الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكامل المعرفي في فكر السيد الحيدري

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2012 / 3 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التكامل المعرفي في فكر السيد الحيدري

لقد أثارت المعرفة في كلّ زمان ومكان الكثير من الشجون التي تحفّز وتنبش العديد من الأفكار التي تأطّرت بإطار القدسية المزيّف! والتي حاول العديد من أصحاب الفكر المشوّش أن يسوّقها لنا من هنا وهناك حتى بات الفرد منّا يشعر بالحرج إن لم نقل الخوف والتوجّس إن أدلى بدلوه في بئر الحقيقة! فعندما يقرأ المرء صفحات التأريخ يشعر بصعقات تنتاب العقل!
كيف لنا أن نستوعب سلوك رجال عاشوا في المحيط النبويّ الشريف وتتجرّأ على النبيّ المسدّد من السماء؟! ويقول لك قائل تمسّك بقولك ولا تبرزه للعامّة! ولو أردت التبصّر والقراءة وتمنيت الصعقة كما تمنيتها أنا! فإذهب إلى كتب الصحاح وكتب إبن تيمية الذي ما ذكره محقّق أو مفكّر أو غيرهم إلاّ ووقف مليّاً عند وصفه وتفسيره لآيات القرآن الكريم في صفات وأسماء الله تعإلى! وغيرها من الآيات.
عمّن الكلام؟!
كثيرون تكلّموا عن الوضع في العراق بين السياسة والتنظيمات وبين حشود المنتفعين من ساسة قد حسبوا على التيارات الإسلاميّة والذين لعبوا طوال سنين على الناس، وضحكوا على ذقون الكثيرين، حتى حقّق لهم المحتل الأمريكيّ ما كانوا يحسبونه حراماً! فأخذوا مراكز ومناصب في كيان الدولة وكانت هذه المناصب ومازالت إبتلاء عليهم وعلى جميع العراقيين حتى تركوا الواجبات الأخلاقية الاساسية والتربويّة والدعويّة! مدعومين بشكل غير مباشر من لدن رجالات (تسمّى برجال الدين!) حسبت على الفقه الجعفريّ وعلى أنّهم أفقه الناس! فهم سكوت إلّا من همس بسيط حسبوه نقداً وواجباً شرعياً في نقد الحالة المزرية للعراق والعراقيين. لقد تحمّلت المراجع الدينية وتتحمّل مسؤولية كبرى في بيان الصحيح وتسليط الضوء عليه والدفع به إلى الناس. وبيان الخطأ كيفما كان وممّن كان وكشفه والدفع به بعيداً بل ومحاربته بكلّ قوة.
في خضمّ الهجوم الكبير الذي تتعرّض له مرجعيّات دينيّة قد قصّرت في إظهار الحقائق وكشف المستور والمتسترين بل والمستهترين بمشاعر الناس وبحياتهم حتى أصبحوا وكأنّهم حجّة سلبيّة على المذهب، وما هم إلا عاجزون عن المعالجة وغير جديرين بالعمل على وضع الحروف في مكانها الصحيح، أقول في هذا الخضمّ الكبير من الأحداث يظهر سيد جريء كبير في عقله مجدّد في قوله لا مبتعد عن قول ما يمكن قوله في المعرفة العامة للدين والحياة. فقد أشار بإصبعه إلى الكثير من الزلل ووضع الحلول تلو الحلول للكثير من المسائل في الدين والدنيا. نبّش التأريخ وربطه بالحاضر مع قراءة متأنية لمستقبل ينتظر هذه الأمّة، مستقبلاً يستوعب المتغيّرات الحاصلة والمتلاحقة بخطى كبيرة، فينصر الحقّ وبصوته الكريم يصدح لا خائفاً ولا وجلاً.
لقد وضع السيد كمال الحيدري منهجاً معرفياً يستند على الكثير من المعايير العقليّة والفلسفيّة والفقهيّة والعرفانيّة والكلاميّة والمنطقيّة بل والسياسيّة(إرجع إلى ما يقول ويكتب من موقعه ومن محاضراته). ويؤكّد في مقالاته على أنّ(باب الإجتهاد مفتوح لا في الفروع وإنّما في باب العقائد،وفي الأفكار الثابتة أيضا مفتوح فضلاً عن المتغيرات). ويصرّ على قوله في أنّ أموراً كثيرة قد إستوعبت من العامّة والخاصّة وباتت من المسلّمات (فالثبات قد جرى عن الكثير من الأمور كالصلاة وركعاتها والصيام وغير ذلك ولو ببعض الكيفيّات التي يمكن أن يختلف عليها البعض. حيث قال (صلّوا كما رأيتموني) أي أنّ الأمر بات مفهوماً مدركاً. لكنّ الدين لا يتوقّف عند المسلّمات المذكورة وإنّما الدين كلّ متكامل من العبادات والمعاملات والفكر والسياسة والأخلاق والفلسفة وغير ذلك.
لا تتوقّف الأمّة التي تشمل الكثير من التنوعات الدينيّة والمذهبيّة والمدارس المتعددة في الفكر والعلم والدين والإتّجاهات المختلفة على مجموعة معيّنة، فكيف بالدين الإسلاميّ العظيم أن يتوقّف عند ثوابت فقط لا يتزحزح، وقد قاد الأمّة نبيّ عظيم وإمام عظيم في فكره وحركته فكيف يتقوقع الدين والمتديّنون عند هذا الحدّ؟!! كم من المراجع إستوعب الفرد العراقيّ وسمع وتكلّم وحلّل ونقد جنباً إلى جنب المواطن منذ بداية التغييرات التي حصلت في العراق إلى الان؟! كم من هؤلاء؟!
كلّ يعمل من وراء حجاب! ومن مكاتب لم نسمع صوت أصحابها، حتى بات المواطن يشكّك بكلّ شيء! وإن قيل له: قال المرجع الفلانيّ كذا، قال من الذي قال؟! هو بلسانه أم مكتبه الذي ليس بالضرورة أن يكون رأي المرجع! شيء عجيب!!
ربّما يزعج هذا الرأي البعض من أنصاف العلم والفقه! لكنّ الأمر مهم وخطير، يجب أن تظهر الأمور للعامّة فديننا العظيم دين الفكر والإجتهاد، دين الحقيقة والسّير السليم في طريق الله الذي يساعدنا فيه أهل العلم الدّينيّ لا أن يعقّدوا الأمر ليوصلوه إلى طرق ضيّقة بإصطلاحات لايفهمها إلّا من غرق في بحر الفقه الإسلاميّ! كيف يكون ذلك؟!
إنّ علامة مشرقة قد ظهرت لتحيي في النفوس حياة الرجوع إلى طريق العلم والتطور والسير مع الدين سيراً هادئاً لا جهل فيه ولا عناد! ولا يعني قولنا أنّنا قد إطّلعنا على فكر وعمل كلّ المراجع لنحكم بما قلنا، فربّما هناك مراجع قد عملت وتعمل بعيداً عن الأضواء وهم أهل للتواضع والمنفعة المستترة التي يكون لها فضل كبير في إحياء السلوك القويم بعيداً عن الرياء والكذب! وهناك مراجع متصدّية للتغيير نحو الأفضل. ولكنّنا نشير بالإصبع الى المثالب الكبيرة التي أوجعت المجتمع بشكل كبير ولا تعالج بالأسلوب الأمثل.
لقد عانى مجتمعنا العراقيّ(بالخصوص!) من ويلات الفساد التربويّ والأخلاقيّ والعلميّ والفكريّ وحتى السياسيّ! من نظام صدام المقبور والذي عمل بكلّ قوة على إفساد المجتمع، وتركه يعاني من ويلات هذا الفساد. فكيف يكون من يمارس الشعائر ويدّعي السير في طريق الله تعالى وهو المرتشي والسارق والكاذب، ويذهب كلّ موسم الى حجّ البيت الكريم ويطوف مع الطائفين ويحجّ مع الحجّاج ويعتقد نفسه تقيّاً ورعاً يخاف الله ويبيح لنفسه الرشى والكذب والدجل، ولا أحد يحاسبه من قانون أو من قائم على الشرع الدّيني!
لقد أكّد السيد الحيدري على جوانب في فكره على معالجة العديد من المشاكل وقد ركّز على الجانب الأخلاقيّ علاوة على الفقهي والربط بين الإثنين. كما عالج المشكلة الفكريّة التأريخيّة دون الأخذ ببعد إنتزاع المعتقد من قلب المؤمن مهما كانت توجّهاته، حيث سلّط الضوء ويسلّطه على التأريخ والقراءة العلميّة له دون المساس بحريّة المعتقد لكلّ إنسان ولا يجيز تكفيره بأيّ شكل من الأشكال.
إنّ ظاهرة السيد الحيدري ظاهرة مجدّدة ملتزمة لا تسير في الطريق الفوضوي الذي حاول السير فيه عدد ممّن أظهر ما سمّاه هو تجديداً، ما لبث أن إنطفأ أو إنكفأ كثيراً بسبب خروجه عن الكثير ممّا لايقبله التحليل العقليّ والنقليّ. بينما نرى السيد الحيدري يسير في طريق ذي محورين كلاهما يكمّل الآخر، وهما طريق القراءة البحثيّة والإستقصائيّة الدقيقة والتحليليّة لكلّ ما مرّ من حوادث شكّلت التأريخ الإسلاميّ بكلّ ما يحمل، والمحور الأخر هو إدخال الجانب العقلي والفلسفيّ والتدبّر في كلّ حالة من الحالات التي تمرّ، مستنداً على معايير واضحة لا لبس فيها. لذلك تراه مرجعاً شاملاً موسوعيّاً فاعلاً في المجتمع العراقيّ والعربيّ والإسلاميّ، ويمتلك الرؤية الواضحة والشاملة والهدف الذي يعمل من أجله.
فمرجع يمتلك هذه المواصفات يستحقّ التقدير والسير معه وخلفه بلا مواربة وخوف.
د.مؤيد الحسيني العابد
Mouaiyad Alabed








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية