الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 5)- أطباء الحضارة واليقظة في تأصيل الحلم الحضاري

محمد قرافلي

2012 / 3 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ق- أطباء الحضارة واليقظة في تأصيل الحلم الحضاري
بالمقابل ظهر البعض الأخر، من أطباء الحضارة، اقل تفاؤلية من الفريق الأول، وان كان لا يقل خصوصية عن الأول إلا انه يراها خصوصية متعددة وتاريخية، واهتدى من خلال تشخيصه إلى أن الحالة خطيرة، ورغم ذلك فإن روح هذه الحضارة لا تزال تنبض حيوية وحياة وان مظاهر الكون والفساد لم تمتد إلى كامل جسدها، بل أتلفت بعض الجوانب، أو لنقل تعفنت بفعل مظاهر وعوامل التعرية وبسب الاحتكاك والاصطدام بروح حضارات أخرى. منها ما أمدها بالقوة شان الحضارة اليونانية، وحلم اللوغوس الذي شحذ فاعليتها بسلطان العقل والمنطق والبرهان وحررها من سلطة البيان وخطابة الفقهاء وانفعالية الشعراء. ومنها ما تسرب إليها من إمدادات حضارات مجاورة أو مغزية ونفخ فيها روح الغنوص وبذور العرفان والحلول والاتصال كالحضارة الفارسية . نتج عن هذا الاصطدام والاحتكاك إغناء لمسيرة الحضارة وحركيتها إذ سيتولد عن الحلم اليوناني حركة فكرية وثقافية تمثلت في ترجمة الحلم اليوناني وفي التأسيس ليقظة فكرية نهض بها علماء وفلاسفة في مجالات وفروع علمية مختلفة في الفلك والطب والرياضيات....خاصة في فترات الأوج والازدهار. ولعل العامل الحاسم الذي جعل ذلك الحلم يزهر ويخفت خلال اللحظات الناذرة التي عرفها انبثاقة هو آفة التسييس التي لا نزال نعيش اليوم إيقاعاتها وتبعاتها والتي طبعت مسار هذه الحضارة وحلمها .
فمنذ أن رأت هذه الحضارة النور وهي في قبضة تلك الآفة (افة التسييس) وتحت سلطان رعاتها وحماتها حتى انه يمكن للمتتبع أن يجزم بأن كل الانجازات التي تحققت حكمتها مقتضيات واعتمالات اجتماعية وسياسية،داخلية وخارجية، وظروف تاريخية، ولم تكن في يوم من الأيام وليدة إرادة حرة تعبر عن مشروع اجتماعي وحضاري متكامل يصل إلى درجة الحلم الموعود والمنتظر. الأمر الذي أدى إلى تحالف قوى النكوص والرجعية مع نزوعات قبلية وعرقية تارة أموية وأخرى عباسية وأخرى موحديه وأخرى عثمانية تركية..........وجعل منطق القبيلة ولوائها يزحفان على سور المدينة ونظامها،وصوت الغنيمة يخرس صوت العقيدة، وسلطان السيف يقطع راس سلطان العقل والمنطق، وسلطان التقليد والولاء يبدد حلم التجديد والانعتاق. فما الحل لكي يستعيد الحلم المقبور والمغدور عافيته؟
لا سبيل إلى ذلك الحلم إلا بفتح باب الاجتهاد والتسلح بالنقد المزدوج المسلح بالعتاد النظري والمنهجي والمفاهيمي المتوفر والتزام اليقظة التاريخية الكفيلة بالحفر في أصول تلك الحضارة قصد تنقيتها وان اقتضى الأمر بتر العناصر المعيقة أو تعطيلها أو الحد من هيمنتها، خاصة في بعدها البياني والعرفاني، مع اقتناص الجوانب المشرقة فيها والفترات المزهرة كاللحظة الأندلسية والعمل على إحيائها وتغذيتها بروافد العقلانيات المعاصرة وبروح حداثتنا المعاصرة وذلك يكفي لإعادة بعث الحلم. بغض النظر عن جاذبية هذا الحلم وواقعيته وحيوية حسه التاريخي التي عبر عنها، فانه قد يجري عليه ما جرى على أنصار الخصوصية والتأصيل من نقد وملاحظات بحكم انه لا يخرج من فلكها، رغم طابع الانفتاح الذي يميزه ورغم وضعه الأصبع على الجرح الغائر الذي ينهك تلك الحضارة ألا وهو آفة التسييس والتي تخترق كل مناحي الوجود، إلا انه يمثل الوجه الأخر لصيحة التأصيل ويشكلان وجهان لعملة واحدة. إذ لا يمكن أن نخضع الحضارة وحلمها إلي عملية مخبرية ولعمليات بتر وتقطيع حتى لو أتبث التشخيص تعفن بعض الأجزاء ، فأي تعفن في احد أطراف الجسد قد تمتد عدواه إلى باقي الأطراف، أو يؤدي بتره إلى خلل وفقدان التوازن في كيفية اشتغاله واضطراب نظامه وتعطل وظائفه فما بالك بروح الحضارة وحلمها. فهل يؤدي فعلا بتر أو تعطيل وظيفتي العرفان والبيان إلى تنشيط وتقوية البعد العقلاني؟ أم يحصل العكس، شل لفعالية العقل وتثبيت وتجميد لعقلانيته ؟ ألا يحمل العقلاني في أصوله بذورا بيانية وفي أحلامه تطلعات وإشراقات عرفانية ؟
كما أن سعي أصحاب هذا الحلم إلى مد الجوانب المشرقة بروافد جديدة منتقاة من روح العصر تعد مخاطرة وعملية محفوفة بالمخاطر، إن لم نقل شبه مستحيلة، كمن يسعى إلى استنساخ ابن رشد اليوم وإحيائه في جامعات أندلس اليوم وفي قرطبة وتوليته مهام القضاء ومطالبته بمعالجة أمراض العصر وتدريس طب اليوم لحفدته ولأندلسيي اليوم، تراه سينجح في ذلك، لا احد اليوم من دارسي الطب والأكثر اتصالا بابن سينا وبأبي بكر الرازي يتكهن بذلك، قد يتحقق ذلك (حلم استحضار العقلاني) شريطة السفر عبر الزمن كأن نسافر بابن رشد في المستقبل أو أن نعيد أندلسيي اليوم في رحلة معاكسة إلى الماضي قرن ابن رشد، ولربما تقتضي العملية نسخ الزمنين معا في زمن واحد، إلا أن المحصلة واحد ة ستفرز زمنا هجينا لا هو بزمن أندلسي ولا هو بزمن رشدي، خاصة إن كنا ننتظر من الحلم ما ينتظره كل حالم من يقظة وانبعاث. ولنكن متفائلين مادام الحلم يخترق الزمن ويخلق زمانيته يمكن أن يتحقق مادامت روح الحضارة وأحلامها لا تقاس بوحدات الزمن والقياس المألوفة والمتداولة وتمتلك قدرة خارقة على الاستمرار في الزمن و الاستيطان مكانيا والسفر تاريخيا تفوق سرعة الضوء وتفوق ومضات الشطح ورقصات المخيلة وأجنحة الخيال.
يتبع............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟