الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرنكو لغة التحضر وبرستيج على الانترنت

طارق محمد حجاج

2012 / 1 / 17
المجتمع المدني



"ليس على وجه الأرض لغة من العظمة والروعة مثل اللغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض امة تسعى بوعي أو بلا وعي لتدمير لغتها مثل الأمة العربية"

بهذه الكلمات الجارحة وصف أحد الكتاب المستشرقين علاقة الأمة العربية بلغتهم في القرن الحالي، علاقة يتملكها النفير والاشمئزاز والعار، حتى باتت اللغة العربية في مهب الريح تتعرض لحالة تهميش ممنهجة للاستغناء عنها والاستعاضة بلغة الفرنكو - الانجليزي المعرب - في المراسلات، سواء في الدردشة أو في البريد الإلكتروني أو في المراسلات الخطية.
في حين يحاول البعض استخدام مصطلحات أجنبية في الحديث، وربما أكثر من ذلك لتصل إلى الاستغناء التام عن اللغة العربية واستبدالها بلغة أخرى، على الرغم من أن شريحة كبيرة منهم لم يسافروا البتة خارج وطنهم أو إلى دول تتحدث غير العربية، بل درسوها وتعلموها في المعاهد والجامعات وأماكن نشر الثقافات الغربية في بلدانهم، ومن المحزن والمضحك في آن واحد أن لغته الأجنبية تكون مليئة بالأخطاء، وقد يسخر منه من يتقنها ويتحدثها بطلاقة.
ففي الوقت الذي تسعى فيه دول الغرب إلى نشر ثقافاتهم ولغاتهم في العالم العربي والإسلامي، تسعى الأمة العربية إلى تدمير لغتها العربية المقدسة، والتقليل من شأنها.
إن عظمة اللغة العربية تكمن في أن شرفها الله بالقرآن وأنزل الكتاب الكريم باللغة العربية، فما من لغة على وجه الأرض تستطيع أن تعبر عن معاني ومضامين الآيات القرآنية، خيرُ من اللغة العربية.
فاللغة العربية ذخرا وإرثا قيما أنعم الله بها علينا، ولكننا لم نعطها حقها ولم نستخدمها كما ينبغي أن تستخدم، فلما أعطاها العرب حقها في عصر الجاهلية وعصر صدر الإسلام، كانت أروع وأمتع وأقنع لغة على وجه الأرض، فكان مجرد استرقاق السمع لمحادثة بين اثنين، بمثابة الاستماع إلى قصائد شعرية ونثرية لا مثيل لها في يومنا هذا، وللأسف من الصعب الآن أن تجد من الكتاب والشعراء وأساتذة الجامعات من يستطيعوا فهم التراكيب والمترادفات التي كانت تستخدم في الماضي.
وهنا اذكر بالقول أن هذا المقال ليس مدعاة للاستفزاز أو المواجهة أو المعاندة، لأني أعلم أنا الكثير منا متورطين في هذا الخطأ، ولأن اللغة العربية في خطر محدق، وتتعرض لهجمة غربية شرسة، بل هو تذكير وتصحيح للمسار للمحافظة على حضارتنا وأصولنا العربية التي نفتخر به.
ولنغير المفاهيم السائدة عند البعض والتي أدت بهم إلى التسليم بأن من العار الكتابة باللغة العربية، وبدا استخدامها كدليل على تخلف ورجعية مستخدميها، فكانت النتيجة أن طغت لغة الفرنكو على اللغة العربية السليمة، وباتت أعداد مستخدميها على الانترنت آخذة في النقصان، والسبب أن لغة الفرنكو في مخيلتهم هي موضة العصر، ودليل الرقي والتقدم والطبقية.
فالتقدم لم يكن يوما بتغيير الشعوب للغاتها الأصلية أو بالتخلي عن حضاراتها.
فمن الأفضل على هذا الجيل أن يعي تماما أن الرقي والإتيكيت والتقدم والتحضر له طرق أخرى من ضمنها المحافظة على اللغة الأصلية وإتقانها والتحدث بلباقة وإقناع وبأسلوب متحضر وبخلق رفيع.
فالرقي والتحضر يأتي من التربية الصحيحة ومن النظافة الشخصية، وحسن معاملة الناس ورضا الوالدين. الرقي يأتي من ترتيب سريرك عند الصباح ومحافظتك على نظافة المكان الذي تجلس أو تنام فيه، الرقي عندما تترك انطباع حسن عنك في نفوس الآخرين، الرقي عندما تحافظ على نظافة ورائحة بدنك من الداخل قبل الخارج، وتداوم على النظافة الشخصية، ونظافة لسانك من الألفاظ القبيحة، وليس لمجرد التحدث بلغة أو استخدام بعض المصطلحات الأجنبية في الحديث.
والشيء الذي لم أجد له أي تفسير ولا تبرير، أن الذين يستخدمون لغة الفرنكو يعلمون عظمة وتفوق اللغة العربية على غيرها من اللغات الأخرى، ولكنهم مصرون على تهويدها.
فنظرا لقصور اللغات الأخرى في مواجهة عظمة اللغة العربية، استعان "الفرنكوويين" بالأرقام ليسدوا ويعوضوا عجز الأحرف الانجليزية في مجارات اللغة العربية، فأدخلوا الأرقام عوضا عن الأحرف المفقودة في لغتهم، فاستخدموا الأرقام الآتية لتدل على الأحرف الآتية:
الرقم 2 يدل على الهمزة
الرقم 3 يدل على حرف العين
الرقم 5 يدل على حرف الخاء
الرقم 6 يدل على حرف الطاء
الرقم 7 يدل على حرف الحاء
الرقم 9 يدل على حرف الصاد
فهل لازلت مُصر على تهويد وانقراض اللغة العربية؟ أم انك ستسارع في الضغط على مفتاح التغيير في لوح المفاتيح وتكتب باللغة العربية؟
من المحزن والمشين في هذه اللغة أنها تتناول مصطلحات سامية بشيء من الاستهزاء والسخرية. فعلى سبيل المثال استبدلوا "الحمد لله " بــ(el7) وأصبحت "إن شاء الله" (isa) و "كله بحمد الله" (kba) وغيرهم كثر لم يتسن لي التعرف عليها خلال البحث.
وما يستشيطك غضباً أن تكتب أو تراسل شخص باللغة العربية السليمة، ويطلب منك أن تغير طريقتك في الكتابة إلى الفرنكو بداعي أنه يجد صعوبة في قراءة وفهم اللغة العربية، وكأنه مولود خارج الوطن العربي وأبواه يتحدثون غير العربية.
فاللعنة على الرقي والتحضر الذي يدمر حضارتنا ولغة قرآننا الكريم، فإن كان هذا التقدم فأنا أفتخر بأني مازلت وسأبقى أنتمي للعصور القديمة.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي يحذر من خطر حدوث مجاعة شاملة في غزة


.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا




.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب