الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة و الثورة

فريد العليبي

2012 / 3 / 8
ملف - افاق المرأة و الحركة النسوية بعد الثورات العربية - بمناسبة 8 اذار/ مارت 2012 عيد المرأة العالمي


يتمثل المكسب الأبرز الذي حققته الانتفاضات العربية في توفر هامش واسع من الحريات السياسية ، و هذا الهامش مهدد الآن من قبل اليمين الديني ، و يمكن أن يشهد تراجعا متى أحس ذلك اليمين بالضيق و الحرج إزاء المطالب الشعبية ، و كلما قوى نفوذه و ثبت أقدامه عبر السيطرة على السلطة السياسية إلا و تزايدت لديه الحاجة إلى التخلص من تلك الحريات ، و لن يكون مجبرا على تقديم تبريرات كثيرة للقيام بذلك ، إذ يكفيه القول أنها تتعارض مع الشريعة .
و على الصعيد الحقوقي للمسألة النسوية ، يبرز على السطح مجددا الخطاب المعادى للمرأة التي تبدو حقوقها المدنية مهددة بمخاطر شتى ، أما على الصعيد الاجتماعي فإن أوضاعها تزداد سوءا ، ففي تونس مثلا امتد الانتحار حرقا بشكل لافت لكي يشمل النساء بعد أن ذهب ضحيته العديد من الرجال ، و لا تجد بعض وسائل الإعلام من سبب يفسر ذلك غير الادعاء بأنهن فعلن ذلك بفعل تأثير " اضطرابات نفسية " و ذلك بعد مرور أكثر من عام على حرق البوعزيزي نفسه ، و قد بينت أحدث دراسة تم القيام بها حول العنف الذي يمارس ضد النساء معاناة حوالي نصفهن من ذلك .
و اليوم كما بالأمس يتفاقم الفقر و البطالة و البؤس و الشقاء ، و تنتشر بين النساء ظواهر مثل البطالة والبغاء و العنوسة و العمل بأجور بخسة في المدن و الأرياف ، و تتعرض فتيات صغيرات يعملن في بيوت الأثرياء إلى معاملة اقرب إلى العبودية ، بما في ذلك الاعتداءات الجنسية ، و من لا تعمل بالمعنى المتداول للكلمة فإنها تنوء تحت عبء الأعمال المنزلية ، و من النساء من ترعى الماشية و تجمع الحطب و تجلب الماء و تخضع رغم ذلك للإذلال و الإهانة على يد أقرب أفراد عائلتها .
و في أقطار عربية عديدة لا تزال جرائم الشرف و زواج القاصرات و تعدد الزوجات و الطلاق العشوائي و رجم النساء و ختان البنات و زواج المتعة و زواج المسيار ... و حرمان الفتيات من الدراسة ظواهر رائجة ، لا يخفى طابعها الإقطاعي .
إن وضع المرأة يزداد صعوبة مع مرور الوقت ، و ينضاف هذا إلى ظواهر كثيرة أخرى لكي يكشف أسطورة الربيع العربي ، فالانتفاضات العربية جرى قطع الطريق أمامها مبكرا للحيلولة دون تحولها إلى ثورات حقيقية ، و اليوم تمسك الامبريالية بخيوط الوضع ، و قد نجحت إلى حد بعيد في تقسيم صفوف الشعب ، موظفة في ذلك اليمين الديني حتى يسهل عليها السيطرة على الثروة العربية .
و في المجال موضوع حديثنا فإن الهدف الذي كافح من أجله المنتفضون هو الحرية و بالتالي الاتجاه ناحية المساواة بين المرأة و الرجل في شتى المجالات ، و لكن ذلك ظل إلى حد الآن دون تحقيق و أصبح الانتباه مصوبا نحو النقاب و الحجاب و ختان الإناث و الزواج بأربع و ما شابه ذلك، و من هنا فإن التغيرات حاصلة لا محالة و لكن في أي اتجاه ؟؟ هنا السؤال ، فما نشهده واقعيا هو السير في الاتجاه المعاكس لذلك الكفاح .
و طالما ليست هناك ثورة بالمعنى السياسي و الاجتماعي فإن البنيان القيمى لن يتغير فالوجود الاجتماعي هو لذي يحدد الوعي لاجتماعي ، و فيما يخص التسلط الذكوري فإنه سوف يظل على حاله جوهريا فالذهنية التسلطية و ما يقترن بها من ممارسات تضرب بجذورها عميقا في المجتمع ، و لن تتبدل لأن رئيسا هرب أو سحل أو سجن ، إنها تستمد وجودها من طبيعة التركيبة لطبقية للمجتمع ، هذه التركيبة التي ظلت على حالها رغم نبل التضحيات التي قدمها المنتفضون ، فما حدث لا يتعدى إلى حد الآن في سائر الأقطار العربية التي شهدت الفعل الانتفاضي تعويض رؤوس قديمة برؤوس جديدة ، و هذه الرؤوس مهما اختلفت أسماؤها فإنها من طينة طبقية واحدة ، و لا ينبغى أن نغتر هنا باختلاف الأسماء و العناوين و الخطابات و الشعارات ، فقد وجدت تلك الترسانة الإيديولوجية على الدوام لإخفاء القمع و الاستغلال ، والمهم هو المحتوى السياسي و الاقتصادي ، حيث يمكننا أن نلاحظ بيسر أن وضع كل طبقة ضمن علاقات الإنتاج قد ظل على حاله ، فالأغنياء ظلوا أغنياء و الفقراء ظلوا فقراء ، و هكذا فإنه سواء كانت السلطة السياسية في يد اليمين الديني أو اليمين الليبرالي ، في يد سلطة ملكية آو جمهورية ، فإن ذلك لا يغير من جوهر الأمر شيئا ، و هو ما ينعكس على وضع المرأة العربية التي تجد نفسها مكبلة بالقيود اليوم كما بالأمس .
بناء على ما ذكرته ، ليس هناك من سبيل أمام المرأة العربية إذا أرادت كسر قيودها غير مواصلة الكفاح من أجل الحرية ، والتصميم على النصر، ، و هو ما لا يمكنها إدراكه دون تنظيم ، التنظيم و التنظيم ثم التنظيم ، تلك هى الحلقة المفقودة ليس في كفاح النساء العربيات فقط و إنما في كفاح الشعب العربي بأسره ، فالرجعية بمشاربها المختلفة منظمة الصفوف ، و هو ما مكنها إلى حد الآن من ترميم نظمها السياسية بعد الزلزال الذي سببته الانتفاضات ، أما الشعب فقد قاوم دون سلاح غير عزيمته و عليه الآن تحويل تلك العزيمة إلى عمل كفاحي منظم ، و المرأة المناضلة التي كانت بين المنتفضين ، و قدمت عددا من الشهيدات و الجريحات ، يمكنها أن تتقدم الصفوف أيضا على مستوى التنظيم استعدادا لقيادة المعارك الطبقية القادمة لا محالة ، أي أن تمارس دورها في القيادة على قدم المساواة مع الرجل و على جميع الثوريين إدراك أن الثورة غير ممكنة دون مشاركة النساء .
إن إبقاء جذوة الانتفاضة مشتعلة ، و تحويلها إلى ثورة حقيقية لن يكون ممكنا دون تنظيم صفوف الشعب و من ضمنه جمهور النساء ، و من هنا فإن انخراط المرأة في العمل المنظم ضمن الأحزاب لثورية و الجمعيات و النقابات المهنية مهم جدا ، في لحظة تاريخية عاصفة تواجه فيها قضيتها هجوما تتركز نيرانه على النساء باعتبارهن متاعا و ملكا للرجال ، يجب حجبه و إرجاعه صاغرا إلى البيت قبل أن يستفحل شره .
و إذا كان بعضهم يردد إن الأحزاب الإسلامية الحاكمة في بعض الأقطار مستنيرة و ديمقراطية و بالتالي لا خوف على حقوق المرأة ، فإن ما ينبغي التذكير به هو أن اليمين الديني بارع في المناورة و المخاتلة ، انه يريد العودة بالمجتمع إلى الوراء ، ليس فقط بسبب وفائه لمرجعية إيديولوجية فات زمانها ، وإنما أيضا و هذا هو الأهم خدمة لقوى طبقية ، تجد في المقدس حصنا إيديولوجيا يحمى مصالحها .
و عندما يتحدث ذلك اليمين عن برامجه و يطرح شعاراته في أشكل زاهية لا يجب تصديقه ، بل يجب النظر إلى ما يمارسه ، حيث نعاين نكوصه ، بل إنه حتى على مستوى الخطاب مستعد في الوضعيات القصوى إلى التنصل من تلك الشعارات ، مفصحا عن رغبته في قطع الأطراف و جز الرقاب ، و أحيانا تتمرد عليه الكلمات فتعبر زلات لسانه عن رغبته الدفينة في إقامة إمارة إسلامية يتحكم فيها سلطان الوحي كما أوله هو .
لأجل ذلك على الثوريين و من ضمنهم الجمعيات النسائية المناضلة أن يحذروا من تصديق أكذوبة استنارة اليمين الديني ، و إدانة تلك الممارسات في الإبان و مقاومتها ، و أن لا يكرروا ذلك الخطأ الذي جعل البعض يتحالف معه بدعوى توقيعه على مواثيق حقوقية و سياسية تحمى الحريات الأساسية ، فاليمين الديني عندما يكون ضعيفا يرتدى ثوب الحمل ، و عندما يقوى يكشف عن أنيابه ، و من هنا فإن من ينتظر إصلاح وضع المرأة في ظل سلطة اليمين الديني سيخيب مسعاه .
و غنى عن البيان أن المرأة تتحمل جانبا كبيرا من المسؤولية عن الوضع الذي هي فيه ، و لا أتحدث هنا عن جمهور النساء ، و إنما رئيسيا عن حركة النضال النسوى ، التي بقيت حبيسة المدن ومتجهة بشكل خاص إلى البرجوازية الصغيرة و المتوسطة ، مستنسخة غالبا الحلول من المجتمعات البرجوازية ، فطغى على أساليب نضالها و خطاباتها الطابع الجنسوى ، و قد حضرت قبل مدة ندوة نظمتها جمعية نسوية تونسية فاسترعى انتباهي تركيز إحدى ناشطاتها على رفض " هيمنة الرجال و هيمنة الأحزاب " ، و هذا الخطاب يتجاهل أن معركة الكادحين نساء و رجالا واحدة ، و أن تحرر المرأة جزء من تحرر المجتمع ، فضلا عن أن تلك المعركة تحتاج أدوات مثل الحزب الثوري ، و أن الجمعية النسوية لا يمكن بأي حال أن تكون بديلا عنه .
أما إذا تحدثنا عن جمهور النساء فإن المسؤولية أقل شأنا ، فليس مستغربا أن يكون انخراط المرأة في النضال ضعيفا ، فآلة الاضطهاد التي طحنت النساء طيلة آلاف السنين جعلت المرأة في الغالب خزانا صامتا للقمع ، فهي مستعبدة خارجيا و داخليا في نفس الوقت ، و الجلاد لا يتحكم بها من خارجها فقط و إنما من داخلها أيضا ، فتتحول هي نفسها إلى ضحية و جلاد ، و عندما تستبطن قمعها نراها تبرر لجلادها جرائمه ، فنفوذ التقاليد الدينية و الأسطورية و السحرية نجده أقوى لدى النساء منه لدى الرجال و لا يفسر ذلك بغباء النساء و نقص عقولهن و جبنهن ، و إنما بعشرات القرون من الإخضاع الذي مارسته المجتمعات الباطرياركية على المرأة ، و هو ما نبهنا إليه ، وقد أصاب ابن رشد كبد الحقيقة عندما أكد على أن استبعاد المرأة من المشاركة في الحياة الاجتماعية عملا و إنتاجا و ثقافة يحولها إلى ما يشبه الأعشاب الطفيلية التي تلحق الأذى بالزرع ، و هو ما يؤدى إلى خراب العمران بتعبير ابن خلدون .
و من هنا فإن تحرر المرأة يحمل طابعا مزدوجا ، أي إنه ضد الذات و ضد الآخر، داخلي و خارجي في آن ، و نحن عندما تتحدث عن المرآة العربية فإننا نتحدث عما يزيد عن نصف المجتمع أي حوالي مائة و خمسين مليون امرأة ، إنهن بهذا المعنى نصف السماء العربية ، و هن يعانين في أغلبهن من الاضطهاد ، و عندما تنطلق هذه الجموع الغفيرة من قيودها و تصمم على نيل الحرية فإنها سوف تحصل عليها دون ريب .
و للرجل دور كبير في تحرير نفسه من تلك الوضعية التسلطية التي يجد نفسه فيها من حيث علاقته بالمرأة ، و التي يعود جانب كبير منها إلى تأثير المجتمع الذي ينشأ فيه ، و هذا الدور نظري و عملي ، و بالنظري نعنى الفلسفة و الحقوق و الأخلاق و الفنون و غيرها ، فالرجل يحتاج إلى نظرة ثورية للكون بأسره و موقع الإنسان فيه ، وقتها يمكنه إدراك ماهية المرأة ككائن بشري ، و بالعملي نعنى وجوب ألا يتوقف الأمر عند الأفكار الجميلة ، و إنما يجب تجاوز ذلك إلى مستوى الممارسة ، أي تحويل تلك الأفكار إلى وقائع مادية ملموسة ، فعادة ما نجد مسافة فاصلة بين المقول و الممارس ، و هنا أريد التنبيه إلى أن هناك من له إحاطة بالمسألة من زاوية النظر غير أنه يوظفها في الاتجاه السالب ، و إذا أخذنا الأمر على مستوى الطبقة و جهاز الدولة و الحزب و الجمعية الخ ، فهناك من يجمع الخبرات و الأفكار لكي يضاعف من استغلال جمهور النساء ، فاستغلال المرأة لا يعود فقط إلى الجهل أو العلم بوضعها وإنما إلى الموقع ضمن الصراع بين الطبقات و السعي إلى التحرر من الاغتراب ، و بالتالي حل مشكلة سيطرة المنتجين على ثمار عملهم ، و هو ما لن يتحقق بغير الثورة الاشتراكية ، ربما لهذا الاعتبار يرى كارل ماركس " أن علاقة الرجل بالمرأة هي العلاقة الأكثر طبيعية بين الإنسان و الإنسان فيها يظهر إلى أي حد أصبح السلوك الطبيعي للإنسان إنسانيا ، أو إلى أي حد أصبحت الماهية الإنسانية له هي الماهية الطبيعية " بمعنى أن تمثل تلك العلاقة نظريا و عمليا يصبح معيارا نقيس به تطور أي مجتمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإيراني يحتفل بيومه الوطني ورئيسي يرسل تحذيرات جديدة


.. زيلينسكي يطلب النجدة من حلفائه لدعم دفاعات أوكرانيا الجوية




.. الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 14 جنديا جراء هجوم لحزب الله الل


.. لحظة إعلان قائد كتيبة إسرائيلية عن نية الجيش اقتحام رفح




.. ماذا بعد تأجيل الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية؟