الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي العربي هل يشكّل مشروعاً للتغيير..؟!

عماد يوسف

2012 / 3 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يولد الإسلام السياسي العربي من رحم الثورات العربية كمشروع تغييري شامل. بل هو أتى لاحقاً لها، وراكباً لريحها التي عَصَفَت بالبنى السياسية العربية التقليدية. تلك التي راكمت ثقافة استبدادية واقصائية قمعية عميقة في العقل الجمعي العربي، بكلّيته. ساعدها بذلك إرث عميق، شكّل حاضنة متجذّرة لفكرة الإستبداد السياسي والديني، طوال قرون من الزمن. إنَّ فكرة التغيير لم تأتِ كانعكاس لمفهوم الحرّيات بحدّ ذاتها، بقدر ماهي تمرّد على واقع اقتصادي مزري للشعوب العربية وصلت إليه، بسبب من سوء توزيع الثروة، وسياسات النهب الممنهج للثروات من قبل الحكّام. وانعدام التنمية، وفرص العمل، وافقار الشعوب، والسحق الاجتماعي وغيرها من أسباب، شكّلت حواملاً سوسيولوجية داعمة، لنخبة متعلّمة، مسكونة بثقافة العولمة، وأدوات التواصل الاجتماعي التقني والألكتروني.
شكّلت هذه الشرائح الشبابية العربية المتمرّسة بتقانة الأنترنت بديلاً عمّا كان يُسمى، أو يُطلق عليه فيما مضى النُخب الثورية. أو الأنتلجنسيا التي ترصد الواقع وتعرّيه، وتطرح البدائل، وغالباً ما تكون هذه الطروحات بدائل ثورية، تطالب الشعب بالإنقلاب على واقع فاسد ومؤلم، لتغييره إلى فضاء آخر تسود فيه العدالة الاجتماعية، عبر تدمير البُنى المجتمعية الأولى وانتاج بُنى ثورية جديدة تسيطر على الواقع السياسي والاقتصادي وتتحكم بأنماط الإنتاج وصيرورتها الاقتصادية. وتعيد عملية الفرز الاجتماعي الصحيح إلى مساره، فتقوّم اعوجاجه، وتعالج تناقضاته، وتبايناته العميقة.
لم يكن الإسلام السياسي العربي يحمل مشروعاً تغييرياً عندما بدأت الثورات العربية تندلع كالنار في الهشيم. فهو جاء مواكباً للشارع المنتفض. أي أنه جاء يحمل في طيّاته طروحات مطلبية لا تتجاوز المفهوم العام الذي نادت به الشرائح المتنوعة من الناس. فالحرّية والديمقراطية، والعدالة، والانتخابات الحرّة وسيادة القانون، كلّها مطالب جماهيرية عامّة. وقد جاءت التيارات الإسلامية لتتحد مع الشارع بنفس المطالب دون أن تحمل في طيّاتها أي ايديولوجية أو فكر تغييري شامل يرسم خطوطاً عريضة للمستقبل المنشود. ويُحدد سياسات الداخل، والخارج. والسياسات الاقتصادية، والاجتماعية، المرجعّيات القانونية، التشريعية.، وفكرة بناء الدولة. والمواطنة، مفهومها ودلالاتها. وغير ذلك من طروحات لا يكتمل من غيرها أي مشروع تغيير بنيوي. فالتغيير الذي يطال رأس النظام، ويُحافظ على البنى التقليدية التي أنتجت هذا الرئيس، لا يُمكن أن نُطلق عليه مشروع تغيير جذري. يُمكن توصيفه في أحسن الأحوال، بأنّه تبدّل في هيكلية النظام، وليس في بنية النظام. وبالرغم من توفر الكثير من العوامل التي هيأت للإسلام السياسي العربي فرصاً تاريخية لإنتاج مشروع تغيير شامل، إلاّ أنه لم ينجح في القبض على اللحظة التاريخية التي توافرت له، وذلك بسبب قصوره المعرفي والفكري الذي يتّسم به في بنية العقل. فهو يفتقر إلى مشروع الدولة المدنية، الحداثوية المعاصرة. وبرغم المتغيّرات العالمية العاصفة لم يستطع هذا الإسلام الإنعتاق من قدّسيّة النص، وفلسفة الإتبّاع التي تقف سدّاً منيعاً أمام أي نتاج عقلي يُقارب الواقع، ويعمل فيه بحثاً وجدلاً وتحليلاً، وبالتالي استنباطاً للحلول. وباختصار؛ إنَّ عقل الإسلام السياسي البديل هو عقل "جامد". ولا يُمكن أن يُنتج ما هو خارج مداركه وفلسفته التي يقيس العالم من منظورها.
الحامل السوسيولوجي الذي توّفَر للإسلام السياسي لم يكن وليد مشروعية ثقافية، تراكمّية، ومجتمعية عامّة ساهم في انتاجها هو نفسه. أو في نشرها في المستويين السياسي والمجتمعي العام. ومع ذلك كان الرحم الذي أنتجه بمخاض يسير جداً هو الأخصب. فإذا ماكان هذا الإسلام عاجزاً عن تقديم مشاريع بديلة، " وهنا نشير إلى مفهوم المشروع البنيوي بعمناه الشامل وليس بمعناه السياسي (الضيّق) كبديل لنظام قائم "، فيمكن القول هنا؛ بأنَّ هذا الإسلام جاء بنتيجة الإندفاع الغريزي العقائدي عند الناس. تماماً؛ كالطفل الذي يواجه خطراً ما يُحدق به في الشارع مثلاً، نراه يندفع للإحتماء بأقرب شخص موجود بجانبه، بالرغم من جهله وعدم معرفته بهذا الشخص. وفي الأحوال العادية، هو يرتاب من أي غريب. تصرّف الطفل هنا هو عامل غريزي بحت فرضته لحظة ضعف انسانية لا واعية. وربّما، يكون انتاج أنظمة الإسلام السياسي العربي هو أيضاً نتيجة لحظة ضعف إنسانية عميقة في اللاوعي العام للمجتمع العربي. فالمجتمع قد تصحّر نتيجة انعدام المشاريع الثقافية والتنويرية، وضربت الشقوق في تربته الجافة. والعقل العربي قد جفّت منابعه، ونَضُب نتاجه، بفضل سياسة تجهيل المجتمع واعتام عقله الذي عملت عليه الأنظمة العربية لعشرات السنين. هذا الفراغ السحيق الذي واجهته الشعوب العربية، أدى بها إلى الإلتفاف نحو غريزتها ودوافعها الباطنية الغيبية. تلك التي أحكمت سيطرتها على العقل، وأسست لديه فكرة الإيمان بالخلاص الإلهي. فهم يعتقدون بإنتهاء الغضب الإلهي عليهم، فانتفضوا، ونجحوا في التحرر، "فقد نصرهم الله؟!". أمّا فكرة نضوج اللحظة، والشرط التاريخي للتغيير، فهي أبعد ما تكون عن التصديق لديهم ؟!
لايُمكن للإسلام السياسي العربي أن يُنجز دولة بالمفهوم الحداثوي. ومن المرّجح أن يُواجه تحدّيات كبيرة وشروخ عميقة في المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي. فالإستحقاقات المطروحة أكبر بكثير من مجرد زمرة سياسية تنتمي إلى عالم الماضي بفكرها ونهجها، وترتكز إلى حامل اجتماعي ينتظر منها حلولاً جذرية لمشاكل وأزمات تُثقل كاهل أعتى الدول المتقدمة والصناعية الكبرى. وحتى الإتحادات الإقليمية، فكيف سيكون الحال مع دول خرجت مهزومة بجدارة من حقبات تاريخية امتدت عقود. تلك التي أفقدت الطوق الاجتماعي حلقات أساسية في سلسلته وسيرورته التاريخية. فعصر المستقبل الرقمي هو صمام الأمان لإستمرار عجلة التنمية وبناء أنماط انتاج متطورة يمكن أن تنعكس كمستوى معيشي جيد على الناس. لكن التناقضات التي ستفرزها المراحل القادمة، ستكون أكثر وأعمق تأثيراً من ارادة وعزيمة النخب السياسية ورغبتها في استنباط الحلول. لأنَّ هذه الحلول ستصطدم دائماً بجدران فولاذية تفصل بين سرعات الدوران، بين ماهو رقمي، تقني، صناعي، وبين ما هو نصّي، اتباعي، سلفي...؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بين الاسلام السياسي والسياسة الاسلامية
باسم الجابري ( 2012 / 3 / 2 - 07:48 )
ان نظرية (الاسلام السياسي) التي تتبناها بعض الجماعات التي فشلت في تطبيق المفهوم الحقيقي للاسلام ربما هو السبب الذي جعل الكثير من الاقلام تتوهم ان السبب هو النظام الاسلامي برمته ..متناسية - تلك الاقلام - ان الهوة الكبيرة بين (الاسلام السياسي) و (السياسية الاسلامية) من الكبر بحيث لا يمكن ان يكون المقياس هي التحارب الفاشلة قبل بروزها في عموم العالم العربي الحالي لتكون عاكسة لحقيقة السياسة الاسلامية المطلوب تطبيقها لنجاح النظام الاسلامي الشمولي . ولاباس بان نتذكر ان السياسة الاسلامية التي اتبعها الرسول الكريم (ص) كانت ناجحة لدرجة استطاع هذا الرجل من تغيير الواقع المرير للبداوة التي كانت تسود المجتمع العربي انذاك .. نعم ربما ان محاولات البعض من تطبيق النظام القديم بحذافيره سيواجه العديد من العقبات التي تصطدم بالواقع المعاش لكن سوء التطبيق وعدم فهم الاسلام بحقيقته الشمولية كان وسيكون عاملا كبيرا في عدم بيان الصورة الحقيقية للسياسة الاسلام الواجب تطبيقها ...


2 - هذا الرد العلماني الحداثوي على الرأي الأخر
يزيد العربي ( 2012 / 3 / 4 - 14:26 )



حول مقالة الاسلام السياسي العربي دخلت على صفحة الفيسبوك في نقاش فكري مع كاتبها عماد يوسف الذي يزعم انه علماني حداثوي وقد كان رده الاخير علي برسالة مخفية عن الانظار وصلتني هذا نصها الاتي :
Imad Youssef

فعلاً إنك واحد طائفي وضيع وقذر أنت وأمثالك الأصوليون .. روح ابحث عن ماضيك غير المشرّف أي حضارة أنت تعتز بها، حضارة النوم مع الغلمان أم حضارة الجواري .. يلعنك تافه إنت وهالحضارة الي بدك تجبلنا ياها على ضهر جمل يا تافه مو الحق عليك الحق على يلي ناقشك يا وضيع يا طائفي يا نتن

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح