الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل أول السنة

نادين البدير

2012 / 1 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فى ديسمبر. مثل كل عام. كان سؤال أغلب المعارف: أين ستكون ليلة رأس السنة؟ ومع من؟

التخطيط لافتتاح العام الجديد يمتعهم، لكنى لا أعلق نفسى به كثيراً، لأنى أحب السعادة التى تهطل فجأة من السماء دون أن أجهد بالبحث عنها أو التخطيط لها فى ديسمبر. مثل كل عام. تبدأ النشرات بإحصاء أحداث العام ومجرياته، كأننا نسينا ما حدث ليعيدوا تذكيرنا به، ومثل كل عام تبدأ المواعظ المملة: افتحوا ملفاتكم وراجعوا أنفسكم. دققوا فى حسناتكم وذنوبكم، لكنى لست مخلصة عند تقييم ذاتى نهاية السنة، إذ أتناسى أمورا كثيرة فعلتها وكنت من الضالين، وأتناسى أشخاصاً أضلونى أو أضللتهم، لذا أتغاضى عن مسألة التقييم والحساب.. ألا تتحقق السعادة إلا بإحصاء الخسائر والانتكاسات؟ ولم فتح الملفات؟ لم لا أترك الحياة تمر على سجيتها وأن ما مضى قد مضى وانتهى، ثم ما قصة الخسائر؟ هل كنت أنا الضحية الوحيدة فيها؟ أو كنت صاحبة النوايا الحسنة على طول الخط، أو المغلوب على أمرها والتى تفنن القدر بالعبث معها؟

هكذا نهوى تقييم أنفسنا. مظلومون، فالجبار لا يرى جبروته والقاسى لا يدرك قسوته والظالم يشفق على نفسه. وهكذا نرتاح للاعتراف بفقدان السعادة واضطهاد القدر.. ونهوى إلقاء ضعفنا على شماعة الناس الذين تآمروا وتكالبوا علينا لنكون مثار شفقة. رغم أن الناس عابرون فى حياتنا. كلهم عابرون، فكيف نسمح للمارين بالتأثير على أقدارنا؟ ستكتشف فى النهاية أنك وحيد فى الحياة مهما كنت محاطاً بالناس، على العكس فكلما زاد عددهم تأكدت مسألة عبورهم. وستعرف مع الوقت كيف تتوحد مع الوحدة حتى لتشعر بغيرتها عليك من كل عابر. أناس كثيرون يروحون ويجيئون. هناك من طبعها بجماليات وهناك من أزعجنى قليلا.. لكنى لم أكن ملاكاً. الشىء الذى أخشى عليه من الحسد (رغم أنه يعكس جانباً متبلدا بداخلى) هو ذاكرتى القصيرة تجاه من أقرر نسيانهم، ومظهرى الهادئ الخداع، وقدرتى على التحكم بعواطفى، فالمكان والوقت لا يتسعان للضعفاء، هل أنا عملية أم شريرة؟ لماذا أكتب هذه الأشياء الآن؟

سأفتتح العام بالجمال بدل الجردة المقيتة للذات والأرباح والخسائر، وأنشر رسالة القارئ العزيز الأستاذ أسعد إبراهيم تعقيباً على مقالى (فى إيطاليا معبد لمئذنة وصليب)، يروى قصته ويقول إنها تحمل المبادئ التى نشأ عليها جيله: «منذ أربعين سنة بمثل هذه الأيام سافرت للخرطوم برحلتى الأولى خارج مصر، كل شىء كان مقفلا بسبب أعياد رأس السنة وعيد الفطر وعيد الميلاد التى جاءت كلها فى وقت واحد، فرغبت أن أصلى شكرا لله على سلامة الوصول مع خوفى من التجوال وحدى فذهبت للجامع القريب من الفندق ومعى كتاب الصلوات، خلعت نعلى ودخلت واتخذت ركنا قصيا بالجامع وصليت صلاة الغروب وكانوا وقتها يؤدون صلاة المغرب.

بعدها جاءنى أحد المصلين وسألنى: لم لم تصلى معنا جماعة ووقفت بعيدا وحدك؟ فأفهمته أنى مسيحى وأردت أن أشكر الله ولا أعرف كنيسة قريبة فدخلت الجامع لأصلى.. فكان أن احتضننى وحيّانى ثم دعا بقية المصلين لتحيتى.. وظننت لوقت قريب أنى الوحيد الذى فعلت ذلك، وها أنا أراك وقد فعلت الشىء ذاته».

بالأمس فتحت بريدى، وكذا صفحة «فيس بوك»، فإذا برسائل سعيدة تهطل كالعيد وتقول (ظننا أننا الوحيدون الذين نصلى بمختلف المعابد)، كتب الأستاذ عمرو أبوالعلا: «صدقينى عندما أشعر بأن هذا المكان يُعبد فيه الله يزداد إيمانى بالله عشرات المرات بغض النظر عن المكان الذى أكون فيه»، هناك رسائل محبة أخرى صلى أصحابها وتعبدوا بأغرب الأماكن. هؤلاء هم أبناء مجتمعنا بقيمه البريئة الأولى.

فشكراً لكل ذاك الحب من رسائل تجاوز كتابها عقد الفتوى والكره. يكلمون الله فى أى وقت وأى مكان ودون وسيط. هذا أجمل احتفال برأس السنة. أجمل من جرد الذات وأجمل من السهر ومن كل الأحلام العادية.

وأبدأ العام الجديد بمقولة من رسالة الأستاذ طلعت عبدالملك: «الدين كالطاقة الذرية، إما تنير العالم أو تحرقه».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين ينير العالم
ناديه احمد ( 2012 / 1 / 2 - 08:11 )
الدين ينير العالم ولكن من نصبوا انفسهم حماة لهذا الدين ـ بدون اى سند او توكيل ـ هم من أطفأوا هذا النور .
لابن عربى
لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
ادين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه- فالحب ديني وإيماني


2 - الدين لله والوطن للجميع
ايملي بشير ( 2012 / 1 / 2 - 10:56 )
الدين لله والوطن للجميع اذا لم نبقى الدين في خانة القضايا الشخصية لن تحل مشاكلنا الى الابد


3 - أكتبي لنا عن الحياتيات وليس الغيبيات يا نادين
الحكيم البابلي ( 2012 / 1 / 2 - 23:34 )
نادين البدير
سنة سعيدة مباركة
الحق لم أستسغ ما كتبتِ عن الدين والله وكل ما يتعلق بهذه الأمور ، نصيحتي .. خليكِ بعيدة
تركتُ الديانة والإيمان منذُ زمن بعيد ، عن معرفة وإطلاع وقناعة تامة ، وليس لنزوة وجودية أو هوس أو ركوب موجة
وصدقيني .... أشعر بأن ذلك كان أحد أجمل قراراتي وإصلاحاتي لكياني الذي كان مُكتسباً ووراثياً وتلقينياً إلى أن بدأتُ أتبع عقلي وقناعاتي وفطرتي في الحكم على الأمور حتى قبل أن اتأثر بالعلم ونتائجه المبهرة ورفضه لكل خرافة خزعبلاتية لا أحد يستطيع أن يُقدم برهاناً واحداً لإثباتها
أنا أكثر سعادةً بكثير من أيام إيماني الساذج الذي هو عدوى تنتقل للعقل الجاهل الذي يُسيرهُ عقل آخر قد يكون تحت التراب أو لتاجر في المهنة التي لا تبور ما دام هناك مجتمعات جاهلة لم يقرأ ناسها في أحسن الإحتمالات كتاباً واحداً منذ ولادتهم ولحد الأن
السعادة أن أعيش حراً من كل قيد ، والمقدس كان دائماً أثقل القيود ، ومن يطلب أن يكون حراً ، عليه أولاً أن يتحرر من ربقة السماء قبل ربقة الأرض
أفكارك جميلة ، ولكن لا تقعي في شرك السماء والغيب
أتمنى لكِ ولكل العالم سنة ملؤها السعادة والصحة والأمان
تحياتي

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح