الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإستراتيجية الأميركية الجديدة: إعادة تكييف قوة الهيمنة على النظام الدولي بتكاليف اقل

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2012 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية



في تاريخ الاستراتيجيات الأمريكية على المستوى العالمي، ما تشير إليه صحف الولايات المتحدة على انه بمثابة علاقة سببية بين أزمات الاقتصاد الأمريكي وبين خفض عدد وعديد القوات البرية، كمؤشر على بوادر انسحاب من الشأن العالمي، كان يؤدي وبصورة دائمة إلى وضع الأمن الأمريكي في موضع حرج وحساس، بيد انه وفقا لبعض الاخرين تعبير عن تقليد أمريكي في فهم السياسة الخارجية يقوم على رصد العدو من الداخل قبل الخروج إلى الحرب والاشتباك ثم الانتصار فالعودة مجددا إلى الداخل .
من المنظار الأول رأت معظم كبريات الصحف الأمريكية، الإستراتيجية الدفاعية الجديدة التي أزاح الرئيس باراك أوباما بعض النقاب عن تفاصيلها في كلمته التي ألقاها بمقر وزارة الدفاع البنتاغون أواخر الأسبوع الماضي، وحذرت من ان التاريخ لم يكن إلى جانب اختيارات كهذه.
فقد ذكّرت الواشنطن بوست بان الرئيس هاري ترومان وفي سعي منه للتخفيف من أعباء الاقتصاد الأمريكي الذي تسببت به الحرب العالمية الثانية لجأ إلى تقليص عدد أفراد الجيش من ثمانية ملايين جندي إلى اقل من نصف مليون. وكانت النتيجة أن ُتركت القوات البرية في الحرب الكورية تواجه مصيرا قاسيا وخطيرا، وهو الخطأ نفسه الذي عاد لتكراره الرئيس أيزنهاور عندما خفض هو الأخر قوات الجيش والمارينز واستبدل ذلك ببناء قوة ردع نووية وفقا لاستراتيجية "النظرة الجديدة ثم اندلعت حرب فيتنام، وتفكك بحلول عام 1970 الجيش الأمريكي ليحل محله كيان من الهواة. وكانت النتيجة الهزيمة المدوية له هناك وفقدانه لاكثر من 58 ألف قتيل من إفراده.
وعلى الرغم من رؤية الواشنطن تايمز للإستراتيجية الجديدة التي وجدت فيها إستراتيجية الضرورة حيث صيغت بدافع الحاجة لجعل البنية الدفاعية الأميركية تتلاءم مع حقائق الموازنة المفلسة التي فرضتها ثلاثة أعوام من سياسات العجز المالي غير المسبوق لإدارة اوباما، بيد إن الواشنطن بوست شددت على انها إستراتيجية إغراء من وصفتهم بالأعداء المقبلين للولايات المتحدة للسعي " لقتالنا على الأرض التي طالما افتقرنا فيها للتجهيز الجيد".، في إشارة لإضعاف قدرات القوات البرية الأمريكية.
ولكن من المنظار الثاني، يرى بعض المراقبين للشأن السياسي الأمريكي، إن واشنطن وهي في الطريق لاستثمار نتائج حربها على العراق وفي أفغانستان، الذي بدأته بعيد التقرير الشهير لمجموعة دراسة العراق، والذي عرف بتقرير بيكر- هملتون، وبعد أن عادت لانتهاج إستراتيجية توازن القوى في الشرق الأوسط التي أخذت بها منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولم تتخل عنها إلا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فإنها بدأت اليوم وباستعداد اكبر في التفرغ لإعادة تجديد قوتها في إطار إستراتيجية أكثر شمولا واتساعا وهي إستراتيجية الاستمرار بالقيادة المنفردة للنظام الدولي.
فكثيرون لم يصدقوا بعد، كما لم يصدقوا حتى بعد تقرير مجموعة بيكر هملتون، إن أسباب غزو العراق، لم تخرج عن نطاق الحسابات الأمريكية أوروبيا، والتي تعني ماديا وضع قرار الانفراد بقيادة النظام الدولي لا قيد التنفيذ فقط بل استدامته كقرار ابدي، وغرق الجميع وما زال في تحليلات شكلية تأخذ بظاهر الاحداث فقط.
ولم يقتنع الكثيرون أن الاقتراب الأمريكي من منابع النفط العراقي ليضاف إلى النفط السعودي والخليجي والليبي والجزائري إنما أراد محافظو أمريكا الجدد من ورائه لي ذراع أوربا لحملها على قبول الانفراد الأمريكي بقيادة النظام الدولي كقوة عظمى وقطب أوحد في في عصر عولمة الاقتصاد الذي دشنه تفكك الإتحاد السوفييتي وتسبب من ناحية ثانية في خروج أوروبا واليابان من المضلة النووية الأمريكية وخلق حالة من بوادر تمرد على القيادة الأمريكية، استشعرته الولايات المتحدة بصورة خاصة أثناء سعيها لتأمين تمويل حرب إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991.
لقد أرادت الولايات المتحدة ببسط نفوذها على مصادر الطاقة العالمية وإخراجها من نطاق أي احتمال تجاذب قوى دولية أو إقليمية أن تتموقع في المكان الذي يتيح لعينها إمكانية مراقبة وضبط إيقاع التناقضات في المصالح البينية الغربية التي تفجرت في أعقاب توقف الحرب الباردة بعد أن كان، التناقض الأكبر مع المعسكر الاشتراكي يخفيها ويدفع بها إلى الوراء، من ناحية وإبقاء مصادر طاقتها وتطورها الصناعي رهينة الرضا الأمريكي للحيلولة دون عودة ملامح ذلك التمرد على القيادة الأمريكية من ناحية ثانية.
وفي نفس الوقت كانت الولايات المتحدة ترقب بالعين الأخرى أوضاع كل من روسيا والصين البلدان الأكثر احتمالا للعودة إلى ميدان المنافسة على قيادة النظام الدولي، وتصادف أن بلغت المخاوف الأمريكية أوجها مع الزحف الصيني الذي اكتسى طابعا اقتصاديا مقلقا مع تصاعد جاد في حدة المصاعب التي يواجهها الاقتصاد الأمريكي، وهو ما حدا بالرئيس اوباما لتأكيد اعتماد إستراتيجية تعكس متطلبات التطورات الإستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وخصوصا في منطقة شرق آسيا وتفاقم العجز المالي الفيدرالي الذي تقتضي معالجته خفض الإنفاق الحكومي بما في ذلك خفض الإنفاق العسكري بقمية 487 مليار دولار خلال العقد المقبل.
وعلى الرغم من أن الإستراتيجية الجديدة ستسمح بتكثيف الحضور العسكري الأميركي في منطقة "آسيا – المحيط الهادئ"، لكنها ستبقي على التعاون الوثيق مع الحلف الأطلسي، إلى جانب التيقظ الدائم في الشرق الأوسط، وتحديدا فيما يتعلق بملف العلاقات مع إيران، في إشارة كافية للتأكيد على عزم الولايات المتحدة الاستمرار في تعزيز تواجدها وانتشارها العسكري في معظم أنحاء العالم، بما يتيح لها تواصل أسباب الهيمنة على قيادة النظام الدولي.
فقد قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي إن "الإستراتيجية تتحدث عن تحول في المستقبل. وان جميع الأنماط الديموغرافية والجيوبوليتيكية والاقتصادية والعسكرية تتحول في اتجاه المحيط الهادئ. لذلك فإن تحدياتنا الإستراتيجية في المستقبل سوف تنبثق من منطقة المحيط الهادئ، ولكن أيضا من الدول الواقعة على ساحل المحيط الهندي" في إشارة ضمنية إلى المنطقة الممتدة من جنوب آسيا إلى الخليج العربي.
ولذا فان الاتجاه الأمريكي من شرق أوسط تتحكم بنفطه ولا تحتاج منه لأكثر من 10% من حاجاتها النفطية، فيما تبلغ نسبة الحاجة الأوروبية من نفس النفط إلى ما يزيد عن 60%، وتتجاوز بالنسبة لليابان نسبة الـ 90% نحو منطقة شرق أسيا والمحيط الهادئ التي تمتلك كل الإمكانيات اللازمة لتأمين انتعاشها ومواصلة مسار النمو السريع المستدام الذي من المتوقع أن يصل إلى أكثر من 10% في أفق عام 2012، وتهدف دولها إلى فتح آفاق واسعة للتبادل التجاري عن طريق إزالة الحواجز الجمركية وإقامة تكتل إقليمي في أفق 2020 لتحقيق اﻹندماج اﻹقتصادي و إنشاء جبهة اقتصادية مستقرة لتنافس بقية التكتلات الاقتصادية باعتماد التبادل الحر للخدمات والبضائع، إن هذا الاتجاه يؤكد الإصرار الأمريكي على تجديد قوة الدولة للاستمرار في إستراتيجية الانفراد بقيادة النظام الدولي.
وما يشير الى هذا الاتجاه بقوة ويقلل من أهمية الضجة الإعلامية التي رافقت الإعلان عن هذه الإستراتيجية وركزت على ما قيل انها تغيرات جوهرية ستطال مؤشرات القوة في الإستراتيجية الأمريكية الكونية على محور الصراع الدولي على قيادة النظام الدولي. والعكس هو الذي ربما يكون صحيحا هو أن هذه الخطة سوف تبقى أكبر من مجموع الموازنات العسكرية للدول العشر "التي تلي الولايات المتحدة في القوة.
ويرى بعض المحللين إن كل ما أتت به الإستراتيجية الجديدة لا يتجاوز استبدال بعض آليات الصراع، وانه بدل خوض حربين معا، كما كان متاحا مع الإستراتيجية السابقة، ستكون الولايات المتحدة مع هذا الجديد قادرة على خوض حرب برية حاسمة، مع الاحتفاظ بالقدر الكافي من القوة التي تمنحها حرمان أي عدو انتهازي من تحقيق أهدافه في وقت تكون الولايات المتحدة فيه مشغولة بتلك الحرب، أو إرغامه على دفع ثمن غير مقبول من خلال الاستخدام المكثف للقوة الضاربة الجوية والصاروخية، وهو ما يفهم واقعيا إعادة تكييف القوة الأمريكية في سياق تطور تكنولوجيات الحرب ووسائلها وفي إطار نفس الأهداف الكونية مع تحقيق ميزة التخفيف من الأعباء الاقتصادية للدولة والالتفات إلى شؤون الداخل الأمريكي، مع الاحتفاظ بقدرة الانتشار الخارجي.
لا يمكن ان يفوت الولايات المتحدة درس صراعها مع الاتحاد السوفييتي، وان فاعلية قوة الدولة العسكرية تتوقف على حيوية اقتصادها الوطني، وهذا بالذات ما يبدو ان الاستراتيجية الجديدة توفرة لاستكمال توفير عناصر القوة الشاملة للدولة الامريكية للاستمرار في القيادة المنفردة للنظام الدولي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قراءة عميقة
محمد علي ( 2012 / 1 / 19 - 13:37 )
تحليل عميق ووجهة نظر جديرة بالاحترام فعلا الاستراتيجية الامريكية حاليا الابقاء على العالم تحت النفوذ الامريكي

اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر