الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدساتير ليست للمناورات السياسية

هايل نصر

2012 / 2 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


مشروع الدستور السوري الجديد المصاغ على استعجال وللمناسبة ( بطريق الترقيع والاضافة والحذف على يد مكلفين ممن يحملون الذهنية السائدة للنظام, وبمقدمة تصلح خطبة بعثية) كدليل حسن نية على الاصلاحات التي يطلبها الخارج من النظام ــ بعد ومع القمع واستمراره وتصعيده, والتأكيد على الحل الامني العسكري الذي ذهب ضحيته الى الان عشرات الالاف من القتلى والجرحى والمعتقلين واللاجئين لدول الجوار ــ وليس كدليل و تعبير عن بنية الاصلاح الذي قامت من اجله وطالبت به الثورة السورية. الاصلاح الذي لا يمكنه ان يكون الا التغيير الجذري والكامل لنظام نصف قرني حتى يستحق اسمه.
ليس هذا هو الدستور, لا بروحه ولا بشكله ومحتواه وأهدافه, الذي تُبنى على احكامه ومبادئه سوريا الجديدة أيها السادة . انتهى الزمن الذي تفصل فيه الدساتير على مقاس الحاكم المستبد, و تنزل على الشعب منحا ومكرمات , وما عليه الا القبول حامدا شاكرا للمناحين.
الدستور الملائم لسوريا الجديدة لا يكون بناؤه بيد وعقلية نظام ازدرى الدساتير والقوانين نصف قرن, فهو أعجز عن بناء دستور ولو أراد, ولا يمكنه ان ينقلب, بسحر ساحر , من مستبد الى دستوري ديمقراطي لا يستطيع ذلك الا اذا استطاع الذئب ان يخدع الاخرين بانه أصبح حملا .
الدستور الملائم لسوريا الجديدة , لا يمكنه ا ان يكون بمستوى التضحيات و الآمال الشعبية, والتطلعات المستقبلية, الا اذا كان قطعا كاملا ونهائيا مع طبيعة وذهنية ومؤسسات مرحلة الحكم الشمولي النصف قرني, بما تركه من اثار على الانسان وحياته وتكوينه , وعلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي بلغت من السوء درجة لم يعد الاصلاح فيها يعني الا اسقاط النظام, كل النظام.
الدستور الملائم لسوريا الجديدة لا يمكنه الا ان يكون اساسا لبناء جمهورية مدنية ديمقراطية تقوم على التعددية الحزبية والفصل الفعلي والمتوازن للسلطات , وعلى المواطنة, والحريات الاساسية وحقوق الانسان, و يبين بجلاء لا لبس فيه شكل الحكم: جمهوري, ام برلماني, ام جمهوري/برلماني, وهذا لا تقرره لجنة معينة من رئيس نظام مطعون بشرعيته من قبل غالبية شعبه ويسعى بطريق الدم والدمار الدفاع عما يعتقد ه شرعية يخلط بينها وبين الملكية وحقه في التملك.
ما يلائم سوريا دستور تقوم بوضعه جمعية تأسيسه منتخبة من الشعب بكل حرية وشفافية, ويقترع عليه الشعب بإرادته الحرة بعيدا عن قصف المدافع و انتشار الدبابات وحصارها للمدن والقرى السورية, وملاحقة المواطنين من قبل اجهزة الامن والجيش والشبيحة , بعيدا عن اجواء القتل والارهاب والتخويف والتخوين والابتزاز. اقتراع شعب حر على دستور وليس اقتراع "منحبكجية " على رئيس. دستور بمثابة تنظيم وحماية لعقد اجتماعي, وليس مجرد فرض عقد اذعان.
حين يصبح الوطن ووحدته في خطر, وأبناؤه موضوع قتل بدم بارد من قبل نظام يفترض ان مهامه صيانه الوطن وخدمة ورفاه المواطن. حين يحل الحاكم نفسه محل الوطن وتصبح قدسية الوطن من بعض فيض قدسية حاكمه, حين يصبح المواطن في خدمة الحاكم واتباعه في كل اجهزة الدولة, حين يصبح الفساد والرشاوى اسلوب تعامل رسمي, ويستشري في كل اجهزة الدولة ومؤسساتها العامة والخاصة, حين يصبح هذا, وهذا جزء من بعض لا يدرك كله, ثقافة سائدة واسلوب عمل وتعامل, هل يعود عندها للدستور, ولو منقحا او مرقعا, أو حتى جديدا بكامله, معنى وجدوى؟.
الدستور في دولة شمولية مها كانت تقنية صياغته يبقى دستوريا "لا يهش ولا ينش" وتزدريه حتى القرارات الادارية الدنيا, ولا يحترمه صاحب نفوذ وتسلط.
وان كان لا بد من الاستشهاد بمثل, للتقريب, لضرورة القطع مع النظام السياسي ــ وليس بطبيعة الحال مع الدولة ــ الذي اصبح تغييره واجبا وضرورة وطنية لبناء نظام سياسي يحل محله , نسوق ما فعلته فرنسا عندما بلغت ازمة الحكم وعدم استقراره في الجمهورية الرابعة درجة ــ لم تصل مع ذلك بالنظام الى قتل الفرنسيين ـ ادخلت الدولة في مرحلة تشبه الفوضى السياسية وعدم الاستقرار, جاء الدستور الجديد, دستور عام 1958 المعمول به الى اليوم, ضرورة لبناء الجمهورية الخامسة.
فقد صرح أحد اهم المشاركين في وضع الدستور المذكور , ميشال دوبريه: : "مصالحنا الاساسية مهددة بشكل خطير وجودنا كوطن مستقل وحر اصبح مثار جدل في هذه الازمة السياسة الكبيرة , التي ادت اليها اسباب كثيرة , منها عجز مؤسساتنا , اذ لم تعد هذه المؤسسات ملائمة, هذا اقل ما يقال فيها, وقد زادت انحطاط القيم السياسية, التي لم يعد بالإمكان اصلاحها , خطورة عدم الملائمة هذه.
هدف الاصلاح الدستوري واضح, هو اولا وقبل كل شيء محاولة اعادة بناء سلطة بدونها لا توجد دولة ولا ديمقراطية, اي فيما يتعلق بنا لا توجد فرنسا ولا جمهورية , ثانيا , من مصلحتنا العليا وأمننا الاحتفاظ , وفي الوقت نفسه, تجديد هذا المجموع الذي نسميه تقليديا فرنسا. ليس بالدستور وحده يمكن بلوغ هذين الهدفين الرئيسيين, ولكن لا يجب بناء هذا الدستور بشكل يجعله عقبة في تحقيقهما, وانما العكس بشكل يساعد وبقوة في الوصول اليهما" .
"الدستور هو روح, ومؤسسات, وتطبيق . روحه تنبثق من ضرورة تامين الفاعلية والاستقرار والمسؤولية للسلطات العامة ... " ( شارل ديغول. مؤتمر صحفي. 31كانون اول 1964).
هل لمثل هذه الاهداف , من منطلق المسؤولية واعادة بناء الدولة العصرية, تمت صياغة مشروع الدستور السوري؟ هل مثل هذا في اهتمامات النظام السوري الحالي, ومنذ متى؟. الا يقرأ فيها المتتبع للشأن السوري انها مجرد مناورات وتحويل للأنظار, بتذاكي مكشوف, عما يحدث يوميا من مآسي ؟. ومع ذلك لم ولن تلقى هذه المناورات قبولا ولن تحمل للمناورين تبرئه من الجرائم ضد الانسانية داخليا أو دوليا.
ليس بمثل هذا المشروع, المُسّوق بأجهزة الاعلام التابعة للنظام, والمدافعين عنه من فقهاء السلطان, تُبنى وتعتمد الدساتير. للدساتير مكانة و حرمة. وتاريخها تاريخ نضال البشرية في سبيل الحرية والتنظيم القانوني للدول والمجتمعات. ولم تكن يوما احتيالا سياسيا ومناورات وتزييف ارادات.
وعليه نرى كل جهد جاد في دراسة معمقة لهذا المشروع ليس الا جهدا ضائعا ودخولا في لعبة النظام لتحويل الانظار عن واقع ماسوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو