الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستقالة هل هي حرام ؟

سربست مصطفى رشيد اميدي

2012 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


في إحدى نشرات الأخبار المرئية عرض خبر عن تقديم رئيسة المخابرات النرويجية لاستقالتها , بعد جلسة حضورها في البرلمان وما قيل عن ( زلة لسانها ) لها في سياق حديثها أمام أعضاء البرلمان ، وكذلك العديد من الانتقادات التي وجهت لها عقب تفجيرات أوسلو. هذه الاستقالة تأتي ضمن تراث أصيل في الدول الديموقراطية لدى شعور المسؤولين بالتقصير في أداء واجبهم في مرحلة ما ، مما يستوجب التوقف عن الاستمرار في أداء مهامهم خاصة بعد توجيه انتقادات لهم من الرأي الخاصو العام والإعلام بصورة خاصة .
يبدو أن المناصب الحكومية والأمنية في الدول الديموقراطية على الرغم من أن لها جانب سياسي خاصة المناصب العليا ، فان لها وظيفة إدارية خالصة من حيث استيفاء الشروط المطلوبة توفرها في شاغل الوظيفة ، بالإضافة إلى الوصف الوظيفي والمهام الإدارية والمسؤوليات القانونية المناط بها على عاتق أي موظف . بالتالي فان تقصير الموظف في أداء جزء أو إحدى تلك المهام يستوجب التوقف عندها والتي قد تكون سببا في إبعاده عن الوظيفة أو المنصب والتي غالبا ما يقدم الموظف نفسه استقالته. أما إذا كان التقصير عمدا بسبب مصالح حزبية أو شخصية فإنها تستوجب التحقيق ومن ثم الإحالة للقضاء لينال محاكمة عادلة تقرر له على أثرها العقوبة القانونية الملائمة ، مهما علا منصبه الحكومي أو منزلته الحزبية حتى وان كان رئيسا للوزراء أو رئيس للدولة كما لاحظنا في أوكرانيا وإسرائيل وفرنسا ، ويتكرر ذلك في نظم دول عديدة . واليوم سمعنا عن تقديم ( عبد الحفيظ غوقة ) نائب رئيس المجلس الوطني الليبي والناطق الرسمي باسم المجلس لاستقالته بعد احتجاجات يوم أمس في بنغازي وهجومهم على مقر المجلس عندما كان في حال الانعقاد .
لكن يبدو إن هذا التراث ما يزال بعيدا عن واقعنا في العراق وإقليم كوردستان ، حيث إن المناصب والوظائف وحتى الأدنى مرتبة تعتبر في نظر الكثيرين وفي مقدمتها الأحزاب السياسية، بأنها استحقاقات حزبية أو عشائرية أو حتى عائلية . مما تعني وفق الرؤية هذه الاستمرار في شغل هذه الوظائف، مهما حدثت من مشاكل وتقصير في أداء تلك الوزارات أو المؤسسات والدوائر الحكومية. لا بل ما يثير الانتباه تشبث المسؤولين بمناصبهم ، وإيهام أبناء الشعب بأن الأعمال الإرهابية أو التقصير في مؤسساتهم ودوائرهم إنما هي موجهة إليهم والى أحزابهم وبالتالي يستوجب استمرارهم في مناصبهم . ناسين أو متناسين إن الأعمال الإرهابية موجهة ضد أبناء الشعب ، وان الفشل أو حتى التقصير في أداء مؤسسة حكومية تمس مباشرة حياة المواطن وقوته اليومي وحرياته الشخصية والسياسية ، أو تضر باقتصاد الدولة كمؤسسات ومواطنين .
لكنني أعتقد أن مجتمعنا ما يزال بعيدا عن الوصول إلى هذه المستويات من الأداء الحكومي والوظيفي، لان ثقافة الاعتراف بالخطأ هي غريبة على فكرنا فكيف بالممارسة العملية لها . وباعتقادي إن النسبة الغالبة منا ما تزال ايضا تؤمن بان كل شخص منا هو الأجدر والأفضل في شغل هذا المنصب أو ذلك ، ولا يوجد شخص آخر أكثر تأهيلا منه لشغله ، أما النزاهة والاستقامة والحيادية والإخلاص فهي مبادئ عفى عليها الزمن بنظر الكثيرين .
فنلاحظ انه لم يقدم رئيس الوزراء استقالته على الرغم من الفشل الأمني بعد العمليات الإرهابية المتكررة في الفترة الأخيرة في بغداد والبصرة وصلاح الدين والأنبار وغيرها ، وذلك باعتباره القائد العام للقوات المسلحة وانه في مقدمة مهامه الحفاظ على سلامة المواطن وامن الوطن . وانه بعد مرور حوالي سنتين على إجراء الانتخابات ومن ثم تكليفه بتشكيل الوزارة فانه لم يستطع تعيين وزراء الوزارات الأمنية في حكومته والتي تشكل جزءا من مهام التكليف الوزاري.
ولاحظنا انه بعد التفجير الإرهابي أمام وزارة الداخلية في حكومة الإقليم قبل سنوات ، فان وزير الداخلية لم يقدم استقالته كأن العملية لم تشكل خرقا امنيا في عاصمة الإقليم وفي مركز القرار الأمني . ولم نسمع تقديم مدير جهاز الاسايش في أربيل لاستقالته بعد كشف خلية (شيخ زانا ) الإرهابية ، على الرغم من أن ثلاث من أعضاء الخلية كانوا من منتسبي جهازه الأمني .
ولم يقدم وزير التعليم العالي استقالته بعد قذف بناية وزارته بالقاذورات والبيض والطماطم من قبل طلاب ينتسبون لتنظيم طلابي، ولم يقدم على تقديمها حتى بعد تعطيل الدراسة الجامعية في عدد من الجامعات في الإقليم ومن قبل التنظيم الطلابي نفسه.
أما بالنسبة لوزير المالية في حكومة الإقليم فقد هدد بالاستقالة ، بعد كشف خرق وزارته لقرار سابق بعدم تمويل أية مؤسسة لا يمكنها توحيد إدارتيها في أربيل والسليمانية ، وهذا ما حدث بالنسبة لجهازي الاسايش في الإقليم ، ولكنه أيضا لم يقدم على هذه الخطوة .
وفي القريب لاحظنا هروب أحد عشر مدانا من سجن (زركا) في مدينة دهوك بعد عملية الحفر الماراثونية ، فان مدير السجن لم يقدم استقالته . ولا نعرف هل أن ذلك كان قضاء وقدر السيد ( المدير ) ؟ أم نتيجة تقصير من إدارة السجن؟ خاصة بعد تكرار عملية هروب السجناء للمرة الثانية من نفس السجن وفي فترة إدارة المدير نفسه.
وبعد أحداث مدينة زاخو الم يكن من المفيد أن يقدم كل من القائمقام ومدير الشرطة ومدير الاسايش استقالاتهم ؟ أم أن الأحداث تلك لم تكن من الجسامة والخطورة التي تستوجب ذلك ؟ أليس حماية النوادي والمحلات والفنادق والمقار الحزبية، والحفاظ على أموال وممتلكات المواطنين ضمن وظائفهم وصميم مهامهم ؟ .
لكن يبدو إن تراث الاعتراف بالخطأ والاعتذار ليس بعيدا فقط عن وعي أغلب الناس في مجتمعنا ، بل هو غريب عن التربية الحزبية المفترضة لكوادر الأحزاب السياسية في أغلب دول الشرق الأوسط ، وهو غريب أيضا عن برامج تأهيل وتدريب الموظفين الحكوميين (إن وجدت) . على الرغم من أن أي تغيير في بعض الوظائف والمناصب تسبقها اجتماعات وندوات وصخب إعلامي ،حتى يظن المواطن إن المسؤول الحكومي الجديد سيكون بيده المفتاح السحري لحل جميع المشاكل التي واجهت سلفه ولم يستطع إيجاد حلول لها، ولكن تدور دائرة الزمن وتبقى نفس المشاكل من دون علاج . حيث باعتقادي انه ضمن الأسباب الرئيسية لاستمرار هذه المشاكل في أية مؤسسة حكومية هو افتقادنا لثقافة الاعتراف بالخطأ وضرورة تسليم المنصب لشخص يكون مؤهلا أكثر لشغل هذا المنصب ، وكأن تقديم الاستقالة حرام في عرفنا حتى بعد التقصير في واجباتنا الوظيفية . خاصة وان ظاهرة تعليق أخطائنا على شماعة (الأجندات الخارجية ) مزدهرة في الخطاب السياسي والإعلامي لدى النخب السياسية الحاكمة في أغلب دول الشرق الأوسط ومنها العراق وإقليم كوردستان . لا بل يصل الأمر أحيانا أن يعتقد البعض إن تقديم المسؤول لاستقالته إنما تعني تحقيق ( الأجندات الخارجية ) لأهدافها من الناحية العملية . وبالتالي يستوجب استمرارهم في مناصبهم لسد الطريق أمام تحقيق رغبات ( الأجنبي ).
لتفعيل تراث الاعتراف بالخطأ وإمكانية تقديم المسؤول لاستقالته بدل إقالته ، يتطلب مثابرة جهود النخب المثقفة في المجتمع ، وتفعيل دور المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان وبنشر الوعي القانوني وثقافة حقوق الإنسان في هذا المجال ، وكذلك منظمات المجتمع المدني في تنسيق حملات للمطالبة باستقالة المسؤول الفلاني لدى تسجيل أي خرق امني ، أو وجود تقصير في مؤسسة أو دائرة حكومية في أداء المهام الملقاة على عاتقها . والى أن يصل وعي أبناء شعبنا ونخبه السياسية إلى هذا المستوى من التقدم والرقي والشعور بالمسؤولية ، ما علينا إلا نصبر وحيث إن الصبر حيلة من لا حيلة له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إستقالة .. وإقالة
امين يونس ( 2012 / 1 / 23 - 14:17 )
عزيزي سربست
حتى الذين - يُقالون - ، حسب التغييرات المزعومة .. فانهم لا يُحاسبون على أية أخطاء إقترفوها او فسادٍ تسببوا فيه ... بل إنهم يُكافئون ويُدللون
احتراماتي

اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص