الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقع الشريعة الإسلامية فى الدستور الجديد «١ ٢»

جمال البنا

2012 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لما كانت المادة الثانية من الدستور تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فمن الطبيعى عندما يُراد وضع دستور جديد أن نعود إلى «مبادئ الشريعة الإسـلامية»، لنرى هل فيها ما يمكن أن يحدد موقع الإسـلام من الدستور، أو ما ينبغى أن يكون عليه الدستور طبقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية؟

هذا ما سنحاوله فى هذه الورقة، مع ملاحظة بعض الاعتبارات التى تأتى من فهمنا الخاص للإسلام، وأن الإسلام الحق هو القرآن وما اتفق مع القرآن من السُـنة، لأن أقوال الأئمة، من مفسرين أو محدثين أو فقهاء، لا يجوز أن تؤخذ باعتبارها الإسلام وإنما باعتبار فهمها للإسلام فى ظل ظروفها الخاصة، ويمكن أن يكون سليماً كما يمكن أن يكون غير ذلك، ولهذا لن نعود إلى «الأحكام السلطانية» للماوردى، ولا لـ«السياسة الشرعية» لـ«ابن تيمية»، وهما عمادا الباحثين عن الإسلام والحكم، وإنما سيكون عمادنا هو القرآن وما اتفق مع القرآن من سُـنة.

على أننا فى هذا الموضوع يمكن أن نجد مصدراً إضافياً، هو ما حدث بالفعل فى تلك الفترة الذهبية من حكم الرسول للمدينة «١٠ سنوات»، وحكم أبوبكر «٢.٥ سنة»، وحكم عمر بن الخطاب «١٠ سنوات»، وعندما طعن عمر طعنت الخلافة الراشدة التى يمكن أن تحسب على الإسلام، ونحن هنا نختلف عن الرأى الشائع عن أن الخلافة الراشـدة استمرت حتى مقتـل على بن أبى طالب، ولا يتسـع المجال لشـرح مبررات ذلك.

الإسلام والحكم:

الإسلام دعوة هداية.. تستهدف هداية الناس بتعريفهم على الله تعالى ورسله وكتبه، وعلى الإيمان ببعث بعد الموت ومحاكمة تستدرك قصور محاكمة البشر فى الحياة الدنيا عن إدراك العدالة الشاملة، والإسلام يتقدم بدعوته إلى الأفراد، وهو يستخدم الحكمة والموعظة الحسنة، وعندما يؤمن فرد ما فإن الإسلام يكون قد أدرك غايته.

فهذه الطبيعة وهذه الغاية تختلفان اختلافاً كبيراً عن طبيعة «الحكم»، الذى هو ممارسة عملية تستهدف النظم وتكون الوسيلة هى القهر حيناً والإغراء بالمناصب والمراكز حيناً آخر، وقد يلحظ أن القرآن لم يذكر كلمة «دولة» بالمعنى السياسى، فى حين أنه تحدث عن «الأمة» فى قرابة خمسين موضعاً.

ولكن هذا لا ينفى أن الإسلام، وإن كانت عقيدته، وهى الأصل، لا تتضمن الحكم، فإن الشريعة وهى القسم الثانى من الإسلام تتضمن إشارات عديدة إلى الحكم، يأتى بعضها بمعنى الوجوب أو الندب، كما يأتى البعض الآخر بالاستبعاد والتحريم، وعادة ما يأتى ذلك فى خطوط عريضة، ومن هنا يتضح أن الإسلام، وإن لم يهدف لإقامة دولة، فإنه أيضاً لا يخلو من إشارات إلى الدولة، لكى يكون الحكم رشيداً.

ولكن هذه الإشارات جاءت من الشريعة وليس من العقيدة، وهذه التفرقة مهمة، لأن الشريعة قابلة للنظر للتأكد من أن النصوص عنها تحقق الغاية التى من أجلها نزلت، وهى العدل أو المصلحة، فإذا ظهر أن تطور العصر جاوزها فعندئذ يجب تعديلها، أى جعلها تحقق العدل، وهذا ما اكتشفه عمر بن الخطاب فى وقت مبكر جداً من حياة الإسلام.

وتتضمن الآيات القرآنية عن «الحكم» أنه يجب أن يتم ببيعة بين المرشح وجمهور الشعب، والبيعة هى اتفاق أو عقد بين طرفين على أداء عمل ما، وجاءت اللفظة من «البيع»، وكان العرف يقضى عند الاتفاق بين البائع والشارى بأن يضرب أحدهما على يدى الآخر تكليلاً للاتفاق.

كذلك تنص الآيات على أن يُدار الحكم بالشورى، ولا يجوز أن يستقل الحاكم بإرادته الخاصة، وهو ما يتطلب إيجاد آلية لتمارس الشورى عبرها.

المبادئ العامة للدولة الإسلامية:

نفهم من إشارات القرآن الكريم، وما حدث فى خلافة الشيخين «أبوبكر وعمر بن الخطاب» أن الدولة التى تستلهم الإسلام تكون:

(١) دولة سيادة القانون، والقانون هو القرآن الكريم.

وهذا يعنى:

«أ» - ألا تكون الدولة دولة الفـرد الديكتاتور، أو دولة الحزب الواحـد، أو دولة الطبقة، أو الطغمة العسكرية.

«ب» - ألا يكون أحد فوق القانون أو بمنأى عن ولايته.

«حـ» - ألا يُحرم أى واحد من حماية القانون.

«د» - ألا تكون هناك تفرقة أمام القانون، فالجميع أمامه سواء.

«هـ» - ألا يُعتد بأى إجراء أو تصرف يصدر مخالفاً للقانون.

«و» - أن يَجُب الولاء للقانون كل صور الولاء الأخرى، مهنية أو أسرية أو قومية أو نقابية...إلخ.

«ز» - ألا يكون هناك سوى قانون واحد يخضع له الناس جميعاً دون تفرقة.

(٢) إن كون القانون هو القرآن لا ينفى أن تكون الأمة فيه هى مصدر السلطات، والضابط الوحيد لهذا النص التقليدى فى الدساتير الديمقراطية أن السلطات تكون داخل الإطار العريض للقرآن، فالسيادة هى للقرآن، باعتباره التوجيه الإلهى، لكن «سلطة» الفهم والتطبيق والممارسة والإضافة والتأويل والإنشاء...إلخ هى للأمة التى استخلفها الله فى الأرض، وهناك فرق بين السلطة والسيادة، ومن الخطأ الفاحش الخلط بينهما.

كما أن النص الدستورى هو عبارة عن مبادئ الشريعة التى يمكن إعادة النظر فيها إذا جاوزها التطور، وعندئذ يكون هذا الإجراء قابلاً للتعديل الذى يحقق العدل.

إن النص على أن القانون الأعلى صوتاً هو القرآن، لأن الله تعالى أراد بسيادة القرآن ضمان تحرر الأمة الإسلامية والفرد المسلم من فرض سلطة الطغاة والحكام والمستغلين بمختلف الادعاءات والشعارات، التى قد تتضمن سيادة الشعب وما إلى ذلك، وسيادة القانون فى الحقيقة تؤدى إلى سيادة الفرد الملتزم بالقانون، ودون النص على أن الأمة هى مصدر السلطات، فيمكن أن تتحول السلطة إلى الحاكم، ويصبح ديكتاتوراً حتى وإن ادعى الحكم بالقرآن.

(٣) إن الالتزام بالقرآن لا يعنى الالتزام بما أبداه المفسرون والمحدثون وأئمة المذاهب من آراء، لكنه يعنى التطبيق الأمين للنصوص القرآنية دون تطويع أو تعسف وفى ضوء تفسير القرآن نفسه لها، كما يتضمن تفسير الحديث فى ضوء القرآن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح