الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نادرة محمود في حوار مع حكمت الحاج حول الفن التَّقليليّ وذكريات عن تونس وسَرْكون بُولُصْ

حكمت الحاج

2012 / 1 / 24
الادب والفن


نادرة محمود: البياض يكفي لرسم لوحة والتجريد يُرضيني

مقدمة:
وُلِدَتْ الفنانة التشكيلية  نادرة محمود في مَسْقَطْ عاصمة سَلْطَنَة عُمَان. تنقلتْ في سنوات دراستها الأولى بين بغداد ومسقط وبيروت. درستْ القانون في بيروت. في العام 1993 أسست وأدارت رواق الفنون وهو أول غاليري لعرض الأعمال الفنية في مسقط. أقامت معرضها الشخصي الأول في الشارقة عام 1989 ومن بعده أقامت معارض شخصية أخرى: في دمشق 1991 وسوسة والقيروان 1992 وفي برلين 1994 وفي الكويت والمكسيك 1998 وفي بيروت 1999 وفي طهران ومسقط عام 2001 حيث عملتْ مع المخرج المسرحي  الألماني من أصل إيطالي  روبرتو تشولي في مشروع طريق الحرير حيث كان قد خطط للانتقال بفرقته المسرحية إلى المدن التي كان يمر بها طريق الحرير القديم. ولقد رافقتْ تلك الفرقة وذهبتْ إلى إيران وعرضتْ رسومها هناك. وفي عام 1994 شاركت في ندوة إبداع المرأة العربية في معهد العالم العربي بباريس. شاركت في العديد من المعارض واللقاءات الفنية العربية. نالت عام 1992 جائزة السعفة الذهبية في المعرض الدوري الثاني لفناني دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة. في العام نفسه شاركتْ في معرض الفنانين العرب المعاصرين في إشبيلية ضمن فعاليات أكسبو إسبانيا. ولمناسبة المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في عام 1993كانت لها مساهمة في معرض كبير أقيم في العاصمة النمساوية، فيينا. وفي عام 1994 عُرضتْ أعمالها في المتحف الوطني لفنون المرأة بواشنطن. وفي نيويورك شاركتْ في معرض (نساء من العالم) عام 2000. متفرغة للرسم وتقيم في مَسْقَطْ. هنا القسم الأول من حوار مطوّل مع الفنانة التشكيلية نادرة محمود حول الفن التَّقليليّ وذكريات عن الشاعر العراقي الراحل سَرْكون بُولُصْ وكلام في التجريد والبياض الذي يكفي لرسم لوحة والتجريد، يُنشر بالإتفاق مع مجلة القنديل الأسبوعية التونسية ويصدر في عددها القادم. 


- لماذا تبدو عُمَانُ لنا بعيدة؟ القارئ العربي بالكاد يعرفُ شيئا عن الحراك الثقافي والفني في السلطنة. ما هي الأسباب برأيك؟
- يعبر هذا الرأي عن طريقة شعرية في النظر إلى الأشياء. الواقع غير ذلك. عُمَان الآن هي بلد منفتح على العالم. انتهت عزلته منذ عقود. حركة السياحة فيه تتسع مع الوقت وأسلوب العيش فيه صار حديثا. لا يزال التاريخ ضاغطا. هذا صحيح. لكن العُمانيين نجحوا في أن يكونوا جزءا من دورة الحياة المعاصرة. ومع ذلك فان البلد لا يزال ذا طابع خاص، وهو أمر يشير إلى التنوع الذي تحتاجه الحياة في عالمنا. هذا بالنسبة لعُمان، أما بالنسبة لحراكها الثقافي فإنها لا تزال تنتمي إلى الهامش الثقافي. الهامش الذي لا يغري وسائل الإعلام العربية ولا يثير اهتمامها مثلما يفعل حراك مدن  المركز الثقافي. في عُمان اليوم شعراء وقصاصون ورسامون حديثون، يمكن النظر إليهم بقدر لافت من الاهتمام. لكن كما قلتُ لكَ، يتعلق الموضوع بثنائية المركز والهامش. في المقابل وكما هو معروف فإنّ أي حراك ثقافي لا يمكنه أن يكون حيويا من غير تمويل وإنفاق مالي. غالبا ما تعاني وزارة الثقافة من العوز المادي. مؤسسات لا تمتلك ميزانية جيدة لا يمكنها أن ترعى الثقافة. انظر إلى العالم من حولنا: صارت الأموال تنفق على الثقافة بطريقة ملحوظة. نحن لدينا ثروات بشرية ومادية علينا أن نعرف كيف نستعملها بطريقة جيدة. الذي أريد أن أقوله إن وجود شعراء ورسامين وموسيقيين لا يصنع حراكا ثقافيا وحده، هناك حاجة ماسة إلى أن تقوم المؤسسات الحكومية والأهلية بالإنفاق على مثل تلك النشاطات ليكون لدينا حراك ثقافي حقيقي. رأيت معارض عالمية كبيرة، كانت كلفة التأمين عليها تساوي ميزانيات وزارات الثقافة العربية لأعوام.  

- زار الكثير من المبدعين العرب عُمانَ في سياق أنشطة وفعاليات ثقافية وفنية منوعة. ما الذي كان يتبقى منهم؟ وما الذي كانوا يتركونه وراءهم؟
- من تجربتي الشخصية، فان تأثير الأدباء والفنانين العرب الذين زاروا عُمَان كان كبيرا. لولا ذلك الحضور لما كان لدينا وعيٌ بضرورة تحديث الأساليب الفنية والشعرية. كانت حواراتهم ونقاشاتهم مع مثقفي السلطنة تدفع بعجلة التحديث قُدُمَاً. يمكنني أن أشبه تلك اللقاءات بلقاء سكان قرية نائية ومعزولة بكائنات هبطت من الفضاء. لقد كان احتفاء الشباب بالشاعرين أدونيس وممدوح عدوان والناقد الفني فاروق يوسف كبيرا. كنا نتابعهم ونحن صغار والتقينا بهم بعد أن كبرنا في السن. وأنا اعتز كثيرا بلقائي بعدد من خيرة المثقفين العرب الذين جاءوا إلى  مسقط. على المستوى الشخصي تربطني علاقات صداقة بكبار أعتز بصداقتهم مثل سعدي يوسف ووليد عوني وفاضل العزاوي وعوني كرومي وسركون بولص وآخرين. كان وجودي في رواق الفنون نافذة أطل من خلالها على عالم الثقافة العربية. حيث كان الكثير من المثقفين العرب يقضون ساعات وهم يتأملون الأعمال الفنية هناك ويتابعون النقاش حول الثقافة.

- هل لولادتك في بغداد أي تأثير في مسار نشوء علاقات ثقافية واجتماعية مستمرة تجمعك بالنخبة العراقية؟ وكم أثرت هذه العلاقات في رؤاك الفنية والفكرية؟
ــ لَمْ أولد في بغداد، بلْ وُلدتُ في مسقط. لكن سنوات دراستي المبكرة قضيتها في بغداد. إن اختيار الأصدقاء لا علاقة له بالمكان الذي يولد فيه المرء. الصداقة تقع لأسباب كثيرة، تلعب الصدفة والميول الثقافية والإنسانية دورا كبيرا فيها.

- هلا حدثتنا عن ذكرياتك مع الشاعر الراحل سركون بولص، الذي زار عُمَان لِمَرَّات، وما الذي كان يتركه شعره وشخصه من انطباع لدى المتلقين هناك؟
- كان سركون كائنا مختلفا في كل شيء. يمكنني أن أتحدث إلى ما لا نهاية عن طقوسه اليومية، ملبسه، طريقته في الإنصات والكلام ونظرته إلى الآخر. لكن ما لفت نظري فعلا ذلك الإجلال الذي يُحاطُ به من قِبلِ الآخرين. كان قاطعا في آرائه ودقيقا. وكان الآخرون يحملون له قدرا هائلا من الاحترام. مكانته الشعرية كانت سببا، غير إن نوع شخصيته قد فرض جزءا من تلك المعادلة. موته المبكر خسارة كبيرة للشعر والصداقة. كانت هناك بيننا الكثير من الأشياء المشتركة في النظرة إلى الحياة وإلى الفن. رغم تهذيبه ولطفه فان صداقته كانت صعبة، فكنت أعتزّ بصداقته التي شملت أفراد عائلتي. كان يحب أن يجلس في الغاليري، وسط الأعمال الفنية، حيث انه كان من القلة النادرة من بين الأدباء التي تهتم بالفنون ولها خبرة فيها. كان سركون شخصا عذبا، عفيفا، نزيها ولطيفا في حواره مع الآخرين. لم يكن لديه ما يدفع الآخر إلى النفور منه. حميمي وحتى حين يغضب لا يشتم. لديه كاريزما خاصة تجذب الآخرين إليه وتحببه. كان حسن المعشر ولا يضيع وقته في الأحاديث التي لا تنفع. كان كل كلامه متمحورا حول الفكر والشعر والفن. حضوره الطاغي وسحره الخاص كان يهبه موقع العرَّاب. قلت انه كان لطيفا غير أنه لم يكنْ لَيِّنَاً دائما، كان حادا في الدفاع عن مبادئه في الفن وفي الأخلاق. كانت لديه مواقف شرسة مع أُناس لاأخلاقيين. لقد أثَّرَ سركون شعريا في الشباب. يمكنني القول أن ما من أحد لم يتأثر بسركون بولص. يتفوق في ذلك على شعراء كبار ممن سبقوه في التجربة وممن جايلوه. اعتقد إن ذلك يعود إلى أنه كان صادقا مع نفسه وعاش من أجل الشعر وأخلصَ إليه.  

- هل عملتِ مشروعا مشتركا مع الشاعر سركون بولص خاصة وانك أشرت إلى أمور كثيرة كنتما تشتركان فيها؟
ــ بالنسبة لسركون بولص فقد كان صديقا عزيزا، ولم نفكر بمشاريع مشتركة. كان الرجل يتذوق الفنون التشكيلية، غير أن اهتمامه بها يقف عند حدود التذوق الجمالي.

- عند الاقتراب من عوالمك الفنية سنلاحظ ذلك الخيط الواضح الذي ينتظم معظم أعمالك الفنية ألا وهو: التجريد. هل هذا مقصودٌ فكرياً، أم أنه نقصٌ في العتاد اليدوي لك كفنانة تشكيلية؟
- كنتُ أول رسامة تجريدية في عُمان. الآن صار التجريد مشاعا، وهو أمر حسن. بالنسبة لي فقد استهواني التجريد منذ البدء. انتقلت إليه مباشرة من رسم الوجوه، من غير أن تثيرني الموضوعات الأخرى بصريا. أقول دائما إن لجوئي إلى التجريد هو أشبه بلجوء شاعر إلى كتابة قصيدة نثر، من غير أن يشعر بالحاجة إلى كتابة الشعر العمودي. في التجريد يعثر المرء على موقف روحي مزدوج من الذات ومن العالم. من الذات حيث يمكنها أن تتحرك وتعبر عن نفسها بحرية أكبر، ومن العالم، حيث يكون متاحا للنظر بطرق مختلفة، ومن زوايا متعددة. التجريد بإيقاعاته المتداخلة يرضيني نفسيا ويحقق الكثير من رؤاي البصرية. هذا لا يعني بالتأكيد أن لدي موقفا مناوئا للأساليب التصويرية الأخرى. يتعلق الأمر بمزاج بصري، تلتحق به اليد وهي تتخيل ما تنوي القيام به. أنا أؤمن بأن الأقل من العناصر، الأقل من المواد، يكفي. لذلك فإنَّ فني ينتمي إلى الفن التقليلي. ولو أردت الصدق أكثر فإنني غالبا ما أرى العالم التصويري خاليا من كل الصخب اللوني. البياضُ يكفي.

- أجدكِ تتحدثين عن التقليلية أو المينيماليزم. في الحقيقة أنا بالصدفة مهتم بهذا الأمر وقد كتبتُ عنه ولكن في المجال الأدبي. بَيْدَ أنها أول مرة ألتقي فيها بمن يصف نفسه منتميا إلى المدرسة التقليلية في فضائنا العربي فكيف تنعكس فلسفة هذه المدرسة في فنك ومن هم أساتذتك في ذلك؟
- يمكنني القول بثقة أن لا أساتذة مباشرين لي. خبرتي البصرية تكونت من مزيجٍ لاواعٍ من الاطلاع على عدد هائل من التجارب الفنية ومن تفاصيل التجربة الشخصية، وبالأخص في معرفة الألم. قبل أن أتعرف على التقليلية كنتُ ميالة في الأساس إلى عدم استعمال الألوان والأشكال الكثيرة. استلهمتُ الفراغ من تجربة العيش في مواجهة البحر، وهي تجربة بيئية تلعب العاطفة دورا كبيرا في استخراج معانيها. أنا ابنة البيئة العُمَانية. البياض الذي تراه في أعمالي يمكنك أن تراه في عُمَانَ أينما ذهبتَ. أحيانا يَهِبُ التفسيرُ النقديُّ الأشياءَ طابعاً بعيداً عنها. والآن حين أفكر بالثقوب التي تملأ لوحاتي لا أجد تفسيرا مباشرا لها. ربما لأنّ التجربة الإنسانية تأخذ سياقا فنيا في مخيلة الفنان من غير أن يتدخل الوعي. سأترك موضوع انتسابي إلى هذه المدرسة أو تلك للنقاد. أما رأيي الشخصي فإنني اقف خارج كل مدرسة فنية.   

- ما هي تصوراتك عن تونس؟ وهل لك اطلاع على الفن التشكيلي التونسي، والثقافة التونسية عموماً؟ 
- في العام 1992 عرضتُ أعمالي في كلّ من تونس والقيروان وسوسة. كنتُ أول امرأة خليجية تعرض أعمالا فنية هناك. لم تكن لدى الجمهور التونسي أية فكرة عن وجود فنّ في منطقة الخليج العربي، فكيف إذا كان ذلك الفن مُنْتَجَاً من قِبَلِ امرأة؟ ليس الجمهور العادي وحده، بل وحتى المثقفين. كانت هناك ملصقات على الجدران، تحمل صوري كدعاية للمعرض. وهو أمر أفرحني كثيرا. قال لي وزير الثقافة التونسي يومها: أنت سفيرة عُمان. لقد فوجئت فعلا إن ما قدمتهُ في ذلك المعرض من رسوم كان خارج المتوقع. ربما لأنهم كانوا يتوقعون رسوما بدائية قادمة من ذلك المكان المجهول بالنسبة لهم. تعرفتُ يومها على الحبيب بيده وعلي الطرابلسي ومحمد لطفي اليوسفي ونجا المهداوي وعز الدين المدني. واحتفى الجميع بي. لا تَنْسَ، كانت تلك العروض هي محاولتي الثانية لعرض رسومي علانية، وكنت خائفة، غير أن الحضور الكبير للمثقفين شد من أزري. بالنسبة لهم كنت ظاهرة استثنائية.   

- هل تحدثينني قليلا عن تجربتك في بعث رواق الفنون؟ 
ــ ما بين عامي 1993 و 2005  عشتُ واحدة من أعظم تجارب حياتي وأكثرها غنى على المستوى الثقافي. لقد أسست وأدرت بنفسي أول غاليري للعروض الفنية في السلطنة. كانت مغامرة حقيقية في بلد لم تكن فيه سوق للفن ولم يعتد سكانه اقتناء الأعمال الفنية الحديثة ومن ثم تعليقها في منازلهم. لقد نجحت في خياري المتشدد في عرض أعمال فنية لخيرة الفنانين العرب وأكثرهم انتسابا للحداثة الفنية. يكفي أن أذكر أنني عرضت لشاكر حسن آل سعيد وفاتح المدرس، هذين الفنانين اللذين أثرا كثيرا في تجربتي الفنية وأعتزُّ بهما. بدأتُ بطريقة مختلفة حين لم أستجب للذائقة الجمالية السائدة، سواء بين الأهليين أو بين الوافدين من الأجانب. وكانت تجربة ناجحة أيضا من جهة أنها عرفتني على عدد كبير من المثقفين والمهتمين بالفنون. بسبب الغاليري التقيت ذات يوم مثلا بكولبنكيان وهو صاحب واحدة من أهم المجموعات الفنية في العالم. 

- ما هي مشاريعك القادمة؟
- أستعدُّ الآن لإقامة معرض شخصيّ لِيْ في العاصمة الأردنية عَمَّان، كما أفكر في إقامة معرض في مسقط. 

إلتقاها: حكمت الحاج
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و