الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراديكالية المفرطة ..

محمد حسين الداغستاني
صحفي وشاعر وناقد

2012 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


قد يتباين مفهوم الراديكالية من مكان الى آخر، أو جيل وقبله او بعده ، إلاّ أن هدف التغيير يبقى مرادفاً جينياً (إن صح التعبير) لهذه المفردة الفلسفية السياسية التي تعني قلع جذور الظلم والتعسف في المجتمعات المختلفة ، وتتطلع الى إدخال إصلاحات جذرية على النظام السياسي او الإجتماعي أو الإقتصادي القائم ، وقد يقود في منطقتنا العاصفة ( الشرق الأوسط) في غالب الأحيان عند التطبيق المفرط لها ، الى التطرف أي العمل بقوة السلاح وادوات التدمير وسفك الدماء دون مبرر لإحداث التغيير المنشود وفرض القناعة المنفردة على جميع الفرقاء والخصوم

وفي بلادنا حيث تتداخل الشعارات والبرامج والأجندات ، ويحتكم معظم اللاعبون الأساس في اللعبة السياسية الى منطق التهديد والوعيد المعلن والمستتر والمقاطعة أو المناداة بالمطالبة بالتدخل الخارجي في الشأن الداخلي أو ممارسة عمليات الإقصاء والتهميش ، وكتم الرأي الآخر لإحداث تغيير ما على الخارطة السياسية ، يبرز العنف المسلح المستخدم في الشارع كإحدى الأدوات السرية التي يلجأ إليها طرف سياسي ما لإجبار المناوئين له على الرضوخ والقبول بطروحاته في محاولة للإمساك بأطراف اللعبة وتصفية الصوت المعارض مهما بلغت التضحيات .

لاشك أن الإنحياز نحو إستخدام العنف المسلح الذي يشكل خياراً عصيباً ويتناقض مع جوهر الديمقراطية ، له نتائجا وخيمة على الإستقرار الإجتماعي والسلم المدني وكذلك على الحياة اليومية للمواطن المكدود والمرهق والواقع أصلا ً تحت مختلف اشكال الضغط النفسي والمادي ، ويعمل هذا العنف المتطرف الى زيادة وتعميق الخلافات السياسية الشائكة بين الأحزاب والكتل والتيارات المتحاربة فيما بينها منذ العالم 2003 للإستفراد بالسلطة أو الهيمنة على مكامن صنع القرار .

وبعيداً عن بعض المصطلحات السائدة في بقية بلدان العالم المتحضر كاليمين أواليسار او المعتدل او الراديكالي وما الى ذلك من مفاهيم لا زلنا نفتقر إليها في حياتنا السياسية ، فإن البدائل المتاحة التي توظفها بعض الأطراف السياسية لتعميق الإختلافات القومية أو الدينية أو الطائفية غير الجوهرية ، هي التي تؤجج نيران الفتنة والقتل و التصفية الفردية او الجماعية وتخلق بيئة نموذجية لسيادة ظروف فقدان الأمن الإجتماعي والخوف من المجهول والتحسب الدائم من الآتي الغامض ، كما وتلغي أية فرصة لنمو الأجواء الديمقراطية السليمة والضامنة لحق الإنسان العراقي المشروع في التعبير الحر والتعامل الإيجابي والمرن مع الأحداث والوقائع المتنامية .

لماذا الصمت المريب ؟

أن منهج (إستراتيجيات التحكم في الرأي العام أو الجموع) الذي كان بؤرة نقاش ساخن في اوساط نخب سياسية وفكرية في فترة ما ، بدأ يطفو على السطح مجدداً في محاولة لتفسير ما يتعرض له المواطن و المجتمع معاً ، وهناك حالات عديدة تعزز هذا الرأي منها على سبيل المثال لا الحصر التعاطي السلبي مع مظاهر العنف والهجمات الإرهابية ( كالعبوات اللاصقة والمسدسات المكتومة والسيارات المفخخة .. الخ ـ رغم التسليم بإنخفاض معدلاتها مقارنة بالسنوات الماضية ـ من خلال عدم الحرص على الكشف عن الجناة الحقيقيين وعمن يقف وراءهم من قوى واحزاب وحكومات لتبرير ممارسات التضييق على الحريات العامة والحقوق الإجتماعية وتسويغ الإجراءات الصادة للنمو الديمقراطي في المجتمع فضلا ً عن تفعيل محاولات تطويع الرأي العام وتدجينه عبر تنشيط إستراتيجيات التدرج والعمل وفق أسلوب الجرعات والخطوات المحسوبة للتهرب من الإستحقاقات وللوصول الى هدف القبول بطرح معين أو سياسة بعينها دون الميل الى الفرض الفوري لها ، إضافة الى التركيز على تفجير العواطف العفوية الكامنة في طيف محدد من أطياف شعبنا لإثارة هواجسه وإنفعالاته ومخاوفه وذلك لأحكام الطوق على اعناق بقية مكونات المجتمع ، وتمرير ردود الفعل المتطرفة والعنيفة الناجمة عن ترجمة تلك الإستراتيجيات المخطط لها بدقة ، بدلاً من العمل على توجيه خطاب عقلاني غير منحاز وواضح المضمون يحفـّز على التعامل الذكي مع ملكة الوعي والتفكير الإيجابي وحماية الجبهة الداخلية من المخاطر والخروقات .

إعاقة الدور الحضاري للعراق

إن استخدام الوسائل المفرطة ومنها العنف المسلح على أيدي الإرهاب المجهول لتحقيق هدفالسيطرة والنفوذ من قبل أية جهة تعمل على فرض قناعة سياسية أو دينية أو قومية ما ، وبالأخص بالأسلوب الدموي المعتمد والرائج في العراق ، هو فعل غير مشروع و يستهدف اولاً وأخيرا ً تفتيت النسيج الإجتماعي للعراقيين بشتى قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم ، و تمهيد ٌ ممنهج بإتجاه فرض واقع خطير يقود البلاد بإتجاه فرض واقع خطير يقود البلاد الى حافات الإنقسام والتشرذم والتجزئة ، و تعطيل القدرات البشرية والإقتصادية الهائلة التي يزخر بها العراق لثنيه عن ممارسة دوره الحضاري والطبيعي في وسطه الإقليمي وعلى الصعيد الدولي ، وإبقائه كياناً هشاً وقلقاً ينازع من أجل البقاء والحياة .

مسؤولية أخلاقية

ولكي لا تشارك الفعاليات الإجتماعية والسياسية الواعية في المجتمع ، المتمثلة بمنظمات المجتمع المدني وأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة المستقلة وغير المنحازة التي تؤمن بالديمقراطية والحوار والتعايش ، وكذلك المؤسسات التقليدية المختلفة ، في مؤامرة الصمت أزاء ما يحصل فإنها تتحمل دون ريب مسؤولية أخلاقية وتأريخية لفضح أبعاد وطبيعة هذه المخططات المريبة وإنعكاساتها السلبية على حاضر ومستقبل شعبنا الحضاري العريق .
وبعيداً عن تسويق الإتهامات فإن القوى السياسية التي تتبنى مثل هذا النهج ، المقترن بتجهيل الشعب والإيحاء بانه لا يعرف ما يدور حوله ، بل ليس من الضروري أن يعرف أصلاً ، ستجد نفسها في النهاية منبوذة ومعزولة تماماً ، وسيكون الفشل الذريع مآل مخططاتها وأسلوبها القاتل في العمل ، هكذا يقول التأريخ ، وعليها أن تـُعيد دراسة الماضي القريب والبعيد بحصافة وحكمة لكي تستنبط الدروس من السقوط الأكيد وافنتحار الحتمي لمن سبقها من قوى إختارت قتل شعبها ، فقتلها الشعب والتأريخ معا ً !










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء