الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوابة العراقية: لتفعيل الفوضى الخلاقة واسقاط سوريا والنمطقة !!.

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2012 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


على ما يبدو أن عراق ما بعد الانسحاب الأمريكي بات يتجه اليوم وبخطى متسارعة لكسر صيغة لا غالب ولا مغلوب التي ارتضت بها مكونات المشهد السياسي العراقي وكانت انعكاسا لتوازنات دولية وإقليمية وأخرى داخلية، حيث نجحت القيادة الكردية بدفع الجميع للقبول بحكومة وحدة أو حكومة شراكة وطنية كما يسميها العراقيون، لا لإقامة حكم الطائفة الشيعية الإيرانية، بل لتقسيم العراق وربما المنطقة.
فالأزمة التي استعجلها المالكي، وألهب فتيلها، كشفت في جانب منها عن هشاشة بنية النسيج السياسي للنظام القائم، وغلبة ثقافة التفرد بالحكم، وتداعي ما عرفت بالديمقراطية التوافقية التي تمخضت عن نظام التوزيع ألحصصي للسلطة السياسية، وفي الجانب الأخر أكدت اتساع نطاق النفوذ الإيراني في عراق ما بعد صدام، بقدر يكفي لإعادة طرح السؤال المتعلق بمدى منطقية انسجام ذلك مع الزعم الأمريكي بالسعي للحد من طموحات إيران الإقليمية، أو لوقف برنامجها النووي.
وفي هذا السياق يمكن التذرع إما باستحقاقات الاتفاق التعاقدي الأمريكي العراقي الذي بموجبه تنهي الولايات المتحدة انسحابها من العراق مع موفي العام 2011، وإما بالصعوبات الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد الأمريكي، وتعزى في جانبها الأكبر لما يسمى بتكاليف الحرب في العراق واستمرار احتلاله، وإما بانتهاج الولايات المتحدة لما أسمتها وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون بإستراتيجية قرن أميركا الباسيفيكي ، حيث ترغب بخلق شراكة إستراتيجية مع الدول هذه المنطقة، على حساب اهتمامها التقليدي بشؤون الشرق الأوسط الذي استنفذ أغراضه لان مستقبل السياسة سيتم تقريره في آسيا، وليس في العراق أو أفغانستان، وستكون الولايات المتحدة في قلب الحدث ، كما قالت كلنتون في مقال مطول لها نشرته في مجلة السياسة الخارجية مؤخرا.
ولكن في كل الأحوال فان أفضل استنتاج لما ستؤول إليه أوضاع هذا البلد في ظل غياب إرادة التعايش الجماعي، وعزم أطراف العملية السياسية على خلق عوامل إعادة إنتاج بناء الدولة العراقية هو ما ذهبت إلى قوله الغارديان البريطانية في عنوانها الرئيسي هذا الأسبوع من أن اوباما انسحب وترك العراق للذئاب! .
وبغض النظر عن مدى دقة وصف الغارديان البريطانية لوضع العراق، وعما إذا كان الهدف منه تأكيد ايجابيات استمرار الاحتلال الأمريكي، من خلال وضع كل أطراف المعادلة العراقية الداخلية والإقليمية على قدم المساواة، أو انه قراءة لنتائج غزو مدبر جاء على كل مكونات الدولة العراقية التي لم تكن أساسا على قدر كاف من التماسك للصمود أمام غزو هدف بشكل خاص إلى تفكيكها، إلا انه شيء من هذا القبيل إذ سيتحول انزلاق الأوضاع هناك إلى صراع دام قد يمتد طويلا بين أطراف عراقية وأخرى إقليمية، وفي ذلك تحقيق لجزء كبير من الأهداف الأمريكية في منطقة الخليج على اقل تقدير، إن لم يكن في عموم المنطقة.
فعودة السفير الأميركي الذي قطع إجازته في الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من اقتراب موعد عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية إلى بغداد، ثم مجيء مدير وكالة المخابرات المركزية هو الأخر إلى بغداد وكذلك قائد القوات الأميركية ورئيس الأركان الأميركي، لا يحيل مطلقا إلى اهتمام أمريكي بحل الأزمة التي تعمد المالكي توقيت تفجيرها، كما اوحت إلى ذلك عديد وسائل الإعلام الأمريكية والعربية، أو بشكل اصح لا يخفي التعمد الأمريكي بإشعال أوار الأزمة لحسابات أمريكية خالصة.
قد ينطوي قول من هذا النوع على كثير من مؤشرات عدم الاتساق أو حتى التناقض، حيث لا تتضح الأهداف الأمريكية من وراء أزمة يفتعلها رئيس وزراء عراقي خرج عن الطاعة الأمريكية في واحدة من أهم أهداف السياسة الأمريكية الشرق أوسطية وهي إسقاط بشار الأسد في دمشق، بل انه يضع ميزة الجوار العراقي لسوريا تحت تصرف طهران الحليف الأكبر لدمشق، لتعقيد محاولات إسقاطه، وسيمنح هذا الانسحاب الأمريكي للتحالف الإيراني إمكانية تواصل جغرافي غير مسبوق تمتد من طهران إلى غزة مع كل ما يترتب على ذلك من إعادة انتشار للقوة في النظام الإقليمي.
وهنا يعيد السؤال طرح نفسه حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد جنّت لتوقع نفسها في ورطة من هذا الصنف ؟؟. والإجابة المنطقية لا فقط تستبعد احتمال كهذا، بل وتنفيه نفيا قاطعا، ولكن هذا في حال أن السياسة هندسة مستوية يتم بناء تقاطع خطوطها بإتقان مطلق وأهداف مسبقة، ولكونها ليست كذلك وأنها اقرب إلى الحسابيات الاحتمالية فاكبر الظن إن الولايات المتحدة بخطوتها هذه وفي ظل فشلها في استيعاب الثورتين التونسية والمصرية وإعادة تكيف وضع أنظمة حكم الدول العربية بما يجنبها التغييرات الحتمية المنتظرة، إنما تريد إعادة تفعيل إستراتيجية الفوضى الخلاقة، لتجنيب ما تبقى من أنظمة قائمة مخاطر الانهيار هذه، وعلها تكون سبيلها لإعادة إنتاجه سيطرتها على المنطقة بشروط جديدة، كما أن ذلك قد يوفر لها إمكانية الإسراع بإسقاط دمشق.
وهذه أيضا ستوفر للولايات المتحدة القدر الكافي من الوقت للالتفات إلى إستراتيجيتها الجديدة في الباسيفيك، والشروع للدخول في معركة كسر عظم مع الصين التي باتت سياساتها الاقتصادية تسبب متاعب جدية للاقتصاد الأمريكي، إذ أن المطلوب أمريكيا من منطقة الشرق الأوسط ألان الاستمرار في ضخ النفط، وان ينأى بنفسه عن أية تجاذبات إقليمية أو دولية، وهذان العنصران هما ما يمكن لتفعيل إستراتيجية الفوضى الخلاقة توفيرهما.
أن هشاشة الوضع السياسي العراقي وسقوط المالكي ومن ورائه إيران في فخ الفراغ السياسي والأمني الذي خلفه الانسحاب الأمريكي، من شأنه إشعال جبهة عراقية تعلم الولايات المتحدة أن ليس بمقدور أي طرف أن يخرج منها منتصرا هذا إذ قدر له الخروج منها قبل سنوات ستطول، لعدة أسباب اقلها الأبعاد الإقليمية لطبيعة حسم الصراع العراقي – العراقي، حيث لن يكون باستطاعة أي من السعودية أو إيران على سبيل المثال التسليم بأي نتيجة يمكن أن يفضي إليها.
فإذا صحت بعض التسريبات التي تناقلتها بعض صحف الخليج وقالت أن رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني تلقى اتصالا هاتفيا من مكتب نوري المالكي, يطالبه بالتوسط لدى طارق الهاشمي وإبلاغه بان رئيس الوزراء مستعد لإيقاف الإجراءات القانونية التي ينوي اتخاذها ضده وضد عناصر حمايته، مقابل أن يعلن هذا الأخير شخصياً وعلنا رفضه لقضية تشكيل الأقاليم الفيدرالية، التي طالبت بها محافظتا صلاح الدين وديالى وتستعد محافظة الانبار للمطالبة بها، وعن عودة النواب التابعين لقائمة "تجديد" التي يترأسها إلى البرلمان وعدم التزامهم بما قررته القائمة العراقية من تعليق عضوية نوابها في البرلمان، لحين الاستجابة لطلباتها، واثر رفض الهاشمي ذلك ومضي المالكي بإصدار مذكرة الاعتقال بحق نائب رئيس الجمهورية، يتضح أولا مدى الافتعال في الأزمة من ناحية، وعدم تقدير المالكي لعواقب التصعيد الذي اختاره من ناحية ثانية، ويرجح احتمال وجود الدور الأمريكي ألتوريطي لإشعال جبهات التماس الطائفية في العراق من ناحية ثالثة لتفعيل إستراتيجية الفوضى الخلاقة.
فالمجتمع العراقي المتعدد المكونات المنتظمة في إطار الدولة يفتقد تاريخيا لمبدأ التوافق الذي يشكل أساس الإجماع إن حول شكل الدولة أو حول طبيعة النظام السياسي أو تحديد المصالح المشتركة، مما يحول دون قدرة أي نظام سياسي على إدارة هذا التعدد في مكونات المجتمع، ويجعل أي أزمة تحيق به قابلة للانزلاق نحو الأقصى، بسبب علوية سلطة الطائفة الواحدة في المجتمع العراقي، الذي يجعل من مجموع السلط الطائفية تعلو سلطة الدولة المركزية.
والاحتلال الأمريكي لم يعمل إلا على تعميق الانقسام الطائفي في العراق عبر تشجيعه على تركيز مبدأ المحاصصة السياسية، ولم يُسجل انه حاول العكس، وذلك لإبقاء سلطة أي نظام سياسي سلطة هشة وقابلة للاختراق والإضعاف، و تصعيد علاقاتها العمودية مع المحيط الخارجي للاستقواء به على مكونات المعادلة الداخلية، التي يصعب أن تستقر على حال دائم في غياب مجتمع سياسي سيقوم على التعدديات السياسية لا الطائفية والعرقية والقومية كما هو الوضع القائم الان.
هذه الارضية التي يوسع عليها نوري المالكي رقعة اشتباكه مع خصومه الطائفيين والسياسيين على حد سواء حيث يريد إنهاء طارق الهاشمي وصالح المطلق، ويشتبك مع أسامة النجيفي رئيس البرلمان وكلهم من سنة العراق، ويدفع بالأكراد والصدريين، وحتى المجلس الأعلى للتصدي له، هي ماحفزت رئيس إقليم كردستان مسعود البر زاني لوصف الأزمة بالأخطر التي تواجه العراق منذ فترة، وهي نفس الأرضية التي ستتدحرج عليها كرة النار التي دخل عليها تنظيم القاعدة لزيادة تسارعها، وهي نفس الأرضية التي ستغرق إيران في رمالها المتحركة.
إن انفلات الأزمة نحو مواجهة طائفية، كما يحذر من ذلك أكثر من مسؤول عراقي، قد يعني إغراق العراق وإيران معا، ويعطل المناورة السورية في الالتفات على المطالب الشعبية، ويدفع بنظام الأسد إلى مواجهة تسقطه ومعه الدولة برمتها كهدف أمريكي إسرائيلي، يمهد فعلا السبيل الأمريكية لإعادة إنتاجها وجودها، عبر إعادة ببناء المنطقة وفق رؤية لم تخف الولايات المتحدة نية تطبيقها على الواقع العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟