الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآثار الاقتصادية لإغلاق مضيق هرمز على الاقتصادات الخليجية عموما وعلى الاقتصاد العراقي خصوصا

عدنان فرحان الجوراني

2012 / 2 / 3
الادارة و الاقتصاد




أولا: ما هو مضيق هرمز؟
يعد مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، يقع في منطقة الخليج العربي فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، وهو المنفذ البحري الوحيد لكل من العراق والكويت والبحرين وقطر، تطل عليه من الشمال إيران (محافظة بندر عباس)، ومن الجنوب سلطنة عمان (محافظة مسندم) التي تشرف على حركة الملاحة البحرية فيه باعتبار أن ممر السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية.
يعد المضيق في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها، إذ أوضحت الاتفاقية الدولية لقانون البحار عام 1982 أن جميع السفن العابرة للمضايق الدولية سواء مدنية أو عسكرية لها حق المرور العابر دون تمييز أو عراقيل. إلا أن الاتفاقية أعطت الدول المطلة على المضيق (عمان وإيران) بعض الحقوق المتعلقة بتنظيم المرور العابر خلال المضيق، وبما يضمن المحافظة على سلامتها وأمنها الإقليمي.
يضمّ المضيق عدداً من الجزر الصغيرة غير المأهولة أكبرها جزيرة قشم الإيرانية وجزيرة لاراك وجزيرة هرمز، إضافةً إلى الجزر الثلاثة المتنازع عليها بين إيران والإمارات (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى).
عرضه 50كم (34كم عند أضيق نقطة) وعمقه 60م فقط، ويبلغ عرض ممري الدخول والخروج فيه ميلين بحريّين (أي 10,5كم). وتعبره 20-30 ناقلة نفط يوميا بمعدّل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة - محمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم.
وقد اندلعت أزمة مضيق هرمز بعد إعلان الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية نيتها فرض عقوبات على صادرات إيران النفطية على خلفية برنامجها النووي، وهو ما دفع إيران إلى التهديد بإغلاق المضيق، الذي يمر عبره (17) مليون برميل يوميا حسب إحصاءات عام 2011. إذ حذرت الرئاسة الإيرانية في 27 كانون الأول الماضي 2011 من أن فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية بسبب برنامجها النووي سيؤدي لوقف مرور النفط عبر مضيق هرمز في الخليج، وألحقت تهديداتها بمناورات بحرية في المضيق نفسه استمرت أياماً عدة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها ايران باغلاق المضيق إذ أن إيران كانت تهدد، منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي بإغلاق مضيق هرمز، وقد انتهت الحرب العراقية- الإيرانية ولم يغلق المضيق رغم أن إيران كانت طرفا رئيسيا في الحرب، كما أنها عادت وهددت مرارا في التسعينات دون أن تنفذ تهديداتها.
و يتم نقل نحو 90% من صادرات نفط الخليج العربي على ظهر ناقلات النفط عبر المضيق ، كما أن مضيق هرمز يعد الشريان الذي تمر من خلاله أكثر من 50% من حجم تجارة المنطقة مع العالم ، و تتوقع وكالة الطاقة الدولية تضاعف صادرات النفط عبر المضيق إلى ما بين 30 مليونا و 34 مليون برميل يوميا بحلول عام 2020 .
ويصف البعض مضيق هرمز بـ«رئة» الخليج الاقتصادية وإن إغلاقه سيجر كارثة محتومة على اقتصادات المنطقة المفتوحة على العالم عبر هرمز ، بعد أن تصبح كل الصادرات و الواردات تحت الخطر
ثانيا: ما هي السيناريوهات المتوقعة لقضية إغلاق المضيق؟
يمكن توقع عدة سيناريوهات في حال تفعيل الحظر على استيراد النفط من إيران من وكالتالي:
السيناريو الأول: بقاء الأسعار عند المستويات الحالية عند 110 دولارا للبرميل لنفط خام برنت; إذا ما ظل التأثير محدودا فقط على صادرات النفط الإيراني إلى أوروبا والتي تشكل فقط (20%) من مجمل الصادرات النفطية لإيران.
السيناريو الثاني: وصول أسعار النفط إلى مستويات حول 130 دولارا للبرميل, في حال انضمام اليابان وكوريا إلى تنفيذ الحظر وبالتالي لابد من تعويض تلك الكميات.
السيناريو الثالث يتوقع وصول أسعار النفط إلى مستويات حول 150 دولار للبرميل إذا ما اتسعت دائرة الحظر لتشمل الأسواق الآسيوية بصورة تقليل الواردات من النفط الإيراني وليس حظرها كليا.
والسيناريو الرابع وهو الأسوأ هو وصول أسعار النفط إلى مستويات أي 200 دولار للبرميل, في حال حظر النفط الإيراني عن السوق النفطية أي أن السوق ستفقد حوالي (2.2) مليون برميل يوميا.
ويستبعد المراقبون في السوق النفطية إغلاق إيران لمضيق هرمز وذلك لعده اعتبارات أبرزها أن ذلك يعني منع الصادرات الإيرانية من السوق بشكل كامل, كذلك عدم سماح العالم بذلك لمخاطره الجسيمة على الاقتصاد العالمي.
لكن الاحتمال الأكثر حدوثا يكمن في حدوث تباطؤ في حركة الشحن عبر المضيق، واستخدام إيران مسوغات قانونية لعرقلة مرور بعض الناقلات عبر المضيق، وافتعال ازدحام في حركة مرور الناقلات نتيجة لذلك، وكما أوضحنا سابقا فان هناك ناقلة نفط كل 6 دقائق تمر عبر المضيق وبالتالي فان أية عرقلة ستحدث إرباكا لحركة النقل. ومن المحتمل أن تقوم إيران بعرقلة الشحنات النفطية المتوجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بدلا من الإغلاق الكامل للمضيق، وذلك للحد من مخاطر المواجهة العسكرية، فعندها يمكن أن يؤدي ذلك إلى خفض تدفق 3 .4 مليون برميل من النفط يوميا، من إجمالي 17 مليون برميل من النفط تعبر المضيق يوميا
وفيما يخص سوق الغاز الطبيعي المسال في حالة إغلاق المضيق، تبدو الخيارات أكثر محدودية مما هي عليه بالنسبة للنفط، حيث لا يمكن ضخ الغاز الطبيعي المسال عبر مسارات بديلة، وبالتالي سيكون التأثير كبيراً خصوصا على دولة قطر، إحدى أكبر الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، مما سيدفعها إلى خفض إنتاجها ورغم ذلك ستكون التداعيات أقل على الدول المستوردة للغاز، حيث لا تتجاوز نسبة إمدادات الغاز المنقولة بحرا 9 في المائة من استهلاك الغاز عالميا، رغم أن بعض البلدان مثل اليابان، وكوريا الجنوبية تعتمد إلى حد بعيد على الغاز الطبيعي المسال، وليس لديها الكثير من البدائل، وبالتالي ستتلقى صدمة شديدة .
ثالثا: ما هي الآثار الاقتصادية المتوقعة لاغلاق المضيق على دول الخليج؟
إن الآثار الاقتصادية لإغلاق المضيق ستكون كارثية على مختلف القطاعات الاقتصادية في منطقة الخليج العربي، حيث سيتوقف 90% من إجمالي الصادرات النفطية، خصوصا من العراق والكويت وقطر التي لا تمتلك منافذ أخرى لتصدير النسبة الأكبر من إنتاجها النفطي فضلا عن أن أسعار المواد الغذائية ستقفز أكثر من ثلاثة أضعاف ، متسببة في تفاقم خطير في الأزمة الغذائية الحالية ، كما أن قطاعات الصناعة و الشحن و التعدين و التأمين ستتعرض إلى نكسة كبرى .
وتتلخص أهم الآثار الاقتصادية السلبية لاغلاق المضيق في التالي:
1- خسارة الإيرادات الكبيرة المتأتية من تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي لكل من الكويت والعراق وقطر وجزئيا السعودية والإمارات والتي تشكل النسبة الأكبر من ميزانيات هذه الدول ، مما سيعرض هذه الدول إلى هزة مالية كبيرة
2- إن مثل هذا الإغلاق سيؤدي إلى تأثير سلبي كبير على الأمن الغذائي في دول الخليج حيث سترتفع أسعار المواد الغذائية إلى أكثر من 3 أضعاف ما هي عليه الآن ، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كلي على استيراد المواد الغذائية ولا توجد فيها زراعة ؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات التضخم التي قد تصل إلى مستويات غير مسبوقة ستلقي بأعباء إضافية على المواطنين في تلك الدول لا يمكن تحملها.
3- توقف الاستيراد من الخارج يعني أن دول الخليج ستفتقر إلى الأجهزة و المعدات و المواد الأولية عالمية الصنع ؛ ما سيضر بسوق السيارات و العقارات و الصناعات التحويلية و غيرها من القطاعات التي لا يمكن تأمين مستلزمات استمرارها عبر المنافذ البرية مع الدول العربية أو عن طريق النقل الجوي.
4- الارتفاع الكبير في أسعار التأمين و الشحن.
5- ستتعرض الاستثمارات في تلك المنطقة إلى هزة كبرى ستؤدي إلى آثار سلبية عديدة على الحياة الاقتصادية.
6- سيرتبط حجم الخسائر بطول النزاع و مدة بقاء المضيق مغلقا ، فكلما طال التوتر تعاظم حجم الخسائر و تفاقمت الأزمات .
وأكثر الدول الخليجية تأثرا ستكون الكويت وقطر اللتان تصدران (100%) من إنتاجهما النفطي والغازي عبر المضيق فيما السعودية لديها موانئ بديلة على البحر الأحمر وتأثير مثل هذا الإغلاق عليها سيكون محدودا لعدة عوامل، من أبرزها: موقع المملكة الجغرافي، ووجود البدائل السعودية لتصدير النفط بدلا من نقله عبر مضيق هرمز، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر، استخدام خط الأنابيب الحالي من المنطقة الشرقية الذي يصل إلى ميناء ينبع والعمل على رفع القدرة الاستيعابية له، وإعادة تفعيل خط أنابيب العراق - السعودية بطاقة 1.65 مليون برميل يوميا، وإعادة تأهيل خط أنابيب "التابلاين" الممتد من الساحل الشرقي للسعودية (رأس تنورة) إلى لبنان على البحر الأبيض المتوسط، والذي من الممكن أن ينقل نحو 500 ألف برميل يوميا في حال إعادة تأهيله، إضافة إلى استخدام الخزن الاستراتيجي في اليابان، واستخدام ناقلات النفط العملاقة كمحزونات مؤقتة لأي طارئ.
أما الامارات فقد أعلنت في وقت سابق، عن خطط لبدء ضخ صادراتها النفطية من دون المرور بمضيق هرمز، عبر خط أنابيب ممتد من أبو ظبي إلى الفجيرة على المحيط الهندي، وذلك في أيار (مايو) أو حزيران (يونيو) المقبلين بطاقة تصل لحدها الأقصى إلى 1.8 مليون برميل يوميا، تمثل70 في المائة من إجمالي صادراتها للأسواق العالمية.
وكما أن هناك خاسرون من إغلاق المضيق فان هناك مستفيدون وهم بقية الدول المصدرة للنفط غير المطلة على المضيق التي ستستفيد من ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
رابعا: ما هي الآثار الاقتصادية المتوقعة لاغلاق المضيق على الاقتصاد العراقي؟
أما بالنسبة للاقتصاد العراقي فانه بحسب إحصاءات وزارة النفط العراقية، فإن العراق يصدر يوميا ما يقارب من مليونين و600 ألف برميل يوميا منها مليونين ومائتين ألف برميل من نفط البصرة يتم نقله عبر مضيق هرمز أي ما يقارب (85%) من صادرات النفط العراقية، فيما يصدّر الكمية المتبقيّة من خلال خط نقل نفط جيهان التركي شمال البلاد.
ونتيجة لاعتماد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على الصادرات النفطية في تمويل الميزانية العامة، فان العراق سيتأثر بشكل كبير عند إغلاق مضيق هرمز.
وقد أوضح المركز العالمي للدراسات التنموية أن العراق سيكون الخاسر الأكبر في حال تنفيذ إيران لتهديداتها في إغلاق مضيق هرمز. إذ سيخسر ما يعادل 80% من إيراداته المالية في حال عجزه عن إيجاد المنافذ البديلة وستفوق خسائر العراق المادية الربع مليار دولار يوميا.
وأوضح المركز أن خيارات العراق ستكون محدودة جدا وصعبة خاصة وأن الطبيعة الجغرافية وتطورات الأوضاع السياسية وتعقيداتها ستجعل من عملية وصول النفط العراقي للأسواق العالمية أمرا معقدا. فتصدير النفط العراقي عبر الموانئ الأردنية سوف يتطلب مزيدا من الوقت والجهد ناهيك عن ارتفاع التكلفة والمخاطر الأمنية الناجمة عن تأمين نقل شحنات النفط عبر الصهاريج إلى الحدود العراقية الأردنية ومنها إلى ميناء العقبة.
أما بالنسبة لتصدير النفط عبر الموانئ السورية فإنه يعتبر مجازفة كبرى على الرغم من توقيع وزارة النفط العراقية عدة اتفاقيات مع الجانب السوري تقضي بتصدير ما يصل إلى (1.5 مليون برميل يوميا). فالوضع الأمني المتوتر هناك وعدم جاهزية أنابيب النفط بين سوريا والعراق لتصدير هذه الكميات الضخمة من موانئها يضع علامة استفهام كبرى حول فاعلية هذا الخيار.
هذا فضلا عن غموض مصير سعر صرف الدينار العراقي في حال عدم قدرة العراق على تصدير نفطه للعالم، فتضاؤل حجم الواردات المالية في العراق سيفاقم من عجز الموازنة الاتحادية للدولة العراقية وسيضع الحكومة العراقية أمام خيارين كلاهما مر، فإما أن يلجأ البنك المركزي العراقي إلى استخدام احتياطيه من العملة الأجنبية للحفاظ على قيمة الدينار، أو أن تلجأ الحكومة إلى مزيد من القروض لتحريك عجلة الاقتصاد وتمويل الإنفاق العام.
والآثار السلبية لإغلاق مضيق هرمز على الاقتصاد العراقي لن تكون مقتصرة على قطاعي النفط والبنوك، وإنما ستتعداها إلى حياة المواطن العراقي العادي، فالكثير من السلع الغذائية الأساسية كالقمح والأرز والسكر التي تستورد عبر الخليج العربي من مناشئها الأصلية أو من دول شرق آسيا تمر عبر مضيق هرمز، وإغلاقه سيجعل العراق فاقدا لحرية استيراد هذه السلع عبر البحر وسيكون على المواطن العراقي أن يحصل عليها بأسعار أعلى من ذي قبل، لأنها ستمر بطرق برية أطول وقد تلجأ إلى استخدام وسائط نقل أغلى تكلفة كالنقل الجوي وهو ما ينعكس سلبا على القدرة الشرائية للفرد العراقي فيما بعد، والمعروف أن نسبة الفقر في العراق تصل إلى (23%) من السكان وبالتالي فان مثل هذا الإغلاق سيفاقم هذه النسبة بشكل كبير إن استمر لفترة طويلة.
خامسا : كيف يمكن مواجهة هذه المشكلة؟
أولا على العراق أن يعمل على زيادة الطاقة الإنتاجية لخط أنابيب جيهان من طاقته الحالية البالغة (400) ألف برميل يوميا إلى طاقته القصوى البالغة حوالي مليون برميل يوميا وبالتالي سيمكنه ذلك من تعويض جزء كبير من الإيرادات التي سيخسرها من تصدير النفط عبر مضيق هرمز بالاستفادة من ارتفاع الأسعار في حالة إغلاق المضيق، فضلا عن العمل على تفعيل خط الأنابيب العراقي السعودي من خلال حل المشاكل المتعلقة به مع السعودية، كما أن الحكومة مطالبة بتوفير خزين كاف من المواد الغذائية الضرورية لتجنب ارتفاع الأسعار خصوصا في الأجل القصير.
ويدعو البعض العراق إلى التحرك السياسي كونه يرأس منظمة الأوبك في عام 2012 والدعوة إلى اجتماع للمنظمة من أجل مناقشة هذا الموضوع وإيجاد الحلول المناسبة لذلك.
كما أن على الحكومة أن تأخذ التهديدات الإيرانية على محمل الجد ومناقشتها ومحاولة التوصل الى السياسات البديلة التي على العراق اتباعها في حالة اغلاق المضيق حتى لا تحدث فوضى وارباك عند اغلاق المضيق دون أن تكون هناك استعدادات من جانب الحكومة لهذا الاجراء.
تعزيز العلاقات مع الدول الخليجية المجاورة وتركيا من أجل ايجاد البدائل المناسبة لمضيق هرمز سواء في التصدير أو الاستيراد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة