الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أبو الفتوح رئيسآ لمصر ؟!

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2012 / 2 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


من المفارقات الغريبة أن نجد أن مصلحة تحقيق هدف مدنية الدولة وضمان الحقوق والحريات الانسانية والاجتماعية والدينية ، وضمان حقوق الأقليات بشكل حقيقي بعيدآ عن المنابر الاعلامية والمجاملات والخطاب الاستهلاكي ، تقتضي أن يكون رئيس مصر القادم واحد من أهم القيادات السابقة لجماعة الاخوان المسلمين ، والتي يوجد فيها حقيقة فصيل يؤمن بمدنية الدولة واحترام الحريات والحفاظ على حقوق الأقليات .

ونستطيع أن نحسب عبد المنعم أبو الفتوح على هذا الفصيل بل قائدآ هامآ فيه ، يجب أن يتمتع الليبراليون بدرجة عالية من البراجماتية والتعامل العقلاني والواقعي مع ظروف اللحظة الراهنة التي تفرض غلبة التيار الديني مدعومآ بتأييد شعبي كبير خاصة لدى الطبقات البسيطة التي تشكل غالبية الشعب المصري والتي يتم غالبآ التلاعب بمشاعرها الدينية ، وذلك بعيدآ عن المهاترات والمزايدات الاعلامية وحب الظهور في القنوات الفضائية ان كانوا فعلآ يريدون تحقيق ما ينادون به من حرية ومدنية الشعب والدولة بعيدآ عن ظلام غالبية التيارات الدينية والمتاجرون بالدين .

اننا يجب أن نحكم على الشخص من خلال استقراء أفكاره وأقواله وتصرفاته لا من خلال منصبه السابق ، خاصة ان لم تكن تلاحقه (في حالتنا هذه) تهم تتعلق بالشرف أو نشر الكراهية والفتن الطائفية أو الدعوة الى اثارة الأحقاد وكبت الحريات الحقيقية (بعيدآ عن هؤلاء الذين لا يفهمون من كلمة الحرية الا ما يتعلق بالشذوذ والدعارة نتيجة لما يعانوه من كبت وضحالة ثقافة) ، بل نجد من تصرفاته وأفعاله وأقواله ما يؤكد على احترامه للروح الحقيقية للأديان السماوية الممثلة في العدل والحرية .

خاصة مع تلك الهجمة المسعورة من قبل البعض بأن الليبراليين يعارضون كل ما هو اسلامي أو ذا خلفية اسلامية وهو بالطبع أمر على غير حقيقته ولكنه من قبل الاستغلال المجحف والمعيب الذي يقوم به البعض باللعب على وتر العواطف الدينية لدى كثيرين من الناس مما يمس من مصداقية الليبراليين وقدرتهم على الفعل والتأثير بل وحتى الدفاع عن انفسهم ازاء الاتهامات الباطلة التي يلقيها بعض من المتاجرين بالدين والمتطرفين .

في الوقت الذي يجب فيه الحفاظ على مسافات بعيدة عن نماذج أخرى ذات خلفيات اسلامية يتسم خطابها بنوع من الغموض والابهام أو حتى المصارحة والمباشرة ، وبالتالي عدم امكانية الاعتماد عليها فيما يتعلق بقدرتها على ضمان الحريات والحقوق ، فيقدم بالتالي نموذجآ حقيقيآ وفاعلآ للانسان المؤمن بروح الدين وحقيقة الأمر الالهي (وهذا هو المراد الحقيقي لكل ليبرالي مؤمن) .

فكون أبو الفتوح قيادي سابق في جماعة الاخوان المسلمين وتم اقصاؤه من الجماعة لأنه لم يلتزم بأمرها المتعلق بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة ، ولاغبار على تدينه ولايمكن المزايدة عليه في هذه الناحية من قبل الجماعات السلفية ، اضافة الى علاقاته الواسعة مع القيادات الدينية والسياسية الدينية المختلفة ، فانه لا يمكن الطعن في صفة تقديمه على أنه المرشح الاسلامي لانتخابات الرئاسة المصرية .

وبالتالي بما يوافق التوجه والحالة الفكرية والنفسية الشعبية العامة ، والتي تكونت في صورتها الحالية من رفض للتيارات السياسية الأخرى (بشكل آني ومؤقت) نتيجة ما عاناه الشعب المصري طيلة العقود الماضية من ظلم وقهر وفساد ونهب للشعب وللبلاد تحت (دعاوي) الاشتراكية تارة والرأسمالية تارة أخرى وكلا النموذجين قدما نفسيهما على مدرا التاريخ المصري الحديث منذ ثورة يوليو 1952 على أنهما البديل الملائم والمقبول لظلام واضطهاد التيارات الدينية الأخرى .

صحيح أن كلا النظامين السابقين كان لهما الحق فيما كانوا يرفعونه من شعارات فيما يتعلق بالخوف من ارهاب البديل أو حتى البدائل خاصة بعد أن اتضح تعدد الجماعات التي تتحدث باسم الدين وتقدم نفسها المخلصة بالحق الالهي لما نحن فيه من ضياع وفساد وتخلف .

ولكن كلا النظامين لم يقدما البديل المناسب والموضوعي ولم يتورعا عن ارتكاب الموبقات والكبائر في حق الدولة واالشعب من افقار وتخلف وتعذيب وقهر وافساد وسلب ونهب وهزائم متكررة في كافة المجالات والميادين ، وهو ما يعد سبب رئيسآ الى جانب عدم التنسيق الليبرالي وغياب الشخصيات القيادية الحقيقية وترهل البرامج والعزف على الأوتار الدينية في الهزيمة الكبيرة التي منيت بها التيارات الليبرالية في انتخابات مجلسي الشعب والشورى والمتوقع استمرارها في الانتخابات الرئاسية لاستمرار ذات الأسباب السابقة .

وعليه فاننا نجد أن التوجه الشعبي العام يسير في طريق اعطاء الفرصة كاملة للتيارات الدينية التي لطالما تغنت وهي في كنف الشعب المظلوم بقدرتها على تحقيق المعجزات ان هي أتيحت لها الفرصة للحكم والفعل ، لتعمل على ترجمة أفكارها ودعاويها لواقع فعلي عملي يخرج هذه الأمة من حالة التخبط والضياع التي عانت منها سنين طويلة تجرعت فيها دماء الفشل والضياع في كؤوس الوعود والآمال .

وهو ما يدفع التيارات الليبرالية الى أن تعمل على استثمار هذا الواقع الفكري والنفسي في لملمة الجراح وتعظيم المكاسب البعيدة عن الشخصنة والمصالح الذاتية لما فيه رفعة الوطن وانقاذه من الوقوع في براثن الوهابية والتطرف والظلام ، وذلك بدعم رجل ذا خلفية دينية سياسية مؤمن بحق الاختلاف ورافض للعنف والاضطهاد باسم الدين ، وأفضل الموجودون على الساحة في المساهمة في اعطاء الفرصة كاملة لكل التيارات السياسية لتعبر عن نفسها دون تحيز لطرف ضد آخر .

هذا بالاضافة الى مايمثله مكافحة الفساد من أهمية كبيرة وبشكل مركز في برنامجه الانتخابي وتركيزه على ذلك في مؤتمراته الانتخابية ، خاصة وأن كل مصري يعلم أن الفساد المستشري في ربوع البلاد بسبب سياسات وادرارت وقرارات تعاقبت على مدار ستين عامآ يدرك تمام الادراك أن هذا الفساد سيقف عقبة كؤود في وجه أية محاولة حقيقية للاصلاح .
الى جانب كون أبو الفتوح شخصية ذات عقلية منفتحة ومتمتعآ بعلاقات واسعة مع الاخوان والليبراليين وفريق من السلفيين ومتحررآ من قيود مكتب الارشاد الاخواني وجماعة الاخوان وحساباتها الذاتية وذلك بعد فصله واعلانهم ( وان كان هذا أمر مشكوك فيه ) أنهم لن يدعموه في الانتخابات الرئاسية ، فانه يعد نموذجآ ملائمآ لتحقيق بعد الجسر في الهوة المتفاقمة بين مختلف أجنحة السياسة المصرية ، وهذا التجسير ما نحن في أمس الحاجة اليه في هذه اللحظة الراهنة التي تختبر فيها البلاد منعطفات جديدة في تاريخها العريق والحديث معآ تفرض علينا أن نبحث عن مصلحة الوطن التي هي من المفترض تمثل المصلحة الحقيقية لكل فصيل وطني مخلص ومحترم .

اضافة الى أن اتخاذه لقرارت تواجه ارتفاع نبرة التطرف والوهابية في مصر ودعاة اغماض العيون ان مر أمامهم مسيحي وهو ذا الخلفية الاسلامية من المؤكد أنها ستوجه لطمة قوية للمتطرفين وستحوز على مصداقية وتفسير مقبول بعيد عن الارتياب لدى البسطاء من الناس .

كما أن أبو الفتوح يتمتع بدرجة عالية من المرونة والقدرة على ادارة العلاقات الخارجية بعيدآ عن الشعارات والخطب الرنانة التي لطالما برع فيها بعض المرشحين الآخرين ، فتكون هذه الادارة بعيدة عن القيود والمسلمات التقليدية التي لطالما قزمت وضع مصر خاصة في ظل النظام السابق ، مدفوعآ في اطار التناسق مع هدفه في قطع الصلة مع الماضي السئ والذي حمل لمصر كثيرآ من الفرص الضائعة وتحولها الى التبعية ورد الفعل دون الفعل والاحداث والتغيير .

انه لأول مرة تشهد مصر المعنى الحقيقي للديموقراطية وان لم تكتمل في صورتها النهائية الا أننا اذا استطعنا التركيز على فتح الأفق والابتعاد عن محاولات التخوين والتشويه والتكفير والتحريم والتي يبرع فيها فريق هام من السلفيين فاننا نستطيع أن نرسوا بالسفينة المصرية في هذا البحر الخضم الهائج خاصة في ظل المؤامرات الداخلية والخارجية من دول ليس من مصلحتها أن تشهد مصر ديموقراطية حقيقية تقود الى الاستقرار والعمل والتقدم .

والا فان استمرار الأوضاع على ما هي عليه وسيطرة ثلة من رجال الدين الوهابي على مقاليد الأمور في البلاد يريدون استبدال قهر رجال السلطة بقهر رجال الدين ، مما سيدفع هذا الجيل أو الجيل اللاحق الى الثورة على ثورة يناير المجيدة باعتبارها السبب فيما سيحل بمصر من فقر وضياع أشد وطأة مما نحن فيه وهو فقر الفكر وعجز الارادة باسم محرمات رجال الدين والمتاجرين به الذين لاعمل لهم الا التكسب الوفير جدآ من الدين .

ومن ناحية أخرى فانه لا يجب على الليبراليين الاستسلام ولا يجب الصراخ واثارة أمور بشكل غير سياسي ومدروس ، تتخذ بعد ذلك ذريعة ضد التيارات الليبرالية بدعوى رغبتها في نشر الفوضى وعدم الاستقرار ، وانما لابد على التيارات الليبرالية الحقيقية بتوجهاتها الاشتراكية والرأسمالية أن توصل للناس فكرة هامة مفادها أن الانظمة السابقة وان كانت قد قدمت أنفسها على أنها تيارات ليبرالية الا أن علاقتها بالليبرالية الحقيقية لم تكن تتجاوز علاقة من يتغنى بالورود وهو يقطعها ، حتى يقتنع الناس بهذه الحقيقة ويؤمنوا بأن الليبراليين الحقيقيون بريؤون من أفاعيل الأنظمة السابقة براءة الماء من النار .

وذلك بالطبع لن يتأتى الا من خلال التوجه الى عقال الفكر وبقوة المنطق التحليل ومرونة الافهام والتعليم ، وذلك عبر شخصيات وبرامج ليبرالية جديدة وقوية ، والوصول الى الناس في كل مكان وبكل وسيلة ممكنة ، وتوحيد القوى الليبرالية بعيدآ عن الصراعات والحسابات الشخصية الضيقة في تكتلين حزبيين أو حتى تكتل حزبي واحد يضم جناحي الليبرالية من يسار الوسط ويمين الوسط.

فكما هو معروف وعقب انهيار الشيوعية في نهاية القرن الماضي ووقوع الأزمة المالية العالمية في بدايات القرن الحالي ، فان تيار اليسار المتطرف أو نظيره على الناحية الأخرى تيار اليمين المتطرف كلاهما أثبتا فشلهما الذريع في تحقيق الحرية والعدل والمساواة وقهر الاستغلال وتركز الثروات والسلطات في أيدي فئة قليلة فيما الأغلبية تعاني .

ولذلك فانه يجب علينا كتيار ليبرالي مؤمن أن نستقي روح الأديان في بناء العدالة والحرية والسلام بعقل واعي وضمير حي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللهم ول امورنا خيارنا
عبد الله اغونان ( 2012 / 2 / 17 - 12:03 )
ونعم الرجل عاقل مثقف نظيف له علاقات مع الجميع.نتمنى لمصر رئيسايكون ابا للجميع يحارب الفساد ويسترد الحقوق وينشر العدل والمحبة
اللهم عين من تراه خيرا لاهل مصر


2 - نعم لترشيح الظواهري
عاقل ( 2012 / 2 / 17 - 15:07 )
في اعتقادي انه لن يصلح لهذه المهمة الكبيرة الان سوى رجل واحد انه الظواهري رضي الله والشيطان عنه نعم انه رجل المرحلة المقدام الفحل . نفعنا الله ببركاته قولوا امين

اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم