الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقتصاديات غير تقليدية

جمال البنا

2012 / 2 / 29
الادارة و الاقتصاد


فى مقالنا «قضية الإنتاج: هل الإنتاج ملك للشعب.. أو أن الشعب ملك للإنتاج؟» ، أشرنا إلى نوعين من الاقتصاد، الأول رأسمالى يملك فيه الرأسماليون الإنتاج ويديرونه لحصد أكبر قدر من الربح لأنفسهم، وفى مستهل ذلك تخفيض أجور العمال بمختلف الطرق، واقتصاد اشتراكى افترص فيه أن تمتلك الأمة الإنتاج وتديره بطريقة اشتراكية لتحقيق أكبر مصلحة للشعب، وذكرنا أن الخبرة والممارسة أظهرتا عيوباً فادحة فى كل واحد منهما، ووعدنا بالكتابة عن اقتصاديات غير تقليدية، لا يكون العنصر المهم فيها هو ملكية رأس المال، ولكن تأمين الاقتصاد القومى، ونحن لا نقدم نظاماً اقتصادياً جديداً، ولكن ممارسات اقتصادية أثبتت فاعليتها فى تحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادى.

من هذه الممارسات:

(١) نأكل مما نزرع ونلبس مما ننتج:

يُؤمّن هذا المبدأ الاستهلاك الغذائى واللباس، بحيث لا تحتاج الدولة إلى الخضوع لشروط آخرين حتى تحصل على غذائها وكسائها بصعوبات وشروط مجحفة.

فلماذا نقبل هذا وأرضنا هى أخصب أرض، وفلاحنا أحسن فلاح، وكليات الزراعة عديدة ولا يجد خريجوها عملاً؟

عندما كان يوسف والى وزيراً للزراعة أقنع المصريين بأنه من الأفضل ألا نزرع قمحاً لنصدره بالقنطار، فى حين أن من الممكن أن نزرع فراولة ونبيعها بالكيلو أو كنتالوب، وأن هذه العملية ستحقق لنا ربحاً جزيلاً، ولما فعلوا ذلك وجدوا أن الأمر خلاف لما يصوره واقعه، فالمنافسة الدولية شديدة بين معظم الدول، وهذه الدول أكثر تقدماً فى التعبئة والتغليف، ثم إن من تصدر له يرفض بناء على أسباب تعسفية أو سياسية أو طبقاً لاتجاهات دولية، وهكذا نكون قد بعنا قمحنا ــ وهو سلعة حيوية لابد منها ــ دون أن نبيع الفراولة.

ويجب القول إن سياسة «الاكتفاء الذاتى» هى أهم ما تعمل اتفاقية التجارة العالمية لتحطيمه، لأنها تخالف سياستها جملةً وتفصيلاً، والسياسة الاقتصادية للدول الكبرى تخالف سياسة الدول النامية، لأنها تريد تحطيم الاستقلالية الاقتصادية لها حتى تصبح تابعة لسياسة هذه الدول، ويمكن أن نعتذر عن مخالفة نصوصها بالثورة وهو عذر يُعد مقبولاً بحكم الأمر المطاع.

(٢) تفضيل المشروعات المكثفة للعمل على المكثفة لرأس المال: هناك مشروعات تتطلب أيادى عاملة كثيرة مثل مشروعات الطرق والبناء والرى والزراعة...إلخ، كما أن هناك مشروعات تتطلب أموالاً ضخمة وأيادى عاملة قليلة لأنها تتطلب آلية عالية ومهارات فنية مثل إلالكترونيات، والمشروعات الأولى هى التى تناسب الدول النامية، لأن الأيادى العاملة كثيرة ورخيصة نسبياً، ومستوى المهارات يحقق المستوى المطلوب، ومن هنا يجب ألا تخدعنا المكاسب الكبيرة التى تحققها هذه الصناعات المكثفة لرأس المال، لأن معظم ما تأتى به يذهب إلى جيوب وخبراء أجانب، فضلاً عن المصروفات الباهظة التى تتطلبها، وعلى كل حال فليس المهم أن يكون الناتج الإجمالى ضخمًا، ولكن المهم أن يكون توزيعه عادلاً، فلا توجد مجموعة مليونية إلا توجد بجانبها مجموعات جائعة، وعندما يقسم الناتج القومى على عدد السكان فإنه يقدم لنا نتيجة لا تمثل الحقيقة فى شىء، بل تخدعنا عن الحقيقة.

إن مصر تحتاج إلى ملايين الأيدى لبناء مدارس ومستشفيات ومرافق ودور كثيرة وطرق وخدمات المرافق والصرف الصحى والمياه النقية، هذه كلها ستنهض بالبلاد، وستعنى أن نصيب الشعب من إجمالى الإنتاج يعود إليه فى شكل هذه الخدمات.

(٣) لا قروض ولا معونات:

حدث الاحتلال الإنجليزى لمصر سنة ١٨٨٢ نتيجة لأن عصابة من المقرضين وأصحاب البنوك استغلوا إرادة إسماعيل باشا فى إقامة المشروعات العديدة، وقدموا له قروضاً كانت لصوصية صريحة، فكان القرض بسبعة ملايين، ولكن لا يصل إلى الدولة منه إلا أربعة ملايين والباقى، وقدره ثلاثة ملايين، يذهب إلى جيوب السماسرة والمرتشين، وتفاقمت الأمور نتيجة هذه السياسة حتى تدخل الإنجليز واحتلوا مصر، كما أدخلوا فى الوزارة عضوين يمثلان الدين، أحدهما إنجليزى والآخر فرنسى، لرد مبلغ الدين.

هذا يعنى أن احتلال مصر يعود إلى مأساة الديون، وهو درس كان يجب أن نعيه فلا نستدين.

والاستجداء يدل على أن الحكومات أعجز من أن تقوم بدورها وأنها تستدين، أى تحمّل عبء مشروعاتها على الجيل القادم.

وأختم الفقرة بما قرأته فى (جريدة التحرير عدد ٢٣١ فى ١٨/٢) مانشيت «الإخوان وحكومة الجنزورى يتنافسون على استشارات وزير التجارة والصناعة الأسبق، رشيد محمد رشيد»، وتركزت الاتصالات حول وضع الاقتصاد المصرى، بينما أكدت مصادر عليمة أن لقاءات جمعت بين خيرت الشاطر وبعض قيادات الجماعة مع رشيد محمد رشيد على وضع السياسات الاقتصادية، فهذه فضيحة لا تكاد تصدق، فأين خبراء الإخوان وهل سيلجأون فى كل مجال إلى رجال مبارك؟ حتى يوجدوا لنا «مباركين فى كل ميدان»؟ فهل فات الإخوان أن رشيد محمد رشيد أحد رجال مبارك الهاربين؟ وأنه عوقب بالسجن خمس سنوات؟ والله.. لو سألوا فلاحاً لجاء رده مغايراً لهم، لأنه سيقول «على قد لحافك مد رجليك».

(٤) الإسلام والاقتصاد:

لما ظهر الإسلام لم تكن هناك مشكلات اقتصادية عويصة، لأن وسائل الإنتاج كانت محدودة، وكانت ملك العامل، والجزيرة العربية صحراء تلفح، لا تنمو فيها غابات فتقوم الصناعات الخشبية، ولم تكن تسقط عليها الأمطار فتظهر الزراعة، فلم يكن فى القرآن والسُـنة سوى نصوص محددة، وكانت التجارة هى المورد الأساسى الذى يحقق ربحًا، ومن هنا حرم الإسلام الفائدة التى كانت قاعدة المعاملات التجارية، وظهرت الآداب الإسلامية التى تحرم الظلم وتنصف العامل من صاحب العمل فيوجب عليه أن يعطيه أجره قبل أن يجف عرقه، وتبرأ من الذين يظلمون عمالهم، ووضع بعض قواعد يحرم بها الغش أو التلاعب فى الأسعار.

ولما تشعبت الدولة الإسلامية وأصبحت إمبراطورية لم يحدث تغيير إلا فى الشكل والحجم. وإنما حدث التغيير فى أوروبا التى بدأت نهضتها على أطلال الحضارة العربية وسمحت ظروفها بقدر كبير من الحرية، فأباحت الربا بعد أن كان محرماً بتأثير الكنيسة، ومع تحليل الربا ظهرت البنوك التى يمكن أن تصنع النقود بتوصلها إلى نظام الشيكات، وبهذه الورقة غمرت السوق بالأموال.

والعامل الثانى هو قيام الثورة الصناعية واستكشاف البخار كقوة وطاقة لا حد لها مادام هناك فحم يتقد تحت الماء ليظهر البخار وليحبس البخار فى مواسير تطلق قوته لتسير العجلات، فقامت المصانع التى تعتمد على طاقة البخار، ونشطت الصناعة نشاطاً مذهلاً غيّر معالم الحياة الحديثة.

لكن هذا الاكتشاف هو الذى جعل إدارة الصناعة فى يد الرأسماليين الذين استغلوا العمال ولم يقدموا لهم أجور عملهم كاملة، وإنما انتقصوا منها مبلغاً كبيراً كربح لهم، وكانت النتيجة أن ظهرت أزمة فائض الإنتاج والبطالة، وهى الأزمة التى لا يمكن أن تفارق الرأسمالية ما ظلت الرأسمالية على ما هى عليه، ولا يبقى أمامها إلا واحد من أمرين:

الأول: أن تأخذ بالنظام الاشتراكى، وهذا بالطبع هو آخر ما تقبله الرأسمالية.

الأمر الثانى: أن تلحق بركب الفاشية، والفرق بين الاشتراكية والفاشية أن الدولة فى الفاشية تحتفظ بتركيبتها الرأسمالية، لكنها تحول الإنتاج نحو سلع عقيمة لا تُطرح فى السوق ولا تؤثر على الإنتاج، لأنها لو فعلت ذلك لوقعت فى أزمة زيادة الإنتاج والسلعة الوحيدة التى يمكن أن تستخدم أيادى عديدة دون أن يكون لها أى أثر على الإنتاج هى السلاح والصناعة الحربية، وهكذا تبدأ المصانع فى صنع مدافع وطائرات وقنابل...إلخ.

وتكون نهاية هذا كله الحرب.

وفى الثلاثينيات وقع المجتمع الرأسمالى الدولى فى أزمة زيادة الإنتاج وزاد عدد العاملين، فقام «هتلر» بشق طرق واسعة فسيحة لا تماثلها طرق أخرى، وأقام المصانع فى النواحى النائية من المدينة، وأخذت هذه المصانع تصنع الطائرات والمدافع والقنابل حتى أصبح من الضرورى «تصريفها».. وتصريفها يعنى الحرب، وكان لابد أن تقوم الحرب العالمية الثانية. وفى النهاية.. تلك نهاية الاقتصاد الذى يستهدف مصلحة الرأسماليين كرأسماليين أفراد أو كرأسماليين عاملين فى دول فاشية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير- خالد محمود: العاصمة الإدارية أنشأت شراكات كثيرة في جم


.. تعمير - م/خالد محمود يوضح تفاصيل معرض العاصمة الإدارية وهو م




.. بعد تبادل الهجمات.. خسائر فادحة للاقتصادين الإيراني والإسرائ


.. من غير صناعة اقتصادنا مش هيتحرك??.. خالد أبوبكر: الحلول المؤ




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 19-4-2024 بالصاغة