الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الربيع العربي وشتائه

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2012 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


اندفع البعض من المفكرين والكتاب وحتى جموع كبيرة من العامة في حالات يأسهم من الربيع العربي وما نتج عنه من سيطرة تيارات ترفع الشعارات الدينية تسببت في احداث فرقة وانقسامات حادة داخل المجتمع تعوق تمتع مجتمعات الثورة بالتطور والحرية والأمل ، اندفعوا في تسميتهم للربيع العربي بربيع بانيتا نسبة الى مدير وكالة المخابرات الامريكية ليون بانيتا باعتباره (وفقآ لهم) مهندس الربيع العربي !!! ، وذلك في ظل العقلية التآمرية التي تحكم العقل الجمعي العربي ، وهذا ما ذهبت اليه أيضآ مجموعة من المجلات والجرائد الأمريكية ، من حيث الاشارة الى أن ربيع بانيتا العربى له أهداف ثلاثة :

1- تقليل هجرة العرب و المسلمين لأمريكا للحفاظ على التكوين الديموجرافى العلمانى للمجتمع الأمريكى على المدى الطويل .
2- تصدير الصراع الراديكالى العلمانى للشرق الأوسط .
3- انهاء الصراع العربى الاسرائيلي و التمهيد للتطبيع الكامل مع اسرائيل بواسطة تركيا و الفتاوى السلفية .

ان الربيع العربي أساسه الفقر والظلم والتوق الى الحرية في مجتمع صار منفتحآ ومكشوفآ على العالم في عصر اضمحلت فيه الحدود والمواطن في منزله ، ولكن المسألة تتعلق بتجار الدين والاسلاميين المصرين على سحب البلاد الى منطقة ظلامية من خلال تفسيراتهم الضيقة وتفسيرات من يتبعونهم للدين بعيدآ عن ظروف العصر ومتطلبات اللحظة الراهنة ، وبعضهم مدفوع بدعم وتأييد دول خليجية تحكمها أنظمة وهابية هالها هذه الهجمة الثورية الفجائية للحرية والتوق للنهضة والتقدم التي اجتاحت نفوس وعقول وصدحت بها ألسنة وسطرت حروفها دماء ظنوا لفترة أنهم استطاعوا أن يفنوها الى الأبد .

فردآ على مقولة أن ربيع بانيتا كان ولايزال الهدف منه هو الحفاظ على التكوين الديموجرافي العلماني فان هذا االهدف يمكن تحقيقه بتكاليف أيسر وأقل كلفة مادية وكيفية دون التضحية بالأنظمة العميلة والساهرة على خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة ، وذلك من خلال فرض قيود مشددة تجاه الراغبين في الهجرة الى الدول الغربية بل ومتابعة ومراقبة المهاجرين هناك وترحيلهم فورآ بداعي الحفاظ على الامن القومي ، خاصة وأنه لا يكاد يمر عام الا وقام أحد المهاجرين بعمليات ارهابية أو انتهاج سياسات ودعاوي نشر الكراهية والتفرقة الدينية التي تنتشر بين المهاجرين المسلمين في الدول الغربية ، مع سن قوانين على النسق الفرنسي للحفاظ على الهوية العلمانية للمجتمعات الغربية مثل منع النقاب أو التشدد ، في قوانين ازدراء الأديان ، وذلك من باب ممارسة السيادة الوطنية بما يحافظ على حقوق وحريات المواطنين .

أما بالنسبة لهدف تصدير الصراع الراديكالي العلماني للشرق الأوسط فانه من المؤكد أن العلمانية في صورتها الراديكالية لا محل لها من الاعراب أو الوجود الحقيقي في مجتمعاتنا الشرق أوسطية برحاها الاسلامية والمسيحية واليهودية لأنها لا تتفق مع جوهر الهوية والثقافة والشخصية العربية وحتى الاسرائيلية ، كما أن مثيل تلك الصراعات سيولد حالة عامة من الفوضى والاضطرابات ستدفع بمؤشرات النمو والتنمية المهترئة أصلآ الى مزيد من الانخفاض والتدهور والقاء الكثيرين الى براثن الفقر وانحلال الحد الادنى من التماسك الاجتماعي وهي كلها أمور تصب في صالح انتشار تيارات الارهاب والتطرف التي تجد عوائلها في هذا الكم من الانحطاط والتخلف المدعوم أساسآ بانتشار الجهل والفقر والمرض .

أو كما قال ابن خلدون في مقدمته أن تجارة الدين تنتعش في المجتمعات التي تشهد تأخرآ في مسيرتها الحضارية والفتن الدينية تنتعش كلما تدهور حال المجتمعات ، وبالتالي فان مجتمعات الشرق الأوسط لاتتحمل مزيدآ من الصراعات والفتن ، خاصة وأن المنطقة تنوء بحملها من التطرف وانتشار التيارات الوهابية التكفيرية والارهابية المدمرة وما تسببه تلك التيارات من كوارث يدفع العالم كله ثمنها ، من تفجيرات وعمليات انتحارية ناجحة كانت او فاشلة انتهاءً بنشر الكراهية والعداوة والافتاء بهدم الكنائس والمعابد .

خاصة وأنه بدون الحد الأدنى من التجهيز التعليمي والثقافي الكافيين واللذان كان يمكن السعي الى بنائهما في ظل الأنظمة السابقة على الأقل ، فان المخاطرة بانقلاب السحر على الساحر تغدو عظيمة (اذا افترضنا المقاربة البانيتية للربيع العربي) ، لأن ذلك سيدفع بجموع كبيرة من الشعوب العربية الى الارتماء في أحضان التيارات الوهابية بعد ان تنجح تلك التيارات في اثارة الخوف لدى المسلمين بأن دينهم مستهدف (وهي نفس المخاوف التي يتربى عليها كثير من المسلمين في اطار بناء العقلية التآمرية ) من قبل طابور خامس بين ظهرانيهم .

وبالتالي ترتفع أسهم الظلاميين على حساب العلمانيين الساعين الى نشر نور الحضارة والتقدم بصيغة ومقاربة دينية عصرية تجعل الدين دافعآ للتقدم بشكل حقيقي واقعي لا بشكل جهوري على المنابر والخطب العصماء التي يبرع فيها نفر غالب من مشايخ الدين الذين يشبهون أقرانهم من كهنة العصور الوسطى والذين تسبووا في ضياع الأمم سواء في أوروربا أو في العالم الاسلامي .

وهذا الحد الأدنى من البنية الثقافية والتعليمية وياللمفارقة لم يكن من الممكن تحقيقه في ظل الأنظمة السابقة لأن تلك الأنظمة وان احتفظت بكراهيتها لتيارات الاظلام السياسي الا أنها حافظت على وجود هذا الظلام لكي تعيش هي في النور ، فكانت تيارات الظلام هذه تمثل ترياق الحياة لهذه الأنظمة المستبدة لتحاجج بها شعبها والدول الأخرى في تشريع الاستبداد وتأبيد قمعها وتمرير ورثتها تحت راية مكافحة الارهاب .

لتضحى المسألة الآن منوطة ويالصعوبتها بالليبراليين الأحرار الذين يؤمنون بحق بعظم دورهم في هذه اللحظة التاريخية الراهنة لكي يعملوا تحت امرة الكارهين والرافضين لهم واللاعنين والمكفرين ، تطاردهم تهم الانحلال ونشر الفجور والمجون والزندقة وغيرها من التهم التي برع فيها تيار تجارة الدين والاظلام الديني والسياسي والراغبين في احتكار الدين والدنيا واستبدال استبداد الطغاة باستبداد اللحى والجلباب .

أما مسألة انهاء الصراع العربي الاسرائيلي فان الأنظمة الاستبدادية السابقة وان كانت هي الأقرب الى تحقيقه لأنها لاتطاردها المزايدات والشعارات الدينية التي يتخصص فيها أغلب من هم الآن على سدة الحكم ، وعلاقاتها القوية مع الأنظمة الغربية والرغبة في استرضائها حفاظآ على كراسي الحكم ، بالاضافة الى سيطرتها على مقدرات الأمور (أو هكذا كانوا يتصورون) بفعل آلتهم وأجهزتهم الأمنية القمعية بعيدى عن افتراضات الثورات الحقيقية على النسق الربيع العربي الذي يعد مفاجأة ومعجزة عظيمة بكل المقاييس ، ولكنها ظلت عاجزة عن تحقيق نهاية لهذا الصراع لأنها :

1- تظل محكومة الى حد ما بمحددات وأطر عمل وحدود معينة في علاقاتها مع شعوبها منعآ لاعطاء الفرصة كاملة لاهانتها والقضاء على مصداقيتها على طبق من ذهب لمعارضيها على اختلاف توجهاتهم .

2- تظل قصة الصراع العربي الاسرائيلي الأيقونة التي تتمسك بها الأنظمة الاستبدادية السابقة في تبرير القمع وكبت الحريات وعدم الدفع في طريق الاصلاح السياسي والديموقراطي من باب أن لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ، فتمر العشرات من السنين هدرآ وخداعآ والعنوان واحد ضياع الحقوق الفلسطينية واستمرار القمع العربي ، ولعل المواطنين السوريين في الجولان المحتل وهم يرفعون أكف الدعاء الى الله بنصرة اخوانهم الثوار الأحرار في سوريا يشكرون الله تعالى على أن أرضهم ليست محررة وتحت الحكم السوري عند اندلاع الثورة السورية والا لكانت آلة الأسد العسكرية تعمل فيهم القتل والتدمير أسوة بأشقائهم السوريين وهو ما لم تقم به القوات الاسرائيلية حين احتلت الجولان .

وبالتالي فان جماعات الاسلاميون والتي كانت ترفض حتى السلام والتفاهم مع اسرائيل ولاتعترف بها فانها اليوم مطالبة بترجمة هذه الشعارات والمزايدات على أرض الواقع ، ولكنها ونتيجة للضغوط الخارجية واعتبارات الموازنة والمصالح في العلاقات الدولية بل واعتبارت وجودها في حد ذاتها فانها ستقع فريسة للشد والجذب بين تياري الماضي وشعاراته والحاضر ومتطلباته والمستقبل ومخاوفه ، وعليه فانها لن تذهب بعيدآ عن المقاربات التي اتخذتها الأنظمة السابقة في علاقاتها مع اسرائيل أو احداث اختراقات في ملف الصراع العربي الاسرائيلي خاصة مع اختلال موازين القوى لغير صالح الدول العربية سواء عسكريآ أو استراتيجيآ .

فحسم ملف الصراع أصبح منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991م في يد الأنظمة الخليجية باعتبارها الممول الاستراتيجي لأنظمة الحكم العربية والمشتري الرئيس للسلاح الأمريكي والمستضيف للقواعد الأمريكية حماية لعروشها والمورد المهم للبترول لأمريكا والغرب ، بالتوافق مع الضعف الاقتصادي والاستراتيجي للانظمة العربية الأخرى نتيجة الحروب السابقة وضعف بنيتها الاجتماعية والمالية وهذا ما اتضح في خلال سنين حكم الرئيس السابق مبارك الذي كان ينأى تمامآ عن اتخاذ خطوات لاتضع المصالح الخليجية في الاعتبار وهو ما كان يتجلى في الزيارات المتبادلة والتفاهمات المستمرة والتنسيقيات قبل صدور أي قرار وهو ماكان يجعل القرار المصري خاصة يأتي متأخرآ بعد التحرك الخليجي .

وبالتالي فانه من الواضح والمتوقع أن تستمر الأنظمة الجديدة على ذات النهج من الارتباط الخليجي خاصة على صعيد الملف الاسرائيلي ، بل يزداد هذا الارتباط حدة نتيجة التوافق في المذهب الديني الوهابي والارتباط الخاص بدولة قطر في الحالة الليبية لما قدمته قطر من دعم وتأييد منقطع النظير للثورة الليبية اضافة الى الاستثمارات القطرية المتوقعة والمرتقبة ، هذا ناهينا بعدم سعي جنرالات الجيوش العربية في الدخول في حالة صراع مع اسرائيل اما عدم استعدادآ أو عدم مخاطرة بمكتسباتهم ومزاياهم الاقتصادية والمالية أو عدم رغبة في تعريض بلدانهم لأخطار استراتيجية كبيرة حال نشوء هذا الصراع خاصة وأن اسرائيل ستسعى الى اتخاذ أعلى درجات ضبط النفس لتجييش القوى العالمية خلفها .

فبإفتراض أن ثورات الربيع العربي ما هي الا مخططات أمريكية كما يقول البعض واهمآ لفقدان الثقة في نفسه وفي قدرات الشعوب العربية الأبية أو يائسآ من الحالة التي أوصلنا اليها الاسلاميون ورافعي الشعارات الدينية ، فانه بحسابات المكسب والخسارة فان المخابرات الأمريكية تكون قد أدخلت الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية في دوامة كبيرة ، وشطحت بسفينتهم بعيدآ عن بر الامان الذي لطالما تلمسوه في الانظمة السابقة المسالمة والمهادنة والمنفذة للأجندات الخارجية .

بل انه لايمكن تصور أن تتعاون الأنظمة الجديدة أو على الأقل بنفس الدرجة من الحماسية والدعم مع الدول الغربية في الحرب ضد الارهاب ، خاصة مع وجود توائمات عضوية ومذهبية وفكرية في بنية أطراف في بعض الأنظمة الجديدة مع تيارات الارهاب والتطرف ، مع رفع شعارات الجهاد ومقاتلة أعداء الدين بل وحتى وجوب كراهية غير المسلمين ورفض الترحم عليهم .

وعليه فانه على العكس يمكن المجادلة في امكانية رؤية بناء مخطط استراتيجي غربي كرد فعل متأخر على الربيع العربي لايسعى الى افشال الأنظمة السياسية الجديدة داخليآ وخارجيآ بقدر ما يسعى الى معاونتها على الفشل ، حيث أنها أساسآ تعاني من خواء برامجها من المعالجة الحقيقية والموضوعية لمشكلات مجتمعاتها ورغبتها في احتكار البلاد والعباد ، وذلك في النهاية ينصب في اطار تعرية رافعي الشعارات الدينية وكشف زيف ادعاءاتهم ومدى الكوارث التي سيحيقونها بمجتمعاتهم والعالم كله بل وزيادة الطين بله بتدمير المجتمع بنشر الفتن والكراهية الدينية بين أطراف وأطياف المجتمع الواحد .

واستمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه مما يعني فشلهم في معالجة الظروف والمشكلات التي كانت السبب في اندلاع ثورات الربيع العربي من الأساس ، واندلاع موجة جديدة من الثورات تعرف باسم الشتاء العربي لأنها ساعتها ستكون بعيدة عن انتهاج النهج السلمي في كثير من الأحيان لأنها ستشوبها ثورة جياع يعانون من تدهور الأوضاع الآن الى أسوأ مما كانت عليه في ظل حكم الأنظمة الفاشلة السابقة ، وبالتالي توجيه ضربة قاسمة لتيارات التطرف الديني وادعاءات المتأسلمين بأنهم يملكون الحل لكافة مشكلات المجتمع مما يعد خطوة واختراق هامين في طريق مكافحة الارهاب ومواجهة التنويم الديني للمجتمعات .

ففي جميع الأحوال سواء في وجود مخططات أو عدمها فان أغلب المنتمين الى تيار الاسلام السياسي يتفننون في خلق حالة من العداواة والاستعداء العقلي الكامن في نظرتهم الى الآخر سواء أكان هذا الآخر داخل الوطن أو خارجه ، فهؤلاء لا يستطيعون أن يتصورا الا أن يعيشوا في بيئة معادية متصيدة ومتربصة لهم حتى لو كانت هذه البيئة وتلك المخططات (المفترضة) في أغلب الحالات من نسج خيالهم أو لتظل دومآ الشماعة التي يعلقون عليها فشلهم وعدم قدرتهم على التجاوب مع العصر بدعوى أن العصر نفسه هو الذي لايتجاوب معهم ، فيكون الشعار ... نفض العصر والرجوع به الى الوراء أو يكون الحال ... الكمون في الجحور مع بث السموم بين الفينة والأخرى .

ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هذا المخطط أوغيره من المخططات دافعآ لثورة شعب فثورات الشعوب لا يصنعها الا الظلم والفقر والضياع ، ويظل الحاكم الفاشل هو السبب في الثورة الشعبية الحقيقية عليه ، وساعتها فان التيارات الليبرالية الحقيقية والمحترمة (لا الاسمية الشكلية) بشقيها اليساري واليميني لابد أن تكون جاهزة لتضطلع بدورها الحقيقي في قيادة مجتمعاتها الى ماتتوق اليه من حرية وعزة وكرامة اباء .

ومن هنا يمكن تلمس أن الثورة ضد القادمين الجدد حال استمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه تظل مسألة وقت اما على نسق انقلاب عسكري يطيح باحتكار الاسلاميين للسلطة والمجتمع وهو ما سيقابل ساعتها اما بتأييد كبير من قبل جموع كبيرة من الشعب أو بصمت مطبق كنوع من الصمت البليغ المؤيد للانقلاب ، واما سياسي من خلال خسارتهم للانتخابات القادمة واما على نسق ثوري تحرري يفتح الطريق أمام الفكر (العلماني الايماني) الذي يرى الدين قوة دافعة الى الأمام ويقدم نفسه كحلقة الوصل بين الدين السماوي والأمل الدنيوي من خلال تطبيق عصري للمراد الالهي وعلة الدين في العدالة والحرية والسلام بعقل واعي وضمير حي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟