الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرقّة من «مدينة الوفاء» إلى طوفان ثوري على البعث

أحمد مولود الطيار

2012 / 3 / 26
مواضيع وابحاث سياسية



فاجأت محافظة الرقّة النظام السوري في الذكرى الأولى لاندلاع الثورة بانتفاضة شعبية عامة أسفرت عن استشهاد العشرات وجرح واعتقال المئات. الإعلام الرسمي السلطوي حاول النيل من الرقّة، وسعى إلى إيجاد شرخ بينها وبين بقية المدن الثائرة، حيث أطلق عليها اسم «مدينة الوفاء»، بعد أن مارس عليها النظام تهميشاً منهجياً وتشويهاً اجتماعياً جسده المخرج الراحل عمر أميرالاي في فيلمه «طوفان في بلاد البعث» بأقسى صوره. فكيف انقلبت الرقّة من «مدينة الوفاء» كما زعم النظام إلى «طوفان على البعث»؟
تعريف:
محافظة الرقة تقع على الضفة الشمالية لنهر الفرات على بعد 200 كم شرق محافظة حلب. على بعد 50 كم من مدينة الرقة الى الغرب يقع سد الفرات المشروع الاقتصادي الأكبر، حيث شكّل ذلك السد بحيرة (الأسد) ومدينة الثورة وهي المدينة الحديثة التي تشكلت بعد بناء السد عام 1970 وتجاور "الطبقة " المدينة القديمة أو "القرية" كما يطلق عليها الآن. (طبعا هذه التسميات "الثورة" و"الأسد" ارتبطت بنظام البعث بعد ما يسمى بثورة 8 آذار)
اعتمد اقتصاد الرقة على سد الفرات وعلى الزراعة وعلى الحقول النفطية المجاورة. في الرقة بقايا آثار تعود الى العصر العباسي ومن أهمها "قصر البنات والسور القديم ومدينة الرصافة و"باب بغداد، كذلك يوجد فيها أضرحة عدد من الأئمة ورجال الدين أشهرها ضريح عمار بن ياسر وأويس القرني. ربّما يتجاوز عدد سكان المحافظة المليون بقليل أمّا مساحتها فتعادل ضعف مساحة لبنان حوالي 20000 كم2 .
طبعا المدينة وكما تذكر العديد من المراجع التاريخية وكذلك الآثار الموجودة الآن، أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يتخذ من الرقة عاصمة صيفية له، مما جعلها مركزا علميا وثقافيا هاما آنذاك. وفي الرقة عاش وتعلم الفلكي العربي الشهير البتاني. عام 1258 دمّر المغول الرقة كما فعلوا ببغداد.
لماذا تأخر الحراك الثوري في محافظة الرقة؟
بعد تلك المقدّمة وذلك التعريف الموجز بالمحافظة نأتي الى السؤال الذي شغل الكثير من كل الغيورين على الرقة سواء من ابناءها أو من سوريين آخرين: لماذا تأخرت الرقة عن اللحاق بركب المحافظات الثائرة؟ وازداد السؤال الحاحا، خاصة بعد أن حاول رأس النظام الحاق العار بتلك المحافظة عبر اختياره الرقة مكانا يصلي صلاة العيد فيها عبر الايحاء هنا أن الرقة هي محافظة مؤيدة للنظام ومحاولة ارسال رسائل أخرى من خلال تلك "الصلاة المشؤومة".
كثرت التحليلات والقراءات وكلّها تحاول الاجابة عن السؤال اللغز. البعض قال: "أنها محافظة نظام ومفرخة للسلوك السلطوي، كان معدا لها أن تكون درة النهج البعثي فأصبحت مقبرة الاقتصاد السوري، فيها تمّت تجارب السلطة في النهب المنظم، والمشاريع الوهمية، والإستيلاء على ثروات الوطن، والتعليم المختلط، والاهمال المريع ، واعلاء كلمة الأمن، فيها ولا يزال أهم منجزات السلطة الأسدية الخوف". البعض أرجع ذلك عبر دلالة مهمة حيث الرقة " تأتي في الترتيب ما قبل الأخير في نتائج الثانوية العامة". بعض أخر ومنهم كاتب هذه السطور أرجع تأخر الحراك الى غياب العصبية بالمعنى الخلدوني الايجابي للعصبية حيث غياب الهوية نتيجة الشبه الكبير بين الرقة والعاصمة دمشق حيث لا هوية جامعة. بعض آخر كان قاسيا جدا وطالب "بتحليل الشخصية الرقاوية ودراسة العوامل المؤثرة فيها حتى ولو كان جارحا". هناك من أرجع السبب الى التركيبة العشائرية للمحافظة والتشابك (المصلحي/ الذيلي) لزعماء تلك العشائر مع النظام – آنذاك كان بشار الأسد يستقبل وفدا ضم معظم زعماء تلك العشائر- .

وأخيرا رأى بعض آخر، أنّ صغر المدينة وانكشافها أمنيا سهل من مهمة احتواءها، خاصة اذا عرفنا أن في الرقة (ربّما) النسبة الأكبر من معتقلي الثورة السورية مقارنة مع حراكها آنذاك.
ربّما كل أو بعض تلك العوامل مجتمعة أو متفرقة كانت السبب في تأخر التحاق الرقة بالثورة السورية، وربّما هو سبب وحيد أن النظام وفي فترة ما من الثورة السورية استطاع أن (يحصن) عامل الخوف الذي حكم به على مدى عقوده السابقة، فمن خلال القتل المستمر والتعذيب والاعتقال والممارسات التي فاقت في وحشيتها حدود العقل والمنطق والتصور، عبر ذلك استطاع على نحو ما اعادة تجديد دورة الخوف ورعايته، فكان ذلك له اثر بالغ عن احجام الرقة وغيرها من المدن التي نُعتت بالصامتة. لكن همجية النظام واصراره على القتل وخاصة بعد مجازر حمص وبابا عمرو، أدركت الرقة وغيرها أنها "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"، سقطت كل التحليلات السابقة وسقط الخوف وكان لثائرات وثوار الرقة قراءة مختلفة، ولا مبالغة ولا كلام انشائي يقال هنا ، قراءة كتبت بالدم.
في اليوم الأول من العام الثاني للثورة السورية كان لشباب وصبايا الرقة احتفال مميز في ذكرى ميلاد عزيز، وكانت هدية عيد الميلاد قربان وهبته المحافظة وأي قربان !! عمر بابنسي شاب لم يتجاوز السابعة عشرة، كان الشهيد الأول للثورة السورية في عامها الثاني، سقط مضرجا بدمائه وهو ينادي على الحرية. في اليوم الثاني خرجت المدينة عن بكرة أبيها تزفّ عريسها، لكن الحرية تتمنع وتعلي من مهرها فتقدم 17خاطبا قدموا دمائهم رخيصة لها.
ما ميّز حراك الرقة كما يقول ناشطون من داخل المدينة سلميته المطلقة، حيث لم يسجّل ايّ اعتداء على ايّ من الممتلكات العامة، كذلك طابعه المدني، حيث غابت الزعامات العشارية ورجال الدين الموالين للنظام الذين لعبوا دورا قذرا عبر محاولات متكررة لاجهاض الحراك، وأظهرت الشرائط المسجّلة لتلك المظاهرات الضخمة همجية وعنف الأجهزة الأمنية، حيث رأينا سقوط الشهداء واحدا تلو الآخر وكأننا في نقل حي ومباشر لقتل تمارسه السلطة على الهواء مباشرة !
ماذا بعد؟
يقول أحد الأصدقاء على صفحته على الفيس بوك نقلا عن أحد المشاركين في الحراك الثوري في المدينة: " لم نسقط الخوف فقط، لقد سحقناه سحقا". هذا ليس حال الرقة فقط انه حال السوريين بكافة مدنهم، بغالبيتهم العظمى، ان ثورة تسحق الخوف لا بد تنتصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة