الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 13) س- احلام الهامش وسياسة الجسد والقوت اليومي

محمد قرافلي

2012 / 4 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


( تامل13)
س- أحلام الهامش وسياسة الجسد والقوت اليومي
تكشف مغامرات أطباء الجسد في عالم الجسد عن مدى تعقد جغرافية الجسد وصعوبة اقتحام تضاريسه واستكشاف معالمه والتي تفوق تركيبا جغرافية الأرض الأمر الذي جعل علوما تتوالد وتتناسل محاولة استقصاء عالم الجسد، تتجاوز علوم جغرافية الأرض من حيث الكم والنوع، وتخرس أحيانا بكشوفاتها أفواه أطباء الحضارة وتجعلهم ينصتون للجسد ولغته ويعيدون حساباتهم استجابة لحكمة أبي العلاء المعري " خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد". وبقدر ما يشكل الجسد محمول الأرض فهو حاملها. ما عسى الأرض تكون بدون أجساد تعمرها وتركض على تضاريسها وتضفي عليها المعنى والقداسة. لذلك ترى أطباء الحضارة ينكبون على الجسد محاولين اكتشاف سر الحياة واصل الوجود وإدراك حقيقة تطور الحياة اقتناعا بان ما كان وما تم وما سيحصل يشكل تجليات وتمظهرات لذلك الجسد ولعالمه وان كل أسئلة الوجود التي ظلت تشغل أطباء الحضارة من وعي وثقافة وعوالم رمزية ومن انجازات عمرانية تشكلت حول نواة الجسد ومنه ولأجله أو انقلابا عليه.
فهل يمكن تصور لغة بدون وجود جسد؟ أو بناء مجتمع إنساني بدون وجود أجساد تتجاذب وتتصادم وتلتحم وتتنافر.....؟ ألا تشكل مختلف المعارف والعلوم إمكانات وانعكاسات لجسد راغب في إشباع غريزة المعرفة وفي حفظ البقاء وفي الاعتناء بذلك الجسد؟ وما عسى الحلم يكون بدون جسد حالم وبدون حلم يتجسد؟
لقد أضحى الجسد اليوم واقعة وحقيقة ولغة كونية ومصدرا لكل حقيقة، مثلما يحفر أطباء الحضارة في آثاره وبقاياه من اجل التأسيس والتأصيل لكل حضارة ولكل حياة بشرية، فان أطباء الجسد يأخذهم في عوالمه ويكشف لهم عن أسراره لعلهم يدركوا أبعاده ودلالاته ويتحرروا من هيمنته وقبضته، ومثلما يثير جسد الضحية الجلاد ويظل يغازله ويتفنن في تعذيبه قصد إشباع جوعه فان الجسد يذهل بحقائقه ويفضح طغاته ومستبديه ويتقن فن البوح والاعتراف أكثر من إتقان رجال الدين وأكثر من إتقان الشعراء والموسيقيين لغة الإحساس وصدى الأعماق. هكذا يمكننا نسب كل الأفعال والانجازات للجسد ونتحدث عن جسد راغب عارف وفاعل وجسد منفعل حالم وجاهل وجسد متحرر ومنفتح مقابل جسد منغلق ومتزمت، وجسد متحرك ويقظ مقابل جسد ساكن وغفل وجسد مملوء ومتخم مقابل جسد فارغ وجائع........ ومثلما يستفيض أطباء الجسد في حديثهم عن جسد سليم وجسد عفن أو جسد سوي ومعتدل وآخر شاذ ومنحرف........ قد يكون الجسد واحدا وتلك أحواله وان الجسد متعدد ويصعب الحديث عنه بالجمع وبالتعريف، بحيث أن لكل جسده وان تمثلاننا للجسد تختلف وتتباين باختلاف وتباين الرؤى والمعايير النظرية، بحيث يختلف منظور الجسد كما تجلى في الممارسة اليونانية عنه في الحضارات الشرقية ويتباين والمنظور المسيحي للجسد ويختلف عن المنظور الذي تكرس مع الطفرات العلمية. ليكن فان تلك المعطيات تبدو نسبية ومشروطة أمام حضور الجسد وتجاوزه لمختلف القوالب وتمرده عليها، ويؤشر على رحابة آفاق الجسد فقط لم نتعلم الإنصات للجسد ولغته وأحلامه.
فبأي معنى يمكننا الحديث عن أحلام الجسد؟ ألا تحتوي أحلام الجسد أحلام أطباء الحضارة وأحلام الهامش؟ أم أن أحلام أطباء الحضارة قد قامت من خلال مواجهة أحلام الجسد وفي تعارض معها لذلك ظلت بعيدة عن عالم الجسد وعن أحلام الهامش؟ وإذا كانت أحلام الهامش تعبر عن أحلام الجسد فلماذا تلاشت وتحللت؟
يمكن صياغة تلك المفارقة في كون أحلام أطباء الحضارة ومن خلال نزوعها نحو ما هو عظيم وخاص ونحو حلم حضاري قد أدت إلى إحداث اضطرابات واختلالات في عضوية وجسدية الكائن البشري ولم تأخذ بعين الاعتبار الهشاشة التي تميز الكائن البشري وان الحلم الحضاري المنشود ينبغي أن يأخذ بالحسبان طبيعة تلك العضوية وقدراتها وإمكاناتها وحدودها وان يتصف بالتروي والإنصات للجسد ولغته ورغباته. يمكن قياس نجاعة الحلم الحضاري ليس بأفقه وهرميته وعلوه وبنخبويته وطليعيته بل بمدى تجدره وترسخه في الجسدية وامتداده للهامش وبمدى تقويته وبنائه لذلك الجسد وشحذ لقواه ولإرادته. من يصدق اليوم دعوى بعض أطباء الحضارة بحلم انقاد العالم وتخليصه من معاناته ونشر العدالة السماوية وتلقين الحضارات الأخرى دروسا في الروحانيات وفي السلوك والمعاملة وجسد الهامش يئن ويصرخ من شدة الجوع ومن ضروب الوهن والسقم ومن مختلف الأوجاع الناجمة عن هذا الشرخ أو الفصام النكد والتي تكرسها وتغذيها سياسة الجسد. تلتقي أحلام الجسد مع أحلام الهامش في بساطتها وأرضيتها وفي عفويتها وكذا انفعاليتها. فما هي أحلام الجسد/ الهامش أو الهامش/ الجسد؟ يقول محمود درويش في قصيدة لاعب النرد :
إن كان لابد من حلم، فليكن
مثلنا....وبسيطا
كان: نتعشى معا بعد يومين
نحن الثلاثة،
محتفلين بصدق النبوءة في حلمنا
وبأن الثلاثة لم ينقصوا واحدا
منذ يومين.
فلنحتفل بسوناتا القمر
وتسامح موت رآنا معا سعداء
فغض النظر!
يتبع.......








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح