الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة الى الاخر 3-3 ج- في البدء كانت العلاقة

محمد قرافلي

2012 / 3 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ج- في البدء كانت العلاقة
ينقلنا النص في رحلة عبر متاهات الصمت الناطق الذي يجعل الموجودات تنكشف في عفويتها وتلقائيتها ويملا صداه ارجاء الجزيرة المقفرة ويبعث فيها روح الحياة، انه يشبه النور الذي يخترق المكنونات ويجليها، قبل ان تطا قدما روبنسون الجزيرة كانت لغة ابدية وخرساء وحينما فتح عليها عينيه صارت تنبض حياة وترقص حروفا، انها تشبه لحظة الولادة التي تخلق حدثيتها واحتفاليتها. رغم ان لحظة النهاية قد اعلنت الانقطاع عن الحبل السري وعن عالم الحياة الذي الفه روبنسون وعن انس رفاق طاقم السفينة فانها تعلن عن ولادة جديدة وعن حياة جديدة وعن رحلة جديدة، وترحال في عالم غريب لم يخطر بباله ولم يتخيله ، بمثابة عالم بدون خرائط عليه ان يشق فيه طريقه بنفسه ويعيد ترسيم حدوده ويخلق كائناته ويسميها ويحدد مهامها ويشرع قوانين لتدبير مملكته . قد تبدو مهمة سهلة الا انها جد مستحيلة لن ينهض بها الا اله يمتلك سلطة مطلقة على التسمية وعلى الفعل، او كائنات خارقة تسري فيها روح الكون وتتناغم فيها كل لغات العالم. تراه(روبنسون كريزوي) سينجح في مهمته تلك ؟
ذلك ما تهمس به حروف نص الكاتب من خلال هذا المقطع والذي لا يغني القارئ عن الترحال الى عالم روايته العجائبي والرومانسي الحالم لعيش تفاصيل تلك الرحلة والمكوت في احضان صورها واقتناص التماعتها ودلالالتها الفلسفية. لكي يستانف روبنسون رحلته يقتضي الحسم بين عالمه الاول والتخلص من ارثه ، من لغته وعالمه الرمزي او على الاقل استحضاره واستلهامه في رحلته الجديدة كمؤنس ورافد يمده بالحياة ويتكئ عليه في رحلته. ذلك ماحصل مع روبنسون لقد ظل يمد حبله ويرقص بين عالمين ، بين طاقم السفينة الحاضر الغائب والناطق الاصم، وعالم الجزيرة الغائب الحاضروالاخرس الهامس. كلما تعب من مناجاة رفاقه في عتمة اللامبالاة، يستيقظ فجاة على صوت الجزيرة وكائناتها وافقها الذي تلفه الغرابة وما يفتأ يجذبه باستمرار. بمن يضحي بعالمه الانساني وبرفاق السفينة الذي اصبح وقعا وقدرا ام بواقع الجزيرة الذي اضحى واقعا وافقا، فالاول لا يحيل فقط على افتقاد من نحب وعلى الحرمان من حضن ومن الفة وصحبة بل يؤشر عند روبنسون على ماساة حقيقية تكاد تكون والموت واحدا او هي الموت نفسه. أن تجرد الانسان وتحرمه من علاقته بالاخر معناه ان تجرده من مقوماته الانسانية وتحكم عليه بالهلاك والعدم . فالواحد منا يستمد لغته من الاخرين ونظرته للاشياء وللعالم ومعرفته بالموضوعات من علاقته بالاخر. فلا معنى لاحاسيس الحزن او الفرح الابوجود الاخر الشبيه او المختلف،فانا ارى احلامي في عيون الاخرين وفي تطلعاتهم. انه بمثابة مراة حقيقية للذات وللوجود، لذلك لم يسعى روبنسون الى قطع ذلك الحبل لانه يرى عمق المتاهة التي يتسبب فيها ويعتبرها اصعب تحدي يواجهه في مغامرته او ولادته التانية في حضن ارض جديدة وغريبة.
يشكل الاخر اذا روح الوجود وطعم الحياة ومتكا وسندا سيتشبث به روبنسون للمحافظة على انسانيته ولاقتحام عالم الجزيرة. لم يتنبه الى هذا الدين الذي ندين به للاخر في كل شئ الا بعد حال الغياب وغرق رفاقه في المجهول، وبقي صداهم يتردد في بواطنه، مما جعله ينفجرفي اعماقه ويتفجر امام عالم الجزيرة. ما كان ليدرك حضور الاخر واثره بدون حادث الغرق والذي قد يرمز الى غياب واختفاء الاخر او لنقل بعبارة اوجز الى الموت والذي يحمل في عمقه رسالة حياة وولادة وانبعاث" في كل يوم اقيس ما ادين به للاخر" ،" اعرف ما يتهددني بفقد المقدرة على الكلام"، و" عندما يقحم فنان في لوحته أو نحات على هامش معلمته شخصيات فليس ذلك مجرد شغف بالإكسسوارات لأنها(الشخصيات) تضفي أفقا والاهم من ذلك تشكل نقط ارتكاز لرؤى ممكنة والتي تضيف إلى النقطة الواقعية للراصد معالم أساسية وضرورية". هكذا مضى روبنسون يضفي على جزيرته روحه الإنسانية وحولها إلى مملكته الخاصة سماها( فكلمة "سبرنزا "speranza " تدل على الأمل الذي لم يفارق روبنسون طيلة رحلته وتواجده بالجزيرة أملا في معانقة العالم الإنساني وفي اللقاء بالآخر وحضوره) وسيجها ووضع معالم خريطتها وشرع قوانين عادلة لتدبيرها وتنظيم العلاقات بين كائناتها تحافظ على التناغم والانسجام ، قسم العمل وحدد الأدوار ووزعها، تلك في نظره تعتبر مهمة إنسانية، وأقل ما يمكن أن " يصنعه إنسان سوي وفي وضعية سوية".
يسلط الكاتب الضوء على الصورة المقابلة والمعكوسة للعلاقة مع الآخر حينما تتحول إلى انكفاء على الذات فإنها تتحول إلى عطالة وقوة تدميرية للذات وللعالم وللآخرين ويخيم الظلام على الكون والكائنات، " إن خط رؤيتي ينعكس على ذاته وكل ما لم تبصره عيناي هو بالنسبة لي مجهول مطلق... في كل مكان وحيث لا أوجد الآن يخيم ظلام يستحيل اختراقه..." إن العلاقة مع الآخر وحضوره تشبهان النور الذي يجعل الأشياء تنكشف والعيون تبصر والمشاعر تنجلي والفكر يستبين، وان حالات الهمجية والعماء والاضطراب والهلوسة تنتج حتما عن خلل وارتجاج والتباس في تلك العلاقة وأساسها، وان حضوره في كل الأحوال بمثابة ضرورة ويستحيل الاستغناء عنه بل أهم من الهواء والماء، "اعرف الان ان الارض التي تطأها قدماي ولكي لا تهتزتحتاج لاخرين مثلي كي يعمروها. لمواجهة وهم الخداع والسراب والهلوسة، احلام اليقظة والاستيهام، الهذيان واضطرابات السماع... ملاذنا الامن من كل ذلك هو اخونا، جارنا، صديقنا او عدونا، المهم احدا ما اعظم، آلهة، أحد ما".
محمد قرافلي
أستاذ الفلسفة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «بي سبورت» تفتتح فرعها الثالث في مجمع السيف


.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????




.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي


.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي




.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت