وتحويلها إلى طاقة إيجابية مثلما حدث في مصر في بداية ثورتها (في البداية فقط للأسف)

إن معركة إيقاظ الضمائر النائمة والغافلة تبدأ مع هؤلاء الصامتين (وحتى غير الصامتين مثل الإخوة الشبيحة في سوريا) من خلال حملات تنوير تبدأ بطرح أسئلة بسيطة ومباشرة من خلال المناقشات والمقالات والحملات الإعلامية على الانترنت والمنشورات مثل:

• هل تنام مرتاح البال وأنت ترى أبناء وبنات بلدك يقتلون ويضربون ويسحلون ويمتهنون لمجرد مطالبتهم بشكل سلمي بكل ما من شأنه أن ينقي البلد من الاستبداد والفساد؟

• هل تشعر حقاً إنك إنسان حر وتستطيع أن تتحدث بما تشاء دون خوف كما هو حال أخيك الإنسان في أوروبا وأمريكا مثلاً؟

• ما هي أرخص سلعة في بلادنا؟ وهل يوجد ما هو أرخص من الدم العربي؟ إذا كنت لا تعرف الإجابة فانظر إلى ما يحدث في سوريا واليمن من سفك للدماء تحت أنظار العالم دون أن يتحرك أحد وتوقف الجميع عند مرحلة الإدانة.

• هل المطالبة بحق مساءلة الحاكم وخضوعه لإرادة الشعب غير مفيدة والأفضل منها أن يدير الحاكم البلاد وكأنها عزبة أو إقطاعية ورثها عن أبيه ونكتفي نحن "المواطنون"بلعب دور الفرجة على الحكام وزمرتهم وهو ينهبون ويسلبون ويظلمون ويضيعون مستقبل الأوطان؟

ولعلنا نختم بواقعة من تاريخنا نهديها إلى الحكام العرب حيث كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز يطلب منه مالاً كثيراً ليبني سور حول عاصمة الولاية التي يحكمها لتحصينها ضد أي ثورة محتملة، فأجابه عمر "ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل ونقي طرقها من الظلم" .

وهذا هو المعنى الهام الذي نود أن نهمس به في آذان الأسد وصالح والطنطاوي وغيرهم من المستبدين في عالمنا العربي المنكوب الذي يوجد به الآن من هو مستعد لبيع ضميره مقابل سيجارة أو بضع دراهم بعد أن أذلهم الفقر والظلم والامتهان. ندعو الله ألا تضيع هذه اللحظة النادرة في تاريخ الشعوب العربية كي تسترد بلادها وحريتها وكرامتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلتنا: مقتل شخص في غارة استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأسود ج


.. مشاهد جديدة من مكان الغارة التي استهدفت سيارة بمنطقة أبو الأ




.. صحفي إسرائيلي يدعو إلى مذبحة في غزة بسبب استمتاع سكانها على


.. هجوم واسع لحزب الله على قاعدة عين زيتيم بالجليل وصفارات الإن




.. شمس الكويتية تسب سياسيي العراق بسبب إشاعة زواجها من أحدهم