الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من مصر ٢

نادين البدير

2012 / 1 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


عائلتى لم تكن من الأسر السعودية التى تمضى الصيف فى مصر، وكثيراً ما غبطت صديقاتى اللواتى كن يمضين إجازاتهن فى البلد الذى أحفظه عن ظهر قلب ولم أره بعد. لم أر مصر إلا فى مرحلة الماجستير أى بعد انتهاء بدايات تكوينى الفكرى، الذى كان لمصر دور كبير فى تشكيله. ولأننى لم أكن آتى إلى هنا فى طفولتى وصباى لذا لم ألامس التغيرات التى أصابت المجتمع المصرى أو النهضة المصرية. كنت أرى مصر كما تريدنى هى أن أراها.

أول مقال نُشر لى فى مصر تحديداً هنا فى «المصرى اليوم» بعنوان (من مصر) كان عن تلك الصورة المتناقضة بين مصر فى مخيلتى والحقيقة التى شاهدتها فى أول زيارة لى لأرضها.

أصابتنى صدمة، وكنت أسير مذهولة، أحاول جاهدة إيجاد نقاط تشابه قليلة تجمع بين ما أعرفه وما أراه. لحظة واحدة. كيف ومتى حدث هذا كله؟ أين الحرية وأين الفكر؟ أين تمرد الإنسان وأين مفكرو النهضة وناشطات الحركة النسوية؟ أين حركة النقد والموضة والكعوب العالية والفساتين؟ وكان من يسير معى يخبرنى: إنك تعرفين التغيرات السياسية والاقتصادية والدينية التى غيرت مصر فلم الذهول؟ أجبته: كنت أعرف لكن يبدو أنى لم أود التصديق. مصر التى تعلمتها وأحببتها، كيف أتقبل ببساطة أى مصر بديلة؟

كانت أول لحظة أدمع بها لمكان آخر غير الصحراء، حاولت بنضج تمييز تأثرى: أكان لحال البلد، أم لأجل أيام طويلة أنفقتها لأكتشف أنها مجرد حبر وورق وكلمات؟

العامل الأهم فى ذهولى هو أن البلد الذى صدّر الحرية والإبداع بكل أنواعه صار مكاناً مقيداً بكل أنواع الرقابة، أسوؤها الرقابة الذاتية. والبلد الذى علمنا قول (لا) بحس عال لا أسمع به غير «نعم» و«حاضر».

ما الذى كنت أعيشه إذن؟ وهم؟

وكل تلك الليالى أمضيتها وغيرى فى قراءة مصر وأدباء مصر وفنون مصر. أكانت خدعة؟ أو كالرجل الذى نام مائة عام واستيقظ ليفاجأ بدار غير داره؟

لذا حين جاءت الثورة اعتبرتها مسألة خاصة بى وحدى، أعتقد أن كل عربى تأثر بثقافة مصر اعتبر الثورة مسألة خاصة به وحده. تعلقنا لم يكن خيالاً. كانت التغيرات مجرد أدخنة عبثت بهواء مصر وجاءت الثورة لتنهيها. نشأتنا لم تكن وهماً. أكبر دليل هو ميدان التحرير.

لكنها السعادة المؤقتة والوهم الجديد.

فى زيارتى الحالية لمصر أراها تعود تدريجياً ليس إلى الوراء الذى صدمنى قبل سنوات، ليس لنظام الرئيس السابق إنما لوراء لم تعشه قط. ضفاف النيل التى اعترضت فى مقالى الأول على الحجاب الذى غزاها بصورة مبالغ بها ومثيرة للتساؤل عن سبب هذا التوحد ــ ستتحول إلى ضفاف ينتشر عليها كل أشكال النقاب الجسدى والفكرى للرجال والنساء على السواء. ضفاف النيل التى تغزلت بحالات الحب التى تعلن عليها رغم التشدد ورغم سيادة الحجاب ورغم الانتكاسات ورغم الفقر ــ فى المستقبل القريب ستنصب عليها مقصلات للعشاق، فالحب رذيلة، ووقوف رجل وسيدة لا تربطهما علاقة شرعية هو خلوة غير شرعية (يستحق أصحابها الجلد) ولو كان فى الشارع العريض وأمام كل البشر. هذا هو العرف القادم هنا.

أسير الآن على أرض مصر وأستمع لمن يحكى عن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مصر التحرير. أستمع للشيطان الذى يتلاعب مع دور الله ويظن أن بيده تحديد معيار المعروف ومعيار المنكر.

فى المدن السعودية ظاهرة جديدة هى (نقاط التفتيش) لا تظنوا أنها نقاط بوليسية لمراقبة الأمن والأمان، إنما لنزع ما تبقى من كرامة لدى أى مواطن. هى نقاط لجهاز الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الهيئة التى تسلب منك عزة نفسك حين تشعرك بضعفك وأنت لا تتمكن من الدفاع عنك أو عن السيدة التى بجوارك وهم يهينونها ويصرخون عليها أو.. يضربونها. وكله بسلطة رسمية.

نقاط تفتش السيارات، تتأكد من العلاقات التى تربط من بداخلها، الخصوصية منتهكة، والحرية معدومة، والمواطن يُسحق فى شوارع بلده لكنه سحق لكرامته فقط، سحق يبقيه حياً بعد انتهاء الإعدام لضمان وجوده الصورى أمام العالم، فيقال إن هناك مواطناً بالداخل، يأكل، يشرب، ينام، يطيع، يرضخ، يعبد، دون أثر لإنسانيته أو شعوره أو تمرده واعتراضه.

فلم اندلعت ثورة التحرير؟ ولم استشهد شبان وشابات مصر؟ لهذا المستقبل؟

الآن لم أعد أتحسر، لابد من تجاوز المرحلة المعرفية الأولى، فلست صغيرة كى أتباكى، ولم أعد طفلة من حقها التدلل، ولن يتوقف الزمن عند مصر التى بمخيلتى. صار لزاماً استيعاب صورتها الجديدة وتأثيرها الجديد فى المنطقة وعلاقاتها... إلخ.

السطر السابق فقط لأكون واقعية لكنى بداخلى أكتب (من مصر ٢) ومازلت أرى مصر كما تريدنى هى أن أراها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جناية المال
علي حسين ( 2012 / 1 / 8 - 09:02 )
ممكن عكس المقوله (ربّ ضاره نافعه) الى (ربّ نافعة ضاره) هذا ماينطبق المال الخليجي والسعودي بالتحديد الذي زرع الافكار الهدامه في المصريين القادمين للخليج طلبا للرزق لنحصد الشوك الذي بذروه في سبعينيات القرن الماضي,ولم تستغل تلك الثروه لبناء الانسان الخليجي بدلا من مبانٍ وسيارات فارهه وقشور الحضاره ومع هذا برز افراد قلائل من امثالكم سيدتي والسيده وجيهه الحويدر وعبدالله القصيمي ....... ولكن نعود لمصر لنقول هذا ماجناه المال الخليجي على مصر والسعودي بالتحديد . ّ


2 - مصر الردة
اوشهيوض هلشوت ( 2012 / 1 / 8 - 09:42 )
سيدتي الغالية...... مصر التي ابهرتك صورتها المشرقة هي مصر التي اغتالها العسكر
ودفنها الوهابيون على ترانيم العهد القديم و((عطور)) البترول

تحياتي الخالصة


3 - الإنسانية تتأني
عدلي جندي ( 2012 / 1 / 8 - 10:34 )
أنت إنسانة بمعني الكلمة ...في كل زيارة لمصر أشعر بالمرارة والحزن والأسي لأن الإسلام قد إنتهك جمالها وحضارتها وإنسانها وإنسانيتها وفكرها وتاريخها ودلالها وطبيعة شعبها وطيبتهم و اليوم الإسلام ينتهك مبادئ ويبيع ثورتها وثوارها... أنها مأساة إسمها الدين عند الله ..فهل الله الخالق للجمال والطبيعة ينتهك الآدمية والمشاعر ...تحية للإنسانة اللمٌاحة وشكرا لك صراحتك ولعلهم يتعقلون


4 - مصر باقية _ ان شاء الله
منتصر حلمي ( 2012 / 1 / 8 - 12:43 )
اتمنى ان تصلك تحياتى الحارة لكلماتك ومشاعرك وخوفك على مصر فقط مصر مرت بأسوء من هذا مرت بعهود المماليك حينما يحكم العبد سيده ولكنها انتفضت بعد 500 عام ظلت روحها متقده على يد ابنها عمر مكرم بثورة شعبية عارمه اعقبت صحوة احدثتها الاحتلال الفرنسي لمصر ، ثم هى انتفضت مطالبه بما اسماه الشعب (الوثيقة .. الوثيقة) قاصدين بذلك وضع دستور للببلاد على يد عرابي باشا ورفاقه ، ثم هى انتفضت في ثورة 1919 على يد سعد باشا لتقتضي بها افغانستان والهند واخرين وتشتعل الثورات بتلك الدول وتحظى بدستور 23 ثق تماما ان مصر لا تموت وان لم تنصلح فيثور الشعب مرة اخرى واخرى واخرى فالشعب الذي انجز اول ثورة اشتراكية في التاريخ قادر ان يصنعها ويجتاز بالعالم العربي المحنة كلها ان شاء الله
وبالمناسبة جنى الشعب المصري عقب كل ثورة بعض المكاسب ومل تفشل له ثورة 100%


5 - مقاله رائعه
هاله حواس ( 2012 / 1 / 8 - 14:26 )
مقاله رائعه و كلنا نحلم بمصر التى فى مخيلتك يا ولا نريدها السعوديه التى تضمر الحريات الانسانيه.


6 - مقاله رائعه
هاله حواس ( 2012 / 1 / 8 - 14:33 )
مقاله رائعه و كلنا نحلم بمصر التى فى مخيلتك يا ولا نريدها السعوديه التى تضمر الحريات الانسانيه.


7 - مصر
ناس حدهوم أحمد ( 2012 / 1 / 8 - 19:32 )
ما يحدث في مصر يحدث ياأختي الكريمة في كل المجتمعات العربية
إنها آفة التخلف بواسطة الدين حتى يكون هذا التخلف كاملا
وقويا وراسخا
هذا للأسف الشديد يحدث في المجتمعات العربية كلها
فالوهابية والشيعية إقتحمت علينا بيوتنا ومساجدنا وأصبحنا تقريبا
في مثل انحطاط المجتمعات الأخرى مثل أفغانستان وباكستان والسعودية
والصومال وهلم تخلفا
والربيع العربي وانتفاضته قد تم الإلتفاف عليها وما حدث في مصر
من صدارة المتخلفين للقوائم الإنتخابية يعلن ما ينتظرنا من خيبة أمل
كان مصدرها الشعوب نفسها
مما يعني أن الوقت لا زال مبكرا على التحرر
ا


8 - لهذا المستقبل؟
هانى شاكر ( 2012 / 1 / 8 - 23:39 )
الرقص حول الجردل

فى الغرفة رائحة فجة و كريهه ... رواد الغرفة منتظمين , مواظبين , ملتزمين ... الخادمة تدخل الغرفه فجرا و تكنس الغرفة و تمسحها بماء ساخن و صابون ... ربة المنزل تفرش السجاد و أغطية الكنب .. المقرئ يبارك الغرفة بما تيسر من الآيات و البخور ... الزوار يتقاطرون .. العمدة و شيخ البلد و المأمور و الشاهبندر و الطبيب .. تمتد موائد العشاء بما لذ و طاب ... كل القضايا تطرح .. أخبار العاصمة .. حركة التنقلات .. العراق و امريكا ..المرأة والجنس.. الثورة والدستور .. عذرية البنات ..الحلف بالله جل وعلا ... ينسحب ضيوف الدرجة الثانية و يبقى فقط المقربين جدا ... يبدأ الرقص و الغناء .. الويسكى و الغازية و حشيش الجوزة .. البوكر و الصفقات .. ينزع غطاء الجردل قليلاً و يبدأ الكبار فى المغادرة واحداً بعد الآخر ... آخر ضيف يضع الغطاء على الجردل و يسحب الباب خلفه ...

لا يجرؤ مخلوق واحد فى القرية على زحزحة الجردل !


9 - البحث عن النسخة الأصيلة
الحكيم البابلي ( 2012 / 1 / 9 - 06:06 )
مقال تنويري وحساس ومخلص ويترك غصة
لكِ الشكر سيدة نادين ، رائع كل أنسان يحس بهموم الآخرين
كم هي متشابهة بعض قصصنا ، يوم كنتُ صبياً في بغداد كانت أحلامي ( السياحية ) أن أزور مصر وأسبانيا ذات يوم في المستقبل ، لكن الأصفر الملعون المجنون المرغوب لم يكن مطواعاً يومها ، والحق أن الفرصة أكثر من مواتية لي لزيارة المحروسة اليوم ، لكنني لا أريد أن أشاهدها وقد هرمت وذبلت ووقعت صيداً للنخاس ، بل أفضل أن أحتفظ برأسي بالصورة التي كنتُ قد كَونتُها عنها ، وهي شبيهة جداً بالصورة التي تكلمتِ عنها يا نادين
لهذا لن أزورها ، وسأنتظر بشوق العاشق .... عسى أن يكون هناك أملٌ في عودتها لمجدها ، وعسى أن يكون لي سنوات كافية للوصول لذلك اليوم
أعجبني جداً تعليق السيد ( الثاني ) على الفيس بوك ، وأعتقد أنني أُشاركه الفكر في أن مصر التأريخ والحضارة لن تموت على أيدي الناقصين الأموات الأحياء
تحياتي
تحياتي


10 - الجهل المركب
عبد الله اغونان ( 2012 / 1 / 9 - 17:40 )
الجهل المركب صفة الجاهل الذي يجهل انه جاهل عرفت مصر من خلال الروايات والافلام والصحافة لو عرفت حسن البنا وسيد قطب ومحمد الغزالي وغيرهم لعرفت مصر كما هي الان


11 - لا اله الا الله محمد رسول الله
محمد المصرى ( 2012 / 1 / 11 - 00:37 )
الحمد لله ان مصر بدأت ترجع الى ربها والى دين نبيها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وان شاء الله قريبا سنرى تطبيق الشريعه الاسلاميه ومصر التى كنتى تحلمين بها وبمفكريها وكتابها ليست مصر ولكن مصر بعلمائها ومشايخها من امثال الحوينى ومحمد عبد المقصود ومحمد اسماعيل المقدم وغيرهم الكثير.

اخر الافلام

.. العربية ترصد تسيير الرحلات الجوية من مطار دبي وتداعيات الحال


.. الضرب بالسياط والجباية ومظاهر أخرى يوثقها شعراء في ظلم أهل ا




.. أميركا وبريطانيا تفرضان عقوبات جديدة على إيران


.. رسائل طهران لواشنطن حول الرد على قصف القنصلية يؤكد ما أعلنه




.. العالم الليلة | خلاف حول الرد الإسرائيلي على إيران.. والإمار