الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا العلمانية، ولماذا سوريا أولاً؟

عماد يوسف

2012 / 1 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلمانية، مصطلح فلسفي، سياسي، واجتماعي. تحوّل من فضاء فلسفي ضيّق إلى ثقافة عامة واسعة في المجتمعات المتحضّرة، وبالتحديد الأوروبية منها. يحلو للبعض توصيف العلمانية، أو الشخص العلماني بأنه ضد الدين والتدّين. وهذه مقولات خاطئة بالمطلق لأنَّ العلمانية تعني بدقة فصل الدين، وتحييده عن الدولة. وعدم تدخله في شؤونها. وتحرص الأنظمة العلمانية على عدم السماح للقوانين الإلهية، الدينية، أو السماوية، بأن تتقاطع مع القوانين الوضعية الدنيوية التي تحكم وتشرّع بين الناس. ومن هنا نجد تلك الحساسية العالية من قبل رجال الدين تجاه ما يُسمى العلمانية، والذين يحاولون محاربتها واتهامها بالزندقة والكفر ونكران الدين. بينما الواقع، هو أنَّ تعارضها مع القوانين والتشريعات الدينية التي ينتهجها رجال الدين، يجعلهم يتخذون منها موقفاً في غاية التطرّف والعدائية.
إذا ما نظرنا إلى التجارب الإنسانية العديدة في الأنظمة العلمانية، وخاصة في أوروبا. نجد أنَّ هذه الأنظمة قد وفرَت مناخات هامة لمفهوم التدّين، قد يكون أوسع من بعض البلدان التي تحكمها أنظمة دينية. فحرّية الأديان، والتدّين، هي نابعة من حرية الفكر والاعتقاد الديني الحر. وبذلك يكون للعمانية فضلاً في تعزيز الدين وثقافته ضمن فضاء حرّ من التعبّد الذي لا ينعكس أو يتعارض مع الآخرين ومعتقداتهم بحسب انتماء كلٍ منهم، ويبقى ذلك تحت مظلّة : الدين لله والوطن للجميع.
من هنا، نجد بأنّ العلمانية هي الوحيدة التي تستطيع أن تعلّم الناس، وتنشر بينهم ثقافة التعايش الحر. إذ لا يُمكن أن يوجد نظام في العالم يؤسس لحالة تعايش بين الملحد ورجل الدين، مثلا،ً سوى العلمانية. ولا يُمكن لنظام أن يوّفر مناخات من حرّية الاعتقاد بين كاهن وشيخ أو حاخام، أو بوذي، أو هندوسي أو انسان متزمت دينياً، وإنسان متنور، أو متحرر من الإنتماء الديني، سوى النظام العلماني ببعده المعرفي والثقافي. وهو ما يتماثل مع الحكمة الشهيرة التي تقول: " مادمتُ محترماً حقي فأنت أخي، آمنت بالله أم آمنت بالحجرِ " .؟!
يُشكّل المجتمع السوري بُعداً حضارياً واسعاً وعميقاً يمتد بعيداُ في التاريخ. حيث يُعتبر تنوّعه الفسيقسائي الكبير أحد أهم ميزاته التي شكّلت منه حاضنة طبيعة آمنة لتوزع سكاني وديمغرافي هام في تاريخه القديم والمعاصر. من المؤكد بأنَّ موقعه الجغرافي، مساحته، توارد الحضارات فيه، والمؤثرات الثقافية الغنيّة التي أغنت تراثه، جعلته من أهم المجتمعات في المنطقة إن لم يكن في العالم. لذلك؛ وبسبب هذه التباينات العميقة نجد أنه من الضروري جداً انتاج نظام سياسي يتآلف، ويصهر هذه المكوّنات جميعها التي تشكّلت عبر التاريخ. تحت مكوّن واحد هو الإنتماء الوطني الكلّي، والديمقراطي المدني. ولكن؛ وحتى يتحقق هذا الإنتماء الوطني الشامل، والعميق في بعده الاجتماعي يجب أن تتشكل حاضنة طبيعية له، تُؤسس له وتبلور أدواته، ونهجه، وأسلوبه في الإدارة والقوننة، والتشريع وغيرها من ضرورات هذا الرهان الوطني الواحد. وهذه العوامل مجتمعة لا يُمكن أن تتوافر إلاّ في بيئة علمانية، تكون فيها السيادة للقوانين والشرائع الوضعية المدنية التي ترسم المحددّات الاجتماعية والقانونية بين الناس بصفتهم أفراد أحرار مستقلين، وتبقى القوانين الدينية والسماوية هي مرجعيات روحية عند أبنائها ولكنها لا يجب أن تترك تأثيرها على الواقع السياسي والاجتماعي العام. وإلاّ، نَحَت الأمور باتجاه حالة من الاستبداد السياسي أو الاستبداد الديني، لا مناص منه. فالإنتماء الديني يُشكّل مرجعية ثقافية عالية لدى أصحاب هذا الإنتماء وتحريرهم لهذه الثقافة في الواقع الاجتماعي، سيجعل منها محددات اجتماعية تميّز بين الناس وتُمارس نهج التباين والتمايز في الأداء والتعامل، وتؤسس لشروخ عريضة في مفهوم العيش المشترك. وهذا ما ينتفي تماماً في ظلّ الحكم العلماني. أو فلسفة تجريد السلطات السياسية والمجتمع المدني من مرجعياته الدينية وتحييدها، وتعويضها بالمرجعيات، والتشريعات، والقوانين المدنية، بدلالاتها الوطنيّة.
سورياً أولاً؛ هو شعار سياسي بدأ يلقى صدى ورواجاً فكرياً وثقافياً عالياً في الفترات الأخيرة من تاريخ سوريا. بدأ يجد تربة خصبة بعد فشل، أو انتكاس المشروع القومي العربي الذي كان لسوريا ومصر أثراً ودوراً كبيراً في اطلاقه في المنتصف الثاني من القرن العشرين. فالناصرية، والبعث قاما بايديولوجيتهما على فكرة الوحدة العربية مراهنين بذلك على العامل القومي، والديني، والتاريخي، وعامل اللغة كعوامل أساسية تؤسس لفكرة اعادة أمجاد الأمة العربية الواحدة. لكن هذه القراءات التي قدمتها هذه التيارات أثبتت قصورها الفكري والثقافي، لجهة عمق التباينات والتناقضات التي تحكم المجتمع العربي الشامل. لذلك فشلت هذه المشاريع وانكفأت، وكان لإنكسارها نتائج شبه كارثية على هذه البلدان التي راهنت بكل طاقاتها وامكانياتها على فكرة الأمة الواحدة. مبتعدة بذلك عن التأسيس لفكرة الدولة الوطنية الحقيقية، القوّية. المتطورة والتي تستطيع أن تفرض وجودها وذاتها على الآخرين. وحتى في البعد الوحدوي، فإنها سُتسهّل عملية اقامة أي وحدة أو اتحاد بين قطرين عربيين أو مجتمعين. من هنا كان الرهان على سوريا كرهان وحيد في المدى المنظور. انطلاقاً من فكرة أنَّ التنمية، والتطور، والانطلاق من الفكر المتخلف والتحوّل إلى دولة متقدمة، يبدأ من الدائرة الضيّقة، وليس من الدائرة الواسعة. فإذا ما كانت الدائرة الضيّقة بخير، شكّلت ضمانات لها ولغيرها. وسهُلَ معها الانتقال إلى مراحل أكثر تطوراً تتلاقى فيها مع باقي المشاريع المطروحة في المنطقة.


كاتب سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
احمد السيد ( 2012 / 1 / 18 - 19:32 )
من الواضح ان رجال الدين يدركون جيدا ان مفهوم العلمانيه في الاساس يكمن في فصل الدين عن السياسه وهم من اشد المعارضين للعلمانيه لسبب بسيط لان العلمانيه في الحقيقه هي الوصول الى الدوله المدنيه التي بدورها تحرمهم من فرض شرائعهم على المجتمع وتحرمهم بالتالي من
جميع سلتاطهم

اخر الافلام

.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل


.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل




.. العقيدة النووية الإيرانية… فتوى خامنئي تفصل بين التحريم والت


.. العالم الليلة | ليست نيتساح يهودا وحدها.. عقوبات أميركية تلا




.. شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ