الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر ما بعد الثورة: ولادة جديدة أم إجهاض مبكر!!!

وديان حمداش

2012 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بيقولك واحد لقي الفانوس السحري ودعكه...طلعله العفريت وقاله: شبيك لبيك تطلب أيه؟ قاله الراجل: أنا عايز كوبري بين القاهرة وأسوان. العفريت قاله: دي صعبة قوي.. نقي حاجة تانية. الراجل قاله: خلاص خلي حسني مبارك يسيب الحكم. العفريت قاله: انت عايز الكوبري رايح جاي؟ ولا رايح بس؟
هكذا كان يصف المصريون "فكرة الرحيل عن السلطة" مجرد حلم يصعب حتى على العفاريت تصديقه أو التفكيرفيه. لم يكن يتوقع أبناء الوطن أن من حكم مصر 30 سنة سوف يتخلى عن الكرسي في بضعة أيام، إلا عندما خرجوا إلى الميادين ليشاهدوا بأم عينهم تلك اللحظة التاريخية---لحظة ساهم في رسم ملامحها زين الهاربين بن علي، عندما قال "فهمتكم" وحزم أمتعته وتوجه الى السعودية، فتنحيه بهذه الطريقة دق أول مسمار في نعوش الحكام العرب. أما ظاهرة البوعزيزية فقد ساهمت في كسر حاجز الصمت وعقدة الخوف عند الشعوب، وأصبح كل من ضاق به الحال وسئم حياة الذل والمهانة وفشل في إيصال صوته إلى الحكومة الطرشاء، يصب على نفسه ليترا من البنزين ويحرق جسمه لعل أبناء وطنه يعيشون بكرامة من بعده. فأنظمتنا الغير المنظمة أساسا، لا تفهم الدرس إلا في الدقائق الأخيرة من مباراة "الربيع العربي" التي تخوضها الشعوب العربية ضد الفساد وسياسة التجويع وربط الحزام، ضد القمع والتجهيل، ضد الفقر والحرمان من أدنى المتطلبات الإنسانية والعيش أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر.

مصر ما بعد الثورة: المعركة السياسية ووهم التغيير

خاض المصريون الأحرار معركة دامية شاهد العالم أحداثها في ميدان التحرير، مئات من خيرة الشباب قدموا أجسادهم قربانا في سبيل أن تحيا مصر وتبقى أم الدنيا إلى أبد الابدين رغما عن أنف الحاقدين والأعداء. لم تجف دماءهم بعد من الميادين، وبدأت بكل وقاحة محاولات عديدة لإجهاض الثورة أو تحويل مسارها من ثورة شعبية عفوية قادها المواطن المصري البسيط، إلى ثورة المصالح وتصفية الحسابات والبلطجة. فمباشرة بعد سقوط النظام نشأت عشرات من المجموعات والأحزاب السياسية ذات التوجهات المختلفة تدعي دورالبطولة في إنجاح الثورة، فالكل لبس عباءة جيفارا وأصبح من شباب التحرير والناطق الرسمي باسم الشعب المصري! والغريب هو فوز الإخوان والسلفيون بأغلبية المقاعد في البرلمان رغم أنهم كانوا يحرمون السياسة ويطالبون بطاعة ولي الأمر في عهد مبارك. ولما العجب فالإخوان والسلفيون يتلونون حسب الحال والأحوال، فهم من وصفوا الثورة بالبلطجة ورفضوا النزول إلى ميدان التحرير في 25 من يناير، وهم اليوم المدافعين عن الثورة بل الممثلين الشرعيين للشعب المصري بعد رحيل النظام!! والحقيقة أن العالم شهد لهم بالكفاءة في ميدان السياسة باتقانهم حرفة الكذب وفن التكفير، هذا ما فعلوه مع رجل الأعمال نجيب ساويرس، حين اتهموه بالعداء للإسلام وأشاعوا بأن حزب المصريين الأحرار هو "حزب الأقباط" وبالتالي فهو رجس من عمل الشيطان وجب على المصريين اجتنابه لعلهم يفلحون. أما شباب التحرير فقد قاموا بتشكيل اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة، والتي ضمت فضلا عن"ائتلاف شباب الثورة" خمس مجموعات أخرى: مجلس أمناء الثورة، وتحالف ثوار مصر، وائتلاف مصر الثورة، وشباب 25 يناير، والأكاديميين المستقلين. والعجيب أن أعضاء "اللجنة التنسيقية" كان للأخوان المسلمين حضور قوي بينهم، لكن انقسموا على أنفسهم عندما ظهرت دعوة للخروج في "جمعة الغضب الثانية" في السابع والعشرين من مايو/ أيار، والتي اتهمها الإخوان بأنها "جمعة الوقيعة بين الشعب والجيش"!!!

هذا هو المشهد السياسي في مصر، مشهد مبهم ومشوه الملامح—ليس هناك برنامج انقاذ وطني موحد يخرج البلد من حالة الإحتقان والفوضى وينقذها من لعنة الإفلاس. فجل الأطياف السياسية تدعي أنها تعمل لخدمة مصر لكنهم للاسف اتفقوا ألا يتفقوا حتى في وقت الشدة (الكل يشوه صورة الاخر من أجل السلطة) بدون ضابط أو رابط أو وجه حق، ما دفع السيد محمد البرادعي مؤخرا إلى إعلان انسحابه من سباق العمالقة، قرار وصفه بعض الناشطين الليبراليين ب"نكسة إستراتيجية" لكنني أراه قرارا حكيما، فالرجل اتهم بالعمالة لأمريكا والكفروالإلحاد ولم تسلم أسرته من التشويه المتعمد، كل هذا ولم يدخل المعترك الإنتخابي بشكل رسمي، ولما المجازفة والجواب يقرأ من عنوانه!!!

مصر ما بعد الثورة: إعلام جديد بثياب قديمة

بعد تنحي مبارك عن الحكم وسقوط النظام، سقط معه بوق الإعلام الرسمي، لكن ولدت العشرات من القنوات الفضائية لا نكاد نعلم عن مؤسسيها ومصادر تمويلها أو أهدافها شيئًا. ومن المعروف أن القنوات الفضائية بشكل عام تحتاج إلى مبالغ طائلة من أجل استمرارها، لكن المثير للجدل هو أن معظم القنوات الوليدة لا تحقق أي أرباح تؤهلها لتكون مشاريع اقتصادية ناجحة. هذا ما أشار إليه الإعلامي سيد الغضبان عندما قال "إن مصادر تمويل القنوت الفضائية في مصر غير معروفة ، فمعظمها لا يمتلك حصص إعلانية مسبقة لتكون أحد مصادر تمويله...فالقنوات الفضائية تحتاج إلى تمويل ضخم، وجميعها خرجت مؤخرًا في شكل غامض انعدمت فيه الشفافية." وطالب بإنشاء جهاز مراقبة لمعرفة مصادر التمويل وإصدار تشريعات تحمي المشاهد من خلال نقابات مهنية قوية. ووافقه في هذا الرأي الكاتب والصحفي عبد الله السناوي قائلا "ما هو غير طبيعي في هذه الفورة الإعلامية هو رأس المال الأجنبي الذي تمَّ ضخه لوسائل الإعلام في مصر، لأسباب سياسية فقط وليست اقتصادية، وتابع "لا بد من وضع قواعد لاستخدام المال السياسي.. لكي تعبر المنابر الإعلامية عن الواقع المصري فعلاً". إن المشكلة الحقيقية في الواقع تتجلى في مضامين البرامج والأخبار التي تبتها بعض القنوات، فمعظمها يصب في زعزعة الأمن المصري، وتشويه صورة الثوار، وإثارة الفتن والفرقة بين أبناء الوطن الواحد. أما الإعلام الرسمي فهو لازال يلعب دور "الأطرش في الزفة" وانتقل من مرحلة (محامي الدفاع عن النظام السابق) إلى مرحلة (بوق نظام العسكر) وتلميع صورته التي تشوهت في قلوب وعقول معظم المصريين، بسبب ما تعرض له المحتجون السلميون من "استخدام مفرط" للقوة في الميادين ( قنابل المولوتوف والرصاص الحي) ولا ينسى أحد صور الإعتداء على الفتيات والكشف عن عذريتهم، مشاهد لم نراها أو نسمع عنها من قبل. لا أحد ينكر بالطبع فضل الجيش في إنجاح الثورة وتعاطفه وانضمامه إلى شباب التحرير والضغط على نظام مبارك للرحيل، لكنه اليوم فقد تأييد واحترام معظم الشعب المصري بسبب نهجه لسياسة العصا الغليظة التي سلكها سلفه وعدم قدرته على تسيير شؤون البلاد. الأمر الذي دفع الكثيرون للمطالبة برحيله والبدأ في تشكيل حكومة إنقاذ وطني، تضم شخصيات وعناصر تعبر عن روح الثورة لمواجهة التحديات التى يواجهها الوطن.

إن مصر تمر بأوقات عصيبة وقد تعلن إفلاسها في ايت لحظة والمطلوب من المصريين الشرفاء مهما اختلفوا في الرأي أن يفكروا في مصلحة البلد أولا وأخيرا، فمصرلازالت تعيش حالة فوضى غير مسبوقة، فوضى تضرب شوارع البلاد وأحياءها ومدنها ومؤسساتها، فوضى بدأت يوم تامر المتامرون بسحب قوات الأمن يوم 28 كانون الثاني (يناير) وخلفت فراغا أمنيا لازال المواطن المصري يحصد نتائجه لحد الان. وما لايختلف عليه اثنان هو وجود جهات تروج للبلطجة وتدفع بسخاء للمخربين كي يفسدوا فرحة أو يبطلوا إنجازاً، والكل يتذكر حادث الإعتداء على السيد البرادعي أثناء الإستفتاء، وإفساد ندوة عمرو موسى في ساقية الصاوي،واقتحام جمهور نادي الملعب قبل نهاية مباراة كرة القدم السنة الماضية بدون أي سبب، وهاهو نفس السيناريو يتكرر اليوم في محافظة بورسعيد حيث قتل العشرات من المواطنين بدون اي وجه حق، جمهور يعتدي ويدمر ويبلطج في غياب واضح للأمن، وتظاهرات فئوية عمت البلاد ( بسبب أو بدون) تعطل مصالح الناس وتوقف عجلة الإنتاج، فالثورة الحقيقية والعفوية انطلقت من ميدان التحرير، أما اليوم فهناك ميدان للسلفيين وآخر للإخوان وثالث لليبراليين، وغيرها من الميادين التى يصعب معها الإفاق على برنامج وطني موحد يخرج البلاد إلى برالأمان. ولازالت هناك جهات تسعي إلى إجهاض الثورة، ويساعدهم في ذلك الإعلام الفاسد، الذي يروج للخوف ويستدعي الماضي ويلمح إلى "نعمة الإستقرار في عهد مبارك"!

ووسط هذا المشهد المخيف والذي لا يبشر بالخير، لازال الإختلاف قائم بين أبناء الوطن الواحد حتى في كيفية الإحتفال بمرور أول سنة على الثورة، وليس عيبا أن يختلف المصري مع أخيه اذا كان الإختلاف يصب في مصلحة الوطن، لكن مصر اليوم لم تعد تحتمل المزيد من الخلافات فهي في حاجة الى حب أبناءها الذين أكلوا من خيرات أرضها وشربوا من نيلها ولعبوا في أزقتها وشوارعها ، تحتاج إلى اهتمامهم وتضحياتهم كي تولد وتحيا من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انشاء الله
shahad ( 2012 / 7 / 25 - 10:42 )
انشاء الله ولده جديده ويارب يكون خير لنا جميعا لان المصرين مايستهلوش الاالخير ويارب بلغنا رمضان على خير أبعد عنا الامريكا و بتوع قطر واهدى الشعب المصرى الى الخير اللهم امين

اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في