الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب الفرصة الأخيرة.. الشرق الأوسط في الميزان

فدوى فاضل

2012 / 3 / 26
السياسة والعلاقات الدولية


في زخم الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط وما رافقها- ولايزال- صدر كم هائل من الكتب والمقالات، بين محلل للحدث ومستشف للقادم من الأيام، او متابع ومؤرخ لهذا الاعصار الذي ضربت اثاره العالم بأسره، يأتي كتاب "الفرصة الأخيرة. الشرق الأوسط في الميزان" على درجة من الأهمية والتميّز بتحليله الموضوعي لخارطة المنطقة السياسية، والتغييرات الجارية، التي ما هي الا نتاج طبيعي لمتوالية من الأحداث أسهمت بها اطراف عدة، تعكس بشكل رئيسي تخبط السياسات الغربية في الشرق الأوسط.
فينتقد الكتاب مثلا بول بريمر، الذي عُيّن حاكما في العراق، اذ يصور نفسه على أنه "ماك آرثر بلاد الرافدين" في مذكراته الصادرة عام 2006، وهو الذي ارتكب الأخطاء الفادحة بدءا بتسريحه للجيش العراقي، وابعاده للبعثيين مما ترك المرارة في احشاء اكثر من 400 ألف عراقي، يحملون السلاح ولهم خبرة في استخدامه. كما ينتقد دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الاسبق في حكومة بوش حين يقول بغطرسة ردا على مخاوف البعض من أن العراق قد "ضاع" بعد مشاهد النهب والدمار في الايام الأولى للهجوم على بغداد عام 2003، ان "هذه الامور تحدث"!
و المغامرات العسكرية التي قام بها جورج بوش لم تكن سوى الحدث الأكثر وضوحا، لكنه ليس الحدث الوحيد الذي يفضح المخططات الكارثية للغرب في المنطقة كما يقول المؤلف. فيذكر مثلا أن جورج بوش كان ايضا قد اكد لآرييل شارون في رسالة عام 2004 تأييد الولايات المتحدة لاسرائيل كي تحتفظ بكامل المستوطنات في الضفة الغربية، الأمر الذي بدا للعرب حينها وكأنه وعد بلفور جديد، خصوصا ان توني بلير قد ايد الرسالة ايضا.
من النقاط المهمة التي يشير اليها الكتاب، ويكاد يكون المؤلف هو الوحيد الذي ينفرد بهذا التحليل، كما قرأت في الفترة الأخيرة، تلك العلاقة الغريبة التي تربط الولايات المتحدة بالدول العربية، فهي –على حد تعبير الكاتب- لم تكن علاقات "مؤسساتية" على الاطلاق، كتلك التي تربط اي حكومة في العالم بحكومة أخرى، انما هي علاقات فردية مع "حكّام" تحكمها صفقات البترول مقابل السلاح ودعم لامحدود لحكومات تفتقد أغلبها للشرعية.
وتحتل العلاقات العربية – الاسرائيلية حيزا كبيرا في كتاب "الفرصة الأخيرة.." إذ يتناولها بدرجة عالية من الواقعية الموضوعية، حيث يقول جون سنو، المذيع في تلفزيون القناة الرابعة الانجليزية عن الكتاب: "اخيرا، وجدنا كتابا يذهب الى قلب الازمة الأزلية في الشرق الاوسط. فديفيد غاردنر يكتب بصراحة وشجاعة عن الدعم الغربي اللامحدود للحكومات الديكتاتورية الفاسدة... كما يعري الدعم الامريكي – البريطاني لأسرائيل كي تشدد قبضتها على الفلسطينيين والضفة الغربية"
صدر الكتاب الشهر الماضي بنسخته الشعبية مع مقدمة عن الربيع العربي، اذ كانت النسخة الأولى قد صدرت بغلاف سميك في طبعته الأولى، ومع ذلك فهو عموما يناقش مسألة الاستقرار في المنطقة، الذي لا يمكن ان يحدث، على حد تعبير المؤلف، بدون تحول سياسي يشمل الأنظمة العربية التي تستمد شرعيتها اما من النظم العسكرية المستبدة، او من الدعم الغربي لها. وبهذا كان الغرب بدوره، ومن خلال ارتباطه بهذه الأنظمة قد أسهم في عملية تصعيد الحركات الجهادية في كل انحاء العالم، وقتل اي مبادرة لظهور مجتمع مدني ديمقراطي في الشرق الأوسط.
المؤلف، ديفيد غاردنر، يعرف المنطقة جيدا، كمحرر لشؤون الشرق الأوسط في جريدة الفايننشال تايمز، وقد اعتمد في كتابه على العشرات من المقابلات التي اجراها مع شخصيات صانعة للحدث، ومؤثرة فيه، على مدى اكثر من عشرين سنة، مثل الملك حسين، حسن نصرالله، رجب طيب اردوغان، حسني مبارك، نتنياهو، أيهود باراك، برويز مشرف، رفيق الحريري، اسحق رابين، وليد جنبلاط، حسين فضل الله ، مصطفى مشهور، بطرس غالي، ادوارد سعيد، محمود الزهاروآخرين، ظل يستفيد من كلماتهم ومواقفهم، ويزنها، في كتابه.
يمكن ان نجمل مايريد الكاتب الاشارة اليه عن الأخطاء التي ارتكبها الغرب وارتدت عليه في النهاية في النقاط الأساسية التالية:-
بالنسبة للعراق، فهو يتتبع الخيوط المتشابكة هناك بدقة متناهية ليصل بالأخير الى ان التخلص من صدام حسين انما خلق عشرات النسخ منه.
وان دعم الشيعة في وصولهم الى السلطة في العراق انما عزز الطائفية وانتهى بالعراق في احضان ايران.
فالحكام الشيعة الذين اتى بهم الغرب، لم يبدِ اي منهم استعداداً لوضع مصلحة البلد فوق العقدة الطائفية، انما جرته مواقفه الى التحالف مع ايران ضد الغرب. وحزب الدعوة على سبيل المثال، استطاع ان يجر اعداد كبيرة في صفوفه ليسخرهم في خدمة اهدافه الطائفية.
ومن النقاط الطريفة التي يتطرق اليها الكاتب هي ما أسماه بـ"الشُزفرينيا الثقافية" التي تعاني منها بعض فئات المجتمعات الشرق اوسطية، المتدينة تحديدا، حيث تعلن عداءها للغرب وتحريم التواصل معه بينما لا تستغني عن السيارات ومكيفات الهواء الغربية.
ويكشف الكاتب ايضا دور الفساد داخل المؤسسات الغربية والأمريكية بشكل خاص، اذ يتطرق الى التقارير التي كان مكتب المساءلة الحكومية الخاص بالتسلح يبعث بها الى البنتاحون حول اهمية ضبط السلاح الامريكي الذي يدخل العراق. ففي احد التقارير يذكر ان 110000 بندقية كلاشينكوف و 80 ألف مسدس اتجهت الى ايد قوات الأمن في العراق في العام 2007، لكن أحداً لا يعرف كيف تصرفت بها قوات الأمن، حيث اختفت لتظهر بيد المليشيات، هذا علاوة على الكميات الضخمة من اسلحة الجيش العراقي التي فشلت قوات التحالف بالعثور على مخازنها، والتي صارت هي الأخرى في يد الميليشيات المتعددة، لتستخدمها في قتل المدنيين وعناصر قوات التحالف.
النقطة الأخرى التي يؤكدها الكاتب هي فشل الغرب في احتواء النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. فحيث ان منظمة التحرير قوة علمانية، أرادت تجنب اضفاء اي طابع ديني على حركتها، كانت ناشدت الامم المتحدة والعالم عدة مرات، ثم على لسان امين الحسيني بعدم اسقاط ورقة القدس من يد المنظمة، حتى لا تستغلها منظمات دينية ويتحول النزاع الى صراع ديني. لكن اسرائيل، ولتقويض المنظمة قامت بتسليح حركة حماس الاسلامية، فتحولت الأخيرة ضد إسرائيل والغرب في نهاية الأمر!
وهنا يؤكد الكاتب ان الحروب "الاختيارية" التي خاضها الغرب في السنوات الأخيرة، ولايزال مثل حرب العراق، حرب افغانستان وربما ايران لاحقا .. انما كسرت هيبة القوات الغربية، وحولتها الى كتائب صغيرة تدافع عن نفسها ضد هجمات فردية. فيقول: كأنك ترسل افضل فريق كرة قدم في العالم ليلعب كرة السلة.
إننا بصدد كتاب يتسم بالذكاء في تحديده ومعالجته للنقاط الأساسية التي يتناولها، وستقوم "دار نون" الاماراتية بترجمته إلى العربية ونشره هذا العام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: حماس تمارس إبادة جماعية ورفضت جميع المقترحات المتعل


.. الدكتور مصطفى البرغوثي: ما حدث في غزة كشف عورة النظام العالم




.. الزعيم كيم يشرف على مناورة تحاكي -هجوماً نووياً مضاداً-


.. إيطاليا تعتزم توظيف عمال مهاجرين من كوت ديفوار وإثيوبيا ولبن




.. مشاهد جديدة وثقتها كاميرات المراقبة للحظة وقوع زلزال تايوان